المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د‏.‏ محمد السعيد إدريس
د‏.‏ محمد السعيد إدريس

حســــابات أمريكيــــــة مرتبكــة

الثلاثاء 26/أغسطس/2014 - 11:13 ص

 

تواجه الإدارة الأمريكية هذه الأيام «خيارات صعبة» أمام التطورات المعقدة والمتلاحقة فى الشرق الأوسط وفى مقدمتها الظهور القوى لتنظيم «الدولة الإسلامية فى العراق والشام» الذى يعرَّف اختصاراً باسم «داعش»

الذى أعلن منذ الأول من شهر رمضان المبارك الماضى عن قيام دولة «الخلافة الإسلامية» فيما اعتبره أراضى محررة من العراق وسوريا، وهو الظهور الذى لم يغب لحظة عن أعين أجهزة الاستخبارات الأمريكية، والتى بدورها لم تكترث لكل الجرائم البشعة التى ارتكبها مقاتلو  هذا التنظيم، كما تظاهرت بأن أمر تلك «الخلافة الإسلامية» لا يعنيها، لكنها صدمت عندما خرجت «داعش» وتجاوزت ما يمكن اعتباره خطوطاً حمراء وفى مقدمتها التمدد إلى مناطق «الحلفاء الأكراد» فى إقليم كردستان العراق، والتورط فى قطع رأس صحفى أمريكى اسمه جيمس فولى مختطف فى سوريا منذ عام 2012 بنفس الطريقة التى قطعت بها رؤوس الآلاف من الأبرياء فى سوريا والعراق على أيدى مقاتلى «داعش» و»جبهة النصرة» وغيرهما من التنظيمات التكفيرية المسماة زوراً بـ «الجهادية».

ظلت واشنطن صامتة أمام اجتياح قوات «داعش» للمحافظات السورية الشمالية الشرقية وعزلها تماماً عن سيطرة النظام السورى بعد تطهرها من أى تنظيم تكفيرى آخر منافس وبالذات لجبهة النصرة التى انهارت أمام قوة «داعش» وانضم الآلاف من مقاتليها إلى «داعش» وأعلنوا الولاء لزعيمها أبو بكر البغدادي. وظلت واشنطن صامتة أمام اجتياح قوات «داعش» للمحافظات الشمالية الغربية فى العراق وسوريا فى المناطق المسيطر عليها، وإعلانها نواة لدولة «الخلافة الإسلامية».

كان واضحاً للجميع أن الصمت الأمريكى وراءه ما وراءه، وجاء حديث الرئيس الأمريكى باراك أوباما لصحيفة نيويورك تايمز «عن شرق أوسط جديد بديل لنظام سايكس  بيكو» ليعكس قبولاً إن لم يكن دعماً لتوجه «داعش» لإقامة دولة سنية حتى ولو كانت «إرهابية» فى العراق ليتحول شعار «إعادة ترسيم الخرائط» الذى رفعه الأمريكيون شعاراً لغزوهم واحتلالهم للعراق عام 2003 إلى واقع. فهم دعموا وساندوا طموحات الأكراد فى إقامة دولة كردية فى شمال العراق وهم دعموا النفوذ الإيرانى فى المحافظات الشيعية الجنوبية فى العراق انتظاراً للموعد المناسب لإعلان الدولة الشيعية فى الجنوب، ويبدو أن مشكلتهم كانت فى عدم توحد السنة فى العراق تحت قيادة تنظيم واحد قادر على إقامة الدولة السنية، ويبدو أنهم وجدوا ضالتهم فى تنظيم «داعش» لإقامة هذه الدولة، ومن هنا كان صمتهم على كل جرائمه التى ارتكبها ضد المسيحيين وضد أبناء الطائفة اليزيدية الذين أعدم منهم 420 واحتجز منهم 690 فتاة.

الاستنفار والفزع الأمريكى حدث فقط عندما تمددت «داعش» فى المناطق الكردية، وعندما هددت المصالح النفطية الأمريكية والأوروبية هناك وعندما أعدمت الصحفى الأمريكى «جيمس فولي»، عندما حدث ذلك أدرك الأمريكيون أن «داعش» تجاوزت الخطوط الحمراء»، وبالتحديد: تجاوزت حدود تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات عندما توغلت فى الأراضى الكردية، وتجاوزت حدود المصالح الأمريكية النفطية فى العراق، ومن هنا جاء القرار الأمريكى بتوجيه ضربات جوية لمواقع «داعش» عبر الطائرات بدون طيار الأمريكية.

من هنا يجيء السؤال المهم الخاص بجدية التحرك العسكرى الأمريكى ضد «داعش»: هل تريد أمريكا - فعلاً - إنهاء أسطورة «داعش» والتنظيمات التكفيرية على نحو ما يجرى الترويج له هذه الأيام أمريكياً وأوروبياً؟

هذا السؤال يسبقه ويستتبعه سؤالان أولهما: هل تخلت الولايات المتحدة عن مشروعها الجهنمى لتفكيك الدول العربية وإسقاط النظام العربى بالتحالف مع ما يُعرف بـ «الإسلام السياسى» وهو التحالف الذى يبدو أنه تجاوز جماعة الإخوان إلى المنظمات التكفيرية. وثانيهما: هل تقبل الولايات المتحدة بالمشاركة فى تحالف دولى ضد الإرهاب؟

السؤالان مهمان ويمثلان تحدياً لما ورد على لسان الرئيس الأمريكى أوباما فى تعليقه على الإعدام الوحشى للصحفى الأمريكى «جيمس فولى» وتهديد «داعش» بإعدام صحفى أمريكى آخر إذا لم يتوقف القصف الجوى الأمريكى على معاقل «داعش» فى العراق. فقد طالب أوباما العراقيين والسوريين بالتوحد ضد تنظيم «داعش» الذى وصفه بـ «السرطان» كما شدد أوباما على العمل مع الحلفاء والأصدقاء لمكافحة إرهاب «داعش» وقال: «الحكومات والشعوب فى الشرق الأوسط عليها القيام بجهد مشترك لاستئصال هذا النوع من السرطان حتى لا ينتشر».

لم يتحدث أوباما عن دور أمريكى لكنه ألقى بالمسئولية على الحكومات والشعوب فى الشرق الأوسط، فى إشارة إلى غياب أى توجه أمريكى حقيقى لمحاربة الإرهاب رغم كل ما يثار الآن إعلامياً، وعلى الأخص أوروبياً، من ضرورة تشكيل تحالف دولي- إقليمى لمحاربة «داعش».

هناك أسباب كثيرة تؤكد هذا الاستنتاج، أولها أن الحديث عن تحالف دولى  إقليمى لمحاربة الإرهاب يعنى تورط الأمريكيين فى الصدام مباشرة مع أهدافهم الحقيقية. فالمنظمات التكفيرية أضحت أدوات أمريكية فعَّالة لتحقيق ما سبق أن تحدث عنه جيمس ويلس الرئيس الأسبق للاستخبارات الأمريكية: «سنهز عروش الأنظمة العربية بالاستعانة بشعوبهم». فهذه المنظمات تقدم من ناحية وجهاً قبيحاً مصطنعاً ومشوهاً للإسلام الحنيف ورسالته، ومن ثم فهى إحدى أدوات الحرب على العالم العربى والإسلامى ضمن مخطط «صراع الحضارات» الذى روج له عتاة الفكر الإمبريالى الأمريكى أمثال صموئيل هنيجنتون وغيره، كما أنها بدعوتها إلى إقامة الخلافة الإسلامية تحقق هدف التقسيم للدول العربية على أسس دينية وطائفية وعرقية، وتلتقى مع هدف «الدولة اليهودية» الذى يطالب به بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية كحل نهائى لقضية فلسطين بحيث تؤول فلسطين كلها لليهود دون غيرهم.

ثانيها، أن الدعوة إلى تأسيس تحالف دولى  إقليمى لمحاربة «داعش» ستضع الولايات المتحدة فى تحالف مع روسيا فى وقت تتفاقم فيه الصراعات بين واشنطن وموسكو حول أوكرانيا، كما أنها ستدفعها لتجاوز الخطوط الحمراء بالتعامل مع إيران وسوريا لأنه من المستحيل تشكيل تحالف حقيقى وفعَّال ضد «داعش» دون مشاركة إيران وسوريا، بما يعنيه ذلك من انقلاب أمريكى على سياستها العدوانية ضد سوريا ومن دعم للدور الإقليمى الإيراني، كما أن الإقرار بدور إيرانى  سورى لمحاربة «داعش» سوف يصطدم بالعلاقة مع السعودية.

ثالثها، أنه لا أمل فى تشكيل تحالف دولى  إقليمى ضد «داعش» دون دور تركى فعَّال فى هذا التحالف، لكن تركيا هى الداعم الأكبر لداعش، والحرب الأمريكية على «داعش» تعنى مواجهة مباشرة مع تركيا. فتركيا هى أهم الدول الراعية لـ «داعش» و»النصرة» وغيرهما. فهى التى توفر لمقاتلى تلك المنظمات التكفيرية «الملاذ الآمن» ومنها ومن الأردن تعبر الأسلحة ويعبر المتطوعون إلى الداخل السورى علاوة على وجود أكثر من خمسة آلاف عنصر تركى يقاتلون فى صفوف «داعش».

رابعاً، أن أمريكا ستكون مضطرة بالانقلاب على تحالفها مع الإخوان والمنظمات التكفيرية والدخول فى شراكة مع مصر لمحاربة الإرهاب.

لكل هذه الأسباب وغيرها يبدو مستحيلاً أن تتورط واشنطن فى تأسيس تحالف دولي- إقليمى لمحاربة داعش، وسط كل هذه الحسابات المرتبكة والمعقدة التى تفضح سوء النوايا الأمريكية.

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟