استندنا فى مقالنا الماضى "رجل الدولة والمناضل السياسى" فى مجال
المقارنة بين مسار كل واحد منهما على مجموعة قواعد متفق عليها بين الباحثين عن
السمات الفارقة لكل نمط من أنماط هذه الشخصيات السياسية.
كنت أعنى المشير" السيسى" حين أشرت إلى رجل الدولة، وإلى الأستاذ
"حمدين صباحى" حين أشرت إلى المناضل السياسى.
ولعله قد آن الأوان- بعد أن شاهدنا جميعاً الحوار التليفزيونى المطول الذى
أجرته كل من "لميس الحديدى" و"إبراهيم عيسى" مع
"السيسى"- أن نتأمل قليلاً فى الفروق التى قد تكون حاسمة بين رجل الدولة
والمناضل السياسى.
رجل الدولة بحسب التعريف – أياً كان- شخصية تمرست بالعمل القيادى فى مؤسسات
الدولة المختلفة. والقيادات عادة ما تختار- وخصوصاً فى القوات المسلحة- ليس على
أساس التعليم والكفاءة فقط، ولكن أهم من ذلك وضعاً فى الاعتبار الموهبة القيادية
التى تميزه بالقدرة على اتخاذ القرار فى الوقت المناسب بناء على تقديرات للمواقف
تقوم على أساس العلم والخبرة معاً، ليس ذلك فقط ولكن القدرة على الحسم، بالإضافة
إلى إمكانية المبادأة وملكة التنبؤ بمسار الأحداث بناء على ثقافة استشرافية
متميزة.
ظهرت كل هذه الملامح البارزة فى رجل الدولة فى الحوار التليفزيونى مع
"السيىسى".
لقد تبين للجميع أن رجل الدولة الذى سافر فى بعثات علمية لإنجلترا
والولايات المتحدة الأمريكية، وشغل من قبل منصب الملحق العسكرى فى السعودية، ثم
أصبح من بعد مديراً للمخابرات الحربية، وبعد ذلك قائداً للقوات المسلحة ووزيراً للدفاع،
يصدر فى تحليلاته السياسية والاجتماعية بل والثقافية عن ثقافة بالغة العمق تستند
إلى خبرة حياتية متنوعة. بل إنه فى لغة الخطاب وجدناه يتحدث بلغة تتسم بالدقة
وبمفاهيم محددة المعانى.
لم يتردد فى الإجابة على سؤال ما، وواجه المسائل الشائكة مثل شرعية قانون التظاهر
بشجاعة، مبدياً أهمية التفرقة القاطعة بين حرية التعبير عن الرأى بصورة سلمية
والمظاهرات التى قد تؤدى إلى إسقاط الدولة، وهذا كما قال – لن نسمح به- على وجه
الإطلاق.
وحين سئل عن مصير جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية لم يثر فقط الحل الأمنى
ولا الخطر القانونى لها ولكنه قدم تحليلاً ثقافياً ثاقباً عن الآراء المتطرفة
للجماعة وتشويهها صورة الإسلام بصورة كادت – كما عبر بدقة- تفقده إنسانيته. وكان
يقصد أن أعضاء هذا الجماعة بلجوئهم إلى القتل والإرهاب وترويع الشعب إنما يقفون فى
موقف مضاد للقيم السامية التى يحض عليها الإسلام.
كانت الروح الوطنية واضحة فى اعتزازه بمكان نشأته الأولى، حيث تسود قيم
التسامح الأصيلة بين أتباع كل الأديان السماوية، وحيث يتجاوز الغنى مع الفقير،
وكانت الروح القومية بارزة فى تأكيده على الانتماء العروبى لمصر.
وكانت رؤيته الاستراتيجية لمصر تنطلق من تصور متكامل لما ينبغى أن تكون
عليه مصر المحروسة بعد عشرات السنين، عمرانياً واقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.
لم يكن المشاهدين فى حاجة لمن يشير لهم أنهم فى الواقع يشاهدون نموذجاً
رفيعاً من رجال الدولة الذين يستحقون أن يكونوا على رأس البلاد وفى منصب رئيس
جمهورية مصر العربية.
وليس معنى ذلك أن المناضل السياسى -أيًا كانت خبرته- يفتقر بالضرورة إلى
المؤهلات التى تسمح له – لو نجح فى الانتخابات- أن يرأس الدولة، وذلك لأن الخبرة
المقارنة فى النظم السياسية الديموقراطية شهدت رؤساء نجحوا فى الانتخابات مع أنهم
لم يتولوا من قبل مراكز قيادية فى الدولة. غير أن ذلك يرد إلى حيوية الحياة
الحزبية والسياسية فى البلاد الغربية والتى تسمح عادة للناشطين السياسيين أن
يتولوا مناصب قيادية داخل الأحزاب السياسية مما يكسبهم خبرات متنوعة.
وفى بعض البلاد مثل فرنسا عادة ما يبدأ الناشط السياسى من بداية السلم،
بمعنى أنه يدخل الانتخابات المحلية وقد ينجح ويصبح رئيساً لقرية أو لمدينة،
وبالتالى يكتسب خبرات عملية ثمينة. وقد يصعد بعد ذلك وينجح فى الانتخابات
البرلمانية ممثلاً لدائرته الانتخابية، وبالتالى يكسبه عمله البرلمانى مهارات
متعددة، وخصوصاً فى مجال التعامل مع مؤسسات الدولة المختلفة.
ومن ثم يمكن القول بأنه -بغض النظر عن الفروق الهامة بين رجل الدولة
والمناضل السياسى- فإن المسألة فى نهاية الأمر ستعتمد على الشخصية المتميزة لأى
واحد منهما.
بعبارة موجزة سمات الشخصية ستكون هى الحاسمة فى نهاية الأمر!