الأمم المتحدة تطرح مبادرة جديدة لحل النزاع في ليبيا
لا تزال الأمم المتحدة تحاول وضع حل للحرب
الأهلية الليبية التي تعيش حالة من السكون بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار
بين الفصائل الليبية في أكتوبر 2020. ومنذ ذلك الوقت، لم تثمر المشاورات الليبية
التي تمت برعاية الأمم المتحدة عن إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية. ورغم استقالة
فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي الليبي، في مارس 2021، إلا أن عبد الحميد
الدبيبة لم يتمكن من إجراء انتخابات رئاسية كما وعد في نهاية عام 2021. ومنذ ذلك الوقت،
تحاول الأمم المتحدة الضغط على الأطراف الليبية المختلفة من أجل إقناعهم بالعمل
على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في أسرع وقت ممكن.
أولا: مبادرة أممية جديدة
أعلن المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي
عن مبادرة جديدة لحل الأزمة الليبية، والاتفاق على قاعدة دستورية قبل يونيو
القادم، لضمان إجراء الانتخابات قبل نهاية
العام الجاري. وأكد باتيلي خلال مؤتمر صحفي من العاصمة الليبية طرابلس ظهر اليوم،
أن تحديد الانتخابات "لا يمكن أن يُترك بيد مجلسي النواب والدولة فقط"،
مشيراً إلى ضرورة توسيع قاعدة المشاركة والمشاورات المحلية، بهدف الوصول إلى قاعدة
دستورية تنظّم إجراء انتخابات في البلاد. وأوضح باتيلي أنه "لا يمكن تحديد
موعد للانتخابات في ليبيا قبل الانتهاء من إعداد القوانين والاتفاق عليها، ومن ثمّ
إحالتها إلى مفوضية الانتخابات لبحث القضايا الأخرى المتعلقة بالعملية
الانتخابية"، متهماً مجلسي النواب والدولة بالتقاعس عن الانتهاء من القاعدة
الدستورية العام الماضي، ومؤكدا أنه "يمكن إجراء الانتخابات في نهاية عام
2023، إذا تمّ وضع القوانين الانتخابية قبل نهاية يونيو المقبل.
وعن الجدل الذي رافق ترشّح بعض الشخصيات
للانتخابات الرئاسية قال باتيلي إنه سيشكّل "لجنةً توجيهيةً رفيعة المستوى
ستقوم بصياغة مدوّنة سلوك للمرشحين"، ويجب على القادة الليبيين "تضمينها
في القاعدة الدستورية"، موضحا أن اللجنة سيتمّ تشكيلها بعد عملية حوار ليبي -
ليبي، وستشارك فيها كل الأطراف الفاعلة في ليبيا.
ثانيا: معوقات مختلفة
من المتوقع أن تواجه هذه المبادرة العديد من
المعوقات التي قد تحيل دون تنفيذها. فالأطراف المسيطرة على السلطة التنفيذية
والتشريعية ربما لا يمتلكون الرغبة الكاملة للجلوس والحوار وتجاوز خلافاتهم بسبب
أكثر من 10 سنوات من الحرب في البلاد. علاوة على ذلك، تمتاز العلاقة بين الطرفين
بحالة من عدم الثقة، الأمر الذي يجعل احتمالية قبول طرف بإجراء انتخابات قد تتسبب
في اقصائه من الحياة السياسة أمر صعب للغاية، خاصة اذا تم اجراء الانتخابات وفق
قاعدة Winner takes all.
أضف إلى ذلك، لم يتم التوصل حتى هذه اللحظة لدستور جديد، ما يجعل كل الأطراف تشعر
بالريبة من تسليم السلطة لجهة جديدة دون وجود أسس دستورية على أرض الواقع. ورغم أن
اتفاق الصخيرات قد أشار إلى هذا الأمر صراحة حينما ذكر أن يتم تشكيل لجنة من
ممثلين عن مجلس النواب والأعلي للدولة الليبية على أن تكون وظيفة هذه اللجنة هي
اقتراح قوانين لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، بشرط أن يتم التوافق بين أعضاء
اللجنة، على أن يكون لمجلس النواب الحق في رفض او قبول هذه القوانين، إلا أنه لم
يتم التوصل إلى توافق بين المجلسين. علاوة على ذلك، لم تنتهي لجنة كتابة الدستور
التي يبلغ عدد أفرادها 24 عضو حتى اللحظة من كتابة الدستور الجديد الخاص بالبلاد.
وفقا لاستطلاعات الرأي، يمتلك القوميون أو الجبهة
القومية الليبية، الشعبية الأكبر في الشارع الليبي. ولذلك، يطالب القوميون الذين
يتركزون في المنطقة الشرقية بإجراء الانتخابات بشكل مستمر بينما يرفض الإسلاميون
الذين يتركزون في المنطقة الغربية هذا الأمر، لأنهم يدركون تراجع شعبيتهم في
الشارع الليبي، خاصة أنهم مسيطرون على الحكم منذ ديسمبر 2015، ولم يشهد الشارع
الليبي أي تحسن في الخدمات.
من المتوقع أيضا أن يلعب ترشح بعد الشخصيات دورا
مهما في التأثير على نجاح بنود المبادرة الجديدة أو فشلها. على سبيل المثال، قال
المبعوث الأممي أن الأمم المتحدة سوف تعمل على إصدار مدونة سلوك خاصة بالمرشحين،
على أن تكون ملزمة بالجميع. ورغم أن المدونة سوف تعمل مراقبة النشاط السياسي وغير
السياسي لعدد من الأشخاص بهدف إبعاد الشخصيات الخلافية عن الانتخابات، إلا أن
العديد من الأطراف الليبية سوف ترفض هذا الأمر لأنها سوف ترى فيه وسيلة للتدخل
الخارجي للتأثير على مخرجات العملية السياسية. وفي هذا الشأن، هدد مجلس النواب
الليبية برفض الخارجة وتشكيل حكومة جديدة تشرف على إجراء الانتخابات البرلمانية
والرئاسية بسبب المبادرة الجديدة. اعتمدت الأمم المتحدة نفس السياسية وقد أقصت
العديد من الشخصيات الفاعلة على الساحة الليبية من منتدي الحوار الليبي الذي أفضى
إلى توقيع اتفاق الصخيرات، إلا أنها لم تتوقع أن يكون ذلك سببا رئيسيا فى فشل
الاتفاق طيلة السنوات الماضية في تحقيق أهدافه. بالفعل، اذا تم انتهاج نفس
السياسة، سوف يؤدي ذلك لعزوف الكثير من القوى السياسية وداعيمها عن المشاركة في
الانتخابات، ما قد يؤدي إلى تعقيد المشهد السياسي أكثر من خلال انتخاب مؤسسات
تشريعية وتنفيذية لا يعترف بها الكثير من الليبيين، ما قد يدخل البلاد في دوامة
الصراع من جديد.
في النهاية، يجب على الأمم المتحدة أن تدرك أن نجاح التسوية السياسية في ليبيا يتضمن أولا ضرورة كتابة دستور جديد للبلاد، على أن يتم تمرير الدستور بأغلبية ساحقة لليبيين ومواقفه القوي السياسية والعسكرية الفاعلة عليه، على أن يتم لاحقا إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية. الخروج عن هذه النقاط قد يدخل البلاد في دوامة جديدة من الصراع، لأن الدستور بمثابة حاكم للتفاعلات الدستورية داخل البلاد، ومن ثم لابد من ضرورة التوافق حوله أولا. علاوة على ذلك، يدب أن تدرك الأمم المتحدة أن استبعاد الأشخاص محل الجدل يجب أن يتم بموافقة القوى السياسية لمنع تكرار أخطاء اتفاق الصخيرات.