الثورة، كما تعلمناها، لا يمكن إلا أن تكون عملاً شعبيًّّاً وعملًّا تقدميًّا، أن تكون عملاً شعبياًًّ بمعنى أن تكون مطلب وإرادة كل الشعب بكل مكوناته وأطيافه، وألا تكون عمل فئة أو طائفة من الناس بعينها.
وأن تكون عملًا تقدميًّا بمعنى أن تكون لها رؤية نهضوية قادرة على تحقيق التغيير نحو الأفضل والخروج من قيود واقع أليم ومتخلف إلى مستقبل واعد ومشرق. وهذا ما يميز الثورة عن الانقلاب، الذى يكون من فعل جماعة أو فئة ضد النظام الحاكم بهدف إسقاطه وفرض سيطرة هذه الفئة أو الجماعة التى قد تكون منعدمة الرؤية ومفتقدة لمشروع وطنى يمثل إرادة شعبية.
أين هذا كله من دعوة ما يسمى بـ «الجبهة السلفية» وجماعة الإخوان المسلمين ومن بقى من أعضاء حركة »حازمون« إلى الخروج والتظاهر برفع «المصاحف» يوم الجمعة المقبل (28 نوفمبر 2014) بهدف إشعال ثورة إسلامية مسلحة، حسب تهديدهم؟!..
بالمعيار الذى عرفنا به «الثورة»، فإن ما يخطط له هؤلاء يمكن وصفه بـ «الفعل الانقلابي» أو بـ «الفتنة الدينية» أو الاثنين معاً لأسباب كثيرة من أبرزها:
أن هذه دعوة «فئة ضالة» عن الشعب المصرى بكل قواه الوطنية ولا يعبرون عن إرادة الشعب التى أعلنها فى ثورة 25 يناير وثورة 30 يونيو ثانياً بإسقاط نظام الفساد والاستبداد والدولة العاجزة الفاشلة الرخوة والظالمة، وبإسقاط نظام الإخوان الإقصائى الانقلابي، هؤلاء يريدون الانقلاب على الثورة التى فجرها الشعب للانحراف بإرادة الشعب نحو أهداف وغايات يريدها هؤلاء الانقلابيون.
أن هذه الدعوة بإعلان نواياها التظاهر برفع «المصاحف» أو برفع «المصاحف والسيوف معاً» تكون قد حكمت على نفسها بأنها «فتنة دموية» وأن من يقومون بها هم من «الخوارج» على إجماع المسلمين والانشقاق عليهم، ويريدون تجديد أحداث أخطر الفتن التى واجهت أمة الإسلام التى شقت وحدة المسلمين وإجماعهم منذ حدوثها فى خضم معركة «صفين» سنة 37 هجرية التى كانت بين أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه وأرضاه ومعاوية بن أبى سفيان» الذى كان والياً للشام وخرج على أمير المؤمنين بحجة رفض أمير المؤمنين تسليمه قتلة سيدنا عثمان بن عفان رضى الله عنه وأرضاه، فعندما أدرك معاوية أن رياح المعركة مالت إلى جانب معسكر أمير المؤمنين وكاد الأمر أن يحسم، فكر فى طريقة لوقف المعركة، ولو مؤقتاً، ليعيد ترتيب صفوفه، فأمر برفع المصاحف على الرماح داعياً إلى التحكيم، أى تحكيم كتاب الله فى هذا القتال، وكان معاوية يعلم مدى حرص الإمام عليّ بن أبى طالب على السلم وحفظ دماء المسلمين. وحين قبل أمير المؤمنين بالتحكيم، أوقف القتال إلى أمد محدد، وانتدب عنه أبا موسى الأشعري، فيما انتدب معاوية عمرو بن العاص، وهنا ظهرت جماعة من المسلمين: «العباد الزهاد من حفظة وقراء كتاب الله ممن كانوا يقاتلون فى صف الإمام عليّ، وخاطبوه: «أتُحكِّم الرجال بكتاب الله، إن هذا كُفر» وطالبوه بالرجوع عن ذلك والتوبة من هذا الفعل، ثم خرجوا عليه، وأعلنوا الحرب عليه، وكانت هذه فاتحة ولادة هذه الطائفة، التى تمادت فى تكفيرها المسلمين وقررت قتل الإمام عليّ بن أبى طالب أمير المؤمنين وقتل كل من معاوية بن أبى سفيان وعمرو بن العاص، ونجحت فى قتل الإمام عليّ، وفشلوا فى قتل معاوية وعمرو بن العاص، فكانت الفتنة التى شقت وحدة المسلمين منذ ذلك التاريخ وحتى الآن، وكان ظهور جماعة «الخوارج» الذين صاروا فرقاً عديدة، لكنهم تجمعهم مواصفات مشتركة تتجسد الآن فى هؤلاء الخوارج الجدد.
فهؤلاء «الخوارج» يعلنون دائماً تمسكهم الشديد بالإسلام وشعائره وعباداته، لكنهم سريعو التكفير للآخرين، بل لكل من ليس منهم، ويوسعون دائرة القضايا التى تخرج من الدين، وما يتبع هذه الأحكام من إسقاط لحرمة الدم والعرض والمال، ولهذا السبب فإن قدرتهم على الحوار والجدل محدودة، ليس بسبب قلة العلم فحسب، وإنما بسبب اقتناعهم بأن الآخر كافر لا جدوى من مجادلته.
وهؤلاء «الخوارج» سفاكو دماء وتكفيريون، يستسهلون القتل ويمضون فيه ويتعجلون فى تكفير من يخالفهم، وعندهم فإن القتل يطال «المسلمين المرتدين» قربة من الله تعالي، لذلك فإن القتل عندهم أقرب ما يكون إلى العبادة، لذلك لديهم تباهى بارتكاب القتل، وهو تباهٍ لا يرجع فقط إلى رغبتهم فى «إرهاب العدو» وإنما أيضاً إلى توكيدهم قطع الصلة بالآخر (من ليس معهم) على نحو حاسم. وهم لا مرجعية عندهم إلا أنفسهم، وما يفهمونه من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، فلا يأخذون برأى علماء المسلمين، ولا يقفون على اختلاف الآراء فى القضايا المطروحة إلا ما وافق رأيهم، ولا يعيرون اهتماماً لأئمة وعلماء ومؤسسات دينية لها احترامها وكرامتها.
تلك الفئة الباغية التى ستخرج علينا يوم الجمعة المقبل رافعة كتاب الله بيد وحاملة السيوف أو المتفجرات باليد الأخرى هى من رحم هؤلاء الخوارج، وهم الخوارج الجدد بكل ما يعنيه ذلك من تحقيق الفتنة وضرب وحدة الأمة، وهم يخططون لتحقيق انشقاق شعبى مؤيد ومتعاطف معهم تحت دعوة «نصرة كتاب الله».
السبب الثالث أن الخروج يوم الجمعة القادم يأتى تنسيقاً واستجابة لدعوة «تنظيم الدولة الإسلامية» (داعش) وزعيمها أبو بكر البغدادي، الذى بايعه منذ أسبوعين تنظيم «أنصار بيت المقدس» والذى رفع متظاهرو جماعة الإخوان أعلامه وهتفوا له فى تظاهراتهم يوم الجمعة الماضى (21 نوفمبر 2014)، التى دعوا خلالها إلى إشعال «ثورة إسلامية مسلحة». فى حين أعلن منسق ما يسمى بـ «الجبهة السلفية» المدعو خالد سعيد بأن يوم الجمعة 28 نوفمبر 2014 «سيشهد قندهار 2» فى جميع محافظات الجمهورية ويقصد تفجير ما يعتبره «ثورة إسلامية» على هدى مما يعتقده «ثورة جهادية أفغانية».
تنظيم «داعش» كان قد طالب عقب جريمة «كرم القواديس»، شباب الإخوان المسلمين بضرورة «تبنى العمل المسلح وإعلان الجهاد». ففى بيان نشر على مواقع التواصل الاجتماعى تحت عنوان «الصدام المحتوم» دعت «داعش» الإخوان وشباب التيار الإسلامى إلى «قتال الكفار» (والكفار هنا هم كل المصريين باستثناء من يعتبرونهم مجاهدين) وإلى أن «يعودوا إلى كتاب الله برفع راية الجهاد ووقف المظاهرات والأعمال السلمية» مشيراً إلى أن «الخلافة التى يريدونها موجودة بالمشرق (بالعراق والشام أى الدولة الإسلامية) وعليهم العمل داخل أراضيهم لتمددها وتوسعها وإلغاء الحدود».
هكذا تحددت الأهداف وتكشفت نوايا التآمر الانقلابية وعلينا نحن، كل المصريين، أن نعرف كيف ندافع عن مصرنا وعن ديننا وإيماننا من هؤلاء التكفيريين الخوارج الجدد، وهذا لن يتحقق إلا بوحدة الشعب وكل قوى الثورة المصرية مع الجيش والأمن، وليس عبر انشقاقاتنا وانقساماتنا وإصرار البعض على تجريم وتخوين ثورة 25 يناير، وليس عبر الاعتماد فقط على المواجهة الأمنية، فالمعركة هى معركة مصر ومعركة كل المصريين.