المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د‏.‏ محمد السعيد إدريس
د‏.‏ محمد السعيد إدريس

مخــــاوف مشــــــروعة على الثـــــورة

الثلاثاء 04/مارس/2014 - 10:51 ص
من المستحيل تصور حدوث فعل ثوري، وبالأحرى ثورة، فى أى مجتمع من المجتمعات دون أن تسبقها مسيرة طويلة من ممارسات القهر والتسلط والطغيان والتمييز السافر بين المواطنين، سواء كان هذا القهر أو التسلط أو الطغيان
وما يقترن به عادة من فساد سياسى ومالى وأخلاقى من مصادر داخلية أو خارجية أو من هذين المصدرين معاً، ودون أن يسبقها تراكم نضالى شعبي. فالثورات لا تحدث فجأة أو طفرة، ولكنها، أى الثورة، هى حكم التاريخ وقوانينه فى الشعوب شرط أن تبقى هذه الشعوب مالكة لإرادة الحياة. قد تتعدد الأسباب وقد تتباين فى تنوعها ودرجاتها، ولكن يبقى الفعل الثورى مرتبطاً بشروط يصعب تجاوزها. فعندما يحدث اكتمال التفاعل بين العوامل الضاغطة وبين العوامل المحفزة تتفجر الثورات. قد تسبقها جولات من الانتفاضات الناجحة وحتى الفاشلة التى تحدث تراكم الفعل الثورى الذى يفرض نفسه فى اللحظة المناسبة والتاريخية، ثورة تبقى فخراً لشعبها وحكماً على أصالته.
ومن المستحيل أيضاً تصور نجاح الثورة، أى ثورة، إذا لم تستطع إحداث التغيير الجذرى فى المؤسسات والسياسات والتحالفات السابقة لعهد أو عهود ما قبل الثورة، فإذا لم تتغير فلسفة الحكم، وإذا لم تتغير الطبقة الحاكمة وإذا لم يحدث هذا التغيير فإن المسمى الوحيد للبديل الذى قد يفرض نفسه هو حدوث موجة ارتدادية فى الاتجاه المعاكس للثورة، بكل ما يمثله من انتكاسة للثورة.
أستعيد التفكر فى هذه المعانى وأنا أعايش، كغيرى من ملايين المصريين وأتابع تطورات ما حدث فى مصر بعد يوم الثالث من يوليو 2013، يوم إعلان سقوط نظام الإخوان واستعادة الثورة المختطفة. ووجدتنى أسأل: لماذا ثار المصريون ثانية فى 30 يونيو 2013 لإسقاط حكم الإخوان؟. والجواب أعرفه ويعرفه كل مصرى ومصرية، وهو: لأن الإخوان سرقوا ثورة 25 يناير وفرضوا أنفسهم حكاماً لمصر وحولوها، عنوة، إلى «ثورة إخوانية»، وقاموا بأسوأ وأقسى عملية إقصاء كاملة للشعب وللقوى الثورية من الحكم. كانوا يخططون ويعدون لإكمال اختطافهم لثورة 25 يناير من خلال مسارين؛ الأول، هو «مخطط التطهير» أى إقصاء كل من هو ليس إخوانا من على رأس أى مؤسسة أو إدارة فى الحكومة ووزاراتها وفى المؤسسات العامة والقطاع العام وفرض قيادات إخوانية بديلة. والثاني، هو «مخطط الاختراق»، وكانوا يقصدون بالتحديد أمرين معاً هما: اختراق المخابرات العامة واختراق الجيش، لأنهم كانوا مطمئنين لنجاحهم فى اختراق الشرطة. كانوا يريدون السيطرة على المخابرات للسيطرة على العقل الاستراتيجى لمصر، وكانوا يريدون السيطرة على الجيش للسيطرة على مصدر القوة فى مصر، ثم التوجه لبناء «جيش عقائدي» إخوانى بعد تفكيك «الجيش الوطني»، كل ذلك كان من أجل التمكين لبناء «الدولة الإخوانية».
الشعب وعى وأدرك ذلك فجدد ثورته وأسقطهم، لكن ثم ماذا؟! ماذا حدث فى مصر بعد إسقاط حكم الإخوان؟
هل استعاد الشعب ثورته فعلاً بعد إسقاط حكم الإخوان؟ وهل خضنا فعلاً معركة تمكين الشعب من الحكم وتمكين الشعب من الثروة الوطنية؟ هل ما جرى وما اتخذ من قرارات وإجراءات منذ ذلك التاريخ كان ضمن مسار تمكين الشعب من ثورته؟
هل كان تشكيل حكومة الدكتور الببلاوى عملاً ثورياًّ ضمن مسعى التمكين للثورة؟ وهل كانت ممارسات هذه الحكومة ضمن مساعى التمكين للثورة؟ وهل إقالة أو استقالة هذه الحكومة كان ضمن مساعى التمكين؟ وهل تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة المهندس إبراهيم محلب هو أيضاً جاءت ضمن مسعى التمكين للثورة؟.
الهروب من الإجابة على هذه الأسئلة خيانة للثورة وإنتاج جديد للفشل وأخشى أن نكون قد أسقطنا حكم الإخوان لنعيد إنتاج نظام حسنى مبارك، وكما سرق الإخوان ثورة 25 يناير أخشى أن يكون نظام مبارك فى طريقه إلى سرقة ثورة 30 يونيو، وفى الحالتين يتعرض الشعب المصرى لسطو مدبر على ثورته وعلى طموحه فى امتلاك إرادته وصنع مستقبله الذى يريده وكما حدده فى الأهداف التى ثار من أجلها.
لقد ثار الشعب لإسقاط حكم الاستبداد والفساد واحتكار السلطة والثروة، وكان هذا يعنى أن يكون الشعب فى قلب السلطة، وأن تكون الثروة للشعب، لكن الشعب لم يصبح شريكاً فى السلطة ومازال مغيباً، ومازال الشعب مبعداً عن الثروة، لأن مبدأ «عدالة توزيع الثروة» لم ير النور بعد، ومازال «النظام الرأسمالى الاحتكاري» هو الذى يتحكم فى حياة ومعيشة ملايين المصريين. مازال المال العام خارج نطاق الحماية، ومازالت الأجهزة الرقابية المعنية غير مفعَّلة، ومازال ذلك العدد المحدود من كبار رجال الأعمال الاحتكاريين المتحكمين فى سوق استيراد المواد الغذائية ـ هم ـ المتحكمين فى تلك الأسعار بمستويات تفوق مثيلاتها فى أغنى دول العالم.
حكومة الببلاوى لم تقترب من دعوى ضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية إلا من منظور وعود الحد الأدنى للأجور الذى لم تستطع تحقيقه، ولم تتحدث عن الحد الأعلى للدخل، ولم تهتم بأى كيفية لضبط العلاقة بين الدخل والأسعار، ولم تقترب، قيد أنملة، من مبدأ «عدالة توزيع الثروة الوطنية»، ولم يعرف الشعب ما هو المشروع الوطنى الحاكم لهذه الوزارة حتى رحلت وأحسب أن الأمر يتكرر بالنسبة لحكومة المهندس إبراهيم محلب.
الأنباء التى ترددت عن معايير اختيار وزراء حكومة المهندس إبراهيم محلب كارثية، ففضلا عن عدم الإعلان عن ما هى فلسفة الحكم بالنسبة لهذه الحكومة؟ جاءت اختيارات الوزراء تعبيراً عن أمزجة قطاعات بعينها من الموظفين والمديرين، وأهواء بعض الفئات. وكأن المطلوب وزير يكون مديراً لهؤلاء وليس وزيراً يطبق سياسة عليا للدولة فى قطاع وزارته، ما يعنى أن معظم الوزراء فرضوا على رئيس الحكومة، ولا يعبرون عن فكره وأولوياته، وأن الحكومة لم تتشكل وفقاً لمشروع سياسى محدد المعالم ولا تعبر عن وجود استراتيجية عليا للدولة، وأن كل وزير سيؤدى دوره وفقاً لاجتهاداته الشخصية.
لم يعرف الشعب لماذا جاءت حكومة الببلاوى ولماذا ذهبت، ولم يعرف الشعب لماذا جاءت حكومة محلب وماذا ستفعل. لم يُستشر الشعب لا فى هذا الشأن ولا فى ذاك، لأن الشعب لم يفرض نفسه بعد شريكاً فى الحكم رغم أنه صاحبه. والأكيد أن الثورة ليس لها مكان ضمن هذه الاجتهادات لأن الوزراء لم يتم اختيارهم على قاعدة ثوريتهم أو انتمائهم للثورة ومشروعها.
هذه الممارسات تؤكد أن الثورة لم تنجح بعد، كما تؤكد أن نجاح الثورة له شروطه وله قوانينه وله معاييره تماماً كما أن تفجيرها له شروطه وله قوانينه وله معاييره. وإذا كان الشرط الأهم لتفجير الثورة أن يكون الشعب قادراً على إسقاط نظام الحكم الذى لا يريده، فإن نجاحها له شرطه الأساسى وهو: أن يكون الشعب قادراً على إقامة الحكم الذى يريده، واختيار الحاكم الذى يريده بالشروط التى يريدها وللأهداف التى يحددها. وإلى أن يتحقق ذلك تبقى المخاوف على الثورة مشروعة، ويبقى الدفاع عنها أول الواجبات الوطنية، وأصدق طريق للدفاع عن الثورة هو التصدى لأى انحراف يواجه مسيرتها.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟