كيف يمكن مواجهة السلفية الجهادية في سيناء؟
الأحد 29/ديسمبر/2013 - 11:33 ص
احتلت السلفية الجهادية في سيناء أهمية كبيرة خلال الأشهر الأخيرة، وازداد تسليط الضوء عليها إثر الهجوم على حرس الحدود عند معبر كرم أبو سالم الذي أودى بحياة 16 ضابطًا ومجندًا مصريًا على الحدود مع إسرائيل في 5 أغسطس 2012 وخلال تناولهم طعام الإفطار في شهر رمضان الماضي. وقع الهجوم ومصر على وشك إنهاء الفترة الانتقالية لحكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد عام ونصف على ثورة 25 يناير، وإثر انتخابات برلمانية ورئاسية مجهدة، ولم تنته تأثيرات ومردودات العملية عند حدود قضايا الأمن، وإنما تركت بصماتها على المستقبل السياسي لمصر ونظام الحكم ما بعد الثورة، ويكفي الإشارة إلى أنها كانت الذريعة التي استند إليها الرئيس محمد مرسي في إصدار أخطر وأهم قرار سياسي منذ توليه الرئاسة، وهو إحالة المشير محمد حسين طنطاوي ورئيس الأركان سامي عنان إلى التقاعد، وإلغاء الإعلان الدستوري المكمل.
لقد نفت التنظيمات السلفية الجهادية مسؤوليتها عن العملية، ومع ذلك فقد وجهت أصابع الاتهام إليها وإلى التنظيمات التي تتبنى أعمال العنف وتتخذ مسميات أخرى، ساعد على ذلك أن هذه التنظيمات قامت بعمليات تفجير متكررة بعد الثورة لأنابيب الغاز الممتدة إلى إسرائيل والأردن. في هذا التقرير لن يقتصر التحليل على الجماعة التي تسمي نفسها “,”السلفية الجهادية“,”، ولكن سيمتد أيضًا إلى الجماعات التي تتبنى النهج ذاته، وإن كانت تسمى بمسميات أخرى، وعلى وجه التحديد مجلس شورى المجاهدين - أكناف بيت المقدس وجماعة التوحيد والجهاد، وجماعة أنصار بيت المقدس.
تطور السلفية الجهادية في سيناء:
يعود تاريخ الجماعات الإسلامية بسيناء إلى بداية الثمانينيات مع انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من آخر مدن المحافظة الحدودية، لتعود سيناء إلى السيادة المصرية بالكامل وفق بنود معاهدة السلام التي حولت إسرائيل من محتل إلى دولة جوار. ومن هنا برزت فكرة الجهاد ضد الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين بين أبناء المنطقة الحدودية على وجه التحديد، لاقترابهم من الحدود من جانب ولارتباطهم بعلاقات قرابة ونسب مع بعض عائلات قطاع غزة من جانب آخر ( [1] ) . مع ذلك لم تعرف سيناء وجود تنظيمات للسلفية الجهادية قبل عام 2004، حيث ظل أهالي سيناء بعيدين عن موجة الإرهاب التي ضربت مصر في حقبة التسعينيات. وما ساعد على بروز السلفية الجهادية في شبه الجزيرة هو تنامي الشعور لدى الأهالي بالتجاهل والتمييز ضدهم من جانب السلطات المصرية، مع انتهاج السلطات النهج الأمني سيء السمعة، وتعرض الكثير من أبناء سيناء للاعتقال التعسفي من جانب قوى الأمن، وقد ساعد ذلك على أن تكون شبه الجزيرة بقعة مثالية حاضنة لأفكار وتنظيمات العنف الداخلية من مختلف أرجاء ومحافظات الدولة المصرية.
وفي أكتوبر 2004 قامت مجموعة إرهابية بتنفيذ عملية معقدة اعتمدت على ثلاثة تفجيرات متزامنة في طابا ونويبع ورأس شيطان، وأسفرت العملية عن مقتل 33 وإصابة 125 آخرين أغلبهم من الإسرائيليين. وأعلنت جماعة تطلق على نفسها اسم “,”الجماعة الإسلامية العالمية“,” مسؤوليتها عن تفجيرات طابا، ومنذ ذلك التاريخ بدأ الحديث عن خلايا وتنظيمات سلفية وخلايا تتبنى العنف في سيناء، جرى الاختلاف على مصادرها وتأثير حركة حماس أو القاعدة عليها. وكرد فعل قامت وزارة الداخلية بحملة اعتقالات واسعة طالت الآلاف من أبناء سيناء، ومنذ تلك اللحظة بدأ صراع مباشر بين الأمن والداخلية وأهالي سيناء.
وبالرغم من النهج الأمني الذي اعتبرته الدولة كفيلاً بالقضاء على التطرف، إلا أن مجموعة مسلحة أخرى قامت في 23 يوليو 2005 بثلاثة تفجيرات أسفرت عن مقتل ما يزيد عن 88 شخصًا أغلبهم مصريون، وقع الانفجار الأول باستخدام سيارة مفخخة في (السوق القديم)، والثاني بواسطة قنبلة وضعت بجوار فندق الموفنبيك، والثالث بواسطة شاحنة مفخخة انفجرت في بهو فندق (غزالة جاردنز أوتيل) بمنطقة خليج نعمة التي تبعد نحو 6 كيلومترات عن وسط المدينة. وبعد ذلك بأقل من عام وتحديدا في 24 أبريل 2007 قامت مجموعة بتنفيذ 3 تفجيرات في منتجع دهب أسفرت عن مقتل 23 شخصًا وإصابة 62 معظمهم من المصريين.
ردت الداخلية المصرية على هذه التفجيرات بحملة اعتقالات واسعة بين أبناء سيناء، ومنذ ذلك التاريخ تأكد سخط وسط الأهالي، ودخلت شبه الجزيرة في مسلسل عنف مستمر. ومع زيادة أعداد المطلوبين أمنيًًّا والمحكوم عليهم غيابيًّا تكونت تجمعات من الهاربين استغلت الطبيعة الجغرافية المعقدة لشبه الجزيرة في الهرب والتخفي، ومن أهم المناطق التي استوطنتها هذه التجمعات جبل الحلال. ومن هذه البذور الأولى للكر والفر والحبس والسجن لبعض أبناء سيناء نشأت تنظيمات متعددة تبنت العنف تحت رايات ولافتات جهادية مختلفة، وبرزت معتقدات متباينة،لكنها انتهت إلى ممارسات متقاربة.
جبل الحلال:
يقع وسط سيناء ويبعد عن مدينة العريش حوالي 70 كيلو مترًا . ويمتد الجبل لقرابة 30 كيلو مترًا طولاً و10 كيلو مترات عرضًا، ويرتفع عن سطح البحر بـ880 مترًا، ويمتد من وادي العريش شمالاً ووسط سيناء جنوبًا . وكلمة “,”الحلال“,” تعني الغنم؛ وكان الجبل مرعى للغنم ولذا سمي بهذا الاسم، وترجع شهرة جبل الحلال إلى عام 2004 بعد عملية طابا التي حاصرت على أثرها قوات الأمن الجبل لأسابيع لاشتباهها باختباء المتورطين في الأحداث هناك، ووقعت اشتباكات قوية بين الشرطة وبعض عناصر التنظيمات الجهادية.
لقد انتهت التحقيقات حول تفجيرات سيناء الثلاثة (2004 - 2005 - 2007) إلى أن تمويل وتدريب هذه العمليات انطلق من غزة، وأن تنظيمات العنف الجهادية اتخذت من سيناء نقطة انطلاق مثالية لتنفيذ عمليات جهادية ضد إسرائيل. بسبب قربها من الأرض المحتلة ووجود سياحة إسرائيلية بصفة دائمة على شواطئها، بالإضافة لطبيعتها الجغرافية وتضاريسها المعقدة. وظلت الأوضاع في سيناء على هذا الحال حتى قيام ثورة 25 يناير؛ فمع قيام الثورة تغيرت الأوضاع على الأرض، وتحولت شبه الجزيرة من نقطة انطلاق إلى ملاذ آمن وبيئة حاضنة تستوعب الجهاديين وتوفر لهم مراكز التدريب والسلاح، ومن ذلك عملية نفذت في 21 سبتمبر 2012 وقتل فيها جندي إسرائيلي وثلاثة من منفذي العملية بينهما شابان ليس لهما سابق صلة بالتيارات الجهادية، وقد اعترف بالقيام بالعملية “,”مجلس شورى المجاهدين - أكناف بيت المقدس“,”. وقد أدى ذلك لازدهار الجماعات والخلايا الأصغر المتطرفة وتشعبها، وتحتوي سيناء الآن على عدد غير معروف من التنظيمات المسلحة ينضوي تحت لوائها أعداد كبيرة من المقاتلين يتراوح بين 2500 وفق أدنى التقديرات و 7000 وفق أقصاها.
الخريطة السلفية في سيناء:
تنتشر الجماعات الإسلامية بامتداد منطقة الشريط الحدودي مع إسرائيل خاصة مدن رفح والشيخ زويد والعريش الأقرب للحدود مع إسرائيل ومناطق الوسط، ويمكن تقسيم الجماعات والتنظيمات المسلحة في شبة الجزيرة على النحو التالي ( [2] ) :
1- السلفية التقليدية : وتنتشر في مختلف ربوع سيناء، وهي نابعة من التسلف التقليدي العادي غير المرتبط بأيديولوجيا أو عقيدة جهادية أو تكفيرية، والغير المحسوب على توجهات وعلاقات خارجية، فهي سلفية نابعة من الداخل السيناوي، وينتهج أعضاؤها منهجًا سلميًّا لا يميل إلى العنف، وهي قائمة بالأساس على التمسك بأحكام الشريعة الإسلامية، وأداء الفروض الدينية الشرعية. وهذا النوع من السلفية لا يتأطر في جماعات أو تنظيمات أو ميليشيا تتبنى أهدافًا سياسية، وإنما يرتبط بالممارسات والشعائر الدينية بالأساس.
2- السلفية الجهادية : تأتي في المرتبة الثانية من حيث حجم الانتشار، وتنضوي تحتها تنظيمات ترفع راية الجهاد في وجه إسرائيل، ومعظم أعضاء هذه الجماعات مرتبط فكريًّا أو تنظيميًّا بجماعات جهادية فلسطينية، ويقتصر حمل السلاح في عقيدتهم على العدو الصهيوني القابع خلف الحدود، وليس استهداف قوات الأمن المصرية أو أي أحد. لذلك تبرأت الجماعات الجهادية السلفية من الحادث الإرهابي الذي وقع على الحدود المصرية – الفلسطينية وأودى بحياة الجنود المصريين. ولا تأخذ الجماعات الجهادية في سيناء شكلاً تنظيميًّا واحدًا، أشهرها وأكبرها “,”الجهاد والتوحيد“,” و“,”أنصار الجهاد“,”، و“,”السلفية الجهادية“,”، وأحدثها تنظيم “,”مجلس شورى المجاهدين- أكناف بيت المقدس“,”.
3- الجماعات التكفيرية : تأتي في المرتبة الثالثة “,”الجماعات التكفيرية“,” التي تنتهج فكرًا متشددًا يقوم على مبدأ الجهاد ضد الكفار، وتتركز هذه الجماعات بالمنطقة الحدودية خاصة رفح والشيخ زويد، بالإضافة إلى منطقة الوسط والعريش. ويدخل ضمن تصنيف هذه المدرسة الفكرية المتشددة أسماء تنظيمات مثل “,”التكفيريين“,”، و“,”التكفير والهجرة“,”، و“,”الرايات السوداء“,”، وجماعة “,”أنصار الجهاد في جزيرة سيناء“,”، وهى جماعات تتبنى أفكارًا قائمة على تكفير الحاكم الذي لا يطبق شرع الله، وتسحب حكمها على من دونه من أركان نظام حكمه وصولاً إلى قاعدة المجتمع البعيدة عن شرع الله، وتتشابه أفكار الجماعات التكفيرية المختلفة دون أن يجمعها إطار تنظيمي واحد.
في أحد بياناتها في 23 يناير 2012، بايعت جماعة “,”أنصار الجهاد في جزيرة سيناء“,” الدكتور أيمن الظواهري أميرًا، وخاطبته:
(إلى أميرنا الحبيب، وشيخنا المفضال، أبي محمد أيمن الظواهري حفظك الله ونصرك وأعانك، من جنودك في سيناء الحبيبة في أرض الكنانة نبايعك على السمع والطاعة في المنشط والمكره، والعسر واليسر، وأثرة علينا فارم بنا حيث شئت فلن ترى ولن تسمع منا إلا ما تقر به عينك وتشفي بها صدرك فلن نفر ولن نستسلم إلا على آخر قطرة من دمنا في سبيل الله وحتى يحكم الإسلام بعون الله تعالى .(
4- خلايا العنف النائمة : النوع الرابع من الجماعات يتمثل في مجموعة من “,”الخلايا النائمة“,” التي تنتهج خليطًا من الأفكار السلفية والجهادية والتكفيرية، ولا يعمل معظمها بشكل تنظيمي ولا يوجد بينها رابط فكري أو تنظيمي، غير أن من السهل تنشيطها ودفعها للعمل المنظم بمجرد وجود من ينظم أفكارها أو يوفر لها الدعم، وتعتبر من أخطر أنواع التنظيمات إذ يمكن استغلال أعضائها بسهولة في تنفيذ عمليات ضد أي أهداف داخل سيناء أو خارجها ( [3] ) . وتنتشر هذه الجماعات أفقيًّا بامتداد منطقة الشريط الحدودي، خاصة مدينتي رفح والشيخ زويد الأقرب للحدود مع إسرائيل، بالإضافة إلى منطقة وسط سيناء، مع عدم وجود رابط مباشر يربط بينها، حيث تتواجد معظمها في صورة خلايا صغيرة محدودة العدد، لا تميل في الأغلب إلى الاندماج في كيانات أكبر وأكثر تنظيمًا.
الخطاب السياسي للسلفية الجهادية:
من خلال رصد وتحليل خطاب “,”السلفية الجهادية“,” و“,”مجلس شورى المجاهدين - أكناف بيت المقدس“,” في سيناء، وهو ما تم الإطلاع عليه عبر بيانات مختلفة لهاتين الجماعتين، يتضح مجموعة من الملاحظات، منها:
- أولاً : أن البيانات متفاوتة في صياغتها اللغوية ، وبها الكثير من التضارب والتناقض، من حيث الشكل والمضمون، فبعضها كتب بلغة أقرب إلى العامية، وبعضها جاء بلغة أكثر دقة وإحكامًا من حيث الصياغة والإملاء، مما يشير إلى أن بعضها كتب على عجل أو أن من كتبها أناس متفاوتون من حيث المستوى الثقافي والمعرفي والتعليمي، أو ربما أن بعضها كتب في أجواء توتر وملاحقات أمنية وبعضها في أجواء استقرار نسبي. وهو ما يشير إليه تفاوت الصياغة وتفاوت البيانات بين كم الأخطاء اللغوية والصياغية وترابط الأفكار.
- وإلى حد كبير تشير البيانات إلى تنظيمات على قدر من الطموح خصوصًا من ناحية توجيهها رسائل وتهديدات إلى قوى متعددة الجيش والشعب والولايات المتحدة وإسرائيل.
- ثانيًا: أن الجهاد ليس موجهًا إلى الداخل المصري : فمن البيانات المختلفة، تؤكد السلفية الجهادية ومجلس شورى المجاهدين – أكناف بيت المقدس أنهما لن يستهدفا القوات المسلحة المصرية إلا فى حالة الذود عن نفسها فقط، وأنهما على الرغم من تقديرها لدور الجيش المصري، إلا أنهما يحضانه على الاشتراك معهما في مقاتلة “,”العدو. وتحمل بيانات السلفية لغة يُفهم منها التشكيك في قدرة الجيش المصري أو الضغط عليه نفسيًّا، وبشكل يُشعر بإحساسها وتعبيرها عن قدر من المنّ على أنها لم تستهدف الجيش، حيث أكدت فى البيان الأول بتاريخ 14 أغسطس 2012 على أنها لم تستهدف الجيش المصري على الرغم من حالة الترهل الأمني في سيناء منذ اندلاع الثورة: “,”لم نرفع سلاحنا قط في وجه الجيش المصري مع إمكانية ذلك وسهولته وانتشار الجيش المصري بلا غطاء “,”، ويقصد بهذه العبارة بأن قوات الجيش كانت فى متناولهم أو الوصول إليهم كان امرأً سهلاً إلا إنها لم تفعل، وهو أيضًا ما أشار إليه بيان رقم 4 لمجلس شورى المجاهدين – أكناف بيت المقدس الذي أورد “,”شاهد الجميع كيف تم تجنب الجيش المصري أثناء مهاجمة القوات اليهودية خلال “غزوة النصرة للأقصى والأسرى بتاريخ 18 – 6- 2012“,”، وبذلك تنفى الجهادية السلفية في سيناء تورطها في أحداث قتل الجنود المصريين في رفح. وفي البيان الثالث بخصوص اختراق طائرات صهيونية بدون طيار للأجواء المصرية عملت على الغمز في قناة الجيش وقدرته على الرد على الاعتداء الإسرائيلي، معتبرة أن توغل واختراق الطائرات: “,”يحمل تعديًّا على الجيش المصري واستخفافًا به.. وننتظر دورًا من الجيش تجاه انتهاكات العدو المتكررة بدل الانجرار فيما يحيكه اليهود لنا ولكم“,”.
- رابعًا: التباين في العقيدة السياسية والعسكرية : فمن خلال بياناتها يتضح التفاوت والاختلاف في العقيدة السياسية لكل تنظيم، فبينما يسلط تنظيم “,”السلفية الجهادية“,” و“,”مجلس شورى المجاهدين – أكناف بيت المقدس“,” عقيدتهما العدائية على إسرائيل والوضع في فلسطين وغزة، ومن ثم لا يجعلان نفسيهما في مواجهة مع الدولة المصرية، فإن تنظيمات أخرى مثل جماعة أنصار بيت المقدس (القاعدية) تنطلق بالأساس من عدائها للدولة المصرية ونظامها السياسي الذي تكفره دينًا وسياسة وهي يسيطر عليها بالأساس تكفير المجتمع. ويشير تباين مواقف الجماعات الإسلامية في سيناء بين التنديد بالعملية والإعلان بشكل واضح عن رفض أي اعتداء على الجيش المصري أو الاكتفاء بالتنصل منها وإعلان عدم المسؤولية عنها.. يشير بوضوح إلى التباين الفكري لدى الجماعات الإسلامية المختلفة في سيناء.. وبينما تسلط الأولى (السلفية الجهادية ومجلس شورى المجاهدين) الضوء على مظالم أهالي سيناء فإن الثانية (أنصار بيت المقدس) تسلط الضوء على انتهاكات النظام لكل أبناء مصر وتدعو للجهاد ضد النظام بالأساس، وتتكاثر في بيانات التنظيم كلمة “,”الموحدين“,” و“,”كفر“,” و“,”كفرة“,”. وفي البيان الأول للجماعة الأخيرة الصادر في 20/ 2/ 2012 أكدت على سعيها “,”لحرب النظام الفاسد وأعوانهم اليهود والأمريكان ومن حولهم“,”، ويذكرون أسامة بن لادن باعتباره “,”شيخنا“,”، وينهي البيان بقَسَم “,” أقسم بالله العظيم الذي رفع السماء بلا عمد لن تهنأ أمريكا ولا من يعيش في أمريكا بالأمن ما لم نعشه واقعًا في فلسطين وقبل أن تخرج جميع الجيوش الكافرة من أرض محمد صلى الله عليه وسلم “,” ، هو نفس القسم الذي أقسمه أسامة بن لادن في إحدى بياناته .
وفي ذلك يخاطب البيان الأول للسلفية الجهادية في 14 أغسطس 2012 صراحة الجيش المصري، قائلا: “,”أنتم تجروننا إلى معركة ليست معركتنا ... لا تضعوا أنفسكم حاجزاً بيننا و بين هدفنا و عدونا الصهيوني فسلاحنا ليس موجهاً لكم“,”، عقيدة التنظيم “,”اليهود“,” “,”الصهاينة“,”
- خامسًا: الخلط بين جغرافيا الدولة وجغرافيا العقيدة : فمختلف البيانات الخاصة تحديدا بالسلفية الجهادية وأكناف بيت المقدس تشير إلى أن جوهر ولب عقيدة التنظيمين تقوم على العداء لإسرائيل، الهدف الأساسي لها فى سيناء هو إسرائيل، والتواصل مع “,”إخواننا“,” في فلسطين: وفي ذلك أكد البيان رقم 4 لمجلس شورى المجاهدين – أكناف بيت المقدس الصادر في 6 أغسطس 2012، “,”رفضنا لاتهام الشعب الفلسطيني المظلوم بالوقوف خلف كل حادث في مصر، ليكون ذلك مسوغاً لتشديد الحصار والخناق على المسلمين هناك“,”، إنها تستهدف إسرائيل فى المقام الأول. وتنتقد السلفية الجهادية الإعلام المصري أنه أغفل العمليات التي قام بها المجاهدون ضد الكيان الصهيوني فى سيناء وداخل أراضيه. لذلك تدعو الجيش المصري إلى “,”عدم الانجرار إلى معركة ليس للجنود فيها ناقة ولا جمل، وعدم وضع حاجز نفسي بين الجهاديين وبين الجيش المصري، خاصة أنَّ سلاحهم موجة للعدو الصهيوني“,”، ومن ثم لا تأخذ التنظيمات الجهادية أـو التكفيرية بعد السيادة الوطنية في الاعتبار من أساسه.
ومن خلال بيانات السلفية الجهادية، يتضح أن هناك تفاوتًا وعدم قدرة على تحديد البواعث الرئيسية لعقيدة التنظيم، وما إذا كان ما يدفعه إلى عقيدة الجهاد ضد الكيان الصهيوني هو المظالم التي تعرض لها أبناء سيناء، والتمييز ضدهم، أم أنه عداء أيديولوجي لا علاقة له بأوضاع سيناء على الأرض ونوعية المظالم الاقتصادية والمعيشية. فبيانات التنظيم تتغاضى عن الحديث عن الأوضاع المادية والاقتصادية إلا في حالة الاضطرار، ومع ذلك فإنه لا يمكن إغفال الجانب الاقتصادي، ما يتضح في البيان الذي صدر على أثر العملية العسكرية للقوات المسلحة، والذي كشف عن إحساس عميق بالغبن والظلم من التجاهل وأساليب التعامل الأمنية التي لا تأخذ في اعتبارها كرامة أبناء سيناء.
خلاصة:
من خلال بيانات السلفية الجهادية يتضح أن عقيدتها الأساسية هي العداء لـ “,”الكيان الصهيوني“,”، والسعي إلى ممارسة الجهاد ضد هذا الكيان، دون الأخذ في الاعتبار الواقع السياسي والارتباطات الأمنية والتعاهدية للدولة المصرية بمقتضى معاهدة السلام، ومن ثم فإن أساس قيامها ونشاطها وتماسكها التنظيمي يقوم على هذه العقيدة (الجهاد ضد الكيان الصهيوني)، ولا يتضح أنه سيمكن القضاء على هذه القناعة أو إنهائها أو تصفية عقيدة التنظيم وتفريغه من عقيدة الجهاد بسرعة؛ ومن ثم سيظل الخلاف واسعًا بين التنظيم والارتباطات السيادية للدولة المصرية. وسيبقى من الصعب تصور حلول وسط أو خيارات متاحة يمكنها أن تنهي هذه القناعة أو تقضي على هذا التنظيم.
مع ذلك فإن الخيارات المتاحة بالنسبة للدولة المصرية يمكنها أن تعمل على:
- إستراتيجية إنهاء الجانب النشاطي للتنظيم : ضمن هذا التصور لا تعمل الدولة بالأساس وفق استراتيجية إنهاء الجماعات المسلحة أو القضاء عليها من خلال العمليات العسكرية أو من خلال وسائل أخرى، وإنما تسعى إلى إنهاء أو نزع الجانب النشاطي للتنظيم، بأن يبقى على عقيدته واستراتيجيته وأهدافه، ولكن لا يمارس أعمالاً مخلة بالسيادة الوطنية، أو تترتب عليها مساءلة دولية ناتجة عن الإخلال ببنود معاهدة السلام، وهذا يعني إتاحة كافة الأعمال السياسية المشروعة للتنظيمات المسلحة لكي تتحول إلى كيانات سياسية كباقي تنظيمات السلفية الجهادية مثل الجماعة الإسلامية .. وغيرها.
- إستراتيجية تصفية عقيدة السلفية الجهادية : وفي ذلك يتصور أن تدخل الدولة عبر مؤسساتها الدينية والإعلامية والشخصيات العامة في حوار واضح وصريح بشأن التزامات الدولة وحدود القدرة والمصارحة بشأن المخاطر والتهديدات التي يمكن أن تتعرض لها الدولة من إلغاء معاهدة السلام، والمكاسب التي حققتها من المعاهدة، وهذه الاستراتيجية تعمل على الحوار بشأن الجانب الآخر الذي يصعب على الجماعات السلفية التخلي عنه من غير وسائل إقناع وصبر طويل، والتزامات من جانب الدولة بإدخال تغييرات على إدارتها لسيناء وللعلاقات مع إسرائيل. وربما يتضمن ذلك تجنب العمل والتنسيق الأمني مع إسرائيل في مستويات وقضايا محددة، والتوقف عن أنشطة ومجالات تعاون ليست مفروضة على مصر بمقتضى معاهدة السلام وكامب ديفيد، وذلك ليس تنازلاً من الدولة بقدر ما هو مسعى لاسترضاء قطاع من مواطنيها في قضايا غير مفروضة أو واجبة كالتزامات دولية.
- استراتيجية تجفيف منابع السلفية الجهادية : وذلك من خلال العمل على مراقبة عمليات التجنيد التي يقوم بها التنظيم، لعناصر جديدة من بين أبناء سيناء أو من محافظات ومدن مصرية مختلفة أو من الخارج، سواء من مواطنين فلسطينيين من غزة، أو من دول عربية أخرى. ومن ثم وقف تدفق القادمين الجدد من الداخل والخارج إلى تنظيمات السلفية الجهادية. وذلك يتطلب العمل على التحكم بالبيئة التي تدفع لتبني أفكار التنظيم، من خلال التعامل مع سيناء وفق رؤية ومشروع وطني أشمل. ويتطلب ذلك التصدي لتحويل سيناء إلى أرض للجهاد تخلق حولها ظاهرة جهادية تستقطب المجاهدين من كل حدب وصوب، من خلال منع تحويل سيناء إلى منطقة رخوة أو أرض فراغ، لاستقطاب الجهاديين من مختلف الدول.
[1] - د. أبو عمر التائب، 22/8/2012. http://www.muslm.net/vb/archive/index.php/t-490192.html
[2] - لمزيد من المعلومات أنظر: الموسوعة الجهادية، خريطة الحركات الإسلامية في سيناء: جهادية وسلفية وخلايا نائمة تنتظر الأمر، موقع الجماعة الإسلامية – مصر، http://www.egyig.com/Public/articles/mauso3a/9/44851097.shtml
[3] - أحمد متولي، الجماعة الإسلامية تنشر خريطة “,”الحركات“,” في سيناء.. ، اليوم السابع، الثلاثاء، 14 أغسطس 2012.