30 يونيو .. إرادة مصر والمصريين
شهدت
الحياة السياسية في مصر بعد ثورة 25 يناير حالة واسعة من الحراك السياسي خاصة على
صعيد عملية تأسيس أحزاب جديدة ، فبعد
أن كانت أغلب أحزاب ما قبل الثورة محاصرة أمنياً وسياسياً، مما أدي إلى ظاهرة الانفجار الحزبي، ولعل الدليل على تعطش
المواطن المصري لممارسة حياة سياسية وعمل حزبي حقيقي أنه في اليوم التالي لسقوط
نظام مبارك تم الإعلان عن تأسيس 13 حزبا على صفحات موقع التواصل الاجتماعي، و
بتتبع إعلان تأسيس أحزاب جديدة وصل عدد الأحزاب التي تأسست خلال عام 2011 أكثر من
40 حزبًا، كما وصل عدد الأحزاب التي تم تأسيسها بنهاية عام 2012 حوالى 65 حزبًا، وهى ظاهرة شهدتها مختلف
المجتمعات في بداية مرحلة التحول الديمقراطي.
وقد
قامت جماعة "الإخوان" بتأسيس "حزب الحرية والعدالة"، أما
السلفيون فقد أسسوا عدة أحزاب سلفية مثل "حزب النور" وهو الذراع السياسي
لحركة الدعوة السلفية في الإسكندرية، وحزب "الأصالة" و"حزب الفضيلة".
كما قامت الجماعة الإسلامية بتأسيس "حزب البناء والتنمية". وشهدت تلك
الفترة إنشاء عدة أحزاب بواسطة أعضاء سابقين في جماعة الإخوان مثل "الوسط"
و"التيار المصري"، وقد قررت هذه الأحزاب خوض الانتخابات البرلمانية لعام
2011.
وفي سياق متصل ، فاز التيار الإسلامي بالأغلبية البرلمانية ، وأصبح الإسلاميون
القوة السياسية المهيمنة في مصر، وذلك على الرغم من عدم مشاركتهم في ثورة يناير
منذ البداية، فقد فاز "حزب الحرية والعدالة" بالغالبية العظمى من مقاعد
البرلمان حيث حصل على (218) مقعدًا في البرلمان ، يليه "حزب النور" الذي
حصل (108) مقعدًا.
ورغم الوعود الخادعة للجماعة بأنها لن تطرح مرشحًا رئاسيًا
في انتخابات 2012، فإنها طرحت مرشحيْن هما خيرت الشاطر ومحمد مرسي، وترشح الأخير
رسميًا للمنصب، وفاز به في الإنتخابات بنسبة (51.73 %) ضد الفريق أحمد شفيق الذي
حصل على نسبة (48.27%)، والذي اعتبره قطاع كبير من المصريين جزءًا من نظام مبارك
البائد.
مرسي
رئيسًا إخوانيًا فاشلًا
بدأ الرئيس محمد مرسي فترة رئاسته بإطلاق حملة الـ (100)
يوم التي وعد بها خلال حملته الإنتخابية، والتي تضمنت حل خمس مشاكل يومية في حياة
المواطن المصري، وهى: استعادة الأمن، وضبط المرور، وحل أزمة الوقود، وتحسين رغيف
العيش، وحل مشكلة القمامة. ولكن انقضت تلك الفترة دون إحراز أي تقدم ملموس، فقد انشأ نشطاء مصريون موقعًا إلكترونيًا
بعنوان "مرسي ميتر" لمراقبة ما جرى تنفيذه من وعود الرئيس الإخواني،
وبحسب ما رصده الموقع الذي كان يتابعه نحو 100 ألف مصري، فإنه تحققت أربعة بنود
فقط من بين 64 بندًا من خطة مرسي، وذكر الموقع أن 43% من المصريين راضون عن الوعود
التي نفذت في حين أن 57% منهم غير راضين، وبهذا فقد الرئيس الإخواني تأييد
الأغلبية الطفيفة التي فاز بها في الانتخابات في الأشهر اثلاثة الأولى من ولايته.
واكد استطلاع لمركز معلومات مجلس
الوزراء، أن 37.2% من المصريين لم يسمعوا عن برنامج الـ100 يوم الذي طرحه الرئيس
الإخواني مرسي، في حين توقع 18.2% من المستطلعين ان يحقق الرئيس النتائج المأمولة
منه، بينما اعتبر 46.2% من المستطلعين أنه سيحقق نتائج جزئية، وبالرغم
من عدم ظهور أي تقدم ملموس للمصريين إلا أن مرسي أكد تحقيق 65% من تلك الوعود أثناء
خطابه الذي ألقاه في الاحتفال بذكرى نصر أكتوبر..!.
ومن بين الحماقات التي ارتكبها الرئيس الإخواني في بداية
حكمه، قيامه بإصدار قرار بعودة مجلس الشعب في 8
يوليو 2012، والذي أصدرت المحكمة
الدستورية العليا قبل الإنتخابات الرئاسية حكماً بحله في 14 يونيو 2012، لعدم دستورية القانون الانتخابي
الذي تمت على أساسه العملية الانتخابية، لذا وجد "مرسي" نفسه في صراع مع
السلطة القضائية، التي رأت في ذلك تعديًا سافرًا على استقلالية القضاء، خاصةً أن
أحكام "الدستورية العليا" واجبة النفاذ، فهو
انتهاك للقانون والأحكام الصادرة عن المحاكم وسماه البعض "انقلابًا" على
القضاء المصري، إذ أنها بداية غير مبشرة وتعتبر سابقة خطيرة لم يجرؤ على فعلها
الرئيس السابق مبارك الذي نفذ احكامًا صاردة من المحكمة الدستورية مشابهة بحل مجلس
الشعب مرتيْن في عهده.
الإعلان الدستوري وبداية سقوط الإخوان
في 22 نوفمبر 2012، أصدر الرئيس الإخواني محمد مرسي إعلانًا
دستوريًا تضمن ما وصفه بالقرارات الثورية، على رأسها تحصين الإعلانات الدستورية
والقوانين والقرارات الصادرة عن رئيس الجمهورية، وعدم جواز حل مجلس الشورى أو
الجمعية التأسيسية من قبل أية جهة قضائية، بالإضافة إلى إعادة التحقيقات
والمحاكمات في جرائم قتل والشروع في قتل متظاهري 25 يناير، وتعيين نائب عام جديد " طلعت عبد الله".
وترتب على هذا الإعلان انقسامٌ واضح في آراء الكتلة الوطنية
ومواقفها، وتحول الانقسام إلى الشارع المصري بين مؤيد ومعارض ومظاهرات إخوانية
محدودة بالتأييد ومظاهرات عارمة لسائر جموع المصريين بالمعارضة في أنحاء
الجمهورية، وقد اعتبر الشعب المصري الإعلان الدستوري الخطوة
الأولى نحو صناعة ديكتاتور جديد.
فالإعلان الدستوري كان الخط القاسم بين صفوف المصريين، حيث
تظاهر مؤيدو مرسي أمام قصر الاتحادية فيما تجمع معارضوه في ميدان التحرير، ليعود
الميدان أيقونة للثورة ضد حكم جماعة الإخوان ورئيسها، وتظهر فيه شرارة غضب الشعب
على حكم الإخوان.
التراجع عن الإعلان الدستوري
في 9 ديسمبر 2012، أصدر مرسي إعلانًا دستوريًا جديدًا قام بموجبه
بإلغاء الإعلان الدستوري الذي صدر في نوفمبر، وأبقى من بنوده تحصين قرارات الرئيس
وعدم جواز الطعن عليها من أية جهة، مع إلزام الجمعية التأسيسية لوضع الدستور
الانتهاء من صياغة مواد الدستور في 6 أشهر وطرحه للاستفتاء الشعبي بشكل سريع في 15 ديسمبر، بعيدًا عن رقابة القضاء، ودون
تقديم أية تنازلات أمام سائر التيارات السياسية والمجتمعية الأخرى، وهو ما قوبل برفض الشارع، واتهامه للإخوان بمحاولة وضع دستور
يخدم أهداف الجماعة وليس الدولة، وبالتالي فلم يؤدِ الإعلان الجديد إلى أية تهدئة
في الشارع المصري.
تزامن صدور الإعلان الدستوري مع ممارسة جماعة الإخوان وحلفائها
ضغوطًا مباشرة على المحكمة الدستورية العليا، لتعطيلها عن نظر قضايا تتعلق
بدستورية قانون تشكيل الجمعية التأسيسية. كما أسهمت في إشعال أجواء الاستقطاب
الدينى الطائفي، من خلال تعبئة التيار الإسلامي ضد ما اعتبرته الجماعة محاولات
القوى السياسية الأخرى والأقباط المساس بالهوية الإسلامية ومرجعية الشريعة، ثم وصل
الأمر إلى التحريض المباشر من قيادات الجماعة لشباب الإخوان بالاعتداء على
التيارات السياسية الأخرى التي كانت معتصمة وقتذاك أمام قصر الاتحادية الرئاسي.
وقد نتج عن تلك المعارضة قيام المظاهرات في ميدان
التحرير وأمام قصر الاتحادية، مما أدى لنشوب صدام بين معارضي الإعلان الدستوري
ومؤيديه من الإخوان حيث أسفر عن سقوط عديد من القتلى على أسوار قصر الإتحادية
والرئيس الإخواني يقبع بداخله، وعندما أحس بغضب جموع الشعب المصري، فر هاربًا
كالفأر المذعور من أحد أبواب القصر الخلفية خوفًا من أن يفتك به الثوار الغاضبون
لمقتل زملائهم على يد الجماعة الإرهابية.
مقاطعة دستور الإخوان
وفيما يتعلق بالدستور التي تم إعداده بليل؛ فقد شهد هذا
الدستور مقاطعةً فادحة وفاضحة من القوى السياسية المفترض أن تشارك في صياغته،
وكذلك قاطعه الشعب في أثناء الاستفتاء عليه. ووُجهت عديدٌ من الانتقادات لهذا
الدستور؛ حيث إنه عكس رؤيةً إسلامية أكثر منه وفاقًا مجتمعيًا، وعارضه الأقباط
لأنه لا يحمي حقوق الأقليات، وعارضته جمعيات حماية المرأة لأنه لا يكفل المساواة
بين الرجل والمرأة، كما عارضته وسائل الإعلام لأنه لا يحمي حرية الصحافة والإعلام،
وعمليًا فهو يفتح الطريق لأسلمة التشريعات الإعلامية، وقد ظهر هذا الأمر في عملية
"أخونة" الإعلام المصري، حيث عيّن الرئيس مرسي أفرادًا مؤيدين للإخوان
رؤساء تحرير، مما أثر على السياسات التحريرية التي أصبحت متوافقة مع رؤية النظام.
كما ظهر جدالٌ مفتوح بين الإخوان ومختلف التوجهات في وسائل الإعلام، وتم رفع دعاوي
قضائية ضد بعض القيادات الإعلامية مثل محمود سعد وباسم يوسف بتهمة ازدراء الأديان
أو بتهمة إهانة الرئيس. وقد حاصر الإسلاميون مدينة الإنتاج الإعلامي حيث توجد
مكاتب معظم القنوات الفضائية، وهددوا بقتل بعض القيادات الإعلامية، مما زاد من
تصعيد هجمات وسائل الإعلام على الإخوان ورئيسهم. كما قاد الرئيس الغخواني محمد
مرسي حملة ضد الفنانين والمثقفين وعين وزيرًا إخوانيًا للثقافة حاول فرض الرمز
الإسلامي على النخبة الثقافية في مصر، فأقال عديدًا من كبار المسئولين في الوزارة،
بما ذلك مدير الأوبرا المصرية، وعين بدلًا منهم أشخاصًا محسوبين على تيار الإسلام
السياسي، مما أدى لاعتصام عديدٍ من المثقفين والفنانين والموسيقيين ومنتجي الأفلام
أمام الوزارة.
مشروع "أخونة" الدولة المصرية
على صعيد آخر، تدهورت علاقة الإخوان بعد وصولهم للحكم
بغيرهم من الفاعلين الإسلاميين في ذلك الوقت مثل السلفيين والأزهر. فبالرغم من دعم
التيار السلفي للإخوان، فإن عديدًا من المواقف أدت لتوتر العلاقة بينهما، أهمها إعادة
العلاقات المصرية الإيرانية، وهو ما رفضه التيار السلفي بسبب خلافاته العقائدية مع
الشيعة، وقد تصاعد التوتر مع وصول أول وفد سياحي إيراني إلى الأقصر وأسوان، كذلك
تصريحات بعض قيادات الجماعة، ومنهم محمد مرسي، قبل توليه المنصب، والتي عبر فيها
عن قلقه من التيار السلفي في مصر باعتباره من التيارات المتشددة فكريًا، هذا فضلًا
عن تأكيد رموز الجماعة المتواصل على أن السلفيين لا يفقهون في السياسة، بالإضافة إلى
ما اعتبره التيار السلفي وحزب النور تراجعًا من قِبَل جماعة الإخوان عن وعودها
للتيار السلفي؛ حيث لم يتم تمثيل التيار بصورة
قوية لا في الحكومة ولا في تشكيل المحافظين. واستمر تدهور العلاقة بين الإخوان
والتيار السلفي مع ظهور ما يسمى بـ "أخونة الدولة"، والمتمثل في
قيام النظام باستبدال عدد كبير من كوادر الدولة بأخرى إخوانية. وبالرغم من عدم
ممارسة الأزهر للسياسة، وعدم اعتباره جزءًا من تيار الإسلام السياسي، فقد ظهرت
عديدٌ من الرؤى القائلة بسعي الإخوان للإطاحة بالدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر من
منصبة بسبب توجهاته غير المتوافقة مع فكر الجماعة، بل وتمت أكثر من محاولة لاقتحان
مشيخة الأزهر، كما ربط البعض بين تكرار واقعة تسمم طلبة جامعة الأزهر وبين محاولات
الإطاحة بشيخ الأزهر.
من ناحية
أخرى، رافق الصعود السياسي للإخوان تغيرًا في بعض مواقفهم والتزاماتهم؛ فقد تغير
موقفهم السياسي فيما يتعلق بالعلاقة مع إسرائيل ، ففي حين نددت الجماعة قبل الثورة
باتفاقات كامب ديفيد ومعاهدة السلام مع إسرائيل، إلا أنه في 17اكتوبر
2012، نشرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" خطابا وجهه "مرسي" إلى
الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز، أكد فيه
مرسي على تمسكه بالاتفاقات الدولية، ووعد بتوسيع نطاق المعاهدات التي تتضمن
إسرائيل ، لكن ما أثار الجدل وقتها، هو عبارة "عزيزي
وصديقي العظيم" التي ذُكرت بمستهل خطابه، وهو ما يخرج عن نطاق الدبلوماسية إلى نطاق العلاقات
"الحميمة".
وفي سياق متصل ، تخلى الرئيس الإخواني محمد مرسي عن
وعوده المتعلقة بتعاون الحكومة مع الفصائل السياسية الأخرى وتعيين نواب ومساعدين
له من الأقباط والمرأة، بل إنه في المقابل استعان بالمقربين له في الجماعة من
"أهله" و"عشيرته". وقد أدت هذه الممارسات إلى شعور الناس بأن
الرئيس مرسي يُؤسس لديكتاتورية جديدة. وزادت الشكوى من أنه لن يكون رئيسًا لكل
المصريين، بل رئيسٌ لجماعته فقط.
وزادت الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية تدهورًا
في عهد مرسي. ففي عهد الرئيس مبارك عمل التنظيم على توفير الخدمات للمناطق الفقيرة،
مما أكسبه تعاطف الناس لأنه يلبي احتياجاتهم. ولكن بعد توليهم الحكم تبين للإخوان
أن الأمر يختلف عند توفير خدمات لبلد بها ما يقرب من (90) مليون مواطن وقتئذٍ. كما
زادت أسعار السلع الرئيسة، وفشلت الحكومة في توفير الخدمات الأساسية، وزادت
البطالة، وانتشرت الاضطرابات والمظاهرات في كل مكان وتم قمعها بالقوة، كما تدهورت
السياحة، وبالتالي أثبت النظام عدم قدرته على إدارة الدولة، وإدراك الشعب عدم قدرة
الإخوان على تحقيق آمالهم، وأنهم انقضوا على الثورة، ويسعون فقط لتحقيق مصالح
الجماعة، وأنهم ليسوا بأفضل من نظام مبارك، ويريدون أخونة الدولة.
وقد أدت كل هذه التوترات والممارسات السلبية لمرسي
والجماعة إلى تجمهر الشعب ضدهم في ثورة عارمة في 30 يونيو 2013، للمطالبة بإسقاط
الجماعة ورئيسها. وفي الثالث من يوليو 2013، انحازت القوات المسلحة المصرية
وقيادتها المتمثلة في الفريق عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع والقائد العام للقوات
المسلحة إلى ثورة الشعب المصري، لكي ينصاع الرئيس الإخواني محمد مرسي لثورة الشعب
وقواته المسلحة، وهو ما أدى إلى تجنيب مصر ويلات حرب أهلية ما كانت لتنهي حتى
وقتنا هذا، لو لم يتخذ الشعب وقواته المسلحة هذه الخطوة الشجاعة التي غيرت مسار
التاريخ ليس في مصر في وحدها بل في المنطقة العربية وإقليم الشرق الأوسط، إن لم
يكن في العالم كله.
سقوط حكم الإخوان في مصر
انتهى العام الأسود من حكم جماعة الإخوان الذي تولى فيه
مرسي رئاسة مصر بتجمهر الحشود ضده في 30 يونيو 2013 في ثورة لم تشهد مصر لها
مثيلًا في التاريخ الحديث والمعاصر، وذلك في ميدان التحرير وغيره من الميادين
مطالبين بتنحي الرئيس وإسقاط حكم مرشد الجماعة وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة .
وسبق هذه المظاهرات بشهرين قيام أكثر من 22 مليون مصري
بالتوقيع على استمارات "تمرد" ، والتي تطالب بسحب الثقة من الرئيس
الإخواني، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، لكن مرسي لم يستجب لذلك. وفي المقابل
أطلق "عاصم عبد الماجد" القيادي بالجماعة الإسلامية حملة "تجرد"
، والتي سعت لتجميع التوقعات المؤيدة لاستكمال الرئيس مرسي لفترته الرئاسية.
وتدخل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وأعلن إعطاء مهلة
ثماني وأربعين ساعة للوصول لحل بشأن الاحتجاجات، ولكن مرسي رفض التفاوض مع
المعارضة، لذا قامت القوات المسلحة المصرية في الثالث من يوليو 2013، باستدعاء شيخ
الأزهر وبابا الكنيسة الأرثوذكسية ورموز القوى الوطنية المعارضة لحكم الإخوان وممثل
حملة "تمرد"، بل ووجهت الدعوة للدكتور سعد الكتاتني كممثل لجماعة
الإخوان ، ولكنه رفض المشاركة، لوضع خارطة لمستقبل هذا الوطن في تلك اللحظة
الفارقة التي تتهدد فيه كيان الدولة وتماسكها، وتم عزل مرسي استجابة للإحتجاجات
الهائلة ضده لينتهي بذلك حكم الإخوان لمصر. ووفقًا للدستور، تم تنصيب رئيس المحكمة
الدستورية العليا عدلي منصور رئيسًا لمصر لفترة انتقالية، على أن يتم بعد ذلك
إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة، كما قامت القوات المسلحة بإغلاق الأبواق
الإعلامية الإخوانية.
المشهد السياسي بعد سقوط مرسي
ثمة ملامح
لثورة 30 يونيو تتمثل في حجمها، حيث خرج المصريون بالملايين للشوارع، فضلًا عن
انتشارها، خاصةً أنها وصلت إلى المحافظات المصرية، وبالتالي فقدت القاهرة وميدان
التحرير مركزيتيهما برغم قوة الحشد فيهما، هذا الانتشار الأفقي شمل محافظات ومدن
الدلتا والصعيد الذي كان محسوبًا على القوى الإسلامية. من ناحية أخرى، انتشرت
الموجة الثورية لـ30 يونيو رأسيًا، فهذه المرة كانت عابرة للطبقات والشرائح
الاجتماعية، فقد شملت الريف والبرجوازيات الحضرية وأجزاء من أرستقراطيات المدن
الكبرى، وهى ظاهرة سسيولوجية لافتة تستدعى قيام علماء الاجتماع بتحليلها. واللافت
أيضًا هو مشاركة فئات من غير المسيسين. إن خروج فئات
متنوعة إلى الشارع ومساندة القوات المسلحة لها جاء تدليلًا على تعثر حكم الإخوان،
وإثارته السخط العام لدى قطاعات عريضة ومتباينة من الشعب المصري.
ولا يغيب عن
المشهد الحشد المؤيد لجماعة الإخوان المعتصم منذ أحداث الجمعة 28 يونيو 2013 في
ميداني رابعة العدوية في مدينة نصر، والنهضة في الجيزة، غير أن تركيز الإخوان على
مركزية الحشد، في مقابل انتشار المعارضين لهم أضعف من تكتيكات الإخوان في إجهاض
ثورة 30 يونيو. كما أن تعامل
مرسي الذي استخف بالمعارضين واعتبارهم مجرد ثورة مضادة أسهم في فشله وعدم قدرته
على إدارة الأزمة، وبدا ذلك في خطابات مرسي التي اكتفى فيها بتوجيه اتهامات،
وتفسير التظاهرات على أنها مجرد مؤامرة. في الوقت نفسه، غلب على خطاب جماعة
الإخوان حالة الإنكار وربما الصدمة التي سببتها ضخامة الحشود وراديكالية مطالبها.
وأكدت فترة
حكم جماعة الإخوان فقر الرؤية العميقة لها للدولة ومحدوديتها، والتي تعني مشروعًا
متكاملًا للعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، مما يستلزم إعادة التوازن بين
المؤسسات السياسية والسيادية وعلاقتها بالمجتمع والمواطن، بما يجدد كيان الدولة ثم
يوجه فلسفتها نحو الوعي بدورها وعمقها الاستراتيجي.
محاولات إسقاط الدولة
كشف عزل
الرئيس المدعوم من جماعة الإخوان عن قابلية الجماعة للتحالف مع التيارات الأكثر
تشددًا داخل الحالة الإسلامية، بل وربما قابلية داخلية في التكوين النفسي والتربوي
لأفرادها للمواجهة المفتوحة مع الدولة بكل الادوات والوسائل العنيفة فكرًا وسلوكًا
مما أدخلها في سياق قانون الكيانات الإرهابية، وهو ليس سلوكًا جديدًا للجماعة بل
هو سلوك متأصل فيها منذ نشأتها المبكرة.
ولعل هذه
الفكر المتطرف والسلوك الإرهابي هو ما حدا بأنصار الرئيس الإخواني محمد مرسي إلى الاحتشاد
في ميدانيْ رابعة العدوية والنهضة قبل 30 يونيو بأيام وشكلوا حركة (تجرد) التي قالوا
أنها جمعت عددًا أكبر من التوقيعات، وبدأوا يتحدثون عن رفضهم المطلق لعزل الرئيس
أو لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، حتى ولو كان الثمن أن تسيل أنهارًا، كما هددوا
بحرق مصر، وعودة التفجيرات وكل إرثهم في العمليات الإرهابية ضد الدولة المصرية،
وهو ما أدى وقوع مصادمات ضخمة بين الجماعة والدولة كان الهدف منها إسقاط الدولة.
ورغم وقوع
مصادمات في التظاهرات المستمرة التي قام بها أنصار مرسي وحالات وفاة من مختلف
الأطراف مثل أحداث الحرس الجمهوري وأحداث المنصورة والقائد إبراهيم والمنصة وطريق
النصر؛ إلا أن فض اعتصام "رابعة" يظل هو الحادثة الأكبر من حيث عدد
الضحايا، ولم تبذل قيادات جماعة الإخوان الموجودون في الاعتصام أي مجهود يُذكر سواء
في الاستجابة للوساطات المحلية والإقليمية والدولية لفض الاعتصام سلميًا، أو في
محاولة تقليل أعداد المتواجدين من أنصارهم مع بدء عملية الفض التي تم التنويه عنها
أكثر من مرة، وعقب الفض توالت عمليات العنف مثل أحداث رمسيس ومسجد الفتح واشتباكات
المهندسين واقتحام قسم شرطة كرداسة ووقائع إحراق عشرات الكنائس بصورة جزئية أو
كلية في عدة محافظات.
الجماعة بين الأزمة السياسية والمأزق الوجودي
كشفت أحداث
العنف المأساوية التي أعقبت عزل الرئيس الإخواني أنه على العكس من المعارك المجربّة
لهذه الجماعة مع النظم الحاكمة، تلك التي خرجت منها أكثر قوة بفعل تعاطف المجتمع
معها واحتضانه لها، تأتي الهزيمة الراهنة أمام المجتمع نفسه الذي أطاح بها وهى على
رأس الدولة، وهو ما يتجاوز حدود الأزمة السياسية إلى حد المأزق الوجودي الذي لابد
وأن تصير الجماعة بعده غير ما كانت قبله، وقد يجاوز الأمر ذلك إلى تلاشي وجود
الجماعة مع مرور السنوات، وأن ثورة 30 يونيو قامت دون مراء بكتابة شهادة الوفاة
لجماعة الإخوان، التي اندثر أنصارها في الداخل، وصار قادتها فلولٌ يخدمون في بلاط
أنظمة تناصب الدولة المصرية العداء.
ورغم أحداث
العنف، وتشكيل تحالف دعم الشرعية المؤلف من الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية وبعض
الفئات الرافضة لإجراءات 3 يوليو 2013، ومحاولات عرقلة خطوات خارطة المستقبل التي
تم الاتفاق عليها؛ إلا أن الدولة المصرية استكملت خارطة المستقبل، حيث تولى رئيس
المحكمة الدستورية العليا رئاسة الدولة مؤقتًا وقام بتشكيل حكومة، وأصدر إعلانًا
دستوريًا ينص على ثلاث خطوات تتمثل في صياغة دستور جديد ثم تجري انتخابات برلمانية
وتختتم بانتخابات رئاسية، غير أن تطور الأوضاع السياسية على الأرض وتزايد أعمال
العنف فرض الحكومة الإنتقالية
بإعلان حالة الطوارئ في أغسطس 2013 لمدة ثلاثة أشهر، وذلك عقب انتهاء المظاهرات
المؤيدة لشرعية الرئيس مرسي والإخوان بفض اعتصاميْ رابعة والنهضة. وفي 23 ديسمبر
2013، تم حظر الجماعة وأنشطتها ومصادرة جميع أموالها لنشر الفوضى والإرهاب والقتل
واستغلال الدين، كما تم القبض على عديد من أعضاء جماعة الإخوان.
وفي 25 ديسمبر 2013، أعلن مجلس الوزراء في بيان أن جماعة
الإخوان جماعة إرهابية، وذلك إثر اتهامها بتفجير مبنى مديرية أمن الدقهلية، كما تم
إقرار توقيع العقوبة على كل من يشترك في نشاط الجماعة أو ينضم إليها، أو يروج لها
بالقول أو الكتابة أو بأة طريقة أخرى، وكل من يموّل أنشطتها. وتضمن البيان أيضًا
تكليف القوات المسلحة وقوات الشرطة بحماية المنشآت العامة، على أن تتولى الشرطة
حماية الجامعات لضمان سلامة الطلاب من ممارسات الجماعة. وقد قدم البيان في سياقه
مرجعية تاريخية للتدليل على أن الجماعة على مدار تاريخها لا تعرف إلا العنف أداة
لتحقيق أهدافها، وذلك بدءاً من اغتيال القاضي الخازندار واغتيال رئيس الوزراء
النقراشي (باشا) في أربعينيات القرن الماضي، وحتى أحداث الإتحادية في 2012، وجرائم
التعذيب في رابعة ، مرورًا بمحاولة اغتيال الرئيس الراحل عبد الناصر في الخمسينيات
من القرن الماضي ، واغتيال الشيخ الذهبي والرئيس الراحل محمد أنور السادات في سبعينيات
وثمانينيات القرن الماضي.
خطى واثقة في إدارة المرحلة الانتقالية
كان من أبرز إنجازات تلك المرحلة الانتقالية إعادة النظر
في ترتيب الأولويات بهدف تقديم الانتخابات الرئاسية على البرلمانية، وقد تم تشكيل
لجنة الخمسين لتعديل الدستور الإخواني وطرح الدستور الجديد للاستفتاء في يومي 14
و15 يناير 2014، وبعد إقرار التعديلات الدستورية بدأت إجراءات الانتخابات
الرئاسية، وفي 26 مارس 2014 أعلن المشير عبد الفتاح السياسي وزير الدفاع (آنذاك)
استقالته من القوات المسلحة، وتقدم بأوراق ترشحه للرئاسة في الأول من أبريل من
العام نفسه وسط تأييد شعبي غير مسبوق من جموع المصريين، وفاز بمنصب الرئيس بفارق
كبير على منافسه الوحيد حمدين صباحي ليحلف اليمين رئيسًا للجمهورية في 7 يونيو
2014، لتبدأ
مصر مرحلة جديدة من تاريخها.
وفي التاسع من أغسطس 2014، حكمت المحكمة الإدارية العليا
بحل حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان لعدم اعترافه بثورة 30
يونيو، وإطلاقه لفظ انقلاب على ما حدث في الثالث من يوليو، كما حكمت بمصادرة
أمواله وممتلكاته لتؤول إلى الدولة. وأوضحت المحكمة أن المنتمين للحزب خرجوا ضد
وحدة الوطن وعملوا على انقسامه وعدم استقراره بعد ثورة 30 يونيو، فنشروا الفوضى
والعنف وهددوا السلام الإجتماعي.
ومن هنا، احتفظت جماعة الإخوان بأجندة ورؤية خاصة لدورها في مرحلة ما بعد مبارك، حيث كانت الجماعة ترى أن الفرصة سانحة لأن تحصل على أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية، وأن تصوغ ترتيبات الانتقال بما يخدم مشروعها السياسي، حتى وإن دفعها ذلك إلى التفاهم المنفرد مع المجلس العسكري الذي تولى مسئولية وضع تريبات مرحلة مابعد مبارك. لم تخل القوى السياسية الإخرى من تناقضات وتضاد أيضًا في الرؤى والإهداف حال بينها وبين الحفاظ على جبهة موحدة طوال المرحلة الانتقالية. لكن في الوقت الذي توحدت فيه معظم هذه القوى في بداية المرحلة الإنتقالية على أهمية التوافق على الدستور، كانت الجماعة وحلفاؤها في التيار الإسلامي يسيرون في اتجاه آخر، يضمن لهم هيمنة سريعة على مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية، ومن ثم التحكم في كتابة الدستور. وقد تطلب الأمر في أحيان كثيرة أن تصطف الجماعة مع المنظومة السلطوية نفسها التى اندلعت ضدها الثورة، في مواجهة سائر القوى السياسية. وعندما كانت الجماعة تتعرض لأزمات نتيجة توتر علاقتها مع المؤسسة العسكرية في بعض الإوقات كانت تحاول ترميم علاقتها بالقوى السياسية الأخرى، لكن بهدف تكتيكي ومرحلي، إذ سرعان ما كانت تنقض أو تلتف على اتفاقاتها، وتعود لمنهجها الإقصائي مجددًا. استمر الإخوان في اتباع هذا المنهج حتى عزل رئيسها محمد مرسي، بل إن تجربتهم القصيرة في الحكم كشفت عن منهجهم الاستبدادي والإقصائي في إدارة البلاد، وهو ما يثير نوبات من الضحك والسخرية عندما يتحدث أعضاء الجماعة ورموز عام حكمها الأسود على الشاشات عن ديمقراطية مرسي في الذكرى الأولى لوفاته ..!!.