لأمر ما عدت إلى قراءات موسعة فى الآدب الروائى المصرى المعاصر. لم أتوقف أبداً عن قراءة الآدب منذ صباى الباكر حتى الآن، غير أنه فى بعض المراحل من حياتى شغلنى البحث العلمى فى ميادين متعددة من العلم الاجتماعى عن القراءة المنهجية – إن صح التعبير- للآدب.
غير أننى سرعان ما حدث إلى الآدب وخصوصاً أثناء بعثتى العلمية إلى فرنسا (1964-1967) فقد كان من حظى أن تثور حوالى عام 1965 معركة أدبية كبرى بين أنصار النقد القديم ورواد النقد الجديد. وهكذا كتبت سلسلة مقالات مترابطة عن المعركة نشرتها بعد عودتى إلى القاهرة فى مجلة "الكاتب" ثم جمعتها من بعد فى كتابى "التحليل الاجتماعى للآدب" الذى صدر عام 1970 وطبعه منذ أربع طبعات.
فى هذا الكتاب اهتممت بتحليل ظاهرة النجاح الأدبى. بعبارة أخرى ما هى العوامل التى تؤدى إلى النجاح المبهر لأديب ما، وهل هى تتعلق بموهبته الفريدة أم لها أيضاً علاقة باللحظة التاريخية التى أنتج فيها، وبعلاقاته مع الأجيال السابقة عليه، ولها صلة أيضاً بطبيعة الأوضاع الاجتماعية السائدة.
حاولت أن أدرس هذه الظاهرة بصورة منهجية، غير أن للنجاح الأدبى هذه الأيام أسباب أخرى لعل أهمها الدعاية المكثفة لأديب ما فى وسائل الإعلام، وظهور تقاليد جديدة مثل تنظيم لقاءات لتوقيع الكاتب لكتابه فى ندوة يحضرها جمع من قرائه، بالإضافة إلى التنويهات عن الكتب فى الإنترنت ووسائط الاتصال الاجتماعى الحديثة.
لاحظت فى الفترة الأخيرة ازدهار فن الرواية ربما لأننا – كما صرح ناقدنا الكبير "جابر عصفور"- نحن نعيش فى عصر الرواية.
وقد يكون السبب أنه ظهرت أجيال متتابعة من الروائيين الشبان الذين اندفعوا للتعبير عن رؤيتهم للعالم بصورة عصرية – إن صح التعبير- مما جذب لهم آلاف من شباب القراء.
وقد لفت نظرى تعليق له دلاله لأحد النقاد الأذكياء بصدد رواية "علاء الأسوانى" الأخيرة وهى "نادى السيارات" حين قال "كثير من الدعاية قليل من الآدب"! ويعنى بذلك أن "الأسوانى" أصبح خبيراً فى الدعاية لنفسه بمختلف الوسائل مع أن بضاعته من الآدب قليلة! ومع أننى أوافق عموماً على هذه المقولة، إلا أن "الأسوانى" له رواية رائعة فى الواقع هى "شيكاغو" والتى هى أكثر إبداعاً من روايته الشهيرة "عمارة يعقوبيان".
وهناك أسماء جديدة لاقت نجاحاً أدبياً ملفتاً مثل "أحمد مراد" صاحب روايات "فيرتايجو" و"الفيل الأزرق"، والذى أخرج مؤخراً رواية لاقت دعاية مكثفة هى "1919"، والتى هى رواية تاريخية "إن صح التعبير".
وقد قرأت الرواية وأدركت أنه ينطبق عليها تماماً عبارة "كثير من الدعاية قليل من الأدب"! وقد تأكد حكمى المتواضع على الرواية بعد أن قرأت مقالاً ممتعاً للدكتور "جلال أمين" عن الرواية ذهب فيه إلى أنها فى الواقع مخيبة للآمال، لأن الكاتب لم يستطع أن يبدع رواية بالمعنى الحقيقى للكلمة مع أنه اختار ثورة 1919، وهو موضوع بالغ الثراء بحكم تفرد موقع الثورة من التاريخ المصرى الحديث.
يحتاج موضوع النجاح الأدبى إلى مناقشات أكثر عمقاً!