خريطة التحالفات الحزبية... نظرة على النظام السياسي
إن خريطة التحالفات الدائر رحاها الآن في مصر تجعل الباحث المتابع لها في حال شك وحيرة وتفكير دائم، وكأن أمراض الحياة الحزبية المصرية انتقلت إليها قبل نشأتها. فأقل وصف يمكن أن توصف به الأحزاب السياسية، التي نشأت قبل وبعد ثورة 25 يناير، بأنها أحزاب هشة ضعيفة ليست لها أطر مؤسسية حقيقية، عمودها الفقري هو "الشلة" أو "العائلة" أو بعض "الباحثين عن دور سياسي" في مرحلة السيولة السياسية التي مرت بها مصر خلال الأعوام القليلة الماضية، مستغلين في ذلك حالة الحراك الثوري أو الفوضى الثورية منذ 2011.
وقد بدت فكرة التحالفات الانتخابية وكأنها محاولة لهندسة الفضاء السياسي والتعددية الحزبية، وتحويله إلى كتلة واحدة من الأحزاب والشخصيات المؤيدة للرئيس السيسي تحت دعوى بناء تحالف من الأحزاب والقوى المدنية ضد "الإخوان" والأحزاب والجماعات الإسلاموية، وبغض النظر عن دواعي هذا التوجه وعن أسبابه فإنه لا يساعد على التحول الديموقراطي ويضعف من التنوع والتعدد السياسي، كما يعمق حالة الانقسام والاستقطاب التي يعاني منها المجتمع. وقد أثبتت التحركات الفعلية على الأرض صعوبة بناء تحالف انتخابي أو حتى أربعة تحالفات انتخابية تجمع الأحزاب والقوى المدنية، والأهم أن كل التحالفات التي أعلن عنها بدت هشة وعلى درجة كبيرة من السيولة وعدم الاستقرار
وبعد سبعة استحقاقات انتخابية تمثلت فى أربعة انتخابات وثلاثة استفتاءات عامة منذ 25 يناير 2011، لم تنجح الأحزاب السياسية فى إقناع المواطنين بالشكل الكافى، فلا يزال الشارع غير راض عن التطورات السياسية الأخيرة، ولم يشهد محاولات حثيثة من هذه الأحزاب للدفاع عن حقوقه. ساعد على هذا الأمر غياب الرؤية النقدية من هذه الأحزاب لعملها. وبدون الدخول في تفاصيل أكثر من ذلك، نتناول في هذه الدراسة بالرصد والتحليل: أولا: الخريطة الحزبية بعد 30 يونيو، ثانيا: تأثير النظام الانتخابي على عملية بناء التحالفات، ثالثا: الخبرة المصرية في مسألة التحالفات الانتخابية، رابعا: خريطة التحالفات انتخابات 2014، خامسا: سمات وخصائص التحالفات القائمة، سادسا: الخرائط التصويتية المحتملة، سابعا: نقاط القوة والضعف فى كل تحالف محتمل، وأـخيرًا، سيناريوهات مستقبل التحالفات.
وتؤكد الدراسة على أن هناك ثلاثة سيناريوهات رئيسة أمام التحالفات الانتخابية، تقع جميعها على خط مستقيم، تتراوح ما بين التماسك والاستمرار، مرورًا بحدوث انشقاقات وانسحابات، وصولًا إلى فض التحالف بعد الانتهاء من العملية الانتخابية وعقب حصول أحزاب التحالف على بعض مقاعد البرلمان.
1-سيناريو التماسك والاستمرار: ويفترض هذا السيناريو أن التحالفات القائمة تستمر كما هي، وسوف تخوض الانتخابات البرلمانية كوحدة واحدة، وببرنامج واحد، وآلية واضحة ومحددة لمعايير اختيار المرشحين وتوزيعهم سواء على القوائم أو الفردي. وفي الواقع يعد هذا السيناريو الأكثر تفاؤلاً خاصة في ظل تغيير خريطة التحالفات بشكل يومي. وفي حال نجاح أيً من التحالفات في الاستمرار، فإن ذلك يضمن له التركيز في العملية الانتخابية والبحث عن توفير موارد مالية لعملية الدعاية، ومن ثم الحصول على عدد معقول من المقاعد داخل البرلمان.
2-سيناريو التناحر والانشقاق: وهو الأقرب إلى الواقع في ظل ضعف الأحزاب والتصورات غير الموضوعية عن قوة وانتشار كل حزب، وعدم وجود آلية محددة لمأسسة التحالف وحل الصراعات الدائرة داخله، من قبيل وجود زعامات الحزب على رأس القائمة، أو إخلاء دوائر بذاتها لهم في دوائر الفردي، أو تحمل نفقات الحملات الانتخابية.
3- فض التحالفات عقب الانتهاء من الانتخابات: وهو ما حدث تقريبًا في كل التحالفات التي شهدتها تجربة التحالفات المصرية. بمعني سوف تستمر بعض التحالفات الانتخابية، وبعد نجاحها في الحصول على عدد معين من المقاعد، فإن كل حزب سوف يحتفظ بهيئة البرلمانية بشكل مستقل عن أحزاب التحالف، خاصة أولا إذ ما نجح رئيس الجمهورية في تمرير الموافقة البرلمانية على حكومته من أول مرة، دون الحاجة إلى تشكيل حكومة ائتلافية. وثانيا في حال اختلاف الأجندة التشريعية داخل البرلمان لكل من أعضاء التحالف.
وفي النهاية، يبقى نجاح أو فشل أي تحالف مرهون بعدد الأصوات والمقاعد التي سيحصل عليها في العملية الانتخابية، وهو ما يحتاج إلى مزيد من الجهد والعمل المنظم بين أعضاء التحالف خلال السباق الانتخابي.