الصورة الذهنية للمؤسسة العسكرية لدى المصريين
عقدت كلية الإعلام بجامعة الأهرام الكندية
مؤتمرها السنوي الثالث بعنوان: "الإعلام وتحديات التغيير في المراحل
الانتقالية" بالتعاون مع معهد الأهرام الإقليمي للصحافة ومؤسسة فردريش نومان
الألمانية، وذلك في الفترة من 18-20 مارس الحالي. ورغم تعدد جلسات المؤتمر التي
استمرت لثلاثة أيام والتي شاركت في فعالياتها وكنت أحد أعضاء اللجنة العلمية له
ورغم أن هذه الجلسات كانت حافلة بعرض الأبحاث والحلقات النقاشية والمُداخلات
والتعقيبات، إلا أنه استوقفتني دراسة مهمة وفارقة للزميل الدكتور مرزوق عبد الحكم
العادلي المدرس بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة سوهاج.
الدراسة بعنوان "الصورة الذهنية للمؤسسة العسكرية لدى الجمهور المصري
بعد ثورة 30 يونيو”، وأجرى الباحث هذه الدراسة
الميدانية على مواطني محافظة سوهاج، وما استرعى انتباهي أن هذه المحافظة كانت من
أكثر محافظات الصعيد تصويتاً لجماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية "حزب
الحرية والعدالة" في الانتخابات البرلمانية التي أعقبت ثورة يناير، كما أنها
كانت من أكثر المحافظات تصويتاً للدكتور محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية
الماضية، علاوة على أنها صوتت بـ "نعم" على دستور الإخوان بسبة 80% من
إجمالي الأصوات، وهو ما يجعل هذه الدراسة على هذه المحافظة ذات أهمية قصوى نظراً
لأنها كانت إحدى الكتل التصويتية للإخوان بصفة خاصة والتيارات والأحزاب الإسلامية
بصفة عامة، علاوة على أنها أحد المعاقل المهمة للجماعة الإسلامية.
وقد استهدفت الدراسة رصد أبعاد صورة الجيش المصري في أذهان الجمهور، وذلك
في ظل الأحداث الأخيرة وعوامل تشكيلها ومدى الثقة التي يوليها الجمهور للجيش
المصري وفقاً للصورة التي يحملها عنه، ولذلك يمكن تلخيص مشكلة البحث في تساؤل رئيس،
هو: ما الصورة الذهنية السائدة عن المؤسسة العسكرية لدي الجمهور المصري في أعقاب
ثورة 30 يونيو؟ .
وحدد الباحث مجتمع البحث بالجمهور المصري وطبق علي جمهور مدينة سوهاج من
خلال استمارة استبيان على 300 مبحوثاً ( ريف/حضر) و( ذكور/إناث ) للفئة العمرية 20
سنة فأكثر؛ وذلك، لأنها الفئات العمرية الأكثر إدراكاً واهتماماً بالقضايا العامة
والشئون السياسية. وصمم الباحث مقياساً للتعرف على الصورة الذهنية لعينة البحث نحو
المؤسسة العسكرية المصرية وقياداتها وقد تضمن هذا المقياس (26) عبارة تتصف
بالتقارب في عدد العبارات السلبية والإيجابية، حتى يتسم المقياس بالدقة وعدم
الإيحاء للمبحوثين بإجابات معينة.
وقد أوضحت نتائج الدراسة الميدانية أن طبيعة
الصورة الذهنية التي يحملها الجمهور المصري للمؤسسة العسكرية "إيجابية"،
حيث عبر 82,3 % عن شعورهم الإيجابي الطيب نحوها؛ وذلك لأنهم يرون أنها مؤسسة وطنية،
ومواقفها إيجابية وواضحة نحو متطلبات الشعب المصري، إضافة إلي دقتها وموضوعيتها في
التعامل مع الأحداث، كما أن غالبية المبحوثين يرون أنها أدت دورها بشكل جيد
ومنضبط، وأذعنت للسلطة وكانت أمينة في التعامل معها، لذلك جاء اتجاههم نحوها
"إيجابياً" بنسبة مرتفعة.
وينظر 81,7 % من المبحوثين إلى المؤسسة العسكرية وقادتها على أنهما كيان
واحد منضبط ومتماسك، ويحكمهما ثوابت في اتخاذ القرار، وعبَّر غالبية المبحوثين عن
قربهم النفسي والعقلي من القيادات العسكرية، وجاء في مقدمة القيادات القريبة من
المبحوثين، الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع المصري، ويرى الباحث أن هذه
النتيجة جاءت لدوره الملحوظ في مساندة مظاهرات المصريين العارمة في 30 يونيو، كما
أن غالبية المبحوثين، عبَّروا عن رضاءهم للإجراءات التي سلكتها المؤسسة العسكرية،
التي تمثلت في خارطة الطريق، وقد أوضحت آراء غالبية المبحوثين أن صورتهم الذهنية
تجاه المؤسسة العسكرية "إيجابية" بنسبة مرتفعة.
ظهر من استعراض نتائج البحث الدور
البارز لوسائل الإعلام في إمداد المبحوثين بالمعلومات المتعلقة بالمؤسسة العسكرية
، وجاءت القنوات الفضائية الخاصة في مرتبة متقدمة في هذا الجانب، كما اتضح أن
مواقع التواصل الاجتماعي – الفيس بوك تحديداً – يؤدي دوراً مهماً في هذا الشأن،
وكذلك الصحف القومية، والبرنامج العام بالإذاعة، والقناة الأولي بالتليفزيون
المصري.
كما شغلت قناة الجزيرة نسبة
مرتفعة في إمداد المبحوثين بالمعلومات المتعلقة بالجيش المصري، والباحث يري أن
هناك تقصيراً من جانب الإعلام القومي في إمداد الجمهور المصري بالمعلومات عن جيشه
الوطني بطريقة شيقة وجذابة، تغلق الباب أمام أية قنوات أو وسائل خارجية تؤدي هذا
الدور؛ فلم يؤثر من الإعلام القومي سوى القناة الأولى بالتليفزيون المصري، والبرنامج
العام بالإذاعة المصرية، على الرغم من وجود عديد من القنوات المصرية الإذاعية
والتليفزيونية.
وعبَر غالبية المبحوثين عن
رؤيتهم في المؤسسة العسكرية، واتضح أن غالبيتها رؤية إيجابية تدل على ارتباط
الجمهور المصري الوثيق بالجيش الوطني، ويبدو أيضاً أن الأغاني الوطنية أدت دوراً
مهماً في التأثير الإيجابي علي غالبية المبحوثين.
كما عبَّر غالبية المبحوثين أنهم
يثقون في المؤسسة العسكرية، وأن 78,3% منهم يرفضون شعار "يسقط يسقط حكم
العسكر"، ويرون أنه شعار سلبي يستهدف إسقاط الجيش والوطن، وأن هناك جهات تروِّج
لهذا الشعار، وهي الولايات المتحدة الأمريكية ، وجماعة الإخوان المسلمين، وقطر،
وقناة الجزيرة القطرية، وحركة 6 أبريل، إضافة للعملاء والخونة، أو ما يُسمى
إعلامياً بالطابور الخامس، ويتفق هذا الطرح مع التفسيرات التي تقول بأن هناك
مخططات تُحاك للشرق الأوسط عامة، ومصر بصفة خاصة.
وقد أوضح غالبية المبحوثين أنهم يؤيدون المؤسسة العسكرية المصرية في
خطواتها، من خلال نتائج البحث وهذه المناقشة يتضح أن طبيعة الصورة الذهنية التي
يحملها مجتمع البحث عن الجيش المصري، "إيجابية" بعد ثورة 30 يونيو، وأن
هناك عوامل كثيرة أدت إلى تشكيل هذه الصورة، منها الإعلامية، ومنها الخبرات
الشخصية، وأن مجتمع البحث نتيجة لهذه الصورة الذهنية التي يحملها للجيش؛ فإنه يثق
فيه، ويؤيده بنسبة كبيرة.
ومن خلال هذه النتائج المهمة، نستطيع القول إن هذه الدراسة ومؤشراتها
الإحصائية كشفت أموراً كثيرة كنا نشعر بها، ولكن لم تكن لدينا مؤشرات ودلائل علمية
عليها، ومن بين هذه الأمور:
أولاً: أن 82,3 % من إجمالي العينة عبَّروا عن شعورهم الإيجابي نحو المؤسسة
العسكرية، وذلك لأنهم يرون أنها مؤسسة وطنية، ومواقفها إيجابية وواضحة نحو متطلبات
الشعب المصري، وهى أكثر من النسبة التي كانت تؤيد دستور الإخوان عند الاستفتاء
عليه(80%).
ثانياً: وبناءً على ما سبق، يمكن القول أن شعبية جماعة الإخوان المسلمين
وحركات الإسلام السياسي تراجعت بشكل كبير للغاية في محافظة كانت تعد بالنسبة لهم
ظهيراً في كل انتخابات، ويبدو أن هذا التراجع يرجع إلى عدم إيمان مواطني هذه
المحافظة بالعنف وخاصة ضد ضباط وأفراد الجيش والشرطة الذين يكِّنون لهم الاحترام
ويحفظون لهم مكانةً خاصة.
ثالثاً: أن الجيش المصري له وضع مميز ومختلف في نفوس المصريين عامة وأهالي
الصعيد خاصة الذين قدَّموا أولادهم فداء هذا الوطن في كل الحروب التي خاضها ضد
أعدائه، وبالتالي فهم لن يسمحوا بالنيل من الجيش قيادةً وضباطاً وجنوداً، ومن يفعل
ذلك فإنه متهم بالخيانة من وجهة نظرهم.
رابعاً: أن أهالي سوهاج يتمتعون بالوعي وتعدد مصادر المعلومات ومتابعة الشأن الدولي، ما جعلهم يدركون أن ثمة مؤامرات تُحاك ضد هذا الوطن، وأن ثمة قوى ودول وتنظيمات دولية لا تريد الخير لمصر تشارك في هذه المؤامرات ومن بينها: الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وقطر والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، ويسخِّرون في سبيل ذلك عدداً من الوسائل الإعلامية أهمها قناة "الجزيرة".
*أستاذ الصحافة وتكنولوجيا الاتصال- جامعة القاهر ة