ينظر إلى اتفاقيات تقاسم السلطة على أنها طريقة يمكن أن
تساعد في إنهاء الحروب الأهلية التي تحدث لأسباب عديدة، على سبيل المثال لأسباب
أيديولوجية أو قبلية أو اقتصادية أو سياسية أو عرقية. من الناحية النظرية،
ستساعدنا دراسة مفهوم تقاسم السلطة على فهم إمكانيات نجاح نماذج تقاسم السلطة في
الحوكمة في حالة تقديمها لحل أي من النزاعات الأهلية في منطقة الشرق الأوسط وشمال
إفريقيا. هناك عدة أشكال من اتفاقيات تقاسم السلطة
مثل الأنظمة الانتخابية النسبية، وحق الفيتو للأقليات، والحكومات الائتلافية. قد
تلجأ الدول إلى أي من هذه الأنواع لإنهاء النزاعات من خلال دمج مجموعات الصراع في
النظام السياسي.
بدأت الموجة الأولى من الحرب الأهلية الليبية في عام
2011 عندما نجحت القوات المحسوبة على الثورة في الإطاحة بنظام القذافي. بعد ذلك،
تم تشكيل بعض الهيئات السياسية المؤقتة لإدارة الدولة وإعداد البلاد للتغيير
الديمقراطي. على سبيل المثال، قام المجلس الوطني الانتقالي، الذي تم تشكيله في
فبراير 2012 لتمثيل المواطنين الليبيين سياسيا وتنسيق الجهود العسكرية للقوى
الثورية، بتحويل سلطته إلى البرلمان المنتخب، المعروف باسم المؤتمر الوطني العام،
في أغسطس 2012.
بدأت الموجة الثانية من الحرب الأهلية في منتصف عام 2014
بعد أن مدد المؤتمر الوطني العام ولايته التي كان من المقرر أن تنتهي في فبراير
2014. ونتيجة لذلك، أطلق الجيش الوطني الليبي، التابع لحفتر، عملية
"الكرامة" ضد المليشيات الإسلامية المتمركزة في بنغازي. في الوقت نفسه،
داهمت مليشيات الزنتان المتحالفة مع الجيش الوطني الليبي البرلمان وأعلنت حله.
أُجريت انتخابات برلمانية جديدة في يونيو 2014 وأسفرت عن مكاسب للقوميين على حساب
الإسلاميين الأمر الذي دفع الأخير إلى
إطلاق عملية "فجر ليبيا" للاحتفاظ بالسيطرة على العاصمة. دفع القتال
العنيف في العاصمة مجلس النواب إلى التراجع إلى مدينة طبرق الشرقية. في المقابل ،
أعادت المليشيات الإسلامية المؤتمر الوطني العام المنحل، مما جعل البلاد منقسمة
بين حكومتين وبرلمانين.
في عام 2015 ، تم توقيع اتفاقية سياسية (المعروفة باسم
اتفاقية الصخيرات) بين الجانبين لإنهاء الحرب الأهلية. حددت الأمم المتحدة اتفاقية
الصخيرات على أنها اتفاقية سياسية. على الرغم من ذلك ، يمكن تصنيفها على أنها
اتفاقية لتقاسم السلطة في العديد من الجوانب ، لأنها أوجدت نظامًا مؤقتًا يتقاسم
السلطة بين الشرق والغرب. إلى جانب ذلك، حلت الاتفاقية الحكومة التي تتخذ من طبرق
مقراً لها واعترفت بمجلس النواب الشرقي باعتباره الهيئة التشريعية الوحيدة
الشرعية. وبالمثل، حل الاتفاق حكومة طرابلس (التي يهيمن عليها الإسلاميون)
والمؤتمر الوطني العام.
ومع ذلك ، أنشأت الاتفاقية مجلسا استشاريا جديدا يعرف
باسم "مجلس الدولة" مع أعضاء معينين من المؤتمر الوطني العام المنحل
لتحقيق توازن القوى بين الشرق والغرب. كان لمجلس الدولة الجديد رأي في تعيين كبار
المسؤولين مثل محافظ البنك المركزي، والمدعي العام، ورئيس المحكمة الدستورية
العليا. علاوة على ذلك، يمتلك هذا المجلس رأيا ملزما بالنسبة للحكومة الليبية التي
يجب أن تحصل على موافقة المجلس قبل ارسال أي مشاريع قوانين لمجلس النواب، على أن
يمتلك الأخير حق الموافقة عليها أو رفضها. أيضا، قد أنشأ الإتفاق المجلس الأعلي
للإدارة المحلية التي يختص بالتنسيق بين المجالس المحلية. وقد اتخذ هذا المركز من
سبها في الجنوب مقرا له. يوضح لنا هذا أن الصفقة خلقت نظامًا مؤقتًا لتقاسم السلطة
بين الشرق والغرب.
واجه اتفاق الصخيرات معارضة قوية من أعضاء المؤتمر الوطني
العام المنحل وأحزاب سياسية أخرى مقرها في العاصمة. ومع ذلك ، فإن دعم الميليشيات
المتمركزة في مصراتة ساعدت حكومة الوفاق الوطني ، التي تم إنشاؤها بموجب اتفاق
الصخيرات ، على دخول العاصمة. ولضمان دعم الميليشيات الإسلامية، ضم المجلس الرئاسي
لحكومة الوفاق الوطني شخصيات بارزة من التنظيمات الإسلامية ما دفع مجلس النواب إلى رفض منح الثقة للحكومة.
كما كان دور القوى الأجنبية بارزاً في زيادة الفجوة التي
أعاقت مجرد تطبيق الاتفاقية. على سبيل المثال، بعد أشهر قليلة من دخول الاتفاق حيز
التنفيذ، هزم الجيش الوطني الليبي الميليشيات التابعة لحكومة الوفاق الوطني في
منطقة الهلال النفطي، مما يشير إلى أن الحرب لم تنته بعد. في فبراير 2019 ، شن
الجيش الوطني الليبي حربًا لهزيمة قوات حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، في محاولة
للسيطرة على البلاد بأكملها.
يمكن تفسير فشل الاتفاق في انهاء الحرب الأهلية للعديد
من الأسباب، أهمها عدم قدرة الاتفاق على بناء حالة من الثقة بين الأطراف المختلفة
التي شاركت في الحرب الأهلية. علاوة على ذلك، حصل تضارب في المصالح بين مجلس
النواب الليبي في الشرق وحكومة الوفاق الوطني في الغرب، حيث رفض مجلس النواب منح
الثقة للحكومة في مناسبتين، ما جعل بعض السياسيين يطالبون باستقالة الحكومة التي
أصبحت بالنسبة لهم غير دستورية. أيضا فشل الاتفاق في انشاء جيش وطني موحد من خلال
حل المليشيات أو دمج الأطراف المختلفة في جيش موحد، ما جعل الوضع يزداد سوءا لأن
كل طرف قد تمكن من انشاء تحالفات خارجية خاصة به. أيضا، دور القوي الخارجية كان له
دورا في زيادة التفرقة، حيث دعمت عدة دول مثل مصر والإمارات وفرنسا وروسيا الجيش
الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، فضلا عن قياد دول مثل تركيا وقطر
وايطاليا بدعم حكومة الوفاق الوطني، مما زاد الفجوة بين الطرفين، وأعاق فرص التوصل
لحل سلمي للنزاع. ولا يمكننا أن نغفل أن استبعاد المشير خليفة حفتر من التسوية
السياسية قد زاد من فرص الفشل خاصة أنه يعد الرجل الأقوي في ليبيا حاليا و يسطر
على الشرق بشكل كامل فضلا عن أجزاء من الجنوب. أيضا، السماح لفائز السراج بشغل
منصبين في وقت واحد أمر لم يكن بالجيد، خاصة أن الرجل قد شغل منصب رئيس مجلس
الوزراء فضلا عن كونه رئيس المجلس الرئاسي الليبي، مما منحه صلاحيات واسعة للغاية.
في النهاية، تعد اتفاقيات مشاركة السلطة وسيلة فعالة
لانهاء الحروب الأهلية من خلال جمع الفرقاء في جهاز اداري و تنفيذي واحد، لكن
الأمر ليس بالضرورة أن ينجح في كل الدول، خاصة أن فكرة مشاركة اللسطة بين الفرقاء
السياسين تحتاج لدعم من القوي الشعبية التي ربما تري في مشاركة السلطة وسيلة
لتمكين الخصوم سياسيا. علاوة على ذلك، انجاح فرص التسوية السياسية أمرا لا يتوقف
فقط على الأطراف المحلية لأن الأطراف الدولية تتدخل بشكل رئيسى من أجل الحفاظ على
مصالحها. ويحدث ذلك من خلال توفير دعم علامي ودبلوماسي ومادي وعسكري للأطراف
المحلية من أجل الحفاظ على حظوظها في أي تسوية سياسية مقبلة للصراع. على سبيل
المثال، فرنسا قد تدخلت في الحرب الأهلية الليبية بشكل رئيسي من أجل استئصال
التنظيمات الإرهابية، فضلا عن رغبة الفرنسيين في الحصول على عقود للتنقيب عن النفط
وتكريره في ليبيا على حساب شركة ايني الايطالية التي كانت تعمل في ليبيا بالتنسيق
مع حكومة الوفاق الوطني التي تدعم ايطاليا بشكل رسمي، ما يبرهن أن صراع المصالح
بين القوي الكبري يلعب دورا في تسوية الحروب الأهلية.