نظم المركز العربى للبحوث دورة تدريبية لشباب كلية الاقتصاد والعلوم السياسية موضوعها «المناهج الحديثة فى دراسة العلوم الاجتماعية» يدور فيها حوار علمى بين نخبة من أساتذة العلوم السياسية وعلم الاجتماع والاقتصاد حول أحدث المناهج العلمية فى مجال العلوم الاجتماعية كان أشبه بحوار بين الأجيال.
وقد افتتحت الدورة بمحاضرة موضوعها «مفاتيح أساسية لفهم التحولات العالمية».
ويرجع اهتمامى بالتخطيط لموضوع هذه الدورة التدريبية أننى منذ سنوات بعيدة قمت بتدريس مادة مناهج البحث فى كلية الإعلام بجامعة القاهرة على مستوى البكالوريوس والماجستير.
والواقع أن خبرتى فى التدريس الجامعى التى امتدت بعد ذلك إلى الجامعة الأمريكية حيث قمت بتدريس علم الاجتماع لسنوات طويلة أكدت لى أهمية التفاعل مع أجيال الشباب. وأستطيع القول إننى تعلمت كثيراً من حواراتى مع هذه الأجيال الشابة لأننى لم أكن أدرس بالطريقة التقليدية، ولكننى كنت أفسح مجالاً واسعاً أمام الطلبة للمناقشة والتعليق، حتى لو اختلفوا مع ما أطرحه من نظريات وأفكار.
وقد اخترت موضوع «مفاتيح أساسية لفهم التحولات العالمية» لأننى انشغلت بهذا الموضوع منذ بداية التسعينيات، لأننى أدركت مبكراً أن النماذج المعرفية القديمة التى كنا كعلماء اجتماعيين نطبقها لفهم العالم وتفسير الظواهر السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى تسوده قد سقطت، لأنها لم تكن صالحة بعد أن تغير العالم تغيرات جوهرية وخصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، ونهاية الحرب الباردة، وانطلاق الثورة الاتصالية الكبرى وفى مقدمتها البث التليفزيونى الفضائى، وذيوع استخدام شبكة الإنترنت، وهبوب عواصف العولمة التى غيرت من خرائط العالم.
وقد حاولت فى المحاضرة أن أرسم خريطة للملامح الأساسية للعالم الجديد. ومفرداتها هى الانتقال من المجتمع الصناعى إلى مجتمع المعلومات العالمى، والتحول من الحداثة إلى العولمة التى تهيمن عليها حركة ما بعد الحداثة، وظهور مجتمع المخاطر، والتحول فى مجال الأمن القومى إلى الأمن القومى المعلوماتى فى ظل ظهور ما يطلق عليه «الحروب الفضائية» وبحروب الشبكات، وأخيراً بزوغ نموذج حضارى جديد.
لا يتسع المقام للتفصيل فى مفردات هذه الخريطة لأننى أريد أن أعرض للأسئلة التى طرحها علىّ الطالبات والطلبة والتى تكشف عن اهتماماتهم العلمية والسياسية.
وجه إلىّ خمسة عشر سؤالاً تنقسم إلى قسمين: الأول أسئلة أكاديمية، والثانى أسئلة تتعلق بالمشهد السياسى المصرى الراهن.
سأبدأ بالأسئلة الأكاديمية والتى كانت عبارة عن تعليقات ذكية على ما طرحته فى المحاضرة.
السؤال الأول يتعلق بما ذكرته فى المحاضرة عن مشروع الحداثة الأوروبى وكونه كان يقوم على عدة أسس هى الفردية والعقلانية والاعتماد على العلم والتكنولوجيا وتبنى نظرة خطية Linear فى النظر للتاريخ الإنسانى بمعنى أنه يتقدم من مرحلة لأخرى.
وكنت قد قلت انه ــ تحت تأثير حركة ما بعد الحداثة -تم توجيه النقد إلى فكرة أن التاريخ يتقدم من مرحلة إلى أخرى على أساس أن ظهور النازية والفاشية فى أوروبا يدحض هذه الفكرة باعتبارها مذاهب عنصرية كان فيها رجوع إلى الوراء وليس تقدماً إلى الأمام.
وكان السؤال ما معنى التقدم فى التاريخ، ولماذا لا يعتبر ظهور الفاشية والنازية من مراحل تقدمه؟
وكانت إجابتى أن التقدم فى التاريخ يعنى فى المقام الأول تجاوز الممارسات والأعراف البدائية التى سيطرت على المجتمعات والدول فى صراعاتها، والتى كانت تتسم بالبربرية. والدليل على ذلك أن الفظائع التى شهدتها الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية تم تجاوزها بشكل عام بعد إنشاء الأمم المتحدة عام 1945، والتى أكدت حق الشعوب فى الحرية وأعلت من شأن حقوق الإنسان، وبالتالى لا يمكن اعتبار النازية والفاشية تقدما فى التاريخ بل تراجعا خطيراً، تماماً مثلما تعبر حركة «داعش» بممارساتها الدموية عن تراجع فى التاريخ، ونكوص خطير عن فكرة التقدم. وطرح سؤال آخر متى تتحول الاحتجاجات الجماهيرية إلى ثورات؟
وكانت الإجابة لا تتحول الاحتجاجات إلى ثورات إلا إذا برزت فيها قيادات لديها رؤية واضحة ومحددة عن المستقبل.
وأنتقل الآن إلى الأسئلة الخاصة بالمشهد السياسى المصرى.
السؤال الأول كيف يرى العالم مصر اليوم؟
وكانت الإجابة أنه بعد إعلان خريطة الطريق والتى كانت ثمرة للانقلاب الشعبى فى 30 يونيو وتنفيذ مرحلتها الأولى وهى وضع الدستور، وانتخاب «السيسى» رئيسا للجمهورية، ظهر بوضوح أن مصر تسير فى طريق تأسيس ديمقراطية جديدة مبرأة من الخلط المعيب بين الدين والسياسة، والذى كاد أن يدفع بالبلاد إلى كارثة سياسية واجتماعية. ولم تبق إلا المرحلة الثالثة الحاسمة وهى انتخاب أعضاء البرلمان والذى سيتم فى القريب العاجل.
ومن هنا فنظرة العالم إلى مصر أصبحت بالغة الإيجابية.
وجاء سؤال مهم مؤداه كيف يستطيع الشباب إثبات ذاتهم؟ وكيف يمكن أن يصل صوتهم وأفكارهم للمسئولين؟
وكانت إجابتى أن الشباب يستطيعون إثبات ذاتهم لو مارسوا التجدد المعرفى باعتبار أن أحد شعارات القرن الحادى والعشرين هو التعليم المستمر، بالإضافة إلى التدريب واكتساب الخبرة التى تؤهلهم لشغل الوظائف القيادية. وأهم من ذلك كله متابعة التحولات العالمية وفهم منطقها الكامن وتكوين رؤى مستقبلية مبدعة تقوم على العلم والخيال معاً لحل مشكلات مصر.
وسؤال آخر مهم «هل المجتمع المصرى مستعد للتغيرات العالمية من حوله أم أنه يظل غير قادر على استيعاب ما يحدث فى العالم»؟
والواقع أن الإجابة بالنفى، بمعنى أن المجتمع غير مستعد بالقدر الكافى نتيجة تكلسّ النخب الثقافية والسياسية وعجزها عن المتابعة المنهجية للتحولات العالمية. ومن هنا على عاتق الدولة أن تساعد المجتمع بمختلف الوسائل التعليمية والثقافية والإعلامية لكى يرتقى وعى الطبقات الاجتماعية المختلفة، حتى تكون قادرة على تحقيق النهضة المرجوة والعبور إلى المستقبل.
وسؤال أخير عن رأيى فى مشروع قيمته قناة السويس.
وإجابتى أن ما حدث من إقبال ملايين المصريين على شراء شهادات القناة الجديدة يعد معجزة من المعجزات التى قام بها الشعب المصرى. بدأت بثورة 25 يناير، وتبعتها الموجة الثانية فى 30 يونيو، وتواصلت بافتتاح عصر المشروعات القومية الكبرى.