في كلمته المهمة والدقيقة في معانيها التي ألقاها الرئيس عبد الفتاح السيسي يوم السبت الماضي (25 أكتوبر الجاري الأول من شهر المحرم) وتوجه فيها بالعزاء لكل المصريين والقوات المسلحة علي شهداء جريمة الإرهاب التي وقعت للكمين العسكري في منطقة «كرم القواديس» الواقعة بين مدينتي الشيخ زويد والعريش بمحافظة شمال سيناء طالب الرئيس الشعب المصري بإدراك ثلاثة أمور يجب الوعي بها جيداً.
أول هذه الأمور ضرورة إدراك أن الحرب التي نخوضها ضد الإرهاب ابتداءً من الآن ستكون حرباً صعبة وممتدة ولن تنتهي خلال شهور أو سنوات، وهذا الإدراك يعني التزامين؛ التزاما بالرسوخ والمثابرة، وتحمل كل أعباء وتكاليف هذه الحرب المادية والمعنوية، والتزاما بأن يسير مشوار إعادة البناء والتنمية الشاملة جنباً إلي جنب مع خوض الحرب، بما يعني تجديد الثقة في شعار رفعناه شعباً وجيشاً وقيادة عقب نكسة 1967 يقول: «يد تبني.. ويد تحمل السلاح».
ثاني هذه الأمور ضرورة إدراك أبعاد مشروع الإرهاب الذي يحاربنا، وحقيقة العدو الذي علينا أن نقاتله، وأن نعرف أهدافه التي يبتغيها من حربه الإجرامية التي تركز الآن علي الجيش والشرطة باعتبارهما «عمود الخيمة» في البناء الوطني، وغداً سوف يستهدف الدولة والمجتمع في مصر وفي كل بلد يستطيع أن يصل إليه، ليبني علي أنقاضهما (الدولة والمجتمع) دولة أخري بديلة هي «دولة الخلافة» ومجتمعاً آخر بديل هو المجتمع المؤمن الطاهر المبرأ من كل رذائل ما أضحي يسمي بـ «المدنية» أو «الحياة العصرية» بكل قيمها.
ثالث هذه الأمور أنه إذا كانت العملية الإجرامية الأخيرة التي وقعت في «كرم القواديس» قد كشفت أن دعماً خارجياً قد لعب دوراً أساسياً ومحورياً في إنجاح هذه العملية فيجب علينا أن ندرك جميعاً أن العدو الذي يحاربنا هو جزء من كل، هو فصيل من مشروع «الإرهاب والتكفير» الذي يتستر وراء دعوة إقامة «الخلافة الإسلامية»، وأن الفصائل التي تقاتل في مصر الآن بكل مسمياتها وبالذات من يسمون أنفسهم بـ «أنصار بيت المقدس» و»جيش الإسلام الحر»، و»التكفير والهجرة»، و»أنصار الإسلام»، و»جند الله»، و»التوحيد والجهاد»، و»مجلس شوري المجاهدين» هي كلها فروع لما يسمي بـ»السلفية الجهادية» التي خرجت من منبعين أولهما: جماعة الإخوان المسلمين، وثانيهما، الدعوة الوهابية السلفية التي جري اختراقها بمفاهيم إخوانية، تجاوزت مقولات الإمام محمد بن عبد الوهاب وأستاذه الإمام ابن تيمية.
كل هذه الفصائل باختلاف مسمياتها هي وجوه مختلفة لأصل واحد مشروع واحد أضحت «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) تمثل قيادة له ورمزاً يقاتل تحت رايته، هذا يعني أن ما حدث في مصر طيلة الأشهر الماضية منذ إسقاط نظام الإخوان في 30 يونيو 2013 شيء وما سوف يحدث في الأشهر والسنوات القادمة شيء آخر، إذا صدق تحليلنا باعتبار عملية «كرم القواديس» إعلاناً بشن «داعش» الحرب علي مصر، وإدخال مصر ضمن مخطط هذا التنظيم الذي لا يعترف بجنسيات وطنية ولا بأسماء دول، فمساحة مشروعه هي كل العالم الإسلامي وأتباعه هم كل أبناء الشعب الإسلامي الذين سوف تجمعهم دولة واحدة هي دولة «الخلافة الإسلامية» وسوف تجمعهم جنسية واحدة هي الجنسية الإسلامية.
المتصور أن تواجه مصر ما تواجهه سوريا والعراق وليبيا واليمن، وأن تمتد الحرب ذاتها إلي السعودية وكل دول الخليج والدول العربية. ضمن هذا التصور علينا أن ندرك من هو العدو الذي يحاربنا كي نعرف كيف نحاربه وننتصر عليه. فالمسألة أكبر كثيراً من كل ما يعتقده معظم الخبراء والكتاب الذين يتعاملون مع هذا العدو بـ «القطعة» وليس المشروع ككل. كثيرون يركزون الآن علي كيف يمكن صد الاختراقات التي تأتي عبر قطاع غزة، ويتصورون أن سيناء هي الهدف، دون بقية مصر، وأنه بعزل المساحة الممتدة عرضياً من حدودنا مع قطاع غزة في رفح وحتي الشيخ زويد، وتدميرها كلية، وإقامة حائط خرساني وعسكري بامتداد تلك الحدود سوف ينتهي الخطر، وهذا كله وهم كبير، لأن العدو الموجود الآن في سيناء، كامن في كافة أنحاء البلاد، بل يمتد ويكبر يوماً بعد يوم، ومصر كلها هي المستهدفة وليس سيناء، والجولة والمجتمع هما الهدف وليس الجيش والشرطة وحدهما، هما البداية وهما «العامود» الذي لو أنهار سوف ينهار كل شيء، هم يريدون انهيار كل شيء وهدم كل شيء ليعيدوا البناء من جديد وفق أهوائهم ووفق مشروعهم ومعتقداتهم، لأن البناء الحالي هو «دار الكفر» وأن كل الناس هم من الكفار.
قراءة فكر «داعش» وإصداراتهم تكشف من هم وماذا يريدون ؟
فهم من ناحية، الوجه الآخر لتنظيم «القاعدة»، لكنهم يختلفون مع القاعدة في الأولويات؛ القاعدة تعطي الأولوية لمحاربة «الكفار في الغرب» ثم تأتي مهمة بناء الدولة الإسلامية، وبعدها تأتي المعركة الكبري مع اليهود. أما «داعش» فالهدف الأول هو بناء الدولة الإسلامية علي أنقاض ما هو قائم الآن من دول، ثم محاربة الغرب، والانتهاء بالمعركة الكبري ضد اليهود. ففي كل الأحوال تأتي مقاتلة ومحاربة اليهود في آخر سلم أولويات «الجهادية السلفية التكفيرية».
لقد استمد أبو بكر البغدادي (شيخ المجاهدين أبو بكر الحسيني القرشي كما يسمونه) فكرة بناء الدولة الإسلامية من الأسس التي وضعها أبو مصعب الزرقاوي، وأبو عمر البغدادي. وكان الزرقاوي قبل اغتياله في العراق قد وعد بإقامة «الإمارة الإسلامية» وعرض المراحل التي ستعبرها: «أولاً: سنقوم بإزالة العدو (ويقصد الدول القائمة والمجتمع القائم باعتبارها دولاً ومجتمعات كافرة). ثانياً: نقيم الدولة الإسلامية، ومنها نتفجر خارجاً للاستيلاء علي بقية الدول الإسلامية. ثالثاً، وبعد ذلك نقاتل الكفار».
وضع الزرقاوي الأساس، ومن بعده أكمل المهمة كل من «أبو حمزة المهاجر» و»أبو عمر البغدادي» بإعلان قيام «الدولة الإسلامية في العراق» عام 2006 في أعقاب انسحاب الأمريكيين من العراق. وخلفهما أبو بكر البغدادي في مايو 2010 الذي انتقل للقتال في سوريا ليسيطر علي مساحات واسعة من شمالها الشرقي وليعلن في يونيو 2011 إقامة دولة الخلافة الإسلامية علي الأرض المحررة من العراق والشام، وبعدها بدأت مهمات التوسع والتمدد وضم الأتباع من الحركات الجهادية المنافسة ومنها تنظيم القاعدة وأتباعه وخاصة تنظيم دولة النصرة، بعد أن أوضح لهم أبو محمد العدناني الناطق الرسمي باسم «داعش» ما يجب عليهم القيام به بعد إعلان قيام «دولة الخلافة الإسلامية» بقوله: «الآن، وبعد تأسيس الخلافة، فقد تم إبطال منظماتكم ومجموعاتكم شرعياً، لا أحد منكم يستطيع البقاء ولو لليلة واحدة من دون إعلان الولاء للخليفة».
هذا هو العدو الذي يحاربنا وهذا هو المشروع الذي يجب أن نتصدي له بكل معاني التصدي والمواجهة وأولها الوعي بخطر هذا المشروع وأهدافه وأبعاده. فمصر جزء من المخطط، وجريمة يوم الجمعة الماضي هي إعلان بالحرب لإسقاط مصر.