كنت من أوائل الباحثين الذين كتبوا ونادوا بضرورة مشاركة المصريين بالخارج في الاستحقاقات الانتخابية المختلفة، بل وتخصيص بعض الدوائر أو المقاعد لهم حتى يكون هناك ربط دائم بينهم وبين قضايا الوطن في الداخل، وإمكانية الاستفادة من خبرتهم. وإحداث نوع من التزاوج بين الأفكار الجديدة والتقليدية في الداخل والخارج.
فى الوقت الذي ناضل فيه المصريين بالخارج للحصول على حق الاقتراع والانتخاب جاءت نسبة مشاركتهم في الاستحقاقات الانتخابية والاستفتائية ضعيفة للغاية على عكس المتوقع، أو ما كان يتمناه مواطني الداخل منهم. ففي الوقت الذي بلغ فيه جملة المقترعين بالاستفتاء بـ 15% ممن سجلوا أسماءهم فى كشوف الجنة العليا للانتخابات، إلا أنه ارتفع عدد اللذين من أدلوا بأصواتهم في استفتاء 2014 بحوالى 15 ألف عن استفتاء 2013 ليصل إلى 100 ألف مواطن.
وفي الواقع يأتي ضعف إقبال المصريين بالخارج لأسباب عدة منها: أولها، طريقة الاقتراع المتبعة، والتي تعتمد على ضرورة الذهاب إلى السفارة أو القنصلية بعدما تم إلغاء التصويت البريدي الذي كان متبعًا فى الاستفتاء السابق. وبناء عليه، فإنه إذ تم إتباع التصويت الاليكتروني ربما يكون أكثر جدوى وأكثر تحفيزًا للمشاركة خاصة للمصريين الموجودين في أوروبا واستراليا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا وغيرها من البلدان مترامية الأطراف التي يتواجد فيها المصريون، والتي ترتفع فيها تكلفة التنقل والسفر وتحتاج إلى إجازة رسمية من العمل للوصول إلى مقر اللجنة.
ثانيا: لم يصاحب ثورة التوقعات والمطالبات من نشطاء الخارج بالتصويت عمليات توعية حقيقية بين الجاليات المصرية بأن هذا الحق القضائي المكتسب يجب تعضيده ومساندته بنسب مشاركة مرتفعة لمزيد من ربط الخارج بقضايا الداخلي والمشاركة فيها ليس فقط عبر اقتراح الحلول من النخبة الموجودة في الخارج ولكن عبر ترشيد اختيارات الشعب في الداخل.
ثالثا: استمرار فقدان الثقة وغياب العلاقة الطيبة بين أبناء الجاليات المصرية بالخارج والسفارات وأعضاء البعثات الدبلوماسية التي مازال أغلبها يتعامل بنفس طرق التفكير القديمة، ما أدى إلى مزيد من العزوف والبعد عن هذه الكيانات غير المرغوب فيها على عكس الكثير من الدول الأخرى التى تجعل من مثل هذه المناسبات كرنفال احتفالي يلتقي فيها أبناء الجالية مثلها مثل الأعياد الرسمية للدولة الأم.
رابعًا: الثقافة التقليدية العامة للمصريين والتي تؤدي إلى العزوف وضعف المشاركة. حيث يفضل المصري في الخارج اللهث وراء "لقمة العيش" فقط والبعد عن أية ممارسات سياسية قد تأتي عليه بالمتاعب، وهذه هي حقيقة الأمر الذي يؤدي إلى مزيد من البعد عن المشاركة.
خامسًا: هناك بعض المصريين (خاصة الجيل الثاني والثالث) يمارسون بالفعل عملية التصويت والانتخاب بالفعل في البلدان التي اكتسبوا جنسيتها ويتواجدون فيها، ولأنها تعود بالنفع المباشر عليهم.
سادسا: التصويت الديني المتبع فى مصر ما بعد ثورة 25 يناير، والذي تجلت مظاهره في المملكة العربية السعودية، والتي يتواجد فيها أكثر من 43% من جملة من لهم حق الاقتراع، حيث لم يذهب منهم إلى أعداد محدودة في هذا الاستفتاء، وهذا نتيجة طبيعة لمقاطعة الإخوان وبعض التيارات المتشددة التي تنتمي إليها.
وفي النهاية، يبقى السؤال الذي يطرح نفسه، ما هو العائد من الاستمرار في عمليات تصويت المصريين بالخارج في ظل التكلفة المادية المرتفعة من ناحية وإمكانية مساهمتها في إفشال العملية الانتخابية إذا حدث تزوير أو تلاعب في العملية الانتخابية بالخارج؟ أم يظل الراهن على المستقبل أملاً في مزيد من المشاركة الإيجابية في الانتخابات المقبلة.