فرحــــة الأنصــــار ببيعــــات الأمصــــار
بعد عملية «كرم القواديس» الإرهابية توالت العمليات التى أخذت تتكشف الواحدة تلو الأخرى فى مصر وخارج مصر، وكلها تنتهى عادة إلى بيان إعلامى يقول أن «تنظيم الدولة الإسلامية» (داعش) هو من يقف وراءها.
ونستطيع أن نميز من بين هذه العمليات عمليتين مميزتين نوعياً وسياسياً. العملية الأولى كان مسرحها قرية «الدالوة» الواقعة بمحافظة الاحساء السعودية (ذات الأغلبية السكانية الشيعية)، كان هدفها الأساسى إشعال فتنة طائفية فى المملكة تنذر بفرض السيناريو العراقى «السوداوى بصراعه الطائفى- المذهبى» على السعودية. أما العملية الثانية فوقعت بالمياه الإقليمية المصرية مقابل دمياط فجر الأربعاء الفائت (12 نوفمبر الحالى) حيث تعرض «لنش» تابع لقواتنا البحرية لهجوم من قبل 4 «بلنصات» (مراكب صيد) أسفر عن إصابة 5 من رجال البحرية، وفقدان 8 آخرين.
فقد أوضحت مصادر عسكرية مسئولة أن «اللنش التابع للواء المرور الساحلى بالقوات البحرية، وكان ينفذ مهمة دورية فى تأمين السواحل المصرية، وأنه تلقى إشارة استغاثة من ثلاثة (بلنصات) كانت تبحر بالمنطقة، وعندما اقترب منها، فتح ركاب البلنصات النيران من أسلحة ثقيلة على اللنش من عدة اتجاهات»، كما أفادت معلومات أخرى أن البلنصات الأربعة لم تبادر بفتح النيران على لنش القوات البحرية، لكنها كانت تستهدف محاصرته وتهديد من عليه من القوات فى محاولة لاختطافهم، وأياً كان الهدف هو إدارة معركة بين الإرهابيين والقوات البحرية أو اختطاف اللنش وطاقمه فإننا أمام عملية نوعية هجومية مدبرة ومخططة تكشف وتؤكد أن تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) أصبح طرفاً أصيلاً فى الحرب على مصر، وأن العلاقة بين تنظيم «أنصار بيت المقدس» وتنظيم «داعش» التى تأسست منذ عدة أشهر وعبّرت عن نفسها فى عمليات تنسيقية مشتركة من أبرزها عملية «كفر القواديس» فى شمال سيناء (أكتوبر 2014) وقبلها عملية «الفرافرة» قد تحولت إلى علاقة ارتباط تنظيمى سبقه التزام فكرى وعقائدى من جانب تنظيم «أنصار بيت المقدس» بتنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، وتفكيك لارتباطات سابقة بين تنظيم «أنصار بيت المقدس» وتنظيم «القاعدة».
هذا التحول انعكس مباشرة على عمليات تنظيم «أنصار بيت المقدس» الإرهابية، حيث جاءت العملية البحرية الأخيرة تطبيقاً لنظرية تنظيم «داعش» فى التخلى عن أسلوب الكر والفر والتفجيرات الانتحارية السابقة إلى تبنى أسلوب الهجوم المباغت والدخول فى معارك مواجهة مباشرة مع القوات المسلحة والشرطة، وتعمد إدارة معركة ميدانية للسيطرة على الأرض ولو لفترة زمنية محدودة يتم بعدها الانسحاب والاختفاء على أمل النجاح فى السيطرة على «أرض « دون الانسحاب منها، وإعلانها نواة لـ «ولاية إسلامية».
تحول ميدانى خطير عبر عن نفسه سياسياً فى إجراءين تنظيميين، الأول من جانب تنظيم «أنصار بيت المقدس» التى أعلنت فى بيان انضمامها إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» ومبايعة زعيمها أبوبكر البغدادي. جاء فى هذا البيان الخطير أنه «بزغ فجر جديد، وعز مجيد بقيام دولة للمسلمين، وارتفعت راية التوحيد، وأقيمت الشريعة، وطبقت الحدود، وأزيلت الحواجز، وكسرت السدود، وأعلنت الخلافة فى العراق والشام، واختار المسلمون خليفة لهم هو حفيد خير الأنام (يقصدون انتماء زعيم «داعش» إلى النسب النبوى الشريف»)، فلم يسعنا والحال هذه إلا أن نلبى داعى الله». واختتم البيان بالقرار التنظيمى على النحو التالي: «طاعة لأمر الله عز وجل، وطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بعدم التفرق ولزوم الجماعة نعلن مبايعة الخليفة إبراهيم بن عواد إبراهيم القرشى الحسينى (يقصدون زعيم «داعش» الملقب بـ «أبوبكر البغدادي») على السمع والطاعة فى العسر واليسر، وندعو المسلمين فى كل مكان لمبايعة الخليفة ونصرته».
الإجراء التنظيمى الثاني، جاء على لسان زعيم «داعش» أبو بكر البغدادى فى أول رسالة صوتية له بعد شائعة مقتله تضمنت ثلاث رسائل، الأولى يطمئن فيها أنصاره على سلامته وسلامة دولته «اطمئنوا .. دولتكم بخير ولن يتوقف زحفها ولو كره الكافرون، نبشركم بتمدد الدولة إلى الحرمين (الاسم المعتمد عند «داعش» للمملكة العربية السعودية) واليمن ومصر وليبيا والجزائر وإعلانها ولايات جديدة للدولة الإسلامية». الرسالة الثانية زف فيها بشرى مبايعة «أنصار بيت المقدس» له ولدولته، كان سعيداً وهو يتحدث عن «فرحة الأنصار ببيعات الأمصار» كما خاطب أتباعه فى تنظيم «أنصار بيت المقدس» بقوله: «هنيئاً لكم، وابشروا، هنيئاً لكم الجهاد ضد طواغيت مصر»، وطلب من الجماعات الإرهابية التى بايعته إلغاء أسمائها، وإطلاق اسم «ولاية» على كل منطقة يسيطرون عليها. أما الرسالة الثالثة فتعمد أن تتضمن تبنى تنظيمه أو دولته للعملية البحرية التى وقعت ضد لنش القوات البحرية المصرية شمال دمياط.
لم تكتمل فرحة أبوبكر البغدادى بجريمة قرية «الدالوة» السعودية بعد أن أجهض أشقاؤنا فى المملكة رهانه بانفجار صراع مذهبى طائفى نتيجة لهذه الجريمة التى استهدفت إحدى الحسينيات (دار مناسبات شيعية) بقرية «الدالوة» بمحافظة الاحساء شرقى السعودية حيث فتح إرهابيون النار على عدد من المواطنين لحظة خروجهم من تلك «الحسينية» فقتلوا 8 مواطنين وأصابوا أكثر من 15 مواطناً كما قتلوا اثنين من رجال الشرطة السعودية كانوا قد دخلوا فى مواجهة مع الإرهابيين. كان هدف الإرهابيين هو أن يبادر الشيعة من مواطنى السعودية أبناء الاحساء والقطيف للانتقام من مواطنين سنة، لكن الشعب السعودى توحد مع نفسه ومع دولته وأجهزته الأمنية، وأجهضوا هذا المخطط حيث أصدر كبار علماء الاحساء والقطيف «الشيعة» ومشايخهم ورموز المثقفين وكبار رجال الأعمال «الشيعة» فى المحافظتين بيانات مهمة وتاريخية أدانوا فيها كل من يسعى إلى تكفير المسلمين، وكل من ينتهج «المبدأ التكفيري» والنيل من الوحدة والتلاحم الوطنى فى المملكة، وأكدوا أن جريمة قرية «الدالوة» لا تمت بصلة للدين أو للوطن، وأن مرتكبى هذه الجريمة «لا يمثلون ديناً أو مذهباً أو طائفة معينة بل هم من معتنقى الفكر الشيطانى الخبيث». وجاءت استجابة الدولة بأجهزتها المختلفة وخاصة الأمنية وهيئة كبار العلماء فى المملكة والمفتى والرئيس العام لهيئة «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» على نفس المستوى من الوعى والوطنية والكل أجمعوا قولاً وفعلاً على أن «ما حدث فى الاحساء إرهاب استهدف التماسك الوطني» تجب مواجهته بكل السبل.
أين التيار السلفى المصرى بفصائله المختلفة من هذا السلوك وهذا الوعى بالمخطط الإرهابى والخطر الذى يتهدد مصر: أين موقف الدعوة السلفية، وحزب النور، والجماعة السلفية، وحازمون، والسلفية الجهادية فى مصر من مخطط الإرهاب ومشروع «داعش» الذى يريد أن يحول مصر إلى «ولاية تابعة للخليفة أبو بكر البغدادي».
نريد مصارحة وطنية لأن الخطر على مصر ليس فى تنظيم «داعش» ورافده المصرى «أنصار بيت المقدس» ولكن فى وجود وعاء وعمق استراتيجى سلفى وإخوانى هائل مهيأ للانخراط فى مشروع «داعش». نريد مصارحة قبل أن يفاجئنا الخليفة أبو بكر البغدادى بتهنئة أوسع من «الأنصار» إلى «المبايعين الجدد» فى الأمصار التى يسعى وينتظر مبايعتهم.