المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د‏.‏ محمد السعيد إدريس
د‏.‏ محمد السعيد إدريس

خيارنا الوطنى بين «السلامة» و«الندامة»

الثلاثاء 11/فبراير/2014 - 11:09 ص
تكشف دراسة تطور الحركة الوطنية المصرية عن حقيقة مهمة تقول إنه فى كل مرة يحدث فيها انتكاس فى الأداء الوطنى يكون الانكماش إلى الداخل والانعزال عن المحيط العربى هو المصاحب لهذا الانحطاط
 وكثيراً ما يكون هذا الانكماش والانعزال سواء بإملاءات وضغوط خارجية أو باختيارات داخلية مأزومة سبباً مباشراً لحدوث الانتكاس والانحطاط. وعلى العكس فإنه فى كل مرة يحدث فيها نهوض وطنى داخلى فإن هذا النهوض عادة ما يكون مقترناً بالخروج إلى الخارج ـ وبالذات إلى المحيط العربى المباشر ـ بمشروع يحمل الخير للجميع ويعطى لمصر شرف التزام راية قيادة الأمة.
تاريخ مصر القديم والحديث ملىء بتجارب هاتين الثنائيتين: الانحطاط مع الانعزال والانكماش، والنهوض مع الخروج إلى أحضان الأمة الدافئة باختيارات الشوق للدور المصرى وليس بغرض الهيمنة أو الإملاء أو السيطرة. لكن عادة ما كانت هذه الحقيقة تصطدم بحقيقة أخرى هى أنه فى كل مرة كانت مصر تحرص فيها على أن تمارس دور القيادة العربية وتتحمل مسئولية التبشير بمشروع لنهوض الأمة كانت تواجه بمواجهات عنيفة من قوى دولية وأخرى إقليمية تتعارض مصالحها على أرض العرب بهذا الدور المصرى القيادى الذى يرتكز على محور بعث النهضة العربية، وكانت النتيجة أن تضطر مصر إلى التراجع خشية المواجهة (تجربة محمد على) أو ترفض الرضوخ وتصمد فى وجه التهديدات (تجربة جمال عبد الناصر) فتتعرض للضرب العنيف والمؤامرات المحبوكة، وفى الحالتين يكون الانكماش الاختيارى أو الإجبارى هو الخيار الوحيد المتاح، والمحصلة واحدة هى الدخول فى عصر بديل من الانحطاط والتفكك فى الإرادة والقدرة على الصمود، والمشهد يكرر نفسه، بل يفرض نفسه على مصر الآن ومصر مطالبة بالاختيار أن تنطلق أو أن تنكفئ وتنكمش وتخضع لكل إملاءات فرض الهيمنة من الخارج.
فمصر تدفع الآن ثمناً باهظاً لقبولها الإملاءات الأمريكية منذ أربعة عقود مضت بالانعزال عن العروبة والتخلى عن دورها والتزاماتها القومية. قبلت مصر الانعزال عن العرب والارتماء فى أحضان الأمريكيين والإسرائيليين طمعاً فى المعونة التى كان يجب أن تدفع ثمنها غالياً بأن تتخلى عن أهم مرتكزات أمنها الوطنى الممتد فى عمق الجوار العربى وأن تقبل بمعاهدة سلام مع عدوها الإسرائيلى أجبرتها على أن تبقى سيناء خالية من جيشها فأصبحت سيناء مصدراً لتهديد الأمن الوطنى بدلاً من أن تكون حصن أمان لكل المصريين.
أما الجديد الآن فهو تعرض مصر، بعد إسقاط حكم الإخوان، لمؤامرات ومخططات تستهدف أمنها واستقلالها وتهدد تماسكها ووحدتها الوطنية وكان آخرها ذلك الاجتماع الاستخباراتى الذى عقد فى قبرص التركية منذ أسبوعين تقريباً. هذا الاجتماع ناقش سبل توفير الدعم المادى لجماعة الإخوان فى مصر، وكذلك ضرورة نقل أكبر وأحدث كمية من الأسلحة الثقيلة والخفيفة والمتطورة إلى مصر عن طريق البوابة الجنوبية مع السودان، إضافة إلى المنافذ الليبية بهدف إغراق مصر بالسلاح وخلق حالة من الذعر فى المجتمع المصري، وتسهيل دخول الإرهابيين التكفيريين وأعضاء تنظيم القاعدة إلى سيناء فى الوقت الذى يجرى فيه تجميع وتدريب إرهابيين فى ليبيا لتأسيس ما يسمونه بـ «الجيش المصرى الحر» والدفع به إلى الداخل المصرى فى محاولة لتفجير حرب أهلية وإشاعة وجود انقسام فى الجيش المصرى استعداداً لما يخططون له من فرض وجود «أزمة مصرية» على غرار «الأزمة السورية» تستدعى التدخل الدولي.
معنى ذلك أن مصر باتت مهددة من حدودها الجنوبية ومن حدودها الغربية بعد أن كان السودان وليبيا يمثلان عمقاً إستراتيجياً طبيعياً للأمن المصري.
كيف حدث هذا؟ ولماذا؟ ومن المسئول؟
كلنا مطالبون بالإجابة عن هذه الأسئلة لنعرف كيف أصبحت علاقة مصر مع جوارها العربى على هذا النحو بعد أن كانت ـ أيام «مصر العزة والكرامة»ـ تعيش مجدها مع العرب بزعامة «جمال عبد الناصر» يكفى أن نتذكر كيف استقبل الشعب السودانى الشقيق الزعيم جمال عبد الناصر بعد النكسة بأقل من شهرين أثناء حضوره مؤتمر القمة العربى فى الخرطوم (أغسطس 1967) المؤتمر الذى وفر الدعم المادى للجيش المصرى وقرر أنه «لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع إسرائيل إلا بعد الانسحاب إلى حدود 4 يونيو 1967). ويكفى أن نتذكر كيف استقبل الشعب الليبى الزعيم جمال عبد الناصر استقبالاً أسطورياً فى طرابلس التى وصلها وهو فى طريق عودته من مؤتمر القمة الإسلامى بالرباط (ديسمبر 1969) يومها خرج الليبيون بالآلاف فى استقبال أسطورى ولافتات تجدد العهد على الصمود والنصر.
لكن ما يعتبر مفارقة مثيرة بين مشهد الأمس ومشاهد اليوم بين مصر وليبيا تلك الرواية التى تتحدث عن اتصال هاتفى من السفير الأمريكى فى العاصمة الليبية طرابلس لوزير الداخلية، بعد قيام الثورة فى ليبيا (سبتمبر 1969) بأشهر قليلة، يطالب فيه بتخصيص، حراسة مشددة حول السفارة الأمريكية، وعندما حاول الوزير أن يستفسر منه عن السبب، فكان رده أن السبب هو أن الرئيس جمال عبد الناصر سيخطب غداً ونخشى أن يهاجم أمريكا فيتحرك الشعب الليبى لإحراق السفارة».

هكذا كانت مصر وزعيمها بالنسبة لأشقائنا فى السودان وليبيا واليوم نجنى ثمار ما زرعناه من سياسات الانكفاء والانكماش والتبعية للمشروع الأمريكى الصهيوني، تحولت السودان وليبيا إلى مصدرين خطيرين للتهديد ـ ولا أمل فى مواجهة هذه التهديدات إلا بعودة مصر مجدداً إلى أن تنفض عن كاهلها غبار تلك السياسات الرديئة وتنطلق نحو أمتها بمشروع جديد للنهضة شرط أن تملك مشروعاً وطنياً يحقق الشراكة الوطنية الجامعة فى السلطة والثروة للخروج من كبوتنا الداخلية والحفاظ على تماسكنا ووحدتنا الوطنية، فهذه هى سكة وطريق السلامة البديل لسكة وطريق الندامة الذى سلكناه على مدى أربعة عقود كاملة مضت.




إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟