لازالت إيران تصر على استخدام القوة من أجل تحقيق منافع اقتصادية
غير مشروعة على حساب دول الخليج العربي. فرغم توقيع اتفاق مصالحة إيراني سعودي
برعاية الصين، كان من المتوقع أن تغير إيران من سلوكياتها العدوانية في المنطقة،
ما يمهد لحل الأزمات في كل من سوريا، العراق، واليمن. لكن على عكس المتوقع، أثارت
إيران مخاوف دول الخليج من جديد بعد أن أعلنت عن رغبتها عن التنقيب عن البترول في
حقل الدرة الكويتي السعودي.
وفي هذا الصدد، أعلنت وزارة الخارجية الكويتية أن المنطقة البحرية
الواقع بها حقل الدرة للغاز تقع ضمن المياه الاقليمية لكل من دولة الكويت، وأن
الثروات الطبيعية فيها مشتركة بينها وبين السعودية ولهما وحدهما "حقوق خالصة
فيها". كما جددت الكويت دعوتها لإيران لإيقاف أي أنشطة تنقيبية حتى يتم ترسيم
الحدود المائية بين ايران من طرف والسعودية والكويت من طرف آخر.
من الجدير بالذكر أنه في مارس 2022، وقعت الكويت وثيقة مع السعودية
لتطوير حقل الدرة، الذي من المتوقع أن ينتج مليار قدم مكعبة قياسية من الغاز يوميا
و84 ألف برميل يوميا من المكثفات، وفقا لبيان صدر في حينها عن مؤسسة البترول
الكويتية. لكن إيران قالت إن الوثيقة "غير قانونية" لأن طهران تشارك في
الحقل ويجب أن تنضم لأي إجراء لتشغيله وتطويره. وقد بررت إيران موقفها قائلة حينها
أن هناك أجزاء منه في نطاق المياه غير المحددة بين إيران والكويت".
من الجدير بالذكر أيضا أن إيران تنتهج سلوكيات عدوانية ضد جيرانها
في الوقت الذي تعلن فيه عن استعدادها للتفاوض. وبينما تتم عملية المفاوضات، تحاول
إيران بسط وجودها بالقوة على أرض الواقع من أجل تحقيق مكاسب تفاوضية. وقد برزت هذه
السياسة التفاوضية بشكل واضح جدا خلال المفاوضات الإيرانية الغربية حول البرنامج
النووي الإيراني. وقد تعلمت المجموعات الموالية لإيران نفس الطريقة، حيث ينتهج
الحوثي نفس السياسة خلال تفاوضه مع التحالف العربي. وقد تكررت نفس السياسة من جديد
مع الكويت، حيث أعلن السفير الإيراني في الكويت خلال مايو الماضي أن بلاده أرسلت
دعوة رسمية للجانب الكويتي المختص بالمحادثات في شأن حقل الدرة للجلوس مع
الجمهورية الإسلامية الإيرانية "لاستئناف المفاوضات بين البلدين من حيث توقفت
في العام 2014". لكن في الوقت ذاته، قد بدأت إيران اتخاذ إجراءات أحادية
الجانب ضد الكويت والسعودية.
الكويت تؤكد على أهمية التفاوض
تؤكد دولة الكويت على أهمية التفاوض لحل النزاعات، كما تطالب ايران
بعدم اتخاذ أي إجراءات أحادية الجانب حتى يتم الانتهاء من ترسيم الحدود المائية
بين الطرفين. ولحقل الدرة أهمية استراتيجية كبيرة، ليس على المستوى الاقتصادي
فحسب، بل كذلك على المستوى السياسي، فمنذ اكتشافه في عام 1960 بدأت إيران
بالمطالبة بأحقيتها في استغلال مخزونه، إذ اعترضت على توقيع مذكرات تفاهم بين
الرياض والكويت لتطويره، كان آخرها في مارس الماضي، حيث وصفت الوثيقة الموقعة
حينها بأنها "غير قانونية"، إذ ترى طهران أنها تشارك في الحقل ويجب أن
تنضم لأي إجراء لتشغيل وتطوير الحقل.
وقد عبرت وزارة الخارجية الإيرانية في بيان لها نشر على موقع تويتر
أن حقل الدرة للغاز هو حقل مشترك بين دول إيران والكويت والسعودية"، وأضافت
"هناك أجزاء منه في نطاق المياه غير المحددة بين إيران والكويت". لكن وزارة
الخارجية الكويتية قد خرجت ببيان مضاد أعلنت فيه أن إيران ليست طرفاً في حقل الدرة
فهو حقل كويتي - سعودي خالص". وفي أبريل 2022، أصدرت السعودية والكويت بيان
مشترك أكدتا فيه تجديد دعوة إيران إلى عقد مفاوضات حول تعيين الحد الشرقي من
المنطقة المغمورة المقسومة في الخليج.
من الجدير بالذكر أن الكويت قد وقعت اتفاقا لترسيم حدودها المائية
مع السعودية قبل نحو عام. وقد نص الاتفاق على أن تقوم شركة عمليات الخفجي
المشتركة، وهي مشروع مشترك بين "أرامكو لأعمال الخليج" والشركة
"الكويتية لنفط الخليج"، بالاتفاق على اختيار استشاري يقوم بإجراء
الدراسات الهندسية اللازمة لتطوير الحقل، وفقاً لأفضل الأساليب والتقنيات الحديثة
والممارسات التي تراعي السلامة والصحة والحفاظ على البيئة، فضلاً عن وضع التصاميم
الهندسية الأكثر كفاءة وفاعلية من الناحيتين الرأسمالية والتشغيلية.
وعلى رغم أن حقل الغاز الواقع بين البلدين اكتشف في ستينيات القرن
الماضي في مياه الخليج العربي، إلا أن أول اتفاقيات الاستفادة من مخزونه كانت بين
الكويت والسعودية في ديسمبر من عام 2019، إذ وقع الطرفان مذكرة تفاهم نصت على
العمل المشترك على تطوير واستغلال حقل الدرة. كما نصت مذكرة التفاهم الأولى على
تسهيل عمليات الدخول والخروج إلى المنطقة المقسومة البرية، للوصول إلى المنشآت
النفطية والحقول والآبار من الجانبين، وذلك في أعقاب اجتماع اللجنة المشتركة
الدائمة الكويتية – السعودية.
بدائل كويتية في حالة اصرار ايران على عدم التفاوض
بكل تأكيد، تمتلك الكويت عددا من البدائل في حالة اصرار ايران على
عدم التفاوض أو قيامها باتخاذ إجراءات أحادية في حقل الدرة. أولا، يمكن لمجلس
التعاون الخليجي الذي تشكل بالأساس في الثمانينات من القرن الماضي بهدف مواجهة
إيران أن يصدر بيانا مشتركا ضد ايران يوحد به المواقف والجهود الخليجية ضد إيران.
كما يمكن للكويت أن تلجأ للجامعة العربية ومن ثم مجلس الأمن من أجل إصدار قرارات
مشابهة تدعم بها الكويت موقفها. كما يمكن أن تلجأ الكويت أيضا للتحكيم الدولي من
أجل حل النزاع بشرط موافقة إيران ويعد هذا الأمر مستبعدا تماما. كما يمكن لدول
وسيطة تمتلك علاقة طيبة مع كل من إيران والكويت أن يتدخلوا للوساطة وحل النزاع.
على سبيل المثال، يمكن للصين أن تلعب هذا الدور خاصة بعد نجاحها في إصلاح العلاقات
بين السعودية وإيران، كما يمكن لتركيا أن تلعب هذا الدور أيضا لأنها تمتلك علاقة
جيدة بالدولتين. بكل تأكيد يعد الحل العسكري أخر الحلول ومستعبد بالنسبة للطرفين
لأن تكلفته سوف تكون مرتفعة للغاية بالنسبة للدولتين.
في النهاية، لا زالت إيران تمارس نفس السلوكيات العدوانية تجاه دول الخليج رغم توقيع اتفاق مصالحة مع السعودية. وقد كان متوقعا لهذا الإتفاق أن يسهم في تحسين العلاقات بين إيران من جهة ودول الخليج من جهة أخرى، لكن ايران لا زالت تصر على نفس النهج القديم. تدرك إيران جيدا قيمة وأهمية الموارد النفطية والغاز في تثبيت أركان حكمها، لكنها تدرك جيدا أن دول الخليج لا ترغب في أي مواجهة عسكرية معها، ولذلك تتمادى ايران تماما وتحاول فرض سياسة الأمر الواقع.