المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د‏.‏ محمد السعيد إدريس
د‏.‏ محمد السعيد إدريس

الدولة العصرية الديمقراطية وسقوط النموذج

الثلاثاء 15/يوليو/2014 - 02:40 م

إذا كانت مصر معنية بأن تقدم لنفسها ولأمتها العربية، ضمن مشروعها الريادى نموذجاً للدولة العصرية الديمقراطية فإن أولى المهام التى يجب أن تقوم بها ضمن هذا السياق أن تتعرف على أهم خصوصيات العصر الذى نعيش فيه الآن. وكيف ستنعكس هذه الخصوصيات على مشروعنا الديمقراطي. ثانى هذه المهام أن نتحرر كلية من كل قيود وأعباء المشروع الديمقراطىالغربىوالأمريكى بالذات، فهذا المشروع فقد مكانته، منذ سنوات طويلة، كنموذج يحتذى فى بناء الديمقراطيات.

فالعالم يعيش الآن الموجة الديمقراطية الثالثة وبالذات يعيش مرحلة الانتقال من نمط المجتمع الصناعى إلى نمط «مجتمع المعلومات العالمي» الذى يتحول تدريجياً إلى «مجتمع إنتاج المعرفة» الذى يصبح فيه الإنسان وقدراته الإبداعية المصدر الرئيس لإنتاج الثروة، بكل ما يعنيه ذلك من ضرورة تمكين الإنسان من حرية الفكر وحرية تداول المعلومات، أو ما يعرف بـ «ديمقراطية تداول المعلومات» إضافة إلى حرياته الإنسانية التى تمكنه من القدرة على الإبداع، لكن العالم مازال أسير الانبهار بـ «النموذج الديمقراطى الأمريكي» وهناك من يربطون بين التوجه العالمى نحو إنتاج المعرفة أو نحو عالم إنتاج المعرفة وبين العولمة، ليس فقط كظاهرة يصعب لمجتمع أن يكون بمنأى عنها، ولكن العولمة كأيديولوجية، وهنا يظهر النموذج الديمقراطىالأمريكى بمثابة قاعدة التأسيس لهذه الأيديولوجية.

هذا الربط بين التطلع العالمى لمجتمع المعرفة الذى يتأسس على قاعدة ديمقراطية المعلومات وديمقراطية المعرفة، وبين النموذج الأمريكى للديمقراطية والليبرالية يشوه الدعوة العالمية لمجتمع المعرفة باعتباره النموذج المأمول عالمياً لأسباب كثيرة أبرزها يتعلق بالخصوصية الثقافية للإمبراطورية، كما يتعلق بسلبيات النموذج الأمريكىفى الديمقراطية والليبرالية، ويتعلق أيضاً بعدم مصداقية الدعوة الأمريكية للإصلاح السياسىالديمقراطىفى العالم العربى بصفة خاصة سواء لخصوصية علاقاتها بنظم الحكم العربية التسلطية أو للربط بين الإصلاح السياسىوالديمقراطى لنظم الحكم العربية وعملية السلام مع إسرائيل.

فالحلم الديمقراطىالأمريكى آخذ فىالتداعى وبالذات منذ سيطرة هاجس الحلم الإمبراطورى على الإدارة الأمريكية السابقة (إدارة جورج بوش). وقد عبر المخرج المسرحىالسوفيتى (سابقاً) اناتولىفاسيلييف عن إحباطه من تداعى ذلك الحلم فى الديمقراطية الأمريكية بقوله: «إن إحدى النتائج المؤسفـة للـبيروسترويكاالتى دافعت عنها ضلالاً أو انتهازية أكثر مما بدافع القناعة، هى أننا فقدنا العمل فى بلادنا من دون أن نكسب الحرية التى وعدنا بها أنفسنا». وزاد على ذلك الكاتب المسرحىالأمريكى إدوارد البى صاحب «من يخاف فرجينيا وولف» بقوله: «إن الديمقراطية البديلة عن الأنظمة الشمولية هى ديمقراطية وهمية»، هذه الصفة الوهمية للديمقراطية المقرونة بالنموذج الأمريكى تتأكد فى ظل ما تفرضه الإمبراطورية الكونية، حيث تكون الديمقراطية والإمبراطورية نقيضين. وهذا ما تؤكده يوماً بعد يوم ممارسات الإدارة الأمريكية وبالذات منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها، فأقل ما يوصف به ما يحدث للديمقراطية والليبرالية داخل الولايات المتحدة منذ 11 سبتمبر 2001 هو أنه «انتكاسة ديمقراطية هائلة.

ولم تكن الديمقراطية الأمريكية قبل 11 سبتمبر 2001 مثالية بل كان بها قدر لا يستهان به من التزييف ليس فقط ضد الأقليات والجماعات العرقية والأقليات الوافدة داخل الولايات المتحدة بل أيضاً كانت ديمقراطية الذين يملكون ويسيطرون سياسياً وإعلامياً، فقد كان النموذج الديمقراطىالأمريكى، ومازال، يعتبر «ديمقراطية الأثرياء»، فحسب وصف الكاتب والروائىالبريطانى جورج اورويل يمكن القول إن الناس فى البلدان الرأسمالية الغربية أحرار ولكن هناك أناساً أحراراً أكثر من غيرهم حيث الحرية فى هذه البلدان هى بمقدار القوة المالية والثراء. فالقدرة المالية أو القدرة على اجتذاب التبرعات المالية للحملات الانتخابية فى الولايات المتحدة هى شرط ضرورى للنجاح فى معظم هذه العمليات الانتخابية، وخاصة انتخابات الرئاسة ومجلسى الشيوخ والنواب وحكام الولايات. وهكذا فإن الأغنى أو المدعوم من الأغنى هو الأقدر على اختراق حواجز السلطة السياسية، وليس صدفة أن النظام السياسىالأمريكى قائم عملياً على أساس الحزبين الرئيسيين الجمهورىوالديمقراطى، بينما يجرى تهميش العشرات، وربما المئات من الأحزاب والقوى والتجمعات الشعبية التىلاتتوافر لديها الإمكانات لمنافسة متكافئة مع مرشحى الحزبين الكبيرين المدعومين من قطاعات واسعة ونافذة من أصحاب رءوس الأموال الكبيرة والشركات العملاقة القادرة على التحكم فى القيادات السياسية وبرامجها.

هذا النموذج الديمقراطىالأمريكى يزداد تشويهاً من خلال الدور المعرقل للتحول الديمقراطىفى كثير من الدول العربية الذى تقوم به الإدارة الأمريكية والمؤسسات المالية الدولية الموالية والتابعة لها. ففى بحث له عن «الإسلام السياسى والسياسة الخارجية الأمريكية» ضمن كتاب «مستقبل الإسلام السياسى: وجهات نظر أمريكية، 2001» يروى جون اسبوزيتو أستاذ الأديان والعلاقات الدولية فى جامعة جورج تاون والذى عمل مستشاراً لوزير الخارجية الأمريكى الأسبق جيمس بيكر، أن الوزير بيكر كان فى طريقه إلى الشرق الأوسط فى إحدى الجولات التى زار فيها عدداً من الدول العربية، ووضع بيكر خمس نقاط رئيسية للحوار حولها مع قادة هذه الدول، إلا أنه قبل أن تهبط به الطائرة فى المنطقة قام بحذف النقطة الخامسة، ومع الأسف، وكما يروى اسبوزيتو، كانت هذه النقطة هى الديمقراطية.

ويفسر اسبوزيتو هذا التراجع الأمريكى عن طرح قضية الديمقراطية على قادة الدول العربية ومن ثم عزوف الولايات المتحدة عن دعم وتشجيع التحول الديمقراطىفى تلك الدول بأن جميع حلفاء الولايات المتحدة فى المنطقة من الدول غير الديمقراطية، وأنه من الأفضل لها ألا تطرح قضية الديمقراطية وأن تبتعد تماماً عن إثارتها حفاظاً على مصالحها الحيوية فى المنطقة.

لكل هذه الأسباب لم يعد «النموذج الديمقراطى الأمريكي» نموذجاً يحتذى بعد أن افتقد مقومات «النموذج»، ولأن بناء مجتمع المعرفة فى مصر والدول العربية كهدف يبدو مستحيلاً فى ظل غياب «مجتمع تداول المعلومات» الذى يؤسس على قواعد حرية تداول المعلومات وحرية الفكر والإبداع ومجمل الحريات الإنسانية وقبلها توافر ثلاثة متطلبات لا غنى عنها أولها المجتمع الآمن الذى تسوده الطمأنينة والعدل، وهو المجتمع النقيض تماماً للمجتمع البوليسى المؤسس على الطغيان والاستبداد، وثانيها، المجتمع المشارك، الذى تتحول فيه المشاركة السياسية إلى قيمة عليا قبل أن تكون حقاً وواجباً وطنياً وإنسانياً، وثالثها، مجتمع تختفى منه الأمية إذ يستحيل الطموح فى المشاركة وبناء مجتمع إنتاج المعرفة فى دول تتجاوز نسبة الأمية الكاملة 40% ، أما أمية المتعلمين فحدث ولا حرج.

هذه الشروط ليست مجرد مستلزمات للتأسيس لبناء «مجتمع إنتاج المعرفة» ولكنها أيضاً مستلزمات لصياغة مشروعنا الديمقراطى العصرى الذى نأمل.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟