منذ سنوات طويلة والحديث
يتردد، بين حين وآخر، عن حاجة مصر الشديدة إلى مشروع قومى
يوحد أفئدة وقلوب المصريين أولاً قبل أن يكون نقلة اقتصادية اجتماعية عملاقة فى حياتهم،
ولكن للأسف لم يكن لدى من يحكمون مصر طيلة العقود الأربعة
الماضية أى فهم لمعنى المشروع القومي
رغم
أنهم عايشوا مشروع السد العالى الذى كان وسيظل المشروع القومى الرائد والعملاق فى حياة المصريين، والذى اعتبر أعظم مشروع بنية أساسية
على مستوى العالم كله فى القرن العشرين. هؤلاء،
وعلى رأسهم حسنى مبارك اعتقدوا أن المشروع القومى يقاس بحجم الأموال التى
ترصد لتنفيذه، لذلك عندما كان مبارك يحاصر بالأسئلة من الصحفيين فى مناسبات
عديدة عن: أين مشروع مصر القومى كان يرد باستهزاء أن «مصر مليئة بالمشروعات
القومية»!!، وكان يضرب الأمثلة بـ «كوبرى 6 أكتوبر» و«مشروع المجاري»
(الصرف الصحي) ويقول أن تكلفة كل من هذين المشروعين تفوق كثيراً تكلفة بناء
السد العالي.
لم يفهم مبارك، ومن
هم على شاكلته، سطراً واحداً من ملحمة بناء السد العالي، ولم يفهم كلمة واحدة من
أنشودة المبدع عبد الحليم حافظ عن السد العالى «حكاية شعب» وأن الحكاية «مش حكاية
السد ولكن حكاية الكفاح اللى ورا السد»، ولم يستوعب أن القضية أولاً وأخيراً فى
المشروع القومى هى قضية إرادة الشعب، وأن المشروع القومى هو المشروع الذى يجسد هذه
الإرادة فى السعى من أجل تحويل الحلم المصرى الكبير فى الحرية والعزة والكرامة إلى
واقع حى وملموس.
نحن الآن على أعتاب
العودة لمعارك وملاحم المشروعات القومية، بدأنا منذ أيام أولى خطوات تنفيذ مشروع
«محور قناة السويس» و»مشروع القناة الملاحية الموازية والمكملة لقناة السويس»، وهو
المشروع الذى يحمل فى طياته حلم التغلغل الإنمائى داخل سيناء وربطها بالوادى بعد
فراق وانعزال مخطط ومتعمد منذ مئات السنين، وكم أتمنى أن يتوازى مع المشروعين
العملاقين الجديدين المرتبطين بقناة السويس وسيناء الشروع فى بناء المشروع النووى
المصري، أقول المشروع النووى المصرى ولا أقول محطة توليد الكهرباء بالطاقة
النووية، لأن الفارق هائل بين شراء محطة «تسليم مفتاح» لإنتاج الكهرباء بالطاقة
النووية، مثلها مثل كل ما نشتريه ولا نعلم ولا نعرف شيئاً عن تصنيعه، وبين أن نصنع
نحن مشروعنا النووى بعقول وسواعد المصريين وبالتعاون مع دولة صديقة نثق أنها لن
تخدعنا ولن تتخلى عنا فى أول اختبار ثقة نتعرض له.
مشروع محور قناة
السويس ومشروع القناة الجديدة الموازية لقناة السويس هو، بحق، مشروعنا القومى
الجديد، ليس لأنه سينعش الاقتصاد المصرى وسيخلق ملايين الفرص للتشغيل، ولكن لأنه
يعلى من شأن الإرادة الوطنية، ويبعث من جديد إرادة التحدى عند المصريين، كما
جسدتها التعليمات الواضحة والصريحة للرئيس عبد الفتاح السيسى وخاصة ما يتعلق
بتحديد عام واحد للانتهاء من مشروع قناة السويس الموازية، وإصراره على أن تكون
أموال إنجاز هذا المشروع مصرية خالصة، كى تبقى القناة مصرية خالصة، ولا نعود إلى
عصر ما قبل تأميمها عام 1956، عندما كانت ملكية الغرب للقناة الوسيلة المثلى لهذا
الغرب لاحتلال مصر. ومشروعنا النووى المصرى هو أيضاً مشروعنا القومى المأمول الذى
لن يعلى فقط من إرادة مصر الوطنية، لكنه سيدخل مصر والمصريين إلى عالم جديد من التقدم
العلمى والتكنولوجى ويفتح باب الأمل لأن تكون مصر واحدة من أهم الاقتصادات
العالمية، وهى الاقتصادات التى تشترط انخراط الدول فى الصناعات الخمس الكبرى
الجديدة وهي: صناعة المعرفة وصناعة الفضاء، والصناعة النووية، وصناعة الطاقة
وأخيراً صناعة الأسلحة المتقدمة.
ولكى ننخرط فى هذه
الصناعات الكبرى وفى تأسيس وإدارة المشروعات القومية الكبرى علينا أن نكون حريصين
على توفير الشروط والضمانات الأساسية اللازمة. هذه الشروط نوعان:
النوع الأول: الشروط
المالية، أى توفير التمويل اللازم، والشروط العلمية والتكنولوجية، والشروط القانونية،
أى توفير الإطار القانونى الذى يحمى ويصون مصرية هذه المشروعات والحيلولة دون حدوث
أى تعارض بين مشاركة التمويل العربى والأجنبى فى المشروعات أو فى بعض المشروعات
وبين حماية وطنية هذه المشروعات.
النوع الثاني: هو
الشروط الأمنية اللازمة لحماية المشروعات القومية الكبرى، فالتنمية والأمن مشروعان
لا يفترقان، وإذا لم نفكر فى توفير الحماية الكاملة لمشروعاتنا القومية ونحن نفكر
فى بناء هذه المشروعات فإننا نعرض مشروعاتنا لخطر داهم وذلك لأن مصر القوية
مستهدفة، ولن يسمح لنا عدونا التاريخى أن نكون أقوياء ولنا فى تجربة العدوان
الثلاثى عام 1956 ومشروع بناء السد العالى دروس كافية ومواعظ لاتنسى، كما أن
التجارب المحيطة بنا مليئة هى الأخرى بعشرات الدروس المستفادة.
يجب ألا ننسى أن
إسرائيل بادرت عام 1956 بمشاركة كل من فرنسا وبريطانيا فى عدوانهما على مصر لمنع
مصر من امتلاك قناة السويس عندما أصدر الزعيم جمال عبد الناصر قرار تأميمها. نظريا
لم يكن للإسرائيليين ناقة أو جملا فى النزاع حول تأميم مصر لقناة السويس، لكن
عمليا كانت أطماعهم فى سيناء تسبقهم وكان حرصهم على منع جمال عبد الناصر من بناء
مصر قوية يحفزهم على أن يشاركوا فى تدمير الحلم المصرى فى التقدم لإدراكهم إن مصر
القوية هى أخطر ما يهدد أمن ومستقبل إسرائيل.
ويجب ألا ننسى تعليق
رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق مناحيم بيجن على الانتقادات العنيفة لقبوله
الانسحاب من مستعمرة «ياميت» فى سيناء ضمن ترتيبات تنفيذ مقررات اتفاقية السلام مع
مصر. وقتها قال بيجن إن إسرائيل تنسحب من سيناء لأنها لاتملك القدرات البشرية
لاحتلالها وعندما يتوافر لها ثلاثة ملايين لاجئ يهودى جدد من الأمريكيين ستبادر
باحتلالها.
ويجب ألا ننسى أن مصر
مقيدة باتفاقية السلام التى تمنع الوجود الفعلى لجيش مصر على حدوده الوطنية، وأن
نتذكر ما قاله آفى ديختر وزير الأمن الداخلى الإسرائيلى (الشاباك) الأسبق فى
محاضرة له فى سبتمبر 2008 التى قال فيها: «أن إسرائيل قد خرجت من سيناء بضمانات
أمريكية للعودة إليها فى حالة تغير النظام فى مصر لغير صالح إسرائيل، وإن هذه
الضمانات هي: إخلاء سيناء من القوات المسلحة المصرية، بالإضافة إلى وجود قوات
أمريكية وأوروبية صديقة لإسرائيل فى سيناء تحت اسم قوات متعددة الجنسية».
ويجب ألا ننسى إن
إسرائيل دمرت المنشآت النووية العراقية لأن العراق لم يمتلك القوة اللازمة للدفاع
عن هذه المنشآت فى حين تقف إسرائيل عاجزة أمام المنشآت النووية الإيرانية لأن
إيران تملك القدرة على الدفاع عن هذه المنشآت.
يجب أن نتذكر هذا كله، وأن نكون على وعى وقناعة بأن التوازن بين التنمية والأمن هو أهم ضمانات نجاح التنمية، كما يجب أن نكون على وعى وقناعة بأن المشروع القومى لن يكون مشروعاً قوميا إلا إذا كان يرتكز على إرادة الشعب. نقلا عن الأهرام