بإصدار رئيس الجمهورية المؤقت المستشار عدلى منصور قانون الانتخابات الرئاسية تبدأ مرحلة جديدة من مراحل إنجاز «خريطة المستقبل» بالبدء فى الإجراءات التنفيذية للانتخابات الرئاسية وإطلاق الحملات الانتخابية للمرشحين
وبهذه المناسبة هناك أسئلة مهمة يجب أن تشغل عقل كل مرشح رئاسى لأنه سيكون مطالباً بأن يجيب عنها عشرات إن لم يكن مئات المرات خلال حملته الانتخابية، ومن الضرورى أن يكون لديه اتساق فى إجاباته عن هذه الأسئلة. اتساق فى الإجابة عن كل سؤال محدد عندما يجد نفسه مضطراً أن يجيب عنه أكثر من مرة وفى أكثر من مناسبة، فيجب ألا تختلف الإجابة عن أى سؤال عندما يتكرر طرحه، فأى اختلاف أو تعارض أو تناقض فى الإجابة على سؤال بعينه معناه «عدم المصداقية». الاتساق له بعد آخر أكثر شمولاً، ويعنى الاتساق بين إجابات المرشح عن ما يواجهه من أسئلة، ويمكن أن نسمى هذا الاتساق بـ «الاتساق الكاشف» لأنه يكشف مدى ترابط أفكار المرشح ومدى تجانسها من عدمه. هذا الترابط والتجانس فى الأفكار والرؤى من أهم معايير الجدارة والكفاءة والمصداقية.
من بين هذه الأسئلة المركزية أربعة أسئلة أساسية هى على الترتيب:
1- لماذا قررت الترشح فى هذه الانتخابات الرئاسية؟ السؤال هذا له مقصد محدد يتعلق بكون هذه الانتخابات تكتسب خصوصيتها من كونها أول انتخابات تأتى بعد ثورة 30 يونيو التى كان هدفها المحدد إسقاط حكم الإخوان الذى سرق واقتنص ثورة 25 يناير، أى أن الهدف المحورى من ثورة 30 يونيو هو استعادة ثورة 25 يناير لتعود للشعب، ما يعنى أن الحكم الجديد لا يمكن أن تكون له أى علاقة من قريب أو بعيد بأنماط الحكم السابقة على ثورة 25 يناير، وثورة 30 يونيو. سؤال لماذا تترشح للانتخابات الرئاسية فى مرحلة ما بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو مضمونه هو البحث فى دوافع كل مرشح وأهدافه، وبالتحديد ما هى مصر التى يريدها فى حكمه؟ مصر التى يراها أملاً لكل المصريين بعد ثورتيهم الرائعتين.
2- ما هو مشروعك وما هو برنامجك لحكم مصر؟ وكيف ستحقق وتنجز هذا المشروع وهذا البرنامج، ما هى الحلول التى تطرحها لمحاور الأزمة الثلاثية التى تواجه مصر الآن: الأزمة السياسية، أى أزمة غياب التوافق الوطني؟ بين المصريين، كيف تستعيد مفهوم الوحدة الوطنية ومفهوم الولاء الوطني، وكيف ستبنى «مجتمع المشاركة»، و«مجتمع المواطنة»؟. حل الأزمة السياسية هو مفتاح حل كل الأزمات على عكس ما يتصور كثيرون. المحور الثانى للأزمة المصرية هو المحور الاقتصادي. فالأزمة الاقتصادية الراهنة لها بعدان؛ أولهما، بعد الموارد أى تجميع الموارد اللازمة لتمويل مشاريع التنمية والبناء والخدمات، وثانيهما، البعد التوزيعى للثروة الذى اعتاد الناس على التعامل معه بمسمى «العدالة الاجتماعية»، ويعنى عدالة توزيع الثروة والخدمات بين كل المصريين، وسبل تحقيق الرضا من خلال المبادرة بحلول ناجزة للمشكلات الكبرى وفى مقدمتها: ضعف دخول المصريين، وارتفاع أعباء المعيشة بسبب الارتفاع الجنونى غير المبرر فى أسعار معظم السلع الاستهلاكية بسبب جشع القطاع الخاص المتحكم فى استيراد المواد الغذائية وجشع تجار الجملة، ثم مشكلة البطالة الهائلة وبالذات فى صفوف حملة المؤهلات المتوسطة والعالية التى تصل إلى ما يقرب من 50% على الأقل. أما البعد الثالث والطاغى فى الأزمة المصرية فهو البُعد الأمنى الذى يشغل كل المصريين بل ويشغل الأشقاء العرب. ما هى رؤية كل مرشح لهذه الأزمة الأمنية ما هى أسبابها، وما هى أبعادها وجوانبها المختلفة، ما هى الحلول المقترحة هل هى أمنية فقط، أم هى أيضاً حلول سياسية واجتماعية وثقافية؟
3- ما هو فريقك الانتخابى وما هى موارد تمويل حملتك الانتخابية ومن أى مصادر؟ من هم الممولون؟ وما هى مصالحهم فى تمويل الحملة الانتخابية؟ فمن الضرورى أن يبادر كل مرشح بإعلان مصادر تمويل حملته الانتخابية ويترك الحق الكامل للرأى العام ليحكم عليه، وعلى كل الجهات الرقابية على الأموال أن تكون جادة وصادقة ومبادرة بالقيام بواجباتها الوطنية للتدقيق فى مدى جدية وصدقية ما يعلنه كل مرشح من مصادر تمويل لحملته الانتخابية.
4- السؤال المركزى الرابع والأخير يتعلق بـ «الفريق الرئاسي» المقترح من كل مرشح. فمن حق المصريين أن يعرفوا من سيحكمونهم. فالناس باتت واعية من خلال تجاربها التاريخية الأليمة مع طواغيت الحكم السابقين، بأن مشكلة الحكم قد لا تكون فى شخص الرئيس ولكن فيمن يحكمون باسم الرئيس، أو من يسمون فى العُرف الشعبى بـ «بطانة الرئيس».
دائماً كان المصريون يتضرعون إلى الله ويسألونه أن يرزقهم بالحاكم الصالح والحكم الصالح وأن يوفق رئيسهم ويرزقه «البطانة الصالحة»، ولذلك من الضرورى أن يكون كل مرشح جاهزاً ومستعداً لتقديم طاقمه الرئاسى الذى حتماً سيكون إما محسوباً له إذا حالفه التوفيق، أو محسوباً عليه إذا لم يوفق فى اختيار المعاونين من مستشارين ومساعدين، لأن هؤلاء هم جوهر صورة الحكم، ومضمون صورة الرئيس. فالمثل الشعبى يقول: «قُلّ لى من صديقك أقل لك من أنت». بمعنى أن طاقم الرئيس هو الذى سيكشف جوهر مشروع حكم الرئيس بعيداً عن النصوص المنمقة التى يدونها فى برنامجه الانتخابي، خصوصاً أن المصريين أصبحوا حذرين ومتخوفين من احتمال تجدد ظهور «مراكز قوى جديدة» تمارس الاستبداد وتتورط فى الفساد على نحو ما حدث فى العقود الثلاثة الماضية.
كان المأمول أن ينص الدستور الجديد على انتخاب نائب رئيس الجمهورية مع الرئيس فى بطاقة انتخابية واحدة، وإذا كان الدستور قد جاء خالياً من هذا النص فسيكون أمراً مثيراً وعظيماً ودليلاً على الجدية واحترام إرادة الشعب أن يبادر كل مرشح ويعلن عن اختيار نائب أو نواب الرئيس ويعلن أسماءهم على رأس قائمة المستشارين والمساعدين الرئاسيين. وقبل كل هؤلاء مطلوب من المرشحين الرئاسيين إعلان أسماء الخبراء والمفكرين الذين سيشاركون فى كتابة برامجهم الانتخابية. وبقدر تنافس وإجادة هؤلاء الخبراء فى كتابة البرامج الانتخابية سيتحدد مدى قبول ودعم المصريين لكل مرشح. وحتماً ستكون مصر مستفيدة جداً من هذا التنافس لأن هذه البرامج ستكون ذخيرة ثمينة لإعداد مشروع مصر الوطنى الذى يأمله كل المصريين ويخشاه كل أعداء مصر فى الداخل وفى الخارج.
المصريون العاشقون لبلدهم يأملون أن يكون مشروع الرئيس القادم هو مشروع إعادة بناء مصر قوية، قوية بأبنائها وباقتصادها، بشعبها وجيشها، مصر التى تملك قرارها، ولا تعتمد على أحد، القادرة على إطعام شعبها وتوفير الأمن والأمان والثقة والطمأنينة لكل المصريين، مصر المتصالحة مع نفسها، مصر العزيزة الحرة الكريمة غير التابعة لأحد، غير الخاضعة لإرادة أحد إلا لإرادة الله سبحانه وتعالى وإرادة الشعب التى هى من إرادة الله، وهذا ما يريده المصريون من رئيسهم الجديد الذى يأملونه ويتشوقون إليه ليس بشخصه ولا باسمه ولكن بمواصفاته وأفعاله، ومن هنا نبدأ عصرنا الجديد.