إستراتيجيات بناء المستوطنات في إسرائيل (3/3)
الأحد 29/ديسمبر/2013 - 01:17 م
مصطفى أمين
رابعًا: مستوطنات المرحلة الثالثة (1948 – 2007م):
تمثل هذه المرحلة الحلقة الأولى من حلقات التوطن اليهودي داخل الدولة الإسرائيلية عقب إعلانها في 15 مايو 1948م، وهو التوطن الذي بدأ في إنشاء مستوطنات جديدة بدون أي صعوبات أو معوقات كما في المراحل السابقة، قائمًا على مساحات هائلة من الأراضي، التي أصبحت -بحكم القوانين الإسرائيلية- أراضي بوار ومهجورة، بعد أن طرد اليهود منها سكانها العرب الأصليين .
وبدأت عمليات إنشاء المستوطنات تخضع لاعتبارات ومعايير جديدة قائمة على التخطيط وحسن إدارة الموارد الأرضية المتاحة والتوزيع على مناطق جغرافية ذات أهمية اقتصادية وسياسية وأمنية، بعد أن توطد استقرار الدولة عقب هزيمة الجيوش العربية عام 1948م. ويمكن تقسيم هذه المرحلة إلى أربعة فترات رئيسية :
1. الفترة الأولى (1948 - 1967م).
2. الفترة الثانية (1968 - 1980م).
3. الفترة الثالثة (1981 - 1994م).
4. الفترة الرابعة (1995 - 2007م).
§ الفترة الأولى: ( 1948 – 1967م)
وتبدأ هذه الفترة عقب انتهاء حرب 1948م وقيام دولة إسرائيل، والتي ترتبت عليها عملية هجرة وتهجير واسعة للغالبية من الشعب الفلسطيني، والتي شملت أوضاعًا جديدة، شملت المئات من القرى وعشرات المدن ومئات الآلاف من الدونمات التي تركها اللاجئون العرب، وفي المقابل ترك الآلالف من المجندين في صفوف الهاجناه والبالماخ وحداتهم العسكرية، وبدأت بذلك عملية توطين واسعة، شملت المساكن العربية في مدن حيفا ويافا والرملة واللد وعسقلان وبئر سبع وطبرية وبيسان وعكا والقدس، وبقية القرى العربية ( ) . وقد بدأت الحكومة الإسرائيلية في مواجهة مشكلة توطين هؤلاء المجندين بالإضافة إلى إيجاد أماكن لإقامة الآلاف من المهاجرين اليهود الجدد الذين ذهب جزء منهم إلى المستوطنات المقامة التي عانت من نقص الوحدات السكانية. (59)
ولذلك فقد قامت إسرائيل ببناء 39 مستوطنة في الفترة من عام 1948م -عقب إعلان دولة إسرائيل- إلى نهاية العام، مع الاستمرار في توطين اليهود المهاجرين في القرى والمنازل العربية التي تركها أهلها، وخلال الفترة من عام 1949م إلى 1950م، أقامت إسرائيل 210 مستوطنة في مرتفعات القدس والجليل والنقب، بالإضافة إلى مجموعة المستوطنات التي أقيمت على السهل الساحلي. (60)
وقد حظي النقب باهتمام كبير من عام 1949؛ حيث أقيم به 27 مستوطنة جميعها في نوع الكيبوتز، فيما عدا جيفوليم وجيلات، وتم مد شبكة من أنابيب المياه من منطقة نير عام في الشمال الشرقي من قطاع غزة؛ لإمداد المستوطنات الجديدة بالمياه، وتم توزيعها في مناطق أودية النقب ووادي عربة؛ وذلك لتوفير الاستقرار والأمن لها، خاصة وأن إقامتها كانت إلى حد كبير بعيدة عن مناطق التكتلات الاستيطانية الكبيرة. (61)
ومع نهاية عام 1953م وصل عدد المستوطنات إلى 345 مستوطنة و251 موشاف، و96 كيبوتز استوطن بها 20 ألف عائلة على مساحة 1.150.000 دونم. وفي أعقاب قيام الدولة الإسرائيلية. قامت إسرائيل بإنشاء مجموعة من المستوطنات في مناطق مختلفة؛ وذلك بهدف سد الثغرات الأمنية على الحدود، الناتجة عن سيطرة القوات الإسرائيلية على مساحات كبيرة من الأرض التي أخليت من العرب، ولكي تكون هذه المستوطنات نقاط دفاع ضد الهجمات العربية المتوقعة وعمليات التسلسل عبر الحدود عملت السلطات الإسرائيلية على تعمير المستوطنات التي دمرت أثناء الحرب وقامت بإقامة مجموعة من المستوطنات في المناطق النائية بهدف توطين اليهود في هذه المناطق .
وقد رافق عمليات بناء المستوطنات في هذه المرحلة تخطيط واسع النطاق لإيجاد مقومات الاستيطان الداعمة له، ومنها إقامة شبكة من مشروعات المياه لتوفير المياه للمستوطنات الجديدة، وكان من أهمها مشروع العوجا وقناة المياه القطرية، وكذلك شبكة من الطرق الحدودية لتأمين الاتصال بين هذه المستوطنات ومناطق التجمع الكبيرة في المدن. (62)
وعقب تنفيذ المشروعات المائية ازدادت معدلات بناء المستوطنات في سنوات 1954- 1955م، خاصة في منطقة لاخيش، ومن عام 1956 إلى 1967م انخفض عدد المستوطنات خلال 12 عام إلى 64 مستوطنة، منها 13 مستوطنة خلال عام 1956، و9 مستوطنات خلال عام 1957م، و11 مستوطنة خلال عام 1958م؛ مما يعني أن السنوات التسع التي سبقت عام 1967م أنشئ بها 31 مستوطنة فقط بمعدل 3.5 مستوطنة سنويًّا، وهو معدل يظهر انخفاضًا واضحًا لم يظهر في الفترات السابقة خلال مراحل إنشاء المستوطنات اليهودية. (63)
ويرجع ذلك للأسباب الآتية :
1) تناقص عمليات الهجرة اليهودية خلال تلك الفترة وبالتحديد من عام 1960م – 1967م.
2) انهماك السلطات الإسرائيلية في هذه المرحلة في استيعاب وتوطين موجات الهجرة السابقة وإقامة مستوطنات جديدة لهم على حسب الإمكانيات المتاحة لديها .
3) التركيز من جانب السلطات على التوطين الحضري والمدني وإنشاء ما عرف باسم مدن التطوير وذلك للتوجه الإسرائيلي نحو الاقتصاد الصناعي بدلاً من التطوير الزراعي والمستوطنات الزراعية (64)
ومن أهم المستوطنات التي أقيمت خلال هذه الفترة:
دلتون - دوش - البلغيط - ساسا - كفار شماي - سفسوفاة - علماة - جونن - نيرعام - كفارهناسي - ميرون - روفين - مرجاليوت - جاروت - شـفر - سدة اليعزر - هجوم فريم - يرؤون - يفتاح - أربيل - الموت - يورياة كفارب عشوداة - يورياة نفة عوقيد - بيت قاتسير - تسمح - سدة إيلان - كفار زيتيم - لافي - متسفاة - ميوراة - متي عز - معجان - احيهود - بارود عليت - بنست - بني عمر - بيت هعمق - تساهل - تسورنل - جعتون - جورن - جيشر هزيف - تاروم - ناعوز - تسلافون - تسوفاة - جاريم - جفعت شاؤول - عمينا داف - نجـم - نسن هاريم - يشعي - سوتيفاة – عاجور - قاشتل - كفار زخرياة - ماعوز تسيون - محـياة - مسلات نسيون - مطاع - مقوبيتار - مناحات - نتف هالامداة - يوفال - أشموراة - شرور - عين هامفراتز - برازون - افيطل - رفاياة - مجدال هاعمق - ميطاف - بيروقاة - جفعت تيلي - سدة تيسحاق - كفار تسفي - مؤور - يمن أور - أورعقيفا - جني تكفاة - نفة افراييم - بهن - أحوزت نفتالي - بيرياة - بقعيم - ههداشا - أديريم - أرانيم - تل يوسف - جازيت - جفت شموئيل - ريخاسيم - مليلوت - بيت حنتياة - نير يافة – متسر - حورشيم - أميريم - نوتيرا - دوفف - كفار حسيديم - نير الياهو - كرم بني زمراة - كورازم - سجف - يودفـات - مفراتزايلان - ديدورا - ميكورون - جروفيت - ربات - أشلاج - عين حتسفاة - قريت بنيامين. (65)
2) ) الفترة الثانية: (1967م - 1980م):
أحدثت حرب يونيه عام 1967م وسقوط مساحات كبيرة من الأراضي العربية إلى حدوث نوع من الخلل لمشاريع بناء المستوطنات داخل إسرائيل مع اندفاع العديد من المستوطنين إلى الاستيطان في الأراضي العربية التي احتلت عام 1967م، وهكذا وجهت جهود أقل نحو استيطان مناطق الجليل والنقب بعد أن كانت هاتان المنطقتان تحتلان المرتبة الأولى في بناء المستوطنات(66)
ولكن السلطات الإسرائيلية تابعت اهتمامها ببناء مستوطنات داخل إسرائيل، ولكن ليس بنفس الجهد الذي قامت به في الأراضي المحتلة عام 1967م وذلك للأسباب الآتية :
1- ضرورة بناء العديد من المستوطنات اليهودية داخل الأراضي المحتلة عام 1967م، وذلك لأهداف سياسية وعسكرية وأمنية مما أدى إلى عدم الاهتمام بالمستوطنات الجديدة داخل إسرائيل أو بنائها .
2- ابتعاد خطوط وقف إطلاق النار عن المناطق الحدودية القديمة القريبة من المستوطنات داخل إسرائيل وبالتالي أدى ذلك إلى افتقاد البعد والأهمية الأمنية لها وانتقالها إلى خطوط أبعد مما استلزم نقل الثقل الاستيطاني لهذه المناطق الجديدة .
3- الأهمية الاقتصادية للأراضي الجديدة إذا قورنت بالأراضي التي تتطلب إقامة مستوطنات في النقب والتي تستلزم عملية إقامة مستوطنات بها إلى تكاليف كبيرة كما أنه ليس لها أهمية اقتصادية مثل المستوطنات الجديدة في الضفة أو الجولان(67)
ولقد كان النقب على رأس اهتمامات إسرائيل حيث قامت ببناء مستوطنتي ناحال في وادي عربة هما بئر تسوفر في بئر سبع وكتورا في النقب الجنوبي، وقد تم تحويل مستوطنة نؤوت هكيكار إلى مستوطنة موشاف في عام 1968م، وتم إنشاء مستوطنة الوميم في النقب الشمالي(68)
ولم يغب الجليل عن اهتمام السلطات الإسرائيلية، فقد أقيمت به مستوطنات زرعيت وكفار روزنوالد في الجليل الاعلى على مقربة من الحدود الشمالية، بالإضافة إلى مستوطنة شتولا على مرتفعات أداميت في الجليل الغربي، وأقام بها ثلاثون عائلة يهودية، بالإضافة إلى مستوطنة حسون في المنطقة الواقعة بين الجليل الأعلى والأسفل على ارتفاع 550 م أقيم بها 75 وحدة سكنية، ومستوطنة نارية في الجانب الغربي من جبل الجرمق، وأقيمت مستوطنة جديدة بالقرب من مصب نهر الأردن عند بحيرة طبرية ومستوطنة معالة جلبوع وكان مركزاً للناحال في مقابلة الحدود السورية وتحول إلى كيبوتز .
وفي السهل الساحلي أقيمت مستوطنة راموت مايير قرب رحفوت، ومستوطنة نفة إيلان بين القدس ويافا، بالإضافة إلى كفار عقب(69)
هذا وقد بلغ عدد المستوطنات التي أقيمت في منطقة الجليل خلال تلك الفترة 12 مستوطنة، و4 مستوطنات في سهول طبرية والحولة، و9 مستوطنات في وادي عربة، و5 مستوطنات في النقب، و8 مستوطنات في باقي المناطق في إسرائيل، 2 في منحدرات القدس، و2 في لاخيش، 4 في سهول الخضيرة(70)
ومن أهم المستوطنات التي أقيمت خلال تلك الفترة :
حسون - نسورناتان - شئولا - بئير تسوفر - زرعيت - بيسروبيت - كتورا - رامون مائير - كفار عقب - نفة إيلات - ياعـد - منوف - سـكينا - كورنيت - بيت ريمون - عمكا - كاحل - لبنيم - ربيد - تفوحوت موساد - كفر حنا ينا - كدريم - كالبنت - توبال - سلمون - هرريت - شرتسيم - مخمتايم - المناطر - موراز - كوتام - جرنيت هجلي - باريوحاي - كفيردت - كينسور – حزون(71)
ومن خلال العرض السابق يتضح لنا :
1- انخفاض الاهتمام بإقامة المستوطنات في المناطق الثلاثة الرئيسية التي مثلت محور الاستيطان منذ إعلان الدولة وهي ( الجليل – النقب – وادي عربة ) وذلك للاتجاه نحو إقامة مستوطنات جديدة في الأراضي المحتلة عام 1967م .
2- شكلت منطقة الجليل أعلى المناطق في إقامة المستوطنات خلال تلك الفترة وذلك للأهمية التي حظيت بها لإقامة مستوطنات ذات مواقع استراتيجية للتأمين والحماية بالقرب من الحدود الشمالية .
3- شكل وادي عربة منطقة اهتمام جديدة لتأمين الحدود الأردنية ومحاولة استغلاله اقتصادياً .
4- بقيت مرتفعات النقب أقل المناطق اهتماماً وخاصة بعد تراجع موقعها مع احتلال سيناء
3) الفترة الثالثة ( 1981 - 1994م ) :
تعد الفترة الثالثة أحد الفترات الفارقة في تاريخ الاستيطان الإسرائيلي منذ بدايته، فقد دشنت هذه الفترة الارتداد البطئ نحو الاهتمام بإقامة المستوطنات في المناطق الإسرائيلية ومحاولة تلافي الضغوط الخارجية من أجل إيقاف الاستيطان في الضفة الغربية وقطاع غزة خاصة أنه في نهاية السبعينات بدأت الأصوات تتعالى داخل إسرائيل بعد التأكد من إمكانية إخلاء مستوطنات سيناء مطالبة بتركيز الاستيطان في منطقة الجليل التي شهدت عمليات استيطانية واسعة مهددة أوضاع السكان العرب فيه .
ويمكن تقسيم الجليل إلى ثلاث قطاعات :
1- الجليل الجنوبي: ويشكل العرب 42% واليهود 58% من مجموع السكان
2- الجليل الأوسط : ويشكل العرب 36% واليهود 64% من مجموع السكان .
3- الجليل الشمالي: ويشكل العرب 22% واليهود 78% في مجموع السكان .
وقد دفع ذلك الحكومة الإسرائيلية إلى دفع الاستيطان في هذه المنطقة لإحداث عملية التحول الديموغرافي لصالح المستوطنات اليهودية وإجبار السكان العرب على بيع أراضيهم لإقامة مستوطنات جديدة عليها من أجل اليهود الوافدين إلى إسرائيل(72)
وقد اقترحت عدة مشروعات خلال تلك الفترة تهدف إلى إقامة مستوطنات في عدة مناطق داخل إسرائيل وعلى رأسها الجليل والنقب .
واعتبر رعنان فايتس(*) أن الخطر الحقيقي يكمن في منطقة الجليل والنقب معتبراً الجليل خطراً حقيقياً باعتباره جزءاً مكملاً للدولة، على الرغم من الكثافة العربية به ومساهمته البالغة نحو 1.5 مليون دونم، وبالتـالي يحتاج إلى تكثيف التواجد اليهودي بإقـامة المستوطنات به .
ودعا إلى إقامة 50 مستوطنة جديدة يقطن بها 6000 مستوطن من العمالة اليهودية بالإضافة إلى توفير فرص العمل المباشرة وغير المباشرة لـ 12 ألف عائلة تضم 55 ألف نسمة(73)
وقد أقيمت بالفعل حتي عام 1989م 46 مستوطنة توزعت في المنطقة الشمالية والجليل والنقب، وهي كالتالي : 34 مستوطنة في سهول الشارونا، والسهل الساحلي 4 مستوطنات، وفي الجنوب في النقب 7 مستوطنات .
وعلي الرغم من ذلك نجد أن السياسة الإسرائيلية لازالت تفضل إقامة المستوطنات في الضفة الغربية على باقي المناطق، فقد أقامت بالتوازي مع هذه الفترة في الضفة الغربية وقطاع غزة 68 مستوطنة، 5 مستوطنات في قطاع غزة(74)
وقد تم التركيز على وادي عربة بإقامة 4 مستوطنات جديدة به ومحاولة تركيز المستوطنات في النقب الغربي الجنوبي، وقد مثلت منطقة المثلث الواقعة بين قطاع غزة وبئر السبع وخلوصة والتي تبلغ مساحتها 1 مليون دونم أهمية كبيرة في التوجه الاستيطاني وذلك لتكون هذه المستوطنات معرقلاً لأي هجوم مصري متوقع وكذلك فقد أقيم بها حتى عام 1989م 12 مستوطنة تركزت معظمها إلى الجنوب من غزة قرب الحدود المصرية .
ومن أهم المستوطنات التي أقيمت في تلك الفترة :
حتسيبة تسوريم - يهود بيت - كمون - كاليليوت - عتصيون - اشيرت - جبعات غورب - متسبيه كتسير - يوفليم - ربيد - نتيف هعسرة - رقفت
هذا وقد تميزت هذه الفترة بعدة سمات تمثلت فيما يلي :
1- التوجه مرة أخرى إلى إقامة المستوطنات داخل الدولة، وخاصة في مناطق النقب والجليل، وذلك بعد انسحاب إسرائيل من شبه جزيرة سيناء وتوقع انسحاب في مناطق أخرى وهذا ما حدث بالفعل في غزة .
2- اتجاه السياسة الإسرائيلية إلى تركيز المستوطنات كحائط دفاعي إلى الجنوب من غزة ضد أي هجوم مصري محتمل أو منع تسلل عناصر إلى داخل إسرائيل .
3- ظل النقب والجليل يحتل الصدارة في إعداد المستوطنات المقامة به على طول تلك الفترة وذلك للاعتبارات الديموغرافية للسكان العرب في الجليل والمساحات الكبيرة الغالبة على السكان في الجنوب بالنقب .
4- أصبحت السمة العامة لدى السياسة الإسرائيلية فيما يخص إقامة المستوطنات هي الانتشار شمالاً وجنوباً وإن تفاوت الأمر من منطقة إلى أخرى وتراجع اليشوف القديم كمركز جذب للمستوطنات .
4) الفترة الرابعة (1995 – 2007م ) :
وقد شهدت تلك الفترة حملات موسعة لتشجيع العائلات اليهودية في إسرائيل على الإقامة في مناطق النقب لتوسيع تهويده على الرغم من أن النقب يتم إقامة المستوطنات به وفقاً للخارطة الهيكلية العامة لإسرائيل المعروفة باسم ( تاما 35 )(*)، وتمت هذه العملية من خلال مساهمة العديد من الجهات الحكومية بالإضافة إلى مؤسسة خاصة في عمليات التوطين به .
ويقوم على عمليات إقامة المستوطنات داخل إسرائيل وبالتحديدي في الجليل والنقب منذ بداية هذه الفترة جمعية خاصة تطلق على نفسها اسم ( أور ) وتعد أكثر الجمعيات تأثيراً في مجال التخطيط والبناء الاستيطاني في إسرائيل، والجهة التي تسيطر على عمليات الاستيطان في النقب والجليل بالتعاون مع الدوائر الحكومية الإسرائيلية والدوائر الصهيونية العالمية كالوكالة اليهودية ودائرة أراضي إسرائيل .
وقد أنشأت هذه الحركة عام 1999م مستوطنة سنسانا في سفوح جبال الجليل، وقد أقام بها أعضاء من الحركة بالإضافة إلى مجموعة من الشباب المتزوجين من مدن رمات جان وبتاح تكفا وجعفوت والقدس وبلغ عدد سكانها حوالي 250 شخص، ومعظم البيوت متنقلة بالإضافة إلى بعض الفيلات في هذه المستوطنة لاستيعاب 2200 شخص .
وفي عام 2001م أقيمت مستوطنة ميرحاف بالقرب من مستوطنة سدة بوقـر وبلدة يروحام في النقب ويزيد عدد سكانها عن 130 شخصاً بالإضافة إلى مستوطنة بئر ميلكا في النقب وعدد سكانها يزيد على 35 فرداً وأقيمت عليها 50 وحدة سكنية للإقامة المتصلة، وفي عام 2003م أقيمت منسبة عيرونه في منطقة المثلث الشمالي في منطقة عيرون وأقامت عام 2004م مستوطنة جفاعوت بار وبلغ عدد سكانها 100 مستوطن بالإضافة إلى مستوطنة خسروب، ويقيم بها 70 شخصاً من المتدينين اليهود، ومعدة بوحدات سكنية 110 مستوطن .
وفي عام 2007م تم إنشاء مستوطنة جفعات بار في النقب وفقاً لخطة إنشاء مستوطنات بالنقب تمول من صندوق JNF الأمريكي بمبلغ600 مليون دولار لتنشيط الاستيطان في النقب والجليل، وساهمت حركة أور في توطين العديد من المستوطنين التي تم إخلاؤهم من غزة عام 2005م في مستوطنات بالنقب والجليل وإقامة بؤر استيطانية لهم على شكل بيوت متحركة(75)
من خلال العرض السابق لمراحل نشأة وتطور المستوطنات يتضح لنا :
1- شكلت دعوات التوطن اليهودي في فلسطين بداية التمهيد لإنشاء المستوطنات في فلسطين التاريخية وإن كانت لم تنتقل إلى الواقع العملي إلا بأيدي الرأسماليين اليهود .
2- كان الطابع الاستغلالى الاقتصادي الأغلب خلال المرحلة الأولى من التوطن اليهودي في فلسطين وإن كانت الأهداف السياسية موجودة ولكنها لم تكن معلنة بالشكل الذي يؤثر على الرغبة العملية في خلق دولة من خلال هذه المستوطنات .
3- لعبت المرحلة الأولى دوراً هاماً في تحديد النطاق الجغرافي للتوطن المنتظم مع بداية المرحلة الثانية وخلقت عامل جذب للمستوطنات في مناطق لم تكن محل اهتمام من جانب العرب لرغبتهم في التواجد في المحلات المرتفعة في الضفة الغربية .
4- ركزت المؤسسات الصهيونية على منطقة السهل الساحلي منذ بداية الاستيطان مما جعلها تستحوذ على العدد الأكبر من المستوطنات حتى بعد قيام الدولة وإن تغير هذا الوضع قليلاً بعد قيام الدولة ولكنها ظلت مصدر الجذب الأولى بطابعها الحضري والريفي .5- شكلت منطقة النقب والجليل مصدر جذب للمستوطنات وفقاً للتوجهات السياسية بعد قيام الدولة وذلك لطبيعتها الديموغرافية التي يتركز فيها العرب .
6- أثرت الأفكار المتنوعتة للمهاجرين في خلق أنماط متنوعة من المستوطنات (كيبوتز – موشاف ) .
7- الاهتمام بالنقب كاحتياطي استراتيجي هام للتوسع المستقبلي للدولة الإسرائيلية 8
- عقب قيام الدولة فقدت المناطق القديمة استيطانياً أهميتها في جذب المستوطنين واتجهت إلى الضفة الغربية لكسب أي أراضي جديدة وضمها إلى الدولة.
ا لمصادر والمراجع
1. هند أمين البديري، المرجع السابق، ص 137 .
2. صبحي يوسف عيد، المرجع السابق، ص 105 .
3. هند أمين البديري، المرجع السابق، صـ صـ 135– 136 .
4. عبد الرحمن أبو عرفة، المرحع السابق، ص 136 .
5. Flish a Efrat, Geography and Pditics in Israel, Frank Cass, London, 1988, P. 80
6. عبد الرحمن أبو عرفة، المرجع السابق، ص 136 .
7. صبحي يوسف عيد، مرجع سابق، ص 106 .
8. نظام محمود بركات، مرجع سابق، صـ صـ 78، 79.
9. عبد الرحمن ابو عرفة، مرجع سابق، صـ 137 .
10. نظام محمود بركات، م رجع سابق، صـ 79.
11. أنيس صايغ، المرجع السابق، صفحات متفرقة .
12. عبد الرحمن ابو عرفة، مرجع سابق، صـ 145 .
13. انيس صايغ، المستعمرات الاسرائيلية منذ عدوان 1967م، منظمة التحرير الفلسطينية، مركز الابحاث، بيروت، 1969م، صـ 69.
14. المرجع السابق، ص 70 .
15. محمد إبراهيم الشاعر، جغرافية فلسطين العسكرية على ضوء الأسس العامة لجغرافية الوطن العربي العسكرية، الطبعة الأولى، قسم البحوث والدراسات الفلسطينية، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، 1970م . ، صـ صـ 316 – 324 .
16. جاك كنو، مرجع سابق، ص 163 .
17. أنيس صايغ، مرجع سابق، صفحات متفرقة .
18. خيرية قاسمية، على الدين هلال، ابراهيم كروان، معهد البحوث والدراسات العربية، الدراسات الخاصة، رقم 15، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1978م، صـ 26 * رئيس إدارة الاستيطان في الوكالة اليهودية آنذاك .
19. عبد الرحمن ابو عرفة، مرجع سابق، صـ 146.
20. جاك كنو، مرجع سابق، ص 185 * خطة تاما 35 خطة لتطوير البلدات القائمة وزيادة عدد سكانها وليس إقامة مستوطنات جديدة .
21. الاستيطان التهويدي داخل الخط الأخضر، مركز مدار للدراسات الإسرائيلية، المركز الفلسطيني للإعلام، 2007م، ص 15 .
تمثل هذه المرحلة الحلقة الأولى من حلقات التوطن اليهودي داخل الدولة الإسرائيلية عقب إعلانها في 15 مايو 1948م، وهو التوطن الذي بدأ في إنشاء مستوطنات جديدة بدون أي صعوبات أو معوقات كما في المراحل السابقة، قائمًا على مساحات هائلة من الأراضي، التي أصبحت -بحكم القوانين الإسرائيلية- أراضي بوار ومهجورة، بعد أن طرد اليهود منها سكانها العرب الأصليين .
وبدأت عمليات إنشاء المستوطنات تخضع لاعتبارات ومعايير جديدة قائمة على التخطيط وحسن إدارة الموارد الأرضية المتاحة والتوزيع على مناطق جغرافية ذات أهمية اقتصادية وسياسية وأمنية، بعد أن توطد استقرار الدولة عقب هزيمة الجيوش العربية عام 1948م. ويمكن تقسيم هذه المرحلة إلى أربعة فترات رئيسية :
1. الفترة الأولى (1948 - 1967م).
2. الفترة الثانية (1968 - 1980م).
3. الفترة الثالثة (1981 - 1994م).
4. الفترة الرابعة (1995 - 2007م).
§ الفترة الأولى: ( 1948 – 1967م)
وتبدأ هذه الفترة عقب انتهاء حرب 1948م وقيام دولة إسرائيل، والتي ترتبت عليها عملية هجرة وتهجير واسعة للغالبية من الشعب الفلسطيني، والتي شملت أوضاعًا جديدة، شملت المئات من القرى وعشرات المدن ومئات الآلاف من الدونمات التي تركها اللاجئون العرب، وفي المقابل ترك الآلالف من المجندين في صفوف الهاجناه والبالماخ وحداتهم العسكرية، وبدأت بذلك عملية توطين واسعة، شملت المساكن العربية في مدن حيفا ويافا والرملة واللد وعسقلان وبئر سبع وطبرية وبيسان وعكا والقدس، وبقية القرى العربية ( ) . وقد بدأت الحكومة الإسرائيلية في مواجهة مشكلة توطين هؤلاء المجندين بالإضافة إلى إيجاد أماكن لإقامة الآلاف من المهاجرين اليهود الجدد الذين ذهب جزء منهم إلى المستوطنات المقامة التي عانت من نقص الوحدات السكانية. (59)
ولذلك فقد قامت إسرائيل ببناء 39 مستوطنة في الفترة من عام 1948م -عقب إعلان دولة إسرائيل- إلى نهاية العام، مع الاستمرار في توطين اليهود المهاجرين في القرى والمنازل العربية التي تركها أهلها، وخلال الفترة من عام 1949م إلى 1950م، أقامت إسرائيل 210 مستوطنة في مرتفعات القدس والجليل والنقب، بالإضافة إلى مجموعة المستوطنات التي أقيمت على السهل الساحلي. (60)
وقد حظي النقب باهتمام كبير من عام 1949؛ حيث أقيم به 27 مستوطنة جميعها في نوع الكيبوتز، فيما عدا جيفوليم وجيلات، وتم مد شبكة من أنابيب المياه من منطقة نير عام في الشمال الشرقي من قطاع غزة؛ لإمداد المستوطنات الجديدة بالمياه، وتم توزيعها في مناطق أودية النقب ووادي عربة؛ وذلك لتوفير الاستقرار والأمن لها، خاصة وأن إقامتها كانت إلى حد كبير بعيدة عن مناطق التكتلات الاستيطانية الكبيرة. (61)
ومع نهاية عام 1953م وصل عدد المستوطنات إلى 345 مستوطنة و251 موشاف، و96 كيبوتز استوطن بها 20 ألف عائلة على مساحة 1.150.000 دونم. وفي أعقاب قيام الدولة الإسرائيلية. قامت إسرائيل بإنشاء مجموعة من المستوطنات في مناطق مختلفة؛ وذلك بهدف سد الثغرات الأمنية على الحدود، الناتجة عن سيطرة القوات الإسرائيلية على مساحات كبيرة من الأرض التي أخليت من العرب، ولكي تكون هذه المستوطنات نقاط دفاع ضد الهجمات العربية المتوقعة وعمليات التسلسل عبر الحدود عملت السلطات الإسرائيلية على تعمير المستوطنات التي دمرت أثناء الحرب وقامت بإقامة مجموعة من المستوطنات في المناطق النائية بهدف توطين اليهود في هذه المناطق .
وقد رافق عمليات بناء المستوطنات في هذه المرحلة تخطيط واسع النطاق لإيجاد مقومات الاستيطان الداعمة له، ومنها إقامة شبكة من مشروعات المياه لتوفير المياه للمستوطنات الجديدة، وكان من أهمها مشروع العوجا وقناة المياه القطرية، وكذلك شبكة من الطرق الحدودية لتأمين الاتصال بين هذه المستوطنات ومناطق التجمع الكبيرة في المدن. (62)
وعقب تنفيذ المشروعات المائية ازدادت معدلات بناء المستوطنات في سنوات 1954- 1955م، خاصة في منطقة لاخيش، ومن عام 1956 إلى 1967م انخفض عدد المستوطنات خلال 12 عام إلى 64 مستوطنة، منها 13 مستوطنة خلال عام 1956، و9 مستوطنات خلال عام 1957م، و11 مستوطنة خلال عام 1958م؛ مما يعني أن السنوات التسع التي سبقت عام 1967م أنشئ بها 31 مستوطنة فقط بمعدل 3.5 مستوطنة سنويًّا، وهو معدل يظهر انخفاضًا واضحًا لم يظهر في الفترات السابقة خلال مراحل إنشاء المستوطنات اليهودية. (63)
ويرجع ذلك للأسباب الآتية :
1) تناقص عمليات الهجرة اليهودية خلال تلك الفترة وبالتحديد من عام 1960م – 1967م.
2) انهماك السلطات الإسرائيلية في هذه المرحلة في استيعاب وتوطين موجات الهجرة السابقة وإقامة مستوطنات جديدة لهم على حسب الإمكانيات المتاحة لديها .
3) التركيز من جانب السلطات على التوطين الحضري والمدني وإنشاء ما عرف باسم مدن التطوير وذلك للتوجه الإسرائيلي نحو الاقتصاد الصناعي بدلاً من التطوير الزراعي والمستوطنات الزراعية (64)
ومن أهم المستوطنات التي أقيمت خلال هذه الفترة:
دلتون - دوش - البلغيط - ساسا - كفار شماي - سفسوفاة - علماة - جونن - نيرعام - كفارهناسي - ميرون - روفين - مرجاليوت - جاروت - شـفر - سدة اليعزر - هجوم فريم - يرؤون - يفتاح - أربيل - الموت - يورياة كفارب عشوداة - يورياة نفة عوقيد - بيت قاتسير - تسمح - سدة إيلان - كفار زيتيم - لافي - متسفاة - ميوراة - متي عز - معجان - احيهود - بارود عليت - بنست - بني عمر - بيت هعمق - تساهل - تسورنل - جعتون - جورن - جيشر هزيف - تاروم - ناعوز - تسلافون - تسوفاة - جاريم - جفعت شاؤول - عمينا داف - نجـم - نسن هاريم - يشعي - سوتيفاة – عاجور - قاشتل - كفار زخرياة - ماعوز تسيون - محـياة - مسلات نسيون - مطاع - مقوبيتار - مناحات - نتف هالامداة - يوفال - أشموراة - شرور - عين هامفراتز - برازون - افيطل - رفاياة - مجدال هاعمق - ميطاف - بيروقاة - جفعت تيلي - سدة تيسحاق - كفار تسفي - مؤور - يمن أور - أورعقيفا - جني تكفاة - نفة افراييم - بهن - أحوزت نفتالي - بيرياة - بقعيم - ههداشا - أديريم - أرانيم - تل يوسف - جازيت - جفت شموئيل - ريخاسيم - مليلوت - بيت حنتياة - نير يافة – متسر - حورشيم - أميريم - نوتيرا - دوفف - كفار حسيديم - نير الياهو - كرم بني زمراة - كورازم - سجف - يودفـات - مفراتزايلان - ديدورا - ميكورون - جروفيت - ربات - أشلاج - عين حتسفاة - قريت بنيامين. (65)
2) ) الفترة الثانية: (1967م - 1980م):
أحدثت حرب يونيه عام 1967م وسقوط مساحات كبيرة من الأراضي العربية إلى حدوث نوع من الخلل لمشاريع بناء المستوطنات داخل إسرائيل مع اندفاع العديد من المستوطنين إلى الاستيطان في الأراضي العربية التي احتلت عام 1967م، وهكذا وجهت جهود أقل نحو استيطان مناطق الجليل والنقب بعد أن كانت هاتان المنطقتان تحتلان المرتبة الأولى في بناء المستوطنات(66)
ولكن السلطات الإسرائيلية تابعت اهتمامها ببناء مستوطنات داخل إسرائيل، ولكن ليس بنفس الجهد الذي قامت به في الأراضي المحتلة عام 1967م وذلك للأسباب الآتية :
1- ضرورة بناء العديد من المستوطنات اليهودية داخل الأراضي المحتلة عام 1967م، وذلك لأهداف سياسية وعسكرية وأمنية مما أدى إلى عدم الاهتمام بالمستوطنات الجديدة داخل إسرائيل أو بنائها .
2- ابتعاد خطوط وقف إطلاق النار عن المناطق الحدودية القديمة القريبة من المستوطنات داخل إسرائيل وبالتالي أدى ذلك إلى افتقاد البعد والأهمية الأمنية لها وانتقالها إلى خطوط أبعد مما استلزم نقل الثقل الاستيطاني لهذه المناطق الجديدة .
3- الأهمية الاقتصادية للأراضي الجديدة إذا قورنت بالأراضي التي تتطلب إقامة مستوطنات في النقب والتي تستلزم عملية إقامة مستوطنات بها إلى تكاليف كبيرة كما أنه ليس لها أهمية اقتصادية مثل المستوطنات الجديدة في الضفة أو الجولان(67)
ولقد كان النقب على رأس اهتمامات إسرائيل حيث قامت ببناء مستوطنتي ناحال في وادي عربة هما بئر تسوفر في بئر سبع وكتورا في النقب الجنوبي، وقد تم تحويل مستوطنة نؤوت هكيكار إلى مستوطنة موشاف في عام 1968م، وتم إنشاء مستوطنة الوميم في النقب الشمالي(68)
ولم يغب الجليل عن اهتمام السلطات الإسرائيلية، فقد أقيمت به مستوطنات زرعيت وكفار روزنوالد في الجليل الاعلى على مقربة من الحدود الشمالية، بالإضافة إلى مستوطنة شتولا على مرتفعات أداميت في الجليل الغربي، وأقام بها ثلاثون عائلة يهودية، بالإضافة إلى مستوطنة حسون في المنطقة الواقعة بين الجليل الأعلى والأسفل على ارتفاع 550 م أقيم بها 75 وحدة سكنية، ومستوطنة نارية في الجانب الغربي من جبل الجرمق، وأقيمت مستوطنة جديدة بالقرب من مصب نهر الأردن عند بحيرة طبرية ومستوطنة معالة جلبوع وكان مركزاً للناحال في مقابلة الحدود السورية وتحول إلى كيبوتز .
وفي السهل الساحلي أقيمت مستوطنة راموت مايير قرب رحفوت، ومستوطنة نفة إيلان بين القدس ويافا، بالإضافة إلى كفار عقب(69)
هذا وقد بلغ عدد المستوطنات التي أقيمت في منطقة الجليل خلال تلك الفترة 12 مستوطنة، و4 مستوطنات في سهول طبرية والحولة، و9 مستوطنات في وادي عربة، و5 مستوطنات في النقب، و8 مستوطنات في باقي المناطق في إسرائيل، 2 في منحدرات القدس، و2 في لاخيش، 4 في سهول الخضيرة(70)
ومن أهم المستوطنات التي أقيمت خلال تلك الفترة :
حسون - نسورناتان - شئولا - بئير تسوفر - زرعيت - بيسروبيت - كتورا - رامون مائير - كفار عقب - نفة إيلات - ياعـد - منوف - سـكينا - كورنيت - بيت ريمون - عمكا - كاحل - لبنيم - ربيد - تفوحوت موساد - كفر حنا ينا - كدريم - كالبنت - توبال - سلمون - هرريت - شرتسيم - مخمتايم - المناطر - موراز - كوتام - جرنيت هجلي - باريوحاي - كفيردت - كينسور – حزون(71)
ومن خلال العرض السابق يتضح لنا :
1- انخفاض الاهتمام بإقامة المستوطنات في المناطق الثلاثة الرئيسية التي مثلت محور الاستيطان منذ إعلان الدولة وهي ( الجليل – النقب – وادي عربة ) وذلك للاتجاه نحو إقامة مستوطنات جديدة في الأراضي المحتلة عام 1967م .
2- شكلت منطقة الجليل أعلى المناطق في إقامة المستوطنات خلال تلك الفترة وذلك للأهمية التي حظيت بها لإقامة مستوطنات ذات مواقع استراتيجية للتأمين والحماية بالقرب من الحدود الشمالية .
3- شكل وادي عربة منطقة اهتمام جديدة لتأمين الحدود الأردنية ومحاولة استغلاله اقتصادياً .
4- بقيت مرتفعات النقب أقل المناطق اهتماماً وخاصة بعد تراجع موقعها مع احتلال سيناء
3) الفترة الثالثة ( 1981 - 1994م ) :
تعد الفترة الثالثة أحد الفترات الفارقة في تاريخ الاستيطان الإسرائيلي منذ بدايته، فقد دشنت هذه الفترة الارتداد البطئ نحو الاهتمام بإقامة المستوطنات في المناطق الإسرائيلية ومحاولة تلافي الضغوط الخارجية من أجل إيقاف الاستيطان في الضفة الغربية وقطاع غزة خاصة أنه في نهاية السبعينات بدأت الأصوات تتعالى داخل إسرائيل بعد التأكد من إمكانية إخلاء مستوطنات سيناء مطالبة بتركيز الاستيطان في منطقة الجليل التي شهدت عمليات استيطانية واسعة مهددة أوضاع السكان العرب فيه .
ويمكن تقسيم الجليل إلى ثلاث قطاعات :
1- الجليل الجنوبي: ويشكل العرب 42% واليهود 58% من مجموع السكان
2- الجليل الأوسط : ويشكل العرب 36% واليهود 64% من مجموع السكان .
3- الجليل الشمالي: ويشكل العرب 22% واليهود 78% في مجموع السكان .
وقد دفع ذلك الحكومة الإسرائيلية إلى دفع الاستيطان في هذه المنطقة لإحداث عملية التحول الديموغرافي لصالح المستوطنات اليهودية وإجبار السكان العرب على بيع أراضيهم لإقامة مستوطنات جديدة عليها من أجل اليهود الوافدين إلى إسرائيل(72)
وقد اقترحت عدة مشروعات خلال تلك الفترة تهدف إلى إقامة مستوطنات في عدة مناطق داخل إسرائيل وعلى رأسها الجليل والنقب .
واعتبر رعنان فايتس(*) أن الخطر الحقيقي يكمن في منطقة الجليل والنقب معتبراً الجليل خطراً حقيقياً باعتباره جزءاً مكملاً للدولة، على الرغم من الكثافة العربية به ومساهمته البالغة نحو 1.5 مليون دونم، وبالتـالي يحتاج إلى تكثيف التواجد اليهودي بإقـامة المستوطنات به .
ودعا إلى إقامة 50 مستوطنة جديدة يقطن بها 6000 مستوطن من العمالة اليهودية بالإضافة إلى توفير فرص العمل المباشرة وغير المباشرة لـ 12 ألف عائلة تضم 55 ألف نسمة(73)
وقد أقيمت بالفعل حتي عام 1989م 46 مستوطنة توزعت في المنطقة الشمالية والجليل والنقب، وهي كالتالي : 34 مستوطنة في سهول الشارونا، والسهل الساحلي 4 مستوطنات، وفي الجنوب في النقب 7 مستوطنات .
وعلي الرغم من ذلك نجد أن السياسة الإسرائيلية لازالت تفضل إقامة المستوطنات في الضفة الغربية على باقي المناطق، فقد أقامت بالتوازي مع هذه الفترة في الضفة الغربية وقطاع غزة 68 مستوطنة، 5 مستوطنات في قطاع غزة(74)
وقد تم التركيز على وادي عربة بإقامة 4 مستوطنات جديدة به ومحاولة تركيز المستوطنات في النقب الغربي الجنوبي، وقد مثلت منطقة المثلث الواقعة بين قطاع غزة وبئر السبع وخلوصة والتي تبلغ مساحتها 1 مليون دونم أهمية كبيرة في التوجه الاستيطاني وذلك لتكون هذه المستوطنات معرقلاً لأي هجوم مصري متوقع وكذلك فقد أقيم بها حتى عام 1989م 12 مستوطنة تركزت معظمها إلى الجنوب من غزة قرب الحدود المصرية .
ومن أهم المستوطنات التي أقيمت في تلك الفترة :
حتسيبة تسوريم - يهود بيت - كمون - كاليليوت - عتصيون - اشيرت - جبعات غورب - متسبيه كتسير - يوفليم - ربيد - نتيف هعسرة - رقفت
هذا وقد تميزت هذه الفترة بعدة سمات تمثلت فيما يلي :
1- التوجه مرة أخرى إلى إقامة المستوطنات داخل الدولة، وخاصة في مناطق النقب والجليل، وذلك بعد انسحاب إسرائيل من شبه جزيرة سيناء وتوقع انسحاب في مناطق أخرى وهذا ما حدث بالفعل في غزة .
2- اتجاه السياسة الإسرائيلية إلى تركيز المستوطنات كحائط دفاعي إلى الجنوب من غزة ضد أي هجوم مصري محتمل أو منع تسلل عناصر إلى داخل إسرائيل .
3- ظل النقب والجليل يحتل الصدارة في إعداد المستوطنات المقامة به على طول تلك الفترة وذلك للاعتبارات الديموغرافية للسكان العرب في الجليل والمساحات الكبيرة الغالبة على السكان في الجنوب بالنقب .
4- أصبحت السمة العامة لدى السياسة الإسرائيلية فيما يخص إقامة المستوطنات هي الانتشار شمالاً وجنوباً وإن تفاوت الأمر من منطقة إلى أخرى وتراجع اليشوف القديم كمركز جذب للمستوطنات .
4) الفترة الرابعة (1995 – 2007م ) :
وقد شهدت تلك الفترة حملات موسعة لتشجيع العائلات اليهودية في إسرائيل على الإقامة في مناطق النقب لتوسيع تهويده على الرغم من أن النقب يتم إقامة المستوطنات به وفقاً للخارطة الهيكلية العامة لإسرائيل المعروفة باسم ( تاما 35 )(*)، وتمت هذه العملية من خلال مساهمة العديد من الجهات الحكومية بالإضافة إلى مؤسسة خاصة في عمليات التوطين به .
ويقوم على عمليات إقامة المستوطنات داخل إسرائيل وبالتحديدي في الجليل والنقب منذ بداية هذه الفترة جمعية خاصة تطلق على نفسها اسم ( أور ) وتعد أكثر الجمعيات تأثيراً في مجال التخطيط والبناء الاستيطاني في إسرائيل، والجهة التي تسيطر على عمليات الاستيطان في النقب والجليل بالتعاون مع الدوائر الحكومية الإسرائيلية والدوائر الصهيونية العالمية كالوكالة اليهودية ودائرة أراضي إسرائيل .
وقد أنشأت هذه الحركة عام 1999م مستوطنة سنسانا في سفوح جبال الجليل، وقد أقام بها أعضاء من الحركة بالإضافة إلى مجموعة من الشباب المتزوجين من مدن رمات جان وبتاح تكفا وجعفوت والقدس وبلغ عدد سكانها حوالي 250 شخص، ومعظم البيوت متنقلة بالإضافة إلى بعض الفيلات في هذه المستوطنة لاستيعاب 2200 شخص .
وفي عام 2001م أقيمت مستوطنة ميرحاف بالقرب من مستوطنة سدة بوقـر وبلدة يروحام في النقب ويزيد عدد سكانها عن 130 شخصاً بالإضافة إلى مستوطنة بئر ميلكا في النقب وعدد سكانها يزيد على 35 فرداً وأقيمت عليها 50 وحدة سكنية للإقامة المتصلة، وفي عام 2003م أقيمت منسبة عيرونه في منطقة المثلث الشمالي في منطقة عيرون وأقامت عام 2004م مستوطنة جفاعوت بار وبلغ عدد سكانها 100 مستوطن بالإضافة إلى مستوطنة خسروب، ويقيم بها 70 شخصاً من المتدينين اليهود، ومعدة بوحدات سكنية 110 مستوطن .
وفي عام 2007م تم إنشاء مستوطنة جفعات بار في النقب وفقاً لخطة إنشاء مستوطنات بالنقب تمول من صندوق JNF الأمريكي بمبلغ600 مليون دولار لتنشيط الاستيطان في النقب والجليل، وساهمت حركة أور في توطين العديد من المستوطنين التي تم إخلاؤهم من غزة عام 2005م في مستوطنات بالنقب والجليل وإقامة بؤر استيطانية لهم على شكل بيوت متحركة(75)
من خلال العرض السابق لمراحل نشأة وتطور المستوطنات يتضح لنا :
1- شكلت دعوات التوطن اليهودي في فلسطين بداية التمهيد لإنشاء المستوطنات في فلسطين التاريخية وإن كانت لم تنتقل إلى الواقع العملي إلا بأيدي الرأسماليين اليهود .
2- كان الطابع الاستغلالى الاقتصادي الأغلب خلال المرحلة الأولى من التوطن اليهودي في فلسطين وإن كانت الأهداف السياسية موجودة ولكنها لم تكن معلنة بالشكل الذي يؤثر على الرغبة العملية في خلق دولة من خلال هذه المستوطنات .
3- لعبت المرحلة الأولى دوراً هاماً في تحديد النطاق الجغرافي للتوطن المنتظم مع بداية المرحلة الثانية وخلقت عامل جذب للمستوطنات في مناطق لم تكن محل اهتمام من جانب العرب لرغبتهم في التواجد في المحلات المرتفعة في الضفة الغربية .
4- ركزت المؤسسات الصهيونية على منطقة السهل الساحلي منذ بداية الاستيطان مما جعلها تستحوذ على العدد الأكبر من المستوطنات حتى بعد قيام الدولة وإن تغير هذا الوضع قليلاً بعد قيام الدولة ولكنها ظلت مصدر الجذب الأولى بطابعها الحضري والريفي .5- شكلت منطقة النقب والجليل مصدر جذب للمستوطنات وفقاً للتوجهات السياسية بعد قيام الدولة وذلك لطبيعتها الديموغرافية التي يتركز فيها العرب .
6- أثرت الأفكار المتنوعتة للمهاجرين في خلق أنماط متنوعة من المستوطنات (كيبوتز – موشاف ) .
7- الاهتمام بالنقب كاحتياطي استراتيجي هام للتوسع المستقبلي للدولة الإسرائيلية 8
- عقب قيام الدولة فقدت المناطق القديمة استيطانياً أهميتها في جذب المستوطنين واتجهت إلى الضفة الغربية لكسب أي أراضي جديدة وضمها إلى الدولة.
ا لمصادر والمراجع
1. هند أمين البديري، المرجع السابق، ص 137 .
2. صبحي يوسف عيد، المرجع السابق، ص 105 .
3. هند أمين البديري، المرجع السابق، صـ صـ 135– 136 .
4. عبد الرحمن أبو عرفة، المرحع السابق، ص 136 .
5. Flish a Efrat, Geography and Pditics in Israel, Frank Cass, London, 1988, P. 80
6. عبد الرحمن أبو عرفة، المرجع السابق، ص 136 .
7. صبحي يوسف عيد، مرجع سابق، ص 106 .
8. نظام محمود بركات، مرجع سابق، صـ صـ 78، 79.
9. عبد الرحمن ابو عرفة، مرجع سابق، صـ 137 .
10. نظام محمود بركات، م رجع سابق، صـ 79.
11. أنيس صايغ، المرجع السابق، صفحات متفرقة .
12. عبد الرحمن ابو عرفة، مرجع سابق، صـ 145 .
13. انيس صايغ، المستعمرات الاسرائيلية منذ عدوان 1967م، منظمة التحرير الفلسطينية، مركز الابحاث، بيروت، 1969م، صـ 69.
14. المرجع السابق، ص 70 .
15. محمد إبراهيم الشاعر، جغرافية فلسطين العسكرية على ضوء الأسس العامة لجغرافية الوطن العربي العسكرية، الطبعة الأولى، قسم البحوث والدراسات الفلسطينية، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، 1970م . ، صـ صـ 316 – 324 .
16. جاك كنو، مرجع سابق، ص 163 .
17. أنيس صايغ، مرجع سابق، صفحات متفرقة .
18. خيرية قاسمية، على الدين هلال، ابراهيم كروان، معهد البحوث والدراسات العربية، الدراسات الخاصة، رقم 15، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1978م، صـ 26 * رئيس إدارة الاستيطان في الوكالة اليهودية آنذاك .
19. عبد الرحمن ابو عرفة، مرجع سابق، صـ 146.
20. جاك كنو، مرجع سابق، ص 185 * خطة تاما 35 خطة لتطوير البلدات القائمة وزيادة عدد سكانها وليس إقامة مستوطنات جديدة .
21. الاستيطان التهويدي داخل الخط الأخضر، مركز مدار للدراسات الإسرائيلية، المركز الفلسطيني للإعلام، 2007م، ص 15 .