من الإخفاق إلى الفشل: عام على تولي مكتب الإرشاد حكم مصر
الأحد 29/ديسمبر/2013 - 01:44 م
لواء/ عبد الحميد خيرت
إن فترات التحول الديمقراطي في أي مجتمع هي فترات تغيير عنيف، تسقط خلالها أعراف وتقاليد كانت مستقرة لسنوات طوال، ويجد خلالها اللاعبون الرئيسيون الجدد أنفسهم وكأنهم أمام قواعد جديدة تمامًا للعبة السياسية، قد لا يملكون أدوات أو مهارات التعامل معها. لعل ذلك هو ما دفع الكثير من المراقبين للحياة السياسية المصرية، منذ لحظة تنحي الرئيس مبارك في فبراير 2011، إلى الإشارة إلى العديد من الإشكاليات ومظاهر الضعف التي أفرزتها هذه الفترة الوجيزة من سيولة، وتقلب سريع، وهشاشة ل لتنظيمات في بعض الأحيان، وإعلاء قيمة الأشخاص على التنظيمات في أحيان أخرى.
واللافت للنظر أنه صاحَب الدعوات للتظاهر يوم 30 يونيو القادم حالة غير مسبوقة من التصريحات العدائية من بعض أنصار التيار الديني وأنصار الدكتور مرسي للمشاركين والشعب، فاقت في قوتها كل أعمال الإرهاب والتهديد اللفظي التي تمت أثناء إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية. كما تبارت التيارات السياسية المختلفة، والتي فشلت في تحقيق توافق وطني حقيقي خلال العامين ونصف الماضيين، على شاشات التلفزة المصرية والإقليمية، في تحميل نتيجة ما سيحدث في نهاية يونيو القادم للطرف الآخر.
إن من يقرأ المشهد السياسي في مصر بعد سنتين تقريبًا من ثورة 25 يناير ووصول جماعة الإخوان إلى سدة الحكم لا بد أن يتوقف أمام العديد من النقاط المهمة التي تدفعنا إلى التساؤل: من يحكم مصر: هل الرئيس أم مكتب الإرشاد؟ لماذا التعجل من قبل الجماعة للسيطرة على مفاصل الدولة؟ وإلى أين وصل قطار “,”الأخونة“,”؟ ولماذا يجري بهذه السرعة؟ ولماذا تقوم الجماعة بافتعال الأزمات مع مؤسسات الدولة، بدءًا من المحكمة الدستورية مرورًا بالأجهزة الشرطية وصولاً إلى القضاء؟
كل هذه الأزمات والمشاكل جعلت المواطن المصري يتساءل: إلى أين تسير بنا هذه الجماعة؟ وكيف وصلنا لما نحن عليه الآن؟ وهل من مخرج لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟
§ الجماعة وقطار “,”الأخونة“,”.. هل من كابح؟
منذ وصول جماعة الإخوان لسدة الحكم وتولي الرئيس محمد مرسي مقاليد البلاد، ومصر تدار بنظرية الفوضى الخلاقة، التي تقوم على هدم مؤسسات الدولة وتفكيكها وإعادة بنائها بنظام سياسي جديد يتفق مع أجندتها. حتى أن قادة جماعة الإخوان المسلمين، في تبريرهم للمشهد الذي وصلنا إليه الآن من كوننا على مشارف حرب أهلية، يتحدثون بنفس حديث وزيرة خارجية أمريكا كونداليزا رايز في تبرير فشلها في تحقيق الديمقراطية بدولة العراق، حين تحدثت بعبارات: “,”مخاض ولادة شرق أوسط جديد“,”، أو “,”مهما فعلنا علينا أن نكون على يقين بأننا ندفع قدمًا باتجاه شرق أوسط جديد، وأننا لن نعود إلى الشرق الأوسط القديم“,” (الواشنطن بوست في 21/7/2006)، وهو نفس ما يردده السيد الرئيس وقادة الإخوان، وما علينا إلا أن نرفع كلمة الشرق الأوسط ونضع بدلاً منها كلمة مصر.
إن نظرية الفوضى الخلاقة، التي نوهت عنها “,”كونداليزا رايز“,” منذ عام 2005، يمكن حصر معالمها في النقاط التالية:
- الخروج في تظاهرات جماعية في مناطق متعددة.
- استفزاز الأمن من قبل عناصر مندسة من البلطجية، ودفعه للاصطدام مع المتظاهرين.
- التركيز على مواجهة قوات الأمن والتعامل معها بكل عنف واستنزاف طاقاتها لحين سقوطها.
- شيوع الفوضى وانتشارها في معظم المحافظات.
- قيام البلطجية والخارجين عن القانون بترويع الآمنين بشكل متزامن في جميع أنحاء البلاد.
- الانقضاض على جميع فروع الجهاز الأمني بشكل متزامن ومترابط.
- الدعوة لاستمرار التظاهر؛ لتغييب المتظاهرين عن ما يحدث في الواقع.
- الدفع ببعض الرموز التي يتعلق بها المتظاهرون لحثهم على الاستمرار.
- اللعب بعقول المتظاهرين وتضخيم دورهم؛ ليتوهموا أنهم يحصلون على مكاسب.
- شغل الجهات القادرة على إحداث التوازن، مثل الجيش، بقضايا فرعية؛ لشغله عن مهمته الأساسية، التي هي الدفاع عن الوطن ضد التهديدات الخارجية.
- محاولة زعزعة النظام والجبهة الداخلية لوقف أي محاولات للتهدئة.
- وأخيرًا، إفساد أي محاولات للتهدئة؛ لكي يبقى الوضع كما هو عليه؛ لكي تسقط الدولة في انقسامات.
إن من ينظر إلى البنود الاثني عشر السابقة، ويطابق فحواها على الواقع الحالي، فسيجد أن خطة الفوضى الخلاقة تطبقها مؤسسة الرئاسة بكل دقة. فمنذ تولي السيد الرئيس الحكم وأمامه ثلاث مؤسسات تمثل بالنسبة له حجر زاوية في التمكين والسيطرة على كافة مفاصل الدولة (الشرطة – القضاء – الجيش)، وكان أمامه اختياران:
الأول: اختيار نظرية الفوضى الخلاقة؛ لهدم مؤسسات الدولة وإعادة البناء من جديد (فكر هدَّام).
الثاني: الحفاظ على مؤسسات الدولة القائمة، وضبط إيقاع العمل بها، على غرار نصيحة السيد/ جيمس إنجلبرجر (خبير وزارة الخارجية الأمريكية بالأنظمة العسكرية في الدول النامية) للرئيس السابق جمال عبد الناصر عام 1953، بأن سيطرته على مقاليد الأمور في الدولة لن تتحقق إلا من خلال الحفاظ على مؤسساتها القائمة، وبالأخص الشرطة والقضاء والجيش، وضبط إيقاع العمل بها (راجع كتاب لعبة الأمم- د. مايلز كويلاند – صفحة 17) - (فكر بنَّاء).
لقد اختار السيد الرئيس الخيار الأول في التعامل مع مؤسسات الدولة السيادية؛ لتحقيق فكرة التمكين، بهدم تلك المؤسسات، والعمل على إعادة بنائها من جديد على أسس ومنهج وأجندة إخوانية.
لقد اختار الفوضى الخلاقة لتكون السبيل إلى التمكين والسيطرة على مؤسسات الدولة من شرطة وقضاء وجيش، على النحو التالي:
أولاً: الشرطة: كانت الشرطة هي المستهدف الأول من جماعة الإخوان في الفترة الأولى من الثورة، مستغلة في ذلك العداء الشديد من بعض فئات الشعب تجاه رجل الأمن؛ حيث قامت الجماعة بالاستعانة بمجموعات من بعض العناصر الإجرامية والمتطرفة من بدو سيناء، والتنسيق مع عناصر من حركة حماس وحزب الله اللبناني، في:
1. اقتحام السجون وتهريب قيادات الجماعة وكوادرها. وقد ساعد اقتحام السجون في تسهيل هروب البلطجية والمسجلين خطر.
2. الاعتداء على مقار مباحث أمن الدولة.
3. الاعتداء على أقسام الشرطة في توقيت واحد على مستوى الجمهورية.
4. تأليب الرأي العام على ضباط الشرطة والمطالبة بمحاكمتهم بتهمة قتل المتظاهرين.
أدى ذلك إلى حدوث انفلات أمني، وانتشار الفوضى والبلطجة؛ مما زاد من حدة السخط لدى المواطن العادي الذي فقد الأمن والأمان. وبعد تولي الرئيس السلطة عادت الجماعة من جديد، وبقوة؛ لتفتيت جهاز الشرطة، بمباركة من مؤسسة الرئاسة، وذلك من خلال الآتي:
- تشوية سمعة وزارة الداخلية، من خلال الحديث المتواصل عن التطهير، وربط فكرة التطهير بالفساد.
- الدفع بجهاز الشرطة في الصدام مع الشعب؛ لمواجهة أحداث تحتاج إلى معالجة سياسية.
- منع الأجهزة الأمنية من مواجهة الخارجين على القانون من جماعات الإسلام السياسي، بصورة توحي بالسلبية في الأداء أمام الرأي العام.
- استبعاد القيادات الأمنية الرافضة للزج بالشرطة في صدام مع الشعب أو عدم تلبيتها لأي توجهات إخوانية (إقالة وزير الداخلية السابق، اللواء أحمد جمال)، والاستعانة بشخصيات من داخله يمكن أن تلعب هذا الدور وتعمل مع الجماعة وللجماعة (وزير الداخلية الحالي، اللواء محمد إبراهيم).
- استغلال الأحداث التي تتسم بالعنف ونتج عنها قتلى في الإشادة بالدور الشرطي في مواجهة الخارجين على القانون من المجرمين والبلطجية؛ مما يؤدي إلى احتقان الشارع تجاه رجل الأمن بحجة الخلط بين البلطجية والثوار.
- الدفع بكوادر الجماعة للالتحاق بكلية الشرطة؛ للانتشار والسيطرة مستقبليًّا على الأماكن الإستراتيجية بالوزارة.
أدت هذه الممارسات إلى فشل المؤسسة الأمنية في تحقيق الأمن، واتساع رقعة البلطجة، بحيث امتدت لجميع محافظات الجمهورية، وعمت الفوضى البلاد، واعتاد المواطن على لون الدم، وافتقد الشعور بالأمان.
ثانيًا: الهيئة القضائية: بدأ الرئيس ولايته بالتعدي على أعرق مؤسسة مصرية، وهي المؤسسة القضائية، بصورة توحي بأن الجماعة تكن عداء شديدًا لتلك المؤسسة.
فقد رفض في بادئ الأمر أداء اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا، ولكنها أصرت وتمسكت بضرورة أداء القسم أمامها، وكان لها ما أرادت. ثم صدور قرار رئاسي بعودة مجلس الشعب بعد حلة دستوريًّا، ولكنه اصطدم بالمحكمة الدستورية، فتم العدول عنه.
فرأت الجماعة أن الهيئة القضائية بوضعها هذا ستكون عائقًا كبيرًا في تحقيق أهدافها، فبدأت تعمل، ومن خلال مؤسسة الرئاسة، على النيل منها، وذلك على النحو التالي:
- محاصرة المحكمة الدستورية العليا، في أبشع عملية إرهابية تعرضت لها مصر، أدت إلى سقوط دولة القانون.
- صدور قرارات رئاسية غير دستورية تعطي للرئيس صلاحيات مطلقة (إعلان دستوري – لجنة تأسيسية لوضع الدستور- تحديد موعد الاستفتاء على الدستور – تحصين قرارات السيد الرئيس - إعطاء سلطة التشريع لمجلس الشورى).
- تخفيض عدد أعضاء المحكمة الدستورية العليا إلى النصف، وسلبها حق الرقابة اللاحقة لقوانين الانتخابات ومباشرة الحقوق السياسية.
- إقالة النائب العام، المستشار عبد المجيد محمود، في سابقة هي الأولى من نوعها.
- التشكيك في أحكام القضاء؛ حتى يفقد الشعب الثقة في قضائه الشامخ.
- إرهاب القضاة عند الحكم في قضايا تخص الجماعة أو تخدم مصالحها؛ بدفع كوادرها للحشد أثناء النطق بالحكم.
- التعدي بالضرب على المستشار أحمد الزند، رئيس نادي قضاة مصر.
- الحشد أمام دار القضاء العالي، وتهديد النائب العام السابق.
- التجاوز في الحديث من بعض قيادات الجماعة في اللقاءات التليفزيونية على بعض الرموز القضائية.
- الدفع بكوادر الجماعة للالتحاق بالسلك القضائي؛ من أجل السيطرة على تلك الهيئة، مستعينة في ذلك بخلاياها التي كانت نائمة داخل هذه المؤسسات وحان وقت تنشيطها.
وبالرغم من التجاوزات التي ألمت بالهيئة القضائية، والإرهاب الذي تعرضت له، فإن الجماعة، ومؤسسة الرئاسة، لم تتمكن من أن تفرض قبضتها على هذه المؤسسة العريقة.
فمنذ شهور قليلة قضت محكمة القضاء الإداري بإلغاء قرار رئيس الجمهورية بدعوة الناخبين إلى انتخاب مجلس النواب الجديد، وإعادة قانون الانتخابات إلى المحكمة الدستورية العليا؛ لممارسة دورها في الرقابة السابقة على القانون، حسب نص المادة 177 من الدستور الجديد.
ومنذ فترة وجيزة ماضية قضت محكمة استئناف القاهرة حكمها بإلغاء قرار رئيس الجمهورية بإقالة النائب العام السابق عبد المجيد محمود. وما زالت حتى الآن العلاقة بين مؤسسة الرئاسة والهيئة القضائية على غير ما يرام، وأن فكرة تمكين الجماعة من تلك الهيئة تصطدم بعوائق كثيرة تحول دون قدرة الجماعة ومؤسسة الرئاسة على النيل منها.
ثالثًا: الجيش: يعتبر الجيش هو الرقم الصعب في المواجهة مع الجماعة ومؤسسة الرئاسة؛ فقد كانت العلاقة بينهما يشوبها التوتر والحذر، إلى أن وقعت مذبحة رفح، والتي راح ضحيتها 16 شهيدًا، والتي على أثرها اتخذ السيد الرئيس قرارًا بإقالة رئيس المخابرات العامة وقائد الشرطة العسكرية وقائد الحرس الجمهوري؛ بسبب:
1. استشعار السيد الرئيس أن هناك تعمدًا من قبل المؤسسة العسكرية والحرس الجمهوري في عدم الرغبة لحضوره جنازة شهداء مذبحة رفح؛ لإحراجه أمام الشعب.
2. عدم تأمين جنازة شهداء مذبحة رفح بالشكل المطلوب من قبل الشرطة العسكرية؛ مما عرض حياة السيد رئيس الوزراء للخطر.
3. توريط السيد الرئيس أمام شعبة بالإهمال في عدم اتخاذ إجراءات سريعة لمنع وقوع الحادث، في ضوء المعلومات التي أبلغ بها السيد رئيس المخابرات العامة قبل وقوع الحدث بأيام.
ونظرًا لعدم وجود ردود أفعال من جراء إقالة ثلاثة من أعضاء المجلس العسكري، على غير المتوقع؛ تولدت قناعة لدى مكتب الإرشاد ومؤسسة الرئاسة بأنه من الضرورة التعجيل بالتخلص من المشير طنطاوي والفريق عنان؛ فصدر قرار رئاسي بإقالتهما. استشعرت الجماعة أنها من الممكن أن تبدأ بالاقتراب من هذه المؤسسة والعمل على احتوائها تدريجيًّا، إلا أن تجاوز مرشد الجماعة في حديث صحفي، وتطاوله على رموز وقيادات المؤسسة العسكرية، دفع بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة لإصدار بيان شديد اللهجة، يحذر فيه من المساس برموز القوات المسلحة؛ مما دفع بالرئيس محمد مرسي إلى التوجه شخصيًّا إلى مقر المجلس العسكري والاعتذار.
لقد خرج المجلس العسكري من المشهد السياسي فور تسليمه السلطة لرئيس مدني منتخب. ومنذ ذلك التاريخ لم يشارك في أي عمل أو قرار سياسي، واكتفى بدور المراقب للأحداث؛ نتيجة استمرار حالة الفوضى والانفلات الأمني وتخبط مؤسسة الرئاسة في إصدار قرارات سياسية والعدول عنها في ذات الوقت. والتدخل فقط عند استشعاره بوجود خطر يهدد الأمن القومي للبلاد نتيجة قرار سياسي خاطئ، منها على سبيل المثال:
1. قرار عسكري بمنع تملك الأجانب للأرض في شمال سيناء.
2. قرار عسكري بأن قناة السويس والمنطقة المحيطة بها خط أحمر لأي استثمارات أجنبية من شأنها تهديد الأمن القومي للبلاد.
3. الدعوة لحوار وطني يضم جميع القوى السياسية، بما فيها مؤسسة الرئاسة تحت رعاية المؤسسة العسكرية؛ لرأب الصدع الذي أصاب المجتمع المصري بسبب سياسة السيد الرئيس التي أدت إلى انقسام الوطن إلى فريقين متناحرين؛ بما ينبئ دخول البلاد إلى نفق مظلم.
هذا التحرك من قبل المؤسسة العسكرية لم يكن على هوى مؤسسة الرئاسة ومكتب الإرشاد. وهو ما ولد تخوفًا لديهما من أن يكون للمؤسسة العسكرية الرغبة في أن تلعب دورًا سياسيًّا في المرحلة القادمة.
لقد فشلت الجماعة، ممثلة في مؤسسة الرئاسة، في السيطرة على مفاصل الدولة السيادية. ولم تنجح محاولاتها في فرض سطوتها على تلك المؤسسات، سواء بطرق مشروعة أو غير مشروعة. فهناك مؤسسات يصعب اختراقها والسيطرة عليها (الجيش – الشرطة – القضاء – الإعلام – المخابرات العامة)؛ وهو ما دفع الجماعة إلى محاولة هدمها من داخلها، عن طريق تنشيط كوادرها داخل المؤسسة، مثل تيار الاستقلال (الخلايا النائمة لجماعة الإخوان) في الهيئة القضائية، أو تعيين مسئول على رأس مؤسسة سيادية يقبل التعاون معهم وتنفيذ توجهاتهم، مثل اللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية الحالي.
ورغم محاولات الإخوان في هذا الشأن إلا أن تيار الاستقلال فشل في مهمته لشق الصف داخل المنظومة القضائية، وكذا وزير الداخلية الذي فقد احترام ضباطه حين تم التعدي علية بالقول أثناء تشييع جثمان أحد شهداء الشرطة، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ وزارة الداخلية.
في المقابل الآخر هناك من الوزارات والمؤسسات الأخرى التي تمثل أهمية كبيرة لدى الجماعة، والتي تسعى للسيطرة عليها وأخونتها؛ لأنها تدخل ضمن مستهدف الانتشار الأفقي للجماعة، مثل وزارات الأوقاف والتربية والتعليم والحكم المحلي والثقافة؛ وذلك بالسيطرة على الوظائف الوسطى بالهيكل الإداري في المجالس المحلية ودواوين عام المحافظات ومديريات الأوقاف، من خلال فرض وتعيين الجماعة لرجالها داخل تلك المؤسسات، ليس من منطلق الخبرة وامتلاك مؤهلات بقدر ما هو ضمان سيطرة الجماعة على هذا الموقع، مثل تعيين د. ياسر علي (طبيب الأمراض الجلدية) رئيسًا لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار.
إن الجماعة تهدف من وراء السعي للسيطرة على تلك المؤسسات تحسبًا بأنهم في حالة عدم حصولهم على نسبة الأغلبية في انتخابات مجلس الشعب القادم، يتم الاستيعاض عنهم من خلال التمكن من المفاصل الحاكمة للدولة؛ الأمر الذي سيصعب على أي نظام جديد غير إخواني مستقبلاً من السيطرة على مفاصل الدولة؛ لأنها ستكون تحت سيطرة الإخوان (الدولة العميقة الإخوانية).
§ الزواج الكاثوليكي بين مؤسسة الرئاسة وجماعة الإخوان
مما سبق يجعلنا نتوقف على طبيعة العلاقة بين مؤسسة الرئاسة وجماعة الإخوان، وتأثير ذلك على متخذ القرار. فالجماعة درجت -وفقًا لمخططاتها الإستراتيجية- على إيجاد كيانات تحت مسمى “,”لجان“,” تخضع إداريًّا لرئيس اللجنة وفنيًّا لمكتب الإرشاد؛ فنجد مثلاً لجان النقابات المهنية تخضع لرئاسة قسم المهنيين المركزي في الهيكل التنظيمي، والمشرف على هذا القسم عضو مكتب إرشاد وتضطلع تلك اللجان بمهامها النقابية بما يتوافق مع توجهات مكتب الإرشاد. فهي وإن كانت تأخذ توجيهاتها من مسئول اللجنة فيما يتصل بالعمل الإداري أو النقابي إلا أنها تتبع فنيًّا عضو مكتب الإرشاد المسئول عن قسم المهنيين.
هذا الوضع ينطبق على مؤسسة الرئاسة؛ حيث تعتبر مؤسسة الرئاسة لجنة من ضمن اللجان النوعية المستحدثة في الهيكل التنظيمي، يرأسها مسئول اللجنة الدكتور محمد مرسي، وهو ملتزم بتوجهات الجماعة. فأما من الناحية الإدارية فهو المتحكم في إدارة أعضاء هيئة اللجنة بتوزيع الاختصاصات فيما بينهم. وأما الجوانب الفنية في اتخاذ القرار فتخضع لمكتب الإرشاد (راجع الحديث الذي دار بين السيد الرئيس والإعلامي عمرو الليثي، والذي تم مراجعته مع مكتب الإرشاد قبل إذاعته لعمل المونتاج اللازم).
فمؤسسة الرئاسة تقوم بتجميع كافة الموضوعات المطروحة عليها، وعرضها على مكتب الإرشاد، الذي يقوم بدوره بتوزيعها على المتخصصين لتدارسها وإعادة عرضها من جديد على مكتب الإرشاد؛ لاتخاذ القرارات وإرسالها لمؤسسة الرئاسة للتنفيذ.
وهذا ما سبق وأن تناوله المهندس خيرت الشاطر في أكثر من حديث، حينما قرر أن الجماعة تمكنت من الحصول على معلومات هامة عن كافة مؤسسات الدولة، لم تكن تستطع ذلك إلا من خلال وجود الرئيس في قصر الاتحادية (راجع حديث الكاتب الصحفي د، عبد الرحيم علي في تناوله لوثيقة خيرت الشاطر).
إن السيد الرئيس يتعامل كفرد في جماعة الإخوان وليس كرئيس للجمهورية؛ مما أوقعه في العديد من الأخطاء التي سببت له العديد من الأزمات في علاقاته بمؤسسات الدولة، خاصة السيادية، وكذا القوى السياسية الموجودة على الساحة والأقباط. فمن الملاحظ خلال المرحلة السابقة أنه كلما اقتربت المسافة بين السيد الرئيس وجماعته في إدارة البلاد زادت حدة التوتر والغضب في الشارع والاصطدام بالقوى الثورية والسياسية.
هذا الأمر يعطي مؤشرًا عن كيفية إدارة البلاد. ويوضح أسباب الإخفاقات التي نعيشها منذ تولي السيد الرئيس مقاليد الحكم. فمصر تدار وفقًا لأجندة إخوانية من خلال مكتب الإرشاد. وإن الدكتور محمد مرسي هو رئيس لجنة الرئاسة، وفقًا للهيكل التنظيمي للجماعة، ومقرها قصر الاتحادية. وإن القرارات الصادرة تصب في مصلحة الجماعة وليست في مصلحة الوطن؛ لأن فكرة الوطن لا تدخل ضمن أدبيات الجماعة.
والسؤال الذي يفرض نفسة الآن: هل قيام مكتب الإرشاد في إطار تقنيين وضع الجماعة، بالإعلان عن إشهار جمعية الإخوان المسلمين، سيؤدي إلى حسم كافة الإشكاليات المثارة حول الجماعة، وانعكاس ذلك على تهدئة الشارع تجاهها؟ أو بمعنى آخر: هل يمكن أن تكون الجمعية الأهلية بديلاً عن الجماعة؟
إن الإجابة ببساطة شديدة لا يمكن أن تكون الجمعية هي البديل للجماعة؛ لوجود إشكالية ما بين الجمعية كجمعية أهلية والجماعة كمؤسسة عالمية. فالأخيرة لها لوائح داخلية منذ تأسيس التنظيم الدولي للإخوان، على رأسه المرشد العام، ومكتب إرشاد عالمي، ثلثا أعضائه من مصر، ومجلس شورى عالمي، ومراقبون للدولة الممثلة في التنظيم الدولي.
فلا يمكن للجماعة بهذا الشكل أن تختزل في جمعية أهلية. ولو صح هذا الافتراض فيجب نقل منصب المرشد من مصر إلى إحدى الدول الأخرى. وحتى في هذه الحالة سيكون هناك من يمثل مصر داخل مكتب الإرشاد العالمي. بالإضافة إلى: ما هو مصير المؤسسات المالية التي يمتلكها التنظيم الدولي في مختلف البلدان؟
خلاصة القول أن مكتب الإرشاد لا يمكن أن يضحي بالجماعة؛ فهي الأصل، والكل يعمل من تحت عباءتها؛ لخدمتها وخدمة أهدافها. وفي ضوء ذلك تكون الجماعة قد جمعت بين التنظيم والسرية والشرعية والرئاسة.
إن تدخل مكتب الإرشاد وفرض سيطرته على كافة مقاليد العمل داخل المؤسسة الرئاسية، وعدم إعطاء مساحة للسيد الرئيس في اتخاذ القرارات المناسبة، التي تحقق طموحات الشعب، بحكم وجوده في المطبخ السياسي، والذي يمكنه من رؤية الأمور والحقائق بنظرة أعمق وأكثر دقة ووضوحًا، وبصورة تختلف عما يراه مكتب الإرشاد، كان له أبلغ الأثر في أن تكون أغلبية قرارات الرئيس التي هي قرارات مكتب الإرشاد متخبطة ومتعارضة مع مصالح المواطنين. وإن كانت في صالح الجماعة؛ مما انعكس على الشارع السياسي، فكان المشهد الذي نراه اليوم من عنف وبلطجة وغليان في جميع القطاعات الجماهيرية.
§ لماذا فشل مكتب الإرشاد (مؤسسة الرئاسة) في إدارة البلاد؟
سؤال كان من الأهمية طرحه؛ ليتمكن القارئ من الوقوف على حقائق الأمور، وحتى تكون الرؤية واضحة أمامه. ولكن التطرق لهذا السؤال يدفعنا للعديد من التساؤلات التي من الواجب طرحها والإجابة عليها؛ حتى يكتمل المشهد، وجميعها تنصب حول ثورة 25 يناير:
من الذي قام بالثورة؟ وهل كانت مصر تعيش حالة ثورية للقيام بها؟ ماذا تعني الشعارات التي رفعها شباب الثورة؟ ما هو موقف قوى الإسلام السياسي منها؟ والأهم من ذلك: ما هو موقف جماعة الإخوان المسلمين من الثورة؟ والدور الذي لعبته في الترتيب والأعداد لها؟.
إن الإجابة على تلك الأسئلة سيوضح أمامنا لماذا فشلت جماعة الإخوان (مكتب الإرشاد) في إدارة البلاد.
لقد أحدثت ثورة 25 يناير حالة من الارتباك الفكري والسياسي، فلم يتوقع أحد من المفكرين والأدباء والسياسيين والباحثين هذا السيناريو الذي أحدث ثورة 25 يناير. ويرجع السبب في ذلك إلى أن فكرة الثورة من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية لم تكن ضمن المنهج الفكري لدى هؤلاء؛ حيث إن هذه المفاهيم ذات القيمة لا يتم التعرض لها في البلاد العربية إلا ببعض الإصلاحات المحدودة التي تضمن الاستمرار والبقاء في السلطة وليس بتغيير سياسات.
كما أنه لم تكن مصر -شأنها في ذلك شأن باقي الدول العربية التي شهدت ثورات- تعيش حالة ثورية تدفعها إلى القيام بثورة رغم تداول تلك المفاهيم (انتشار الفساد – التحول الديمقراطي – حتمية التغيير... إلخ). من هنا جاء الارتباك الفكري الذي أوجد اختلافًا في الرؤية حول توصيف هذا الحدث، ما بين الثورة أو الانتفاضة الشعبية أو الانقلاب العسكري.
وبعيدًا عن الدخول في إشكالية توصيف الحدث، فإن هناك بعض المؤشرات تدفعنا إلى التوقف عندها؛ نظرًا لأهميتها في تقييم المشهد:
أولاً : لا يشترط أن تكون البلاد في حالة ثورية حتى تقوم بها ثورة، أو بمعنى آخر أن الثورة ليست مشروطة بحالة ثورية تعيشها البلاد.
ثانيًا : إن تحريك الجماهير يمكن أن يتم من خلال قيم بعيدة عن الفقر والجوع والبحث عن لقمة العيش، كالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
ثالثًا: إن التوافق الشعبي والحشد الجماهيري على مطالب محددة يؤدي إلى إسقاط نظام دون إراقة دماء.
رابعًا: إن الحالة الثورية قد تتشكل بعد إسقاط النظام (الثورة مستمرة)، وهي متوقفة على وعي الجماهير بحقوقهم المسلوبة وإصرارهم على تحقيق أهدافهم.
خامسًا: إن من أشعل الثورة هم من ينتمون للطبقة المتوسطة، البعيدون نسبيا عن الضغوط المعيشية، والتي كانت أهدافهم تتركز في مطالب حقوقية كالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
سادسًا: إن حشد الجماهير للقيام بالثورة لم يكن من خلال تنظيمات أو جماعات سرية تعمل تحت الأرض، كما يدعي البعض، بل كان من خلال شباب مثقف اتفقت إرادته عبر شبكات التواصل الاجتماعي في تجميع الناس والنزول إلى الشارع، وقد تحقق ما سعوا إليه.
سابعًا: إن قيام الثورة بشباب غير مرتبط بأي اتجاهات إسلامية، من خلال تبني مفاهيم حقوقية (الحرية – الديمقراطية - العدالة الاجتماعية)، جعلت رجل الشارع يتعرف على أفكار واتجاهات جديدة تحت مسميات لم تكن متداولة بالنسبة له (ليبرالية - علمانية... إلخ)، وأصبح الأمر لا يقتصر على ما يتداوله أنصار الإسلام السياسي من عبارات وكلمات (الخلافة - الشورى - الإسلام هو الحل - الأمر بالمعروف). وهو الأمر الذي أدى إلى ظهور ما يعرف بالدولة المدنية في مواجهة ما يعرف بالدولة الدينية؛ مما أوجد صراعًا بين أنصار الإسلام السياسي وأنصار الاتجاه الليبرالي والدولة المدنية.
ثامنًا: إن الثورات دفعت رجل الشارع ليكون أكثر إيجابية في ممارسة حقوقه السياسية (التوجه إلى صناديق الاقتراع والإصرار على الإدلاء بصوته في الانتخابات).
إن مطابقة تلك المؤشرات على الواقع تدفعنا للتساؤل: أين قوى الإسلام السياسي من هذه الثورة أو من تهيئة الشارع لها؟
فمصر، شأنها شأن سائر دول الربيع العربي، لم تكن تعيش حالة ثورية مهدت لها قوى الإسلام السياسي من خلال حركتها على الساحة الجماهيرية، ولم تكن فكرة الثورة واردة ضمن أجندتها. بل الأمر لا يتعدى دفع القيادة السياسية للقيام ببعض الإصلاحات التي تمكنها من الحصول على مساحة أوسع في الحركة تحقق من خلالها بعض المكتسبات.
كما أن شباب الطبقة المتوسطة هو من قام بالثورة، وليست الشرائح الجماهيرية التي تعاني من الفقر والجوع والجهل، والتي كانت تمارس قوى الإسلام السياسي دعوتها في أوساطها. فشريحة الفقراء التي كانت تعتمد على الشنطة الانتخابية (سكر- زيت- أرز- سمن - فول... الخ)، وكذا شريحة الأميين من الشعب المصري (خش وعلم على الميزان... الخ)، وهما شريحتان تشكلان نسبة تزيد عن 60% من عدد سكان الشعب المصري، لم تستطع قوي الإسلام السياسي من دفعهم للقيام بثورة، بل استغلالهم فقط والاستفادة منهم في الحصول على مقاعد برلمانية، وهو ما يشير إلى أن فكرة الثورة لم تكن من ضمن أجندة تلك القوى.
كما أن تلك القوى على مدار الثلاثين عامًا الماضية لم تتمكن من حشد الملايين من الشعب المصري في تحقيق مطالب إصلاحية رغم رفع شعارات دينية (الإسلام هو الحل)، في حين تمكن شباب الطبقة المتوسطة من حشد الملايين لتحقيق مطالب إصلاحية برفع شعارات حقوقية (حرية – ديمقراطية - عدالة اجتماعيه).
يضاف إلى ذلك أن الثورة لم تقم من خلال جماعات محظورة أو تيارات تعمل تحت الأرض، بل من خلال شباب بعيد كل البعد عن تلك الجماعات والممارسات السرية، التقت إرادتهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي لإحداث تغيير برفع مطالب حقوقيه.
وهذا هو الفرق بين تيارات أصولية تتعامل مع الشعب من خلال استغلال معاناته وجهله لكي تسوقه لصناديق الاقتراع (رشوة لتزوير إرادته) وبين شباب متحضر.. متعلم، لا يعاني من المشاكل المعيشية، يؤمن بالعلم والقيم الإنسانية.. ففي الوقت الذي تتحدث فيه قوى الإسلام السياسي عن الشنطة الانتخابية، كان شباب مصر يتحدث عن الحرية والعدالة الاجتماعية.
لقد نجح هذا الجيل من الشباب في أن يجعل الشعب المصري يعيش مرحلة جديدة تعّرف فيها على مصطلحات واتجاهات وقيم حركت بداخلة قوى التحدي من أجل الحصول عليها.
هذه القيم لم تكن قوى الإسلام السياسي تتناولها؛ لأنها مصطلحات علمانية غربية لا تتفق مع الشرع والشريعة (هكذا كانت دعوتهم في أوساط شرائح المجتمع التي تعاني الجهل والفقر)، وهو ما أدى إلى تكفيرهم واستباحة دمهم؛ لأنهم ينادون بالدولة المدنية في مواجهة الدولة الدينية.
إن ما يثير الانتباه هو إصرار أنصار الإسلام السياسي في عدم الاعتراف بأن أنصار الدولة المدنية هم من قاموا بالثورة رغم ما يشكلونه من قلة، وأنهم بالرغم من كونهم يشكلون الكثرة فلم يتمكنوا خلال العهود السابقة من إحداث أي نوع من التغيير السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي في وجدان الشعب المصري.
هذا هو موقف قوى الإسلام السياسي، الذي كان لا بد من إبرازه؛ لكي يكون هناك وضوح رؤية عن الدور الذي لعبته تلك القوى قبل الثورة، في التمهيد والترتيب والإعداد للثورة. وكشف الألاعيب والادعاءات الزائفة والعقول المريضة التي تحاول التمسح بالثورة في تغريدة من الكذب والرياء والتضليل والنفاق والتدليس والغش. وهي مقدمة للحديث عن موقف تلك القوى بعد الثورة والذي لن يختلف كثيرًا عن موقفها قبل الثورة.
لقد كانت جماعة الإخوان المسلمين في حالة من الارتباك الشديد جعلتها غير قادرة على تحديد موقفها بشكل محدد من المشهد الذي تعيشه البلاد بعد يوم 25 يناير. فكانت جميع قراراتها تتسم بالتردد والتحفظ من الاندفاع في مواقف قد تكون لها تبعات سياسية في حالة إخفاقها.
وهو ما يشير إلى أن فكرة الثورة لم تكن مطروحة ضمن توجهاتهم في تلك المرحلة. فكانت تصريحاتهم في بادئ الأمر شفوية تحمل في طياتها التوقف عن المشاركة؛ لعدم وضوح الرؤية. وكذا عدم توقيعها على بيان القوى السياسية الصادر في 21 يناير، والذي يدعو للمشاركة في مظاهرات يوم الغضب. وانحصر دورها في تلك الفترة في دعوة القيادة السياسية بإجراء عدة إصلاحات سياسية (إلغاء قانون الطوارئ - حل مجلس الشعب... إلخ) واستمرت في هذا التخبط والتلاعب بالألفاظ والتعامل مع المشهد على كونه انتفاضة، ولم تطلق لفظ الثورة إلا في البيان الذي أصدرته في 2 فبراير، حيث اتضحت الرؤية لها بأن سقف المطالب الجماهيرية قد تعدى الإصلاحات إلى المطالبة بإسقاط النظام. وبدأت الجماعة منذ ذلك الوقت تدخل في تحالفات مع المجلس العسكري؛ للاستفادة من مكتسبات الثورة وتوظيفها لخدمة أهدافها.
أما التيار السلفي فقد كان موقفة واضحًا ومحددًا في رفض المشاركة في مظاهرات 25 يناير، سواء كان ذلك في أحاديث مشايخهم أو من خلال البيانات التي يصدرونها؛ استنادًا إلى أحكام شرعية. بل تعدى الأمر إلى توجيه النقد القاسي لكل من دعا لمثل هذه الدعوات الاحتجاجية لهذا اليوم، من كونهم شباب أهوج يريد إشعال الفتن ونشر الفوضى في البلاد. وقد حذر الشيخ عبد المنعم الشحات (المتحدث الرسمي باسم الدعوة السلفية في ذلك الوقت) من دعاة الحرية اللذين يبتغون حرية الكفر. وأصدروا بيانًا يوم 30 يناير تناولوا فيه عمليات السرقة والنهب والتخريب التي وقعت بعد جمعة الغضب 28 يناير. ونشر بيان آخر في 2 فبراير باسم الدعوة السلفية تناولوا فيه وجوب المحافظة على الدماء والأعراض، والتصدي للعصابات الإجرامية، والمطالبة بإجراءات إصلاحية لتهدئة المشهد. وكان هذا آخر بيان صادر من أنصار التيار السلفي حتى تنحي الرئيس السابق عن الحكم. وهو ما يعني أن فكرة الثورة أيضًا لم تكن مطروحة لدى أنصار التيار السلفي.
أما الجماعة الإسلامية فكان موقفها أكثر وضوحًا؛ حيث إنها منذ اندلاع ثورة 25 يناير وحتى تنحي الرئيس السابق لم يصدر عنها سوى بيان واحد يشيد فيه بالحوار الذي جرى بين المعارضة والقوى السياسية واللواء عمر سليمان، والمطالبة بالاستجابة إلى الدعوة بإتاحة الفرصة للإصلاح، وعودة المتظاهرين إلى بيوتهم، وعدم الاستمرار في المطالبة بإسقاط النظام؛ لأنها مزايدة ستؤدي إلى حرق البلاد ودخولها إلى الفوضى.
هذا هو موقف قوى الإسلام السياسي من الثورة في الفترة ما قبل 25 يناير وحتى 11 فبراير (تاريخ تنحي الرئيس السابق)؛ حيث كانت فكرة الثورة غير واردة على الإطلاق وغير مطروحة من الأساس في أجندتهم الحركية والسياسية. وهو ما يبرر حالة الارتباك والسلبية في التعامل مع المشهد بالصورة السابق توضيحها، ويوضح حجم الكذب والتضليل في أحاديثهم عن الدور الذي لعبوه في الترتيب والإعداد للثورة، والتضحيات التي قدموها من أجلها.
مما سبق يتضح أن جماعة الإخوان المسلمين قد فوجئت بالحدث، شأنها في ذلك شأن سائر القوى السياسية؛ مما أوجد حالة من الارتباك والتخبط في القرارات التي تصدرها. فلقد وجدت الجماعة نفسها أمام كرسي الرئاسة، فكان عليها التفضيل بين الحفاظ على التنظيم أو الالتفاف حول قيادة إخوانية والدفع بها نحو كرسي الرئاسة. فاختارت الأخيرة على حساب التنظيم، وكان ذلك هو الخطأ الكبير الذي وقعت فيه الجماعة. فلم يحدث في تاريخ الجماعة منذ عام 1928، وعن عمر يناهز 85 عامًا، أن التفت الجماعة حول قيادة أو مرشد، وهو الأمر الذي أدى إلى الحفاظ على وجود التنظيم رغم ما تعرضت له من محن.
لقد أخطأت الجماعة في اختيارها؛ لأنها تجاهلت إستراتيجية التنظيم في هذه المسألة، والذي كان يرى أن إدارة الجماعة للبلاد لن تتحقق إلا عام 2020، بعد أن تكون قد تمكنت من مفاصل الدولة (خطة التمكين). وأن اختيار الجماعة لأحد قيادتها والتفاف كوادرها حوله قبل التمكين سيكون على حساب ترابط وتماسك التنظيم.
لقد حدث خلل في التنظيم حال وصول الجماعة إلى سدة الحكم، من انشقاقات في صفوف التنظيم، وعدم رضا عدد كبير من كوادر الجماعة للأسلوب الذي تدار به البلاد. وهو ما دفع مؤسسة الرئاسة للعودة مرة أخرى لإستراتيجية التنظيم في محاولة منها لرأب الصدع الذي أصاب التنظيم؛ بتنفيذ خطة التمكين التي اعتمدها في أوائل التسعينيات. وهذا يدفعنا إلى التساؤل: ماهي خطة التمكين؟ وهل يتم تطبيقها بالفعل؟ وما هو الموقف الشعبي لمواجهة هذا التحرك؟
§ من ترويض مؤسسات الدولة إلى التمكين
لقد حدث عام 1993، عندما اقتحمت قوات الأمن المصرية شركة سلسبيل لبرمجيات الكمبيوتر، المملوكة للمهندس خيرت الشاطر، أن عثر على وثيقة بخط يد الشاطر تحمل عنوان (التمكين)، كانت تتناول خطة التمكين من الدولة وإحكام السيطرة على مفاصلها، وكان أبرز ما جاء في هذه الوثيقة من بنود الخطة الآتي:
1. تشويه الإعلام بشتى الطرق وإخراجه تمامًا من المشهد.
2. تحييد الجيش واحتواء الشرطة.
3. اختراق المخابرات العامة والحربية.
4. السيطرة على المجتمع عن طريق الدين.. وإقناع المجتمع أن الجماعة تمثل صحيح الدين الإسلامي، وتكفير المخالفين واغتيالهم معنويًّا.
5. العمل على إيجاد بيئة دستورية وقانونية لتكوين مليشيات مدربة على فنون القتال.
بمطابقة بنود الخطة على المشهد السياسي والواقع الذي تعيشه البلاد منذ اندلاع ثورة 25 يناير وحتى وقتنا هذا، نجد أن هناك حملة شرسة على الإعلام والإعلاميين، وصلت إلى حد التهديد بالقتل.. وما نراه من حصار لمدينة الإنتاج الإعلامي خير شاهد على ما يتعرض له الإعلاميون من اغتيال معنوي.
وخطاب دعوي إسلامي بالمساجد لخدمة جماعة الإخوان، وصل إلى حد القسم بأن الرئيس مرسي من سلالة سيدنا عمر بن الخطاب. بل تحول الخطاب الديني في المساجد إلى خطاب سياسي مؤيد لجميع قرارات الرئيس (قرارات الجماعة ومكتب الإرشاد).
موقف محايد مع القوات المسلحة، فلقد كانت هناك علامات استفهام حول علاقة المجلس العسكري وجماعة الإخوان منذ اندلاع ثورة يناير وحتى تسليم السلطة لهم. اليوم بدأت تتضح الكثير من الأمور؛ فلقد رأى مكتب الإرشاد أن صدام مؤسسة الرئاسة بالمؤسسة العسكرية ليس في مصلحتها. وأنه من الأفضل تحييدها وإبعادها عن المشهد السياسي مقابل عدم المساس بما تحت يديها من امتيازات وعدم تعرض قادتها لأي مسائلة قانونية فترة توليهم إدارة شئون البلاد في المرحلة الانتقالية.
دستور انتهت الجماعة من إعداده بصورة مؤسفة تسيء لمصر وتاريخها، أدى إلى تفجير الأحداث في البلاد؛ حيث شمل الدستور على مواد تخدم الجماعة وأهدافها، وتعطي للجماعة الحق في تشكيل لجان للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذا مليشيات مسلحة تحت مسمى اللجان الشعبية للمشاركة في تحقيق الأمن بالبلاد.
هذا، وفي ضوء خطة التمكين قامت مؤسسة الرئاسة باتخاذ مجموعة من الإجراءات والقرارات الرئاسية، كان لها أبلغ الأثر في تصعيد حدة الاحتقان تجاه الرئيس ومؤسسته ومكتب الإرشاد، وصلت إلى مشارف الصدام. فلم يتوقع الرئيس ولا المحيطون به هذه المواجهة والمقاومة الشرسة من قبل المعارضة والقوى الثورية والأقباط وكافة القطاعات الجماهيرية المختلفة تجاه سياسة أخونة الدولة، منها:
1. الاعتداء على السلطة القضائية، وعدم احترام أحكام القضاء، وتهديد وترهيب ومنع القضاة من ممارسة رسالتهم في تحقيق العدالة، وإسقاط دولة القانون.
2. صدور عفو رئاسي عشوائي شمل جميع العناصر الإرهابية -ممن سبق اتهامهم في قضايا إرهاب وصدور أحكام بشأنهم– ضاربًا عرض الحائط بجميع التقارير الأمنية التي تشير لخطورتهم وتهديدهم للأمن العام في حالة إخلاء سبيلهم وتنفيذ قرار العفو. وهو ما تأكد من اشتراك أحد العناصر ممن شملهم قرار العفو في العملية الإرهابية المعروفة بخلية مدينة نصر.
3. قيام السيد الرئيس بإقالة النائب العام، السيد المستشار عبد المجيد محمود وتعيين نائب عام جديد من المرتبطين بجماعة الإخوان، مخالفًا بذلك قانون الهيئة القضائية. مما دفع أعضاء النيابة العامة على مستوى الجمهورية من التجمع والحشد بدار القضاء العالي والمطالبة بعزل النائب العام الجديد لعدم شرعيته.
4. قيام ميلشيات الإخوان والسلفية (من المرتبطين بالشيخ حازم صلاح أبو أسماعيل)، وبموافقة وتأييد من السيد الرئيس، بممارسة أعمال بلطجة بترويع القضاة والاعتداء على الإعلاميين، وذلك بمحاصرة مدينة الإنتاج الإعلامي والمحكمة الدستورية العليا.
5. منع الأجهزة الأمنية من ملاحقة ومتابعة الخارجين عن القانون من المرتبطين بحركة التيارات الدينية، وهو ما حال دون تدخل أجهزة الأمن عندما قامت ميلشيات الإخوان وحازمون (نسبة للشيخ حازم أبو إسماعيل) من حصار مدينة الإنتاج الإعلامي والمحكمة الدستورية العليا.
6. إجراء تعديل وزاري، والدفع بكوادر إخوانية في المواقع الوزارية الهامة؛ بهدف تنفيذ خطة الجماعة لأخونة الدولة (الإعلام – العدل – التربية والتعليم – الحكم المحلي – التموين – الشباب والرياضة).
7. إجراء حركة محافظين، والدفع بكوادر إخوانية لمنصب المحافظ في المحافظات التي ساندت السيد الفريق أحمد شفيق في حملته الانتخابية الرئاسية، وكذا منصب نائب المحافظ، في إطار أخونة الدولة.
8. إصدار إعلان دستوري مخالف للقانون، وتحصين قرارات الرئيس فيما يتعلق بشأن اللجنة التأسيسية لوضع الدستور وقانونية مجلس الشوري لحين الانتهاء من وضع الدستور واستفتاء الشعب علية. وذلك بعد التأكد من اتجاه المحكمة الدستورية العليا لإصدار حكم بعدم دستورية مجلس الشورى واللجنة التأسيسية.
9. إقالة السيد وزير الداخلية اللواء أحمد جمال في ظروف غامضة وقبل الاحتفال بذكرى 25 يناير بخمسة عشرة يومًا تقريبًا، رغم تحقيقه نجاحات ملموسة على مستوى الأمن العام، وتمكنه من احتواء ضباطه، وإحداث التوازن المطلوب إلى حد ما في علاقة رجل الأمن بالشارع. وما أشيع عن عدم رضاء مؤسسة الرئاسة عن شخصه؛ لتصديه لمواقف المؤسسة في سعيها لأخونة وزارة الداخلية، ورفضه تأمين مقار حزب الحرية والعدالة (الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين)، وضبط الحارس الخاص لعضو مكتب الإرشاد المهندس خيرت الشاطر وبحوزته طبنجة بدون ترخيص، وعدم تصديه للمتظاهرين أمام قصر الاتحادية، وحالة التناغم في علاقته بالسيد وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي وتصويرهما وهما متماسكا الأيدي بصورة أقلقت مؤسسة الرئاسة، واستشعارها بعدم ولاء المؤسسة العسكرية والأمنية لها.
10. إجراء تعديل وزاري، وتعيين الدكتور محمد علي بشر (عضو مكتب الإرشاد) وزيرًا للحكم المحلي، قبل موعد إجراء انتخابات مجلس الشعب القادمة.
11. تدخل ميلشيات الإخوان في فض اعتصام سلمي أمام قصر الاتحادية فيما يعرف بيوم الثلاثاء الدامي 5 ديسمبر.
12. فشل السياسات الاقتصادية في تحقيق أي تقدم ملموس لرجل الشارع العادي، وما تشير إليه الاحتمالات إلى مزيد من التدهور ورفع أسعار السلع الأساسية خلال الفترة القادمة.
13. اعتمدت مؤسسة الرئاسة في علاقاتها الخارجية على حسن العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية ودولة قطر فقط. وشاب التوتر معظم دول الخليج؛ مما يؤثر على مستقبل العمالة المصرية بالخارج، ومردود ذلك على الوضع الداخلي.
§ الموقف الشعبي من أخونة الدولة
ما سبق الإشارة إليه ساهم في التصعيد من حدة الغضب والعنف في الشارع المصري؛ مما دفع بكافة القطاعات الجماهيرية لتلبية دعوة حركة تمرد بالتوقيع على استمارة سحب الثقة من الرئيس محمد مرسي، والمشاركة في تظاهرات 30/6/2013.
وعلى الجانب الآخر تواجه مؤسسة الرئاسة ومكتب الإرشاد وجماعة الإخوان هذا التحرك وهي في صدام مع مؤسسات الدولة السيادية، القضاء والجيش والشرطة والإعلام، وكذا القوى والحركات الثورية بالإضافة لقوى المعارضة. في مشهد هو الأقرب والأشد لثورة 25 يناير.
من هذا المنطلق لن يكون هناك هدوء بالشارع المصري، ولا توافق وطني بين جميع القوى الحزبية والتيارات السياسية والحركات الثورية، إلا إذا أسرع السيد الرئيس محمد مرسي باتخاذ قرار بالابتعاد عن الجماعة وتعامل كرئيس لدولة لها مؤسسات ويحكمها قانون. لا بد من ترك مسافة بينة وبين الجماعة. والتحرك من خلال مؤسسات الدولة وليس الجماعة؛ حتى يتمكن من التصرف كمسئول في دولة ورئيس لكل المصريين.
على الجانب الآخر إلزام على مكتب الإرشاد أن يضع مصلحة الوطن فوق الجماعة، والابتعاد عن إدخال البلاد في إشكاليات وصراعات ستؤدي بنا إلى نفق مظلم.
لا بد أن يعي أن الشعب يرفض حكم المرشد. يرفض أخونة الدولة. يريد تقنيين وضع الجماعة. يطلب ترك مساحة للسيد الرئيس أن يعمل دون وصايا.
فلن يكون أمام الرئيس إلا الخروج من قصر الاتحادية إذا أصر على أن يكون مندوب الجماعة في مؤسسة الرئاسة.
واللافت للنظر أنه صاحَب الدعوات للتظاهر يوم 30 يونيو القادم حالة غير مسبوقة من التصريحات العدائية من بعض أنصار التيار الديني وأنصار الدكتور مرسي للمشاركين والشعب، فاقت في قوتها كل أعمال الإرهاب والتهديد اللفظي التي تمت أثناء إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية. كما تبارت التيارات السياسية المختلفة، والتي فشلت في تحقيق توافق وطني حقيقي خلال العامين ونصف الماضيين، على شاشات التلفزة المصرية والإقليمية، في تحميل نتيجة ما سيحدث في نهاية يونيو القادم للطرف الآخر.
إن من يقرأ المشهد السياسي في مصر بعد سنتين تقريبًا من ثورة 25 يناير ووصول جماعة الإخوان إلى سدة الحكم لا بد أن يتوقف أمام العديد من النقاط المهمة التي تدفعنا إلى التساؤل: من يحكم مصر: هل الرئيس أم مكتب الإرشاد؟ لماذا التعجل من قبل الجماعة للسيطرة على مفاصل الدولة؟ وإلى أين وصل قطار “,”الأخونة“,”؟ ولماذا يجري بهذه السرعة؟ ولماذا تقوم الجماعة بافتعال الأزمات مع مؤسسات الدولة، بدءًا من المحكمة الدستورية مرورًا بالأجهزة الشرطية وصولاً إلى القضاء؟
كل هذه الأزمات والمشاكل جعلت المواطن المصري يتساءل: إلى أين تسير بنا هذه الجماعة؟ وكيف وصلنا لما نحن عليه الآن؟ وهل من مخرج لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟
§ الجماعة وقطار “,”الأخونة“,”.. هل من كابح؟
منذ وصول جماعة الإخوان لسدة الحكم وتولي الرئيس محمد مرسي مقاليد البلاد، ومصر تدار بنظرية الفوضى الخلاقة، التي تقوم على هدم مؤسسات الدولة وتفكيكها وإعادة بنائها بنظام سياسي جديد يتفق مع أجندتها. حتى أن قادة جماعة الإخوان المسلمين، في تبريرهم للمشهد الذي وصلنا إليه الآن من كوننا على مشارف حرب أهلية، يتحدثون بنفس حديث وزيرة خارجية أمريكا كونداليزا رايز في تبرير فشلها في تحقيق الديمقراطية بدولة العراق، حين تحدثت بعبارات: “,”مخاض ولادة شرق أوسط جديد“,”، أو “,”مهما فعلنا علينا أن نكون على يقين بأننا ندفع قدمًا باتجاه شرق أوسط جديد، وأننا لن نعود إلى الشرق الأوسط القديم“,” (الواشنطن بوست في 21/7/2006)، وهو نفس ما يردده السيد الرئيس وقادة الإخوان، وما علينا إلا أن نرفع كلمة الشرق الأوسط ونضع بدلاً منها كلمة مصر.
إن نظرية الفوضى الخلاقة، التي نوهت عنها “,”كونداليزا رايز“,” منذ عام 2005، يمكن حصر معالمها في النقاط التالية:
- الخروج في تظاهرات جماعية في مناطق متعددة.
- استفزاز الأمن من قبل عناصر مندسة من البلطجية، ودفعه للاصطدام مع المتظاهرين.
- التركيز على مواجهة قوات الأمن والتعامل معها بكل عنف واستنزاف طاقاتها لحين سقوطها.
- شيوع الفوضى وانتشارها في معظم المحافظات.
- قيام البلطجية والخارجين عن القانون بترويع الآمنين بشكل متزامن في جميع أنحاء البلاد.
- الانقضاض على جميع فروع الجهاز الأمني بشكل متزامن ومترابط.
- الدعوة لاستمرار التظاهر؛ لتغييب المتظاهرين عن ما يحدث في الواقع.
- الدفع ببعض الرموز التي يتعلق بها المتظاهرون لحثهم على الاستمرار.
- اللعب بعقول المتظاهرين وتضخيم دورهم؛ ليتوهموا أنهم يحصلون على مكاسب.
- شغل الجهات القادرة على إحداث التوازن، مثل الجيش، بقضايا فرعية؛ لشغله عن مهمته الأساسية، التي هي الدفاع عن الوطن ضد التهديدات الخارجية.
- محاولة زعزعة النظام والجبهة الداخلية لوقف أي محاولات للتهدئة.
- وأخيرًا، إفساد أي محاولات للتهدئة؛ لكي يبقى الوضع كما هو عليه؛ لكي تسقط الدولة في انقسامات.
إن من ينظر إلى البنود الاثني عشر السابقة، ويطابق فحواها على الواقع الحالي، فسيجد أن خطة الفوضى الخلاقة تطبقها مؤسسة الرئاسة بكل دقة. فمنذ تولي السيد الرئيس الحكم وأمامه ثلاث مؤسسات تمثل بالنسبة له حجر زاوية في التمكين والسيطرة على كافة مفاصل الدولة (الشرطة – القضاء – الجيش)، وكان أمامه اختياران:
الأول: اختيار نظرية الفوضى الخلاقة؛ لهدم مؤسسات الدولة وإعادة البناء من جديد (فكر هدَّام).
الثاني: الحفاظ على مؤسسات الدولة القائمة، وضبط إيقاع العمل بها، على غرار نصيحة السيد/ جيمس إنجلبرجر (خبير وزارة الخارجية الأمريكية بالأنظمة العسكرية في الدول النامية) للرئيس السابق جمال عبد الناصر عام 1953، بأن سيطرته على مقاليد الأمور في الدولة لن تتحقق إلا من خلال الحفاظ على مؤسساتها القائمة، وبالأخص الشرطة والقضاء والجيش، وضبط إيقاع العمل بها (راجع كتاب لعبة الأمم- د. مايلز كويلاند – صفحة 17) - (فكر بنَّاء).
لقد اختار السيد الرئيس الخيار الأول في التعامل مع مؤسسات الدولة السيادية؛ لتحقيق فكرة التمكين، بهدم تلك المؤسسات، والعمل على إعادة بنائها من جديد على أسس ومنهج وأجندة إخوانية.
لقد اختار الفوضى الخلاقة لتكون السبيل إلى التمكين والسيطرة على مؤسسات الدولة من شرطة وقضاء وجيش، على النحو التالي:
أولاً: الشرطة: كانت الشرطة هي المستهدف الأول من جماعة الإخوان في الفترة الأولى من الثورة، مستغلة في ذلك العداء الشديد من بعض فئات الشعب تجاه رجل الأمن؛ حيث قامت الجماعة بالاستعانة بمجموعات من بعض العناصر الإجرامية والمتطرفة من بدو سيناء، والتنسيق مع عناصر من حركة حماس وحزب الله اللبناني، في:
1. اقتحام السجون وتهريب قيادات الجماعة وكوادرها. وقد ساعد اقتحام السجون في تسهيل هروب البلطجية والمسجلين خطر.
2. الاعتداء على مقار مباحث أمن الدولة.
3. الاعتداء على أقسام الشرطة في توقيت واحد على مستوى الجمهورية.
4. تأليب الرأي العام على ضباط الشرطة والمطالبة بمحاكمتهم بتهمة قتل المتظاهرين.
أدى ذلك إلى حدوث انفلات أمني، وانتشار الفوضى والبلطجة؛ مما زاد من حدة السخط لدى المواطن العادي الذي فقد الأمن والأمان. وبعد تولي الرئيس السلطة عادت الجماعة من جديد، وبقوة؛ لتفتيت جهاز الشرطة، بمباركة من مؤسسة الرئاسة، وذلك من خلال الآتي:
- تشوية سمعة وزارة الداخلية، من خلال الحديث المتواصل عن التطهير، وربط فكرة التطهير بالفساد.
- الدفع بجهاز الشرطة في الصدام مع الشعب؛ لمواجهة أحداث تحتاج إلى معالجة سياسية.
- منع الأجهزة الأمنية من مواجهة الخارجين على القانون من جماعات الإسلام السياسي، بصورة توحي بالسلبية في الأداء أمام الرأي العام.
- استبعاد القيادات الأمنية الرافضة للزج بالشرطة في صدام مع الشعب أو عدم تلبيتها لأي توجهات إخوانية (إقالة وزير الداخلية السابق، اللواء أحمد جمال)، والاستعانة بشخصيات من داخله يمكن أن تلعب هذا الدور وتعمل مع الجماعة وللجماعة (وزير الداخلية الحالي، اللواء محمد إبراهيم).
- استغلال الأحداث التي تتسم بالعنف ونتج عنها قتلى في الإشادة بالدور الشرطي في مواجهة الخارجين على القانون من المجرمين والبلطجية؛ مما يؤدي إلى احتقان الشارع تجاه رجل الأمن بحجة الخلط بين البلطجية والثوار.
- الدفع بكوادر الجماعة للالتحاق بكلية الشرطة؛ للانتشار والسيطرة مستقبليًّا على الأماكن الإستراتيجية بالوزارة.
أدت هذه الممارسات إلى فشل المؤسسة الأمنية في تحقيق الأمن، واتساع رقعة البلطجة، بحيث امتدت لجميع محافظات الجمهورية، وعمت الفوضى البلاد، واعتاد المواطن على لون الدم، وافتقد الشعور بالأمان.
ثانيًا: الهيئة القضائية: بدأ الرئيس ولايته بالتعدي على أعرق مؤسسة مصرية، وهي المؤسسة القضائية، بصورة توحي بأن الجماعة تكن عداء شديدًا لتلك المؤسسة.
فقد رفض في بادئ الأمر أداء اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا، ولكنها أصرت وتمسكت بضرورة أداء القسم أمامها، وكان لها ما أرادت. ثم صدور قرار رئاسي بعودة مجلس الشعب بعد حلة دستوريًّا، ولكنه اصطدم بالمحكمة الدستورية، فتم العدول عنه.
فرأت الجماعة أن الهيئة القضائية بوضعها هذا ستكون عائقًا كبيرًا في تحقيق أهدافها، فبدأت تعمل، ومن خلال مؤسسة الرئاسة، على النيل منها، وذلك على النحو التالي:
- محاصرة المحكمة الدستورية العليا، في أبشع عملية إرهابية تعرضت لها مصر، أدت إلى سقوط دولة القانون.
- صدور قرارات رئاسية غير دستورية تعطي للرئيس صلاحيات مطلقة (إعلان دستوري – لجنة تأسيسية لوضع الدستور- تحديد موعد الاستفتاء على الدستور – تحصين قرارات السيد الرئيس - إعطاء سلطة التشريع لمجلس الشورى).
- تخفيض عدد أعضاء المحكمة الدستورية العليا إلى النصف، وسلبها حق الرقابة اللاحقة لقوانين الانتخابات ومباشرة الحقوق السياسية.
- إقالة النائب العام، المستشار عبد المجيد محمود، في سابقة هي الأولى من نوعها.
- التشكيك في أحكام القضاء؛ حتى يفقد الشعب الثقة في قضائه الشامخ.
- إرهاب القضاة عند الحكم في قضايا تخص الجماعة أو تخدم مصالحها؛ بدفع كوادرها للحشد أثناء النطق بالحكم.
- التعدي بالضرب على المستشار أحمد الزند، رئيس نادي قضاة مصر.
- الحشد أمام دار القضاء العالي، وتهديد النائب العام السابق.
- التجاوز في الحديث من بعض قيادات الجماعة في اللقاءات التليفزيونية على بعض الرموز القضائية.
- الدفع بكوادر الجماعة للالتحاق بالسلك القضائي؛ من أجل السيطرة على تلك الهيئة، مستعينة في ذلك بخلاياها التي كانت نائمة داخل هذه المؤسسات وحان وقت تنشيطها.
وبالرغم من التجاوزات التي ألمت بالهيئة القضائية، والإرهاب الذي تعرضت له، فإن الجماعة، ومؤسسة الرئاسة، لم تتمكن من أن تفرض قبضتها على هذه المؤسسة العريقة.
فمنذ شهور قليلة قضت محكمة القضاء الإداري بإلغاء قرار رئيس الجمهورية بدعوة الناخبين إلى انتخاب مجلس النواب الجديد، وإعادة قانون الانتخابات إلى المحكمة الدستورية العليا؛ لممارسة دورها في الرقابة السابقة على القانون، حسب نص المادة 177 من الدستور الجديد.
ومنذ فترة وجيزة ماضية قضت محكمة استئناف القاهرة حكمها بإلغاء قرار رئيس الجمهورية بإقالة النائب العام السابق عبد المجيد محمود. وما زالت حتى الآن العلاقة بين مؤسسة الرئاسة والهيئة القضائية على غير ما يرام، وأن فكرة تمكين الجماعة من تلك الهيئة تصطدم بعوائق كثيرة تحول دون قدرة الجماعة ومؤسسة الرئاسة على النيل منها.
ثالثًا: الجيش: يعتبر الجيش هو الرقم الصعب في المواجهة مع الجماعة ومؤسسة الرئاسة؛ فقد كانت العلاقة بينهما يشوبها التوتر والحذر، إلى أن وقعت مذبحة رفح، والتي راح ضحيتها 16 شهيدًا، والتي على أثرها اتخذ السيد الرئيس قرارًا بإقالة رئيس المخابرات العامة وقائد الشرطة العسكرية وقائد الحرس الجمهوري؛ بسبب:
1. استشعار السيد الرئيس أن هناك تعمدًا من قبل المؤسسة العسكرية والحرس الجمهوري في عدم الرغبة لحضوره جنازة شهداء مذبحة رفح؛ لإحراجه أمام الشعب.
2. عدم تأمين جنازة شهداء مذبحة رفح بالشكل المطلوب من قبل الشرطة العسكرية؛ مما عرض حياة السيد رئيس الوزراء للخطر.
3. توريط السيد الرئيس أمام شعبة بالإهمال في عدم اتخاذ إجراءات سريعة لمنع وقوع الحادث، في ضوء المعلومات التي أبلغ بها السيد رئيس المخابرات العامة قبل وقوع الحدث بأيام.
ونظرًا لعدم وجود ردود أفعال من جراء إقالة ثلاثة من أعضاء المجلس العسكري، على غير المتوقع؛ تولدت قناعة لدى مكتب الإرشاد ومؤسسة الرئاسة بأنه من الضرورة التعجيل بالتخلص من المشير طنطاوي والفريق عنان؛ فصدر قرار رئاسي بإقالتهما. استشعرت الجماعة أنها من الممكن أن تبدأ بالاقتراب من هذه المؤسسة والعمل على احتوائها تدريجيًّا، إلا أن تجاوز مرشد الجماعة في حديث صحفي، وتطاوله على رموز وقيادات المؤسسة العسكرية، دفع بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة لإصدار بيان شديد اللهجة، يحذر فيه من المساس برموز القوات المسلحة؛ مما دفع بالرئيس محمد مرسي إلى التوجه شخصيًّا إلى مقر المجلس العسكري والاعتذار.
لقد خرج المجلس العسكري من المشهد السياسي فور تسليمه السلطة لرئيس مدني منتخب. ومنذ ذلك التاريخ لم يشارك في أي عمل أو قرار سياسي، واكتفى بدور المراقب للأحداث؛ نتيجة استمرار حالة الفوضى والانفلات الأمني وتخبط مؤسسة الرئاسة في إصدار قرارات سياسية والعدول عنها في ذات الوقت. والتدخل فقط عند استشعاره بوجود خطر يهدد الأمن القومي للبلاد نتيجة قرار سياسي خاطئ، منها على سبيل المثال:
1. قرار عسكري بمنع تملك الأجانب للأرض في شمال سيناء.
2. قرار عسكري بأن قناة السويس والمنطقة المحيطة بها خط أحمر لأي استثمارات أجنبية من شأنها تهديد الأمن القومي للبلاد.
3. الدعوة لحوار وطني يضم جميع القوى السياسية، بما فيها مؤسسة الرئاسة تحت رعاية المؤسسة العسكرية؛ لرأب الصدع الذي أصاب المجتمع المصري بسبب سياسة السيد الرئيس التي أدت إلى انقسام الوطن إلى فريقين متناحرين؛ بما ينبئ دخول البلاد إلى نفق مظلم.
هذا التحرك من قبل المؤسسة العسكرية لم يكن على هوى مؤسسة الرئاسة ومكتب الإرشاد. وهو ما ولد تخوفًا لديهما من أن يكون للمؤسسة العسكرية الرغبة في أن تلعب دورًا سياسيًّا في المرحلة القادمة.
لقد فشلت الجماعة، ممثلة في مؤسسة الرئاسة، في السيطرة على مفاصل الدولة السيادية. ولم تنجح محاولاتها في فرض سطوتها على تلك المؤسسات، سواء بطرق مشروعة أو غير مشروعة. فهناك مؤسسات يصعب اختراقها والسيطرة عليها (الجيش – الشرطة – القضاء – الإعلام – المخابرات العامة)؛ وهو ما دفع الجماعة إلى محاولة هدمها من داخلها، عن طريق تنشيط كوادرها داخل المؤسسة، مثل تيار الاستقلال (الخلايا النائمة لجماعة الإخوان) في الهيئة القضائية، أو تعيين مسئول على رأس مؤسسة سيادية يقبل التعاون معهم وتنفيذ توجهاتهم، مثل اللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية الحالي.
ورغم محاولات الإخوان في هذا الشأن إلا أن تيار الاستقلال فشل في مهمته لشق الصف داخل المنظومة القضائية، وكذا وزير الداخلية الذي فقد احترام ضباطه حين تم التعدي علية بالقول أثناء تشييع جثمان أحد شهداء الشرطة، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ وزارة الداخلية.
في المقابل الآخر هناك من الوزارات والمؤسسات الأخرى التي تمثل أهمية كبيرة لدى الجماعة، والتي تسعى للسيطرة عليها وأخونتها؛ لأنها تدخل ضمن مستهدف الانتشار الأفقي للجماعة، مثل وزارات الأوقاف والتربية والتعليم والحكم المحلي والثقافة؛ وذلك بالسيطرة على الوظائف الوسطى بالهيكل الإداري في المجالس المحلية ودواوين عام المحافظات ومديريات الأوقاف، من خلال فرض وتعيين الجماعة لرجالها داخل تلك المؤسسات، ليس من منطلق الخبرة وامتلاك مؤهلات بقدر ما هو ضمان سيطرة الجماعة على هذا الموقع، مثل تعيين د. ياسر علي (طبيب الأمراض الجلدية) رئيسًا لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار.
إن الجماعة تهدف من وراء السعي للسيطرة على تلك المؤسسات تحسبًا بأنهم في حالة عدم حصولهم على نسبة الأغلبية في انتخابات مجلس الشعب القادم، يتم الاستيعاض عنهم من خلال التمكن من المفاصل الحاكمة للدولة؛ الأمر الذي سيصعب على أي نظام جديد غير إخواني مستقبلاً من السيطرة على مفاصل الدولة؛ لأنها ستكون تحت سيطرة الإخوان (الدولة العميقة الإخوانية).
§ الزواج الكاثوليكي بين مؤسسة الرئاسة وجماعة الإخوان
مما سبق يجعلنا نتوقف على طبيعة العلاقة بين مؤسسة الرئاسة وجماعة الإخوان، وتأثير ذلك على متخذ القرار. فالجماعة درجت -وفقًا لمخططاتها الإستراتيجية- على إيجاد كيانات تحت مسمى “,”لجان“,” تخضع إداريًّا لرئيس اللجنة وفنيًّا لمكتب الإرشاد؛ فنجد مثلاً لجان النقابات المهنية تخضع لرئاسة قسم المهنيين المركزي في الهيكل التنظيمي، والمشرف على هذا القسم عضو مكتب إرشاد وتضطلع تلك اللجان بمهامها النقابية بما يتوافق مع توجهات مكتب الإرشاد. فهي وإن كانت تأخذ توجيهاتها من مسئول اللجنة فيما يتصل بالعمل الإداري أو النقابي إلا أنها تتبع فنيًّا عضو مكتب الإرشاد المسئول عن قسم المهنيين.
هذا الوضع ينطبق على مؤسسة الرئاسة؛ حيث تعتبر مؤسسة الرئاسة لجنة من ضمن اللجان النوعية المستحدثة في الهيكل التنظيمي، يرأسها مسئول اللجنة الدكتور محمد مرسي، وهو ملتزم بتوجهات الجماعة. فأما من الناحية الإدارية فهو المتحكم في إدارة أعضاء هيئة اللجنة بتوزيع الاختصاصات فيما بينهم. وأما الجوانب الفنية في اتخاذ القرار فتخضع لمكتب الإرشاد (راجع الحديث الذي دار بين السيد الرئيس والإعلامي عمرو الليثي، والذي تم مراجعته مع مكتب الإرشاد قبل إذاعته لعمل المونتاج اللازم).
فمؤسسة الرئاسة تقوم بتجميع كافة الموضوعات المطروحة عليها، وعرضها على مكتب الإرشاد، الذي يقوم بدوره بتوزيعها على المتخصصين لتدارسها وإعادة عرضها من جديد على مكتب الإرشاد؛ لاتخاذ القرارات وإرسالها لمؤسسة الرئاسة للتنفيذ.
وهذا ما سبق وأن تناوله المهندس خيرت الشاطر في أكثر من حديث، حينما قرر أن الجماعة تمكنت من الحصول على معلومات هامة عن كافة مؤسسات الدولة، لم تكن تستطع ذلك إلا من خلال وجود الرئيس في قصر الاتحادية (راجع حديث الكاتب الصحفي د، عبد الرحيم علي في تناوله لوثيقة خيرت الشاطر).
إن السيد الرئيس يتعامل كفرد في جماعة الإخوان وليس كرئيس للجمهورية؛ مما أوقعه في العديد من الأخطاء التي سببت له العديد من الأزمات في علاقاته بمؤسسات الدولة، خاصة السيادية، وكذا القوى السياسية الموجودة على الساحة والأقباط. فمن الملاحظ خلال المرحلة السابقة أنه كلما اقتربت المسافة بين السيد الرئيس وجماعته في إدارة البلاد زادت حدة التوتر والغضب في الشارع والاصطدام بالقوى الثورية والسياسية.
هذا الأمر يعطي مؤشرًا عن كيفية إدارة البلاد. ويوضح أسباب الإخفاقات التي نعيشها منذ تولي السيد الرئيس مقاليد الحكم. فمصر تدار وفقًا لأجندة إخوانية من خلال مكتب الإرشاد. وإن الدكتور محمد مرسي هو رئيس لجنة الرئاسة، وفقًا للهيكل التنظيمي للجماعة، ومقرها قصر الاتحادية. وإن القرارات الصادرة تصب في مصلحة الجماعة وليست في مصلحة الوطن؛ لأن فكرة الوطن لا تدخل ضمن أدبيات الجماعة.
والسؤال الذي يفرض نفسة الآن: هل قيام مكتب الإرشاد في إطار تقنيين وضع الجماعة، بالإعلان عن إشهار جمعية الإخوان المسلمين، سيؤدي إلى حسم كافة الإشكاليات المثارة حول الجماعة، وانعكاس ذلك على تهدئة الشارع تجاهها؟ أو بمعنى آخر: هل يمكن أن تكون الجمعية الأهلية بديلاً عن الجماعة؟
إن الإجابة ببساطة شديدة لا يمكن أن تكون الجمعية هي البديل للجماعة؛ لوجود إشكالية ما بين الجمعية كجمعية أهلية والجماعة كمؤسسة عالمية. فالأخيرة لها لوائح داخلية منذ تأسيس التنظيم الدولي للإخوان، على رأسه المرشد العام، ومكتب إرشاد عالمي، ثلثا أعضائه من مصر، ومجلس شورى عالمي، ومراقبون للدولة الممثلة في التنظيم الدولي.
فلا يمكن للجماعة بهذا الشكل أن تختزل في جمعية أهلية. ولو صح هذا الافتراض فيجب نقل منصب المرشد من مصر إلى إحدى الدول الأخرى. وحتى في هذه الحالة سيكون هناك من يمثل مصر داخل مكتب الإرشاد العالمي. بالإضافة إلى: ما هو مصير المؤسسات المالية التي يمتلكها التنظيم الدولي في مختلف البلدان؟
خلاصة القول أن مكتب الإرشاد لا يمكن أن يضحي بالجماعة؛ فهي الأصل، والكل يعمل من تحت عباءتها؛ لخدمتها وخدمة أهدافها. وفي ضوء ذلك تكون الجماعة قد جمعت بين التنظيم والسرية والشرعية والرئاسة.
إن تدخل مكتب الإرشاد وفرض سيطرته على كافة مقاليد العمل داخل المؤسسة الرئاسية، وعدم إعطاء مساحة للسيد الرئيس في اتخاذ القرارات المناسبة، التي تحقق طموحات الشعب، بحكم وجوده في المطبخ السياسي، والذي يمكنه من رؤية الأمور والحقائق بنظرة أعمق وأكثر دقة ووضوحًا، وبصورة تختلف عما يراه مكتب الإرشاد، كان له أبلغ الأثر في أن تكون أغلبية قرارات الرئيس التي هي قرارات مكتب الإرشاد متخبطة ومتعارضة مع مصالح المواطنين. وإن كانت في صالح الجماعة؛ مما انعكس على الشارع السياسي، فكان المشهد الذي نراه اليوم من عنف وبلطجة وغليان في جميع القطاعات الجماهيرية.
§ لماذا فشل مكتب الإرشاد (مؤسسة الرئاسة) في إدارة البلاد؟
سؤال كان من الأهمية طرحه؛ ليتمكن القارئ من الوقوف على حقائق الأمور، وحتى تكون الرؤية واضحة أمامه. ولكن التطرق لهذا السؤال يدفعنا للعديد من التساؤلات التي من الواجب طرحها والإجابة عليها؛ حتى يكتمل المشهد، وجميعها تنصب حول ثورة 25 يناير:
من الذي قام بالثورة؟ وهل كانت مصر تعيش حالة ثورية للقيام بها؟ ماذا تعني الشعارات التي رفعها شباب الثورة؟ ما هو موقف قوى الإسلام السياسي منها؟ والأهم من ذلك: ما هو موقف جماعة الإخوان المسلمين من الثورة؟ والدور الذي لعبته في الترتيب والأعداد لها؟.
إن الإجابة على تلك الأسئلة سيوضح أمامنا لماذا فشلت جماعة الإخوان (مكتب الإرشاد) في إدارة البلاد.
لقد أحدثت ثورة 25 يناير حالة من الارتباك الفكري والسياسي، فلم يتوقع أحد من المفكرين والأدباء والسياسيين والباحثين هذا السيناريو الذي أحدث ثورة 25 يناير. ويرجع السبب في ذلك إلى أن فكرة الثورة من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية لم تكن ضمن المنهج الفكري لدى هؤلاء؛ حيث إن هذه المفاهيم ذات القيمة لا يتم التعرض لها في البلاد العربية إلا ببعض الإصلاحات المحدودة التي تضمن الاستمرار والبقاء في السلطة وليس بتغيير سياسات.
كما أنه لم تكن مصر -شأنها في ذلك شأن باقي الدول العربية التي شهدت ثورات- تعيش حالة ثورية تدفعها إلى القيام بثورة رغم تداول تلك المفاهيم (انتشار الفساد – التحول الديمقراطي – حتمية التغيير... إلخ). من هنا جاء الارتباك الفكري الذي أوجد اختلافًا في الرؤية حول توصيف هذا الحدث، ما بين الثورة أو الانتفاضة الشعبية أو الانقلاب العسكري.
وبعيدًا عن الدخول في إشكالية توصيف الحدث، فإن هناك بعض المؤشرات تدفعنا إلى التوقف عندها؛ نظرًا لأهميتها في تقييم المشهد:
أولاً : لا يشترط أن تكون البلاد في حالة ثورية حتى تقوم بها ثورة، أو بمعنى آخر أن الثورة ليست مشروطة بحالة ثورية تعيشها البلاد.
ثانيًا : إن تحريك الجماهير يمكن أن يتم من خلال قيم بعيدة عن الفقر والجوع والبحث عن لقمة العيش، كالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
ثالثًا: إن التوافق الشعبي والحشد الجماهيري على مطالب محددة يؤدي إلى إسقاط نظام دون إراقة دماء.
رابعًا: إن الحالة الثورية قد تتشكل بعد إسقاط النظام (الثورة مستمرة)، وهي متوقفة على وعي الجماهير بحقوقهم المسلوبة وإصرارهم على تحقيق أهدافهم.
خامسًا: إن من أشعل الثورة هم من ينتمون للطبقة المتوسطة، البعيدون نسبيا عن الضغوط المعيشية، والتي كانت أهدافهم تتركز في مطالب حقوقية كالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
سادسًا: إن حشد الجماهير للقيام بالثورة لم يكن من خلال تنظيمات أو جماعات سرية تعمل تحت الأرض، كما يدعي البعض، بل كان من خلال شباب مثقف اتفقت إرادته عبر شبكات التواصل الاجتماعي في تجميع الناس والنزول إلى الشارع، وقد تحقق ما سعوا إليه.
سابعًا: إن قيام الثورة بشباب غير مرتبط بأي اتجاهات إسلامية، من خلال تبني مفاهيم حقوقية (الحرية – الديمقراطية - العدالة الاجتماعية)، جعلت رجل الشارع يتعرف على أفكار واتجاهات جديدة تحت مسميات لم تكن متداولة بالنسبة له (ليبرالية - علمانية... إلخ)، وأصبح الأمر لا يقتصر على ما يتداوله أنصار الإسلام السياسي من عبارات وكلمات (الخلافة - الشورى - الإسلام هو الحل - الأمر بالمعروف). وهو الأمر الذي أدى إلى ظهور ما يعرف بالدولة المدنية في مواجهة ما يعرف بالدولة الدينية؛ مما أوجد صراعًا بين أنصار الإسلام السياسي وأنصار الاتجاه الليبرالي والدولة المدنية.
ثامنًا: إن الثورات دفعت رجل الشارع ليكون أكثر إيجابية في ممارسة حقوقه السياسية (التوجه إلى صناديق الاقتراع والإصرار على الإدلاء بصوته في الانتخابات).
إن مطابقة تلك المؤشرات على الواقع تدفعنا للتساؤل: أين قوى الإسلام السياسي من هذه الثورة أو من تهيئة الشارع لها؟
فمصر، شأنها شأن سائر دول الربيع العربي، لم تكن تعيش حالة ثورية مهدت لها قوى الإسلام السياسي من خلال حركتها على الساحة الجماهيرية، ولم تكن فكرة الثورة واردة ضمن أجندتها. بل الأمر لا يتعدى دفع القيادة السياسية للقيام ببعض الإصلاحات التي تمكنها من الحصول على مساحة أوسع في الحركة تحقق من خلالها بعض المكتسبات.
كما أن شباب الطبقة المتوسطة هو من قام بالثورة، وليست الشرائح الجماهيرية التي تعاني من الفقر والجوع والجهل، والتي كانت تمارس قوى الإسلام السياسي دعوتها في أوساطها. فشريحة الفقراء التي كانت تعتمد على الشنطة الانتخابية (سكر- زيت- أرز- سمن - فول... الخ)، وكذا شريحة الأميين من الشعب المصري (خش وعلم على الميزان... الخ)، وهما شريحتان تشكلان نسبة تزيد عن 60% من عدد سكان الشعب المصري، لم تستطع قوي الإسلام السياسي من دفعهم للقيام بثورة، بل استغلالهم فقط والاستفادة منهم في الحصول على مقاعد برلمانية، وهو ما يشير إلى أن فكرة الثورة لم تكن من ضمن أجندة تلك القوى.
كما أن تلك القوى على مدار الثلاثين عامًا الماضية لم تتمكن من حشد الملايين من الشعب المصري في تحقيق مطالب إصلاحية رغم رفع شعارات دينية (الإسلام هو الحل)، في حين تمكن شباب الطبقة المتوسطة من حشد الملايين لتحقيق مطالب إصلاحية برفع شعارات حقوقية (حرية – ديمقراطية - عدالة اجتماعيه).
يضاف إلى ذلك أن الثورة لم تقم من خلال جماعات محظورة أو تيارات تعمل تحت الأرض، بل من خلال شباب بعيد كل البعد عن تلك الجماعات والممارسات السرية، التقت إرادتهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي لإحداث تغيير برفع مطالب حقوقيه.
وهذا هو الفرق بين تيارات أصولية تتعامل مع الشعب من خلال استغلال معاناته وجهله لكي تسوقه لصناديق الاقتراع (رشوة لتزوير إرادته) وبين شباب متحضر.. متعلم، لا يعاني من المشاكل المعيشية، يؤمن بالعلم والقيم الإنسانية.. ففي الوقت الذي تتحدث فيه قوى الإسلام السياسي عن الشنطة الانتخابية، كان شباب مصر يتحدث عن الحرية والعدالة الاجتماعية.
لقد نجح هذا الجيل من الشباب في أن يجعل الشعب المصري يعيش مرحلة جديدة تعّرف فيها على مصطلحات واتجاهات وقيم حركت بداخلة قوى التحدي من أجل الحصول عليها.
هذه القيم لم تكن قوى الإسلام السياسي تتناولها؛ لأنها مصطلحات علمانية غربية لا تتفق مع الشرع والشريعة (هكذا كانت دعوتهم في أوساط شرائح المجتمع التي تعاني الجهل والفقر)، وهو ما أدى إلى تكفيرهم واستباحة دمهم؛ لأنهم ينادون بالدولة المدنية في مواجهة الدولة الدينية.
إن ما يثير الانتباه هو إصرار أنصار الإسلام السياسي في عدم الاعتراف بأن أنصار الدولة المدنية هم من قاموا بالثورة رغم ما يشكلونه من قلة، وأنهم بالرغم من كونهم يشكلون الكثرة فلم يتمكنوا خلال العهود السابقة من إحداث أي نوع من التغيير السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي في وجدان الشعب المصري.
هذا هو موقف قوى الإسلام السياسي، الذي كان لا بد من إبرازه؛ لكي يكون هناك وضوح رؤية عن الدور الذي لعبته تلك القوى قبل الثورة، في التمهيد والترتيب والإعداد للثورة. وكشف الألاعيب والادعاءات الزائفة والعقول المريضة التي تحاول التمسح بالثورة في تغريدة من الكذب والرياء والتضليل والنفاق والتدليس والغش. وهي مقدمة للحديث عن موقف تلك القوى بعد الثورة والذي لن يختلف كثيرًا عن موقفها قبل الثورة.
لقد كانت جماعة الإخوان المسلمين في حالة من الارتباك الشديد جعلتها غير قادرة على تحديد موقفها بشكل محدد من المشهد الذي تعيشه البلاد بعد يوم 25 يناير. فكانت جميع قراراتها تتسم بالتردد والتحفظ من الاندفاع في مواقف قد تكون لها تبعات سياسية في حالة إخفاقها.
وهو ما يشير إلى أن فكرة الثورة لم تكن مطروحة ضمن توجهاتهم في تلك المرحلة. فكانت تصريحاتهم في بادئ الأمر شفوية تحمل في طياتها التوقف عن المشاركة؛ لعدم وضوح الرؤية. وكذا عدم توقيعها على بيان القوى السياسية الصادر في 21 يناير، والذي يدعو للمشاركة في مظاهرات يوم الغضب. وانحصر دورها في تلك الفترة في دعوة القيادة السياسية بإجراء عدة إصلاحات سياسية (إلغاء قانون الطوارئ - حل مجلس الشعب... إلخ) واستمرت في هذا التخبط والتلاعب بالألفاظ والتعامل مع المشهد على كونه انتفاضة، ولم تطلق لفظ الثورة إلا في البيان الذي أصدرته في 2 فبراير، حيث اتضحت الرؤية لها بأن سقف المطالب الجماهيرية قد تعدى الإصلاحات إلى المطالبة بإسقاط النظام. وبدأت الجماعة منذ ذلك الوقت تدخل في تحالفات مع المجلس العسكري؛ للاستفادة من مكتسبات الثورة وتوظيفها لخدمة أهدافها.
أما التيار السلفي فقد كان موقفة واضحًا ومحددًا في رفض المشاركة في مظاهرات 25 يناير، سواء كان ذلك في أحاديث مشايخهم أو من خلال البيانات التي يصدرونها؛ استنادًا إلى أحكام شرعية. بل تعدى الأمر إلى توجيه النقد القاسي لكل من دعا لمثل هذه الدعوات الاحتجاجية لهذا اليوم، من كونهم شباب أهوج يريد إشعال الفتن ونشر الفوضى في البلاد. وقد حذر الشيخ عبد المنعم الشحات (المتحدث الرسمي باسم الدعوة السلفية في ذلك الوقت) من دعاة الحرية اللذين يبتغون حرية الكفر. وأصدروا بيانًا يوم 30 يناير تناولوا فيه عمليات السرقة والنهب والتخريب التي وقعت بعد جمعة الغضب 28 يناير. ونشر بيان آخر في 2 فبراير باسم الدعوة السلفية تناولوا فيه وجوب المحافظة على الدماء والأعراض، والتصدي للعصابات الإجرامية، والمطالبة بإجراءات إصلاحية لتهدئة المشهد. وكان هذا آخر بيان صادر من أنصار التيار السلفي حتى تنحي الرئيس السابق عن الحكم. وهو ما يعني أن فكرة الثورة أيضًا لم تكن مطروحة لدى أنصار التيار السلفي.
أما الجماعة الإسلامية فكان موقفها أكثر وضوحًا؛ حيث إنها منذ اندلاع ثورة 25 يناير وحتى تنحي الرئيس السابق لم يصدر عنها سوى بيان واحد يشيد فيه بالحوار الذي جرى بين المعارضة والقوى السياسية واللواء عمر سليمان، والمطالبة بالاستجابة إلى الدعوة بإتاحة الفرصة للإصلاح، وعودة المتظاهرين إلى بيوتهم، وعدم الاستمرار في المطالبة بإسقاط النظام؛ لأنها مزايدة ستؤدي إلى حرق البلاد ودخولها إلى الفوضى.
هذا هو موقف قوى الإسلام السياسي من الثورة في الفترة ما قبل 25 يناير وحتى 11 فبراير (تاريخ تنحي الرئيس السابق)؛ حيث كانت فكرة الثورة غير واردة على الإطلاق وغير مطروحة من الأساس في أجندتهم الحركية والسياسية. وهو ما يبرر حالة الارتباك والسلبية في التعامل مع المشهد بالصورة السابق توضيحها، ويوضح حجم الكذب والتضليل في أحاديثهم عن الدور الذي لعبوه في الترتيب والإعداد للثورة، والتضحيات التي قدموها من أجلها.
مما سبق يتضح أن جماعة الإخوان المسلمين قد فوجئت بالحدث، شأنها في ذلك شأن سائر القوى السياسية؛ مما أوجد حالة من الارتباك والتخبط في القرارات التي تصدرها. فلقد وجدت الجماعة نفسها أمام كرسي الرئاسة، فكان عليها التفضيل بين الحفاظ على التنظيم أو الالتفاف حول قيادة إخوانية والدفع بها نحو كرسي الرئاسة. فاختارت الأخيرة على حساب التنظيم، وكان ذلك هو الخطأ الكبير الذي وقعت فيه الجماعة. فلم يحدث في تاريخ الجماعة منذ عام 1928، وعن عمر يناهز 85 عامًا، أن التفت الجماعة حول قيادة أو مرشد، وهو الأمر الذي أدى إلى الحفاظ على وجود التنظيم رغم ما تعرضت له من محن.
لقد أخطأت الجماعة في اختيارها؛ لأنها تجاهلت إستراتيجية التنظيم في هذه المسألة، والذي كان يرى أن إدارة الجماعة للبلاد لن تتحقق إلا عام 2020، بعد أن تكون قد تمكنت من مفاصل الدولة (خطة التمكين). وأن اختيار الجماعة لأحد قيادتها والتفاف كوادرها حوله قبل التمكين سيكون على حساب ترابط وتماسك التنظيم.
لقد حدث خلل في التنظيم حال وصول الجماعة إلى سدة الحكم، من انشقاقات في صفوف التنظيم، وعدم رضا عدد كبير من كوادر الجماعة للأسلوب الذي تدار به البلاد. وهو ما دفع مؤسسة الرئاسة للعودة مرة أخرى لإستراتيجية التنظيم في محاولة منها لرأب الصدع الذي أصاب التنظيم؛ بتنفيذ خطة التمكين التي اعتمدها في أوائل التسعينيات. وهذا يدفعنا إلى التساؤل: ماهي خطة التمكين؟ وهل يتم تطبيقها بالفعل؟ وما هو الموقف الشعبي لمواجهة هذا التحرك؟
§ من ترويض مؤسسات الدولة إلى التمكين
لقد حدث عام 1993، عندما اقتحمت قوات الأمن المصرية شركة سلسبيل لبرمجيات الكمبيوتر، المملوكة للمهندس خيرت الشاطر، أن عثر على وثيقة بخط يد الشاطر تحمل عنوان (التمكين)، كانت تتناول خطة التمكين من الدولة وإحكام السيطرة على مفاصلها، وكان أبرز ما جاء في هذه الوثيقة من بنود الخطة الآتي:
1. تشويه الإعلام بشتى الطرق وإخراجه تمامًا من المشهد.
2. تحييد الجيش واحتواء الشرطة.
3. اختراق المخابرات العامة والحربية.
4. السيطرة على المجتمع عن طريق الدين.. وإقناع المجتمع أن الجماعة تمثل صحيح الدين الإسلامي، وتكفير المخالفين واغتيالهم معنويًّا.
5. العمل على إيجاد بيئة دستورية وقانونية لتكوين مليشيات مدربة على فنون القتال.
بمطابقة بنود الخطة على المشهد السياسي والواقع الذي تعيشه البلاد منذ اندلاع ثورة 25 يناير وحتى وقتنا هذا، نجد أن هناك حملة شرسة على الإعلام والإعلاميين، وصلت إلى حد التهديد بالقتل.. وما نراه من حصار لمدينة الإنتاج الإعلامي خير شاهد على ما يتعرض له الإعلاميون من اغتيال معنوي.
وخطاب دعوي إسلامي بالمساجد لخدمة جماعة الإخوان، وصل إلى حد القسم بأن الرئيس مرسي من سلالة سيدنا عمر بن الخطاب. بل تحول الخطاب الديني في المساجد إلى خطاب سياسي مؤيد لجميع قرارات الرئيس (قرارات الجماعة ومكتب الإرشاد).
موقف محايد مع القوات المسلحة، فلقد كانت هناك علامات استفهام حول علاقة المجلس العسكري وجماعة الإخوان منذ اندلاع ثورة يناير وحتى تسليم السلطة لهم. اليوم بدأت تتضح الكثير من الأمور؛ فلقد رأى مكتب الإرشاد أن صدام مؤسسة الرئاسة بالمؤسسة العسكرية ليس في مصلحتها. وأنه من الأفضل تحييدها وإبعادها عن المشهد السياسي مقابل عدم المساس بما تحت يديها من امتيازات وعدم تعرض قادتها لأي مسائلة قانونية فترة توليهم إدارة شئون البلاد في المرحلة الانتقالية.
دستور انتهت الجماعة من إعداده بصورة مؤسفة تسيء لمصر وتاريخها، أدى إلى تفجير الأحداث في البلاد؛ حيث شمل الدستور على مواد تخدم الجماعة وأهدافها، وتعطي للجماعة الحق في تشكيل لجان للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذا مليشيات مسلحة تحت مسمى اللجان الشعبية للمشاركة في تحقيق الأمن بالبلاد.
هذا، وفي ضوء خطة التمكين قامت مؤسسة الرئاسة باتخاذ مجموعة من الإجراءات والقرارات الرئاسية، كان لها أبلغ الأثر في تصعيد حدة الاحتقان تجاه الرئيس ومؤسسته ومكتب الإرشاد، وصلت إلى مشارف الصدام. فلم يتوقع الرئيس ولا المحيطون به هذه المواجهة والمقاومة الشرسة من قبل المعارضة والقوى الثورية والأقباط وكافة القطاعات الجماهيرية المختلفة تجاه سياسة أخونة الدولة، منها:
1. الاعتداء على السلطة القضائية، وعدم احترام أحكام القضاء، وتهديد وترهيب ومنع القضاة من ممارسة رسالتهم في تحقيق العدالة، وإسقاط دولة القانون.
2. صدور عفو رئاسي عشوائي شمل جميع العناصر الإرهابية -ممن سبق اتهامهم في قضايا إرهاب وصدور أحكام بشأنهم– ضاربًا عرض الحائط بجميع التقارير الأمنية التي تشير لخطورتهم وتهديدهم للأمن العام في حالة إخلاء سبيلهم وتنفيذ قرار العفو. وهو ما تأكد من اشتراك أحد العناصر ممن شملهم قرار العفو في العملية الإرهابية المعروفة بخلية مدينة نصر.
3. قيام السيد الرئيس بإقالة النائب العام، السيد المستشار عبد المجيد محمود وتعيين نائب عام جديد من المرتبطين بجماعة الإخوان، مخالفًا بذلك قانون الهيئة القضائية. مما دفع أعضاء النيابة العامة على مستوى الجمهورية من التجمع والحشد بدار القضاء العالي والمطالبة بعزل النائب العام الجديد لعدم شرعيته.
4. قيام ميلشيات الإخوان والسلفية (من المرتبطين بالشيخ حازم صلاح أبو أسماعيل)، وبموافقة وتأييد من السيد الرئيس، بممارسة أعمال بلطجة بترويع القضاة والاعتداء على الإعلاميين، وذلك بمحاصرة مدينة الإنتاج الإعلامي والمحكمة الدستورية العليا.
5. منع الأجهزة الأمنية من ملاحقة ومتابعة الخارجين عن القانون من المرتبطين بحركة التيارات الدينية، وهو ما حال دون تدخل أجهزة الأمن عندما قامت ميلشيات الإخوان وحازمون (نسبة للشيخ حازم أبو إسماعيل) من حصار مدينة الإنتاج الإعلامي والمحكمة الدستورية العليا.
6. إجراء تعديل وزاري، والدفع بكوادر إخوانية في المواقع الوزارية الهامة؛ بهدف تنفيذ خطة الجماعة لأخونة الدولة (الإعلام – العدل – التربية والتعليم – الحكم المحلي – التموين – الشباب والرياضة).
7. إجراء حركة محافظين، والدفع بكوادر إخوانية لمنصب المحافظ في المحافظات التي ساندت السيد الفريق أحمد شفيق في حملته الانتخابية الرئاسية، وكذا منصب نائب المحافظ، في إطار أخونة الدولة.
8. إصدار إعلان دستوري مخالف للقانون، وتحصين قرارات الرئيس فيما يتعلق بشأن اللجنة التأسيسية لوضع الدستور وقانونية مجلس الشوري لحين الانتهاء من وضع الدستور واستفتاء الشعب علية. وذلك بعد التأكد من اتجاه المحكمة الدستورية العليا لإصدار حكم بعدم دستورية مجلس الشورى واللجنة التأسيسية.
9. إقالة السيد وزير الداخلية اللواء أحمد جمال في ظروف غامضة وقبل الاحتفال بذكرى 25 يناير بخمسة عشرة يومًا تقريبًا، رغم تحقيقه نجاحات ملموسة على مستوى الأمن العام، وتمكنه من احتواء ضباطه، وإحداث التوازن المطلوب إلى حد ما في علاقة رجل الأمن بالشارع. وما أشيع عن عدم رضاء مؤسسة الرئاسة عن شخصه؛ لتصديه لمواقف المؤسسة في سعيها لأخونة وزارة الداخلية، ورفضه تأمين مقار حزب الحرية والعدالة (الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين)، وضبط الحارس الخاص لعضو مكتب الإرشاد المهندس خيرت الشاطر وبحوزته طبنجة بدون ترخيص، وعدم تصديه للمتظاهرين أمام قصر الاتحادية، وحالة التناغم في علاقته بالسيد وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي وتصويرهما وهما متماسكا الأيدي بصورة أقلقت مؤسسة الرئاسة، واستشعارها بعدم ولاء المؤسسة العسكرية والأمنية لها.
10. إجراء تعديل وزاري، وتعيين الدكتور محمد علي بشر (عضو مكتب الإرشاد) وزيرًا للحكم المحلي، قبل موعد إجراء انتخابات مجلس الشعب القادمة.
11. تدخل ميلشيات الإخوان في فض اعتصام سلمي أمام قصر الاتحادية فيما يعرف بيوم الثلاثاء الدامي 5 ديسمبر.
12. فشل السياسات الاقتصادية في تحقيق أي تقدم ملموس لرجل الشارع العادي، وما تشير إليه الاحتمالات إلى مزيد من التدهور ورفع أسعار السلع الأساسية خلال الفترة القادمة.
13. اعتمدت مؤسسة الرئاسة في علاقاتها الخارجية على حسن العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية ودولة قطر فقط. وشاب التوتر معظم دول الخليج؛ مما يؤثر على مستقبل العمالة المصرية بالخارج، ومردود ذلك على الوضع الداخلي.
§ الموقف الشعبي من أخونة الدولة
ما سبق الإشارة إليه ساهم في التصعيد من حدة الغضب والعنف في الشارع المصري؛ مما دفع بكافة القطاعات الجماهيرية لتلبية دعوة حركة تمرد بالتوقيع على استمارة سحب الثقة من الرئيس محمد مرسي، والمشاركة في تظاهرات 30/6/2013.
وعلى الجانب الآخر تواجه مؤسسة الرئاسة ومكتب الإرشاد وجماعة الإخوان هذا التحرك وهي في صدام مع مؤسسات الدولة السيادية، القضاء والجيش والشرطة والإعلام، وكذا القوى والحركات الثورية بالإضافة لقوى المعارضة. في مشهد هو الأقرب والأشد لثورة 25 يناير.
من هذا المنطلق لن يكون هناك هدوء بالشارع المصري، ولا توافق وطني بين جميع القوى الحزبية والتيارات السياسية والحركات الثورية، إلا إذا أسرع السيد الرئيس محمد مرسي باتخاذ قرار بالابتعاد عن الجماعة وتعامل كرئيس لدولة لها مؤسسات ويحكمها قانون. لا بد من ترك مسافة بينة وبين الجماعة. والتحرك من خلال مؤسسات الدولة وليس الجماعة؛ حتى يتمكن من التصرف كمسئول في دولة ورئيس لكل المصريين.
على الجانب الآخر إلزام على مكتب الإرشاد أن يضع مصلحة الوطن فوق الجماعة، والابتعاد عن إدخال البلاد في إشكاليات وصراعات ستؤدي بنا إلى نفق مظلم.
لا بد أن يعي أن الشعب يرفض حكم المرشد. يرفض أخونة الدولة. يريد تقنيين وضع الجماعة. يطلب ترك مساحة للسيد الرئيس أن يعمل دون وصايا.
فلن يكون أمام الرئيس إلا الخروج من قصر الاتحادية إذا أصر على أن يكون مندوب الجماعة في مؤسسة الرئاسة.