لم تكن هذه هي المرة الأولي التي أزور فيها إيران ضمن وفد الدبلوماسية الشعبية المصرية, الذي أمضي خمسة أيام في العاصمة طهران
والتقي فيها بعدد كبير من أهم وأبرز القادة السياسيين هناك وعلي رأسهم د. علي لاريجاني رئيس مجلس الشوري( البرلمان), ود. علي أكبر ولاياتي المستشار السياسي للمرشد الأعلي للجمهورية الإسلامية السيد علي الخامنئي, وسماحة آية الله محسن آراكي الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب, ود. هادي سليمان بور مساعد وزير الخارجية لشئون البحوث والدراسات رئيس معهد الدراسات السياسية والدولية التابع لوزارة الخارجية, وحسين أمير عبد اللهيان مساعد وزير الخارجية للشئون العربية والإسلامية. فقد سبقت لي زيارة إيران مرات عديدة كانت كلها ضمن مهام بحثية وأكاديمية تتعلق بقضايا العلاقات العربية والمصرية مع إيران وقضايا الخليج العربي وغيرها من الموضوعات البحثية, لكن هذه المرة كان الأمر مختلفا كلية, لأننا ذهبنا نحمل فوق رؤوسنا مسئولية الحديث باسم شعبنا وإرادته الثورية التي تجلت في ثورتي25 يناير و30 يونيو.
بهذا المعني ذهبنا إلي إيران كي نطلع الشعب الإيراني والسلطات الإيرانية علي ما استطاع شعبنا المبهر تحقيقه في ثورتيه, وعن المعاني والقيم والأهداف التي حملتها هاتان الثورتان والتي يناضل شعبنا وجيشه من أجل تحقيقها, وعن علاقة الارتباط الوثيقة بين ثورة25 يناير و30 يونيو, وكيف أن ثورة30 يونيو جاءت لتستر وتحمي وتكمل ثورة25 يناير, وعلي الأخص ما يتعلق بهدف الاستقلال الوطني وتخليص مصر من كل قيود التبعية للخارج وبالذات للولايات المتحدة الأمريكية, وهو ما تجلي واضحا يوم3 يوليو عندما انحاز الجيش لثورة شعبه علي نحو ما انحاز أيضا للشعب في ثورة25 يناير, وتحدي كل الضغوط الأمريكية التي كانت تدافع عن الرئيس المخلوع محمد مرسي وحكم الإخوان المسلمين.
كثير من الزميلات والزملاء أعضاء وفد الدبلوماسية الشعبية المصرية إلي إيران شغلهم سؤال مهم علي مدي الأيام الخمسة التي قضاها الوفد هناك هو: كيف تم السكوت علي قطيعة مصر مع إيران علي مدي34 عاما هي عمر الثورة الإيرانية التي أسقطت نظاما مستبدا وفاسدا وعميلا للغرب وحليفا للإسرائيليين, ولماذا التردد المصري بعد ثورتي25 يناير و30 يونيو عن إصلاح ما أفسده الدهر من علاقات ومصالح مع إيران.
لماذا كل هذه القطيعة بين مصر وإيران منذ عام1979, وهي القطيعة التي جعلت من مصر الدولة الوحيدة علي المستويين العربي والإسلامي التي ليست لها علاقات مع إيران علي مستوي السفراء, والدولة الوحيدة في العالم, إضافة إلي أمريكا وإسرائيل فقط, التي ليست لها علاقة مع إيران علي مستوي السفراء, والتي لم يتجاوز حجم التبادل التجاري بينها وبين إيران115 مليون دولار فقط في حين وصل التبادل التجاري بين إيران ودولة الإمارات العربية المتحدة إلي20 مليار دولار(20 ألف مليون دولار) ووصل التبادل التجاري بين إيران وتركيا إلي22 مليار دولار. إن كل من يتأمل العلاقات المصرية الإيرانية سوف يصدم بمفارقاتها الغريبة وكيف ظلت تتحول بين محوري التعاون والصراع. ففي العهد الملكي كانت العلاقات بينهما علاقات تعاون بل مصاهرة عندما تزوجت الأميرة فوزية( شقيقة الملك فاروق) شاه إيران, كان ذلك بسبب عوامل كثيرة منها تشابه النظم الحاكمة وارتباط البلدين بحليف واحد هو بريطانيا, لكنها تحولت إلي علاقات صراعية بعد حرب عام1948 وقيام الكيان الصهيوني الذي اختارت إيران الشاه أن تكون حليفا له.
علي الجانب الآخر كانت مصر قد أسقطت النظام الملكي بعد قيام ثورة23 يوليو1952 وتحولت بزعامة جمال عبد الناصر إلي قائدة للنضال العربي من أجل تحرير فلسطين وقيادة حركة التحرر العربية والعالمية والتصدي لسياسة الأحلاف وتزعم حركة عدم الانحياز وكان منطقيا أن يؤدي هذا كله إلي صدام مصري- إيراني وإلي تحول العلاقات المصرية- الإيرانية إلي علاقات صراعية, لكن الأمر تغير كثيرا بعد وفاة جمال عبد الناصر ودخول الرئيس السادات عصر الصداقة مع أمريكا والسلام مع إسرائيل, فقد شهدت علاقات مصر مع إيران الشاه تحسنا ملحوظا اقترن بتحسن علاقة مصر مع كل من أمريكا وإسرائيل, وسرعان ما انهارت هذه العلاقات إثر حدثين جللين, الحدث الجلل الأول هو نجاح الثورة الإسلامية في إيران وسقوط نظام الشاه في11 فبراير1979, والحدث الجلل الثاني هو توقيع مصر معاهدة السلام مع إسرائيل في سبتمبر.1979
هذان الحدثان أديا إلي انهيار جديد في علاقات مصر مع إيران بعد أن أدت الثورة الإيرانية إلي انقطاع علاقة إيران مع أمريكا وإسرائيل وتحولها إلي علاقة عداء وصراع بعد أن أعلنت إيران الإسلامية نفسها مدافعا عن الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة, وطرحت نفسها عدوا للكيان الصهيوني وللشيطان الأكبر الأمريكي, في الوقت الذي تحولت فيه مصر إلي حليف لأمريكا وإسرائيل بعد توقيعها معاهدة السلام تلك.
ما هذا الذي حدث؟ مصر التي كانت تقود الصراع ضد أمريكا وإسرائيل في عهد عبد الناصر تحولت إلي حليف لأمريكا وإسرائيل بعد معاهدة السلام. وإيران التي كانت حليفا لأمريكا وإسرائيل في عهد الشاه تحولت إلي عدو لأمريكا وإسرائيل مع نجاح ثورتها عام1979 وكانت النتيجة هي تباعد مصر وإيران, وكأن التاريخ يعاند البلدين بمكره المعهود في أن يحول دون لقاء مصر وإيران في مواجهة العدو الإسرائيلي الواحد. لذلك كان شاغلنا في زيارتنا تلك إلي إيران هو: هل يمكن بعد ثورة25 يناير و30 يونيو أن ننتصر علي مكر التاريخ؟
عبارة قالها علي أكبر ولاياتي وقلناها ونحن نتأمل في قوله: عندما كان عبد الناصر يتحدث كان العالم ينصت من المحيط الأطلسي إلي المحيط الهندي. والآن نحن في حاجة إلي أن نقول: عندما يتحدث شعب مصر يجب أن ينصت العالم كله, فهذا الشعب الذي فجر ثورتين في عامين قادر علي أن ينتصر علي مكر التاريخ وأن يعيد رسم خرائط تحالفاته وصراعاته بما ينسجم ويتوافق مع موقعه في قلب الأمة العربية ونظام الشرق الأوسط وبما يحقق أهداف ثورتيه المجيدتين في بناء دولة الحرية والعزة والكرامة, يعادي من يعاديه ويصادق من يصادقه ويحترم كبرياءه وتاريخه وحضارته.