الصين... صراع مستمر مع تايوان وتحدي المنافسة مع الولايات المتحدة
تعد الصين من القوي الفاعلة في العالم، حيث تعتبر القوة رقم 2 اقتصاديا على
مستوى العالم لما تمتلكه من تكنولوجيا حديثه وعمالة بشرية ذات كفاءة عالية. خلال
عام 2022، شهدت علاقات الصين العديد من التطورات الخارجية مع محيطها الإقليمي،
خاصة تايوان التي تعتبرها الصين جزء أساسي منها. كما تخوض الصين حربا اقتصاديا مع
الولايات المتحدة من خلال رفع التعريفات الجمركية. كما تقدم الصين دعما كبيرا
لإيران لأنها تعتبر نقطة أساسية في الصراع الصيني الأمريكي
أولا: مساعدة
إيران
تهدف الصين من وراء مساعدة إيران في تهريب نفطها إلى تكثيف الضغوط
الإقليمية والعالمية المفروضة على الولايات المتحدة الأمريكية، ولاسيما في ظل
الحرب الاقتصادية الدائرة بين الطرفين، فضلاً عن اظهار قوتها في تحدى العقوبات الأمريكية
وبل وتسهيل تخطيها لبعض الدول الصديقة والتى تحظى معها بمصالح قد لا تبدو هينة مثل
إيران. وفي هذا السياق، يتضح أن بكين تستخدم منطقة الخليج العربي لتشتيت الانتباه
الأمريكي والدولي بعيدًا عما يجري في بحر الصين الجنوبي من تغييرات جيو سياسية،
وخاصًة فيما يتعلق بالتوسعات التى يقوم بها الجيش الصيني هناك.
ومن هنا، ترغب الصين ليس فقط في مزاحمة الوجود الأمريكي بالمنطقة وملء
الفراغ الذى خلفته واشنطن في دول الشرق الأوسط، ولاسيما فيما يتعلق بأفغانستان
والعراق، وإنما في مساعدة دول المنطقة على مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية وهو
ما اتضح في الاعتراف الصيني السريع بحركة طالبان والتأكيد على ضرورة التعاون مع
إيران في العمل على استقرار الحدود الجغرافية، ويتوافق ذلك مع تصريح الرئيس
الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي خلال مراسم تنصيبه بأن إيران ستتوجه لتطوير علاقتها
بالقوى الشرقية مثل روسيا والصين.
تتطلع الصين من خلال المساعدات التى تقدمها لطهران فيما يتعلق بتهريب النفط
الإيرانى إلى الاستفادة من المميزات التى تحظى بها هذه الدولة والتى يتمثل أبرزها
في الموقع الجغرافي الهام الذى يقع بين بحر قزوين وبحر العرب، بما يجعل إيران
الجسر البري الوحيد للصين من خلال آسيا الوسطى، فضلاً عن أنها المورد الأساسي
النفطى للصين.
ويبدو أن بكين تحاول استغلال الجانب
الإيراني بغرض توسيع نفوذها في الشرق الأوسط، بالتوازى مع الفوضى التى يحدثها
الإنسحاب الأمريكي من هذه المنطقة، على أن يتمثل الشاهد الأبرز على ذلك في
أفغانستان التى تسبب انسحاب القوات الأمريكية منها في فراغ استراتيجي وأمنى كبير،
أدى إلى سيطرة حركة طالبان على مقاليد الحكم وحدوث موجات من الهجرة غير الشرعية من
قبل الأفغان إلى الدول المجاورة في نهاية المطاف.
بالإضافة إلى ذلك، تتطلع الصين إلى استغلال نفوذ إيران القوى في كل من
العراق وسوريا للوصول بسهولة لمياه البحر الأبيض المتوسط، وهو ما يمكن تحقيقه من
خلال الحضور الإيراني في ميناء طرطوس السوري، والسيطرة على معبر البوكمال الحدودي
في محافظة دير الزور ومعبر القائم في محافظة الأنبار العراقية.
ثانيا: تصعيد عسكري صيني ضد تايوان
استنادًا إلى قاعدة
بيانات وكالة فرانس برس التي تضم كل عمليات توغل الطائرات الحربية الصينية المعروفة
في منطقة "تعريف الدفاع الجوي بالجزيرة" منذ أن بدأت وزارة الدفاع
التايوانية في الإعلان عنها في سبتمبر 2020، تبدو الزيادة في وتيرتها وحجمهًا
واضحًا؛ حيث وقع أكبر توغل في وقت سابق من شهر أكتوبر 2021 عندما سجلت 149 طلعة
جوية في منطقة الدفاع الجوي بجنوب غرب تايوان خلال أربعة أيام كانت تحتفل الصين
خلالها بعيدها الوطني.
وسجلت في هذه الأيام
الأربعة وحدها زيادة بنسبة 28 بالمئة عن إجمالي توغلات الشهر السابق الذي كان شهد
أكبر عدد من الطلعات الجوية حتى الآن، كما أعلنت تايوان إنها سجلت في عام 2020
حوالى 380 عملية توغل في القطاع الجنوبي الغربي من منطقة الدفاع الجوي، وهو رقم تم
تجاوزه فعليًا مرتين منذ بداية العام مع تسجيل 692 عملية توغل بين الأول والثاني
والعشرين من تشرين أكتوبر.
وتشكل الطائرات
المستخدمة تهديدًا متزايدًا لا سيما القاذفة "اتش6" التي تتمتع بقدرة
نووية، كما أنه حتى سبتمبر 2020 سجلت تايوان توغل 32 مقاتلة وثلاث قاذفات. ومنذ
بداية الشهر الجاري كانت هناك 124 طلعة لطائرات مقاتلة و16 عملية توغل لقاذفات،
ويعتقد المحللون أنه يجب عدم المبالغة بالخطر الذي تشكله هذه الطلعات.
الجدير بالذكر أن
التصعيد الصيني ضد تايوان جاء بعد أن وجهت الصين انتقادات لاذعة لكل من أمريكا
وكندا بسبب إرسال كل منهما سفينة حربية إلى مضيق تايوان، نهاية الأسبوع الماضين
قائلة إنهما تزعزعان السلام والاستقرار في المنطقة. على الجانب الآخر من جانبها،
نشرت وكالة أنباء تايوان الرسمية (Central
News Agency)
تقريرًا يفيد بأن الجيش الأمريكي أكد أن المدمرة "USS-Dewey" والفرقاطة الكندية "HMCS-Winnipeg" عبرتا مضيق تايوان من 14 أكتوبر وحتى
16 من الشهر نفسه، ميرزة التزامها بأمن منطقة المحيطين الهادئ والهندي.
ثالثا: تهديد نووي صيني مستمر
يعتقد شي جين بينغ أن الصين مقدر لها أن تكون حاكم العالم
الذي يجب أن تنحني له جميع الدول الأخرى. ليس الأمر كما لو أن الصين قد فرضت عليها
قيادة عسكرية وسياسية عالمية مثلما فعلت الولايات المتحدة بعد حربها البطولية
للفوز بالحرب العالمية الثانية وإنقاذ العالم من الإمبريالية اليابانية والإبادة
الجماعية النازية. لا، لقد استحوذت الصين على القوة، الاقتصادية في المقام الأول،
من خلال تدابير إجرامية مثل التلاعب بالعملة، ودبلوماسية مصيدة الديون، ونشاط
التجارة غير المشروعة، وتسعير عمالة العبيد.
تضيف الصين الآن بشكل ملحوظ إلى قدرتها العسكرية، في حشد
وصفه قائد القيادة الاستراتيجية الأمريكية بأنه مذهل. كما أن الصين الآن في طريقها
لامتلاك أكبر قوة بحرية في العالم وثلاثية نووية حقيقية من القاذفات والغواصات
والصواريخ الباليستية العابرة للقارات. لكن القدرة العسكرية للصين ليست رادعًا
بالطريقة التي يفكر بها الأمريكيون وحلفاؤهم في الردع. تسعى بكين، كما كتب
الفيلسوف العسكري العظيم صن تزو ذات مرة، إلى كسب الحرب دون أن يحاول الرجل الآخر
القتال.
في الواقع، على الأقل، تزيد الصين من قواتها النووية ما لا
يقل عن ثلاثة إلى خمسة أضعاف (اعتمادًا على عدد القوات النووية التي يعتقد المرء
أن الصين تحتفظ بها حاليًا). تعتقد مصادر المخابرات الأمريكية أن الصين سيكون
لديها ما لا يقل عن 1000 رأس حربي بحلول عام 2030. ويعتقد محللون كبار آخرون أن
هذا العدد من المرجح أن يصل إلى 2500 بحلول عام 2030 - أو قبل ذلك - مع قيام الصين
ببناء الصوامع والصواريخ بسرعة. بالنسبة لروسيا، تمتلك موسكو واحدًا وعشرين نوعًا
جديدًا من الأنظمة النووية قيد النشر أو التطوير الآن ويمكنها إضافة آلاف الرؤوس
الحربية إلى ترسانتها النووية الحالية - يوجد أكثر من نصفها خارج الحدود التي
فرضتها معاهدة ستارت الجديدة لعام 2010.
كما أخبر براد روبرتس من مختبر لورانس ليفرمور الوطني
والجنرال جون هيتين، نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة المتقاعد مؤخرًا، أن الروس
(والصينيين) قد تبنوا استراتيجية لتحقيق أهدافهم في تايوان وأوكرانيا؛ حيث سيهددون
باستخدام الأسلحة النووية، محاولين اجبار الولايات المتحدة على التراجع وعدم
التدخل.
وبالتالي، ترى بكين الردع كأداة لمنع الولايات المتحدة من
التصرف بطريقة دفاعية مع السماح أيضًا لموسكو وبكين بالعمل بشكل عدواني في السعي
لتحقيق أهداف الهيمنة. يريد فلاديمير بوتين إعادة إنشاء الإمبراطورية السوفيتية في
بلدان كانت جزءًا من الاتحاد السوفيتي سابقًا لأنه، كما أوضح السفير الأمريكي في
روسيا مايكل ماكفول، يخشى أن يؤدي اندفاعهم نحو الديمقراطية إلى إشعال حريق مشابه
في روسيا نفسها. وترى الصين أيضًا أن الحكومة التمثيلية لتايوان هي التي تضرب قلب
عدم شرعية الحزب الشيوعي الصيني، خاصة وأن الأخير يسعى إلى أن يكون القوة الرئيسية
الوحيدة في غرب المحيط الهادئ ثم في نهاية المطاف في جميع أنحاء العالم.
لكن الأهم من ذلك، أن كل دولة - روسيا والصين - تسعى إلى
تغيير القواعد الدولية. تم بالفعل إنشاء كتاب قواعد ما بعد الحرب العالمية الثانية
إلى حد كبير من خلال القيادة الأمريكية. وعلى الرغم من أن هذه القواعد أفادت
الولايات المتحدة، إلا أن القواعد أفادت أيضًا أكثر من 100 دولة أخرى حول العالم
حيث ظهر المزيد من الحرية والازدهار في العقود العديدة التي تلت عام 1945 أكثر من أي
وقت آخر في تاريخ العالم. على النقيض من ذلك، ترغب موسكو وبكين في وضع قواعد
اللعبة من أجل خدمة مصالحهم فقط.
في النهاية، يعد
صراع الصين مع تايوان أمر جوهري للنظام الحكام في الصين، حيث تعتبر الأخيرة تايوان
جزء لا يتجزأ من سيادتها، ومن ثم يعد الحزب الحكام باستعادة تايوان سوا بالمفاوضات
أو بالأعمال العسكرية. على صعيد آخر، تعتبر الصين علاقاتها مع إيران أمر جوهري
لإبقاء الولايات المتحدة مشتتة في الشرق الأوسط.