كان وقع صدمة الحادث الإرهابى المشئوم الذى وقع فى مدينتى العريش والشيخ زويد يوم الخميس الماضى (29 يناير 2015) هائلاً على نفوس كل المصريين باستثناء تلك المنظمات والجماعات الإرهابية والمتعاونين والمتعاطفين معهم
انشغلنا بالحادث من منظور أحادى هو الأسهل وهو الاستنكار وصب اللعنات وإطلاق الوعود بالقصاص لأرواح الشهداء وللمصابين عافاهم الله، والعزم على استئصال الإرهاب فى أوكاره، ولم ننشغل بما هو أهم وهو معرفة ما يريد الإرهابيون تحقيقه، ما يريده الإخوان، وما يريده السلفيون التكفيريون وعلى الأخص تنظيم داعش وحلفاءه من المنظمات الإرهابية المصرية وعلى رأسها بالطبع تنظيم «أنصار بيت المقدس» الذى سبق أن أعلن مبايعته لزعيم داعش« أبو بكر البغدادي« باعتباره خليفة للمسلمين.
إذا عرفنا ما يريده هؤلاء ويخططون له، فعلينا إن كنا جادين فعلاً فى استئصالهم من جذورهم، ألا نكتفى فقط بقتالهم ولكن بحرمانهم من تحقيق ما يهدفون إليه. فالقتل والتدمير والإرهاب ليس إلا وسيلة لتحقيق ما هو غاية وهدف مبتغى من وجهة نظرهم. وهذه الأهداف تتنوع بين ما هو تكتيكى وما هو استراتيجي. ففى الوقت الذى أعلن فيه تنظيم «أنصار بيت المقدس» مسئوليته عن الهجمات الإرهابية المتزامنة على المقار الأمنية فى مدن العريش والشيخ زويد ورفح مساء الخميس الماضي، ومسئوليته أيضاً عن الهجوم على كمائن (البوابة- أبو طويلة- الجورة- معسكر الزهور) بالشيخ زويد، فضلاً عن كمين الماسورة برفح وكذلك الهجوم على كمائن الغاز بجنوب وشرق العريش. فى هذا الوقت أذاعت قناة «رابعة» الإخوانية بياناً حذرت فيه من استهداف السفارات ومقرات السفراء والدبلوماسيين، وهددت السائحين من القدوم إلى مصر، كما هددت الشركات الأجنبية العاملة بمصر وذكرت أن ما أسمته بـ «العقاب الثوري» سيلحق بالدبلوماسيين وهذه الشركات بعد أيام 11 و21 28 فبراير الحالى، وهى مواعيد انتهاء المهل الممنوحة لكل هؤلاء لمغادرة مصر.
واضح من هذه التهديدات وتلك المواعيد أن وراءها هدفا تكتيكيا هو منع انعقاد مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى الذى تعد له الحكومة وتراهن عليه فى موعده المقرر فى مارس المقبل، وهذا الهدف التكتيكى وراءه هدف استراتيجى هو وضع العراقيل والعقبات وتضييق الخناق أمام الجهود التى تستهدف انطلاق مصر اقتصادياً، وهذا الهدف الاستراتيجى وراءه هدف آخر أهم وهو إسقاط النظام شعبياً بعد إثبات عجزه عملياً فى الدفاع عن مصر وعن تحمل مسئولية إنعاش حياة المصريين وحل مشكلاتهم وأزماتهم، ناهيك عن الفشل فى تحقيق الأهداف التى قامت من أجلها ثورة 25 يناير 2011، وإثبات إن ما حدث فى 3 يوليو 2013 ليس إلا انقلاباً عسكرياً مدبراً على هذه الثورة.
حزمة الأهداف هذه تخص الإخوان الذين يستهدفون العودة إلى حكم مصر، من خلال التخطيط لثورة ثالثة تعيدهم إلى الحكم بعد إشاعة الفوضى والدمار وعدم الاستقرار، ثورة أطلقوا عليها اسم «ثورة إسلامية» حددوا موعد انطلاقها يوم 29 نوفمبر الماضى، لكن تنظيم «أنصار بيت المقدس» ومن خلفه تنظيم «داعش» يريدان إسقاط الدولة وتفكيكها من منطلق التكفير. فالدولة والشعب مرتدون، من وجهة نظرهم، وهم يحاربون من أجل إسقاط ما يعتبرونه «دولة الكفر» وإقامة «دولة الإيمان» أو «دولة الخلافة الإسلامية» ويعملون من أجل دمج الإخوان، وكل فصائل السلفية التكفيرية الموازية فى هذا المخطط الذى يقوده تنظيم «داعش» فى العراق وسوريا.
هذا يعنى أننا نواجه مخططين: مخطط الإخوان بإسقاط النظام عن طريق ثورة دموية ثالثة، تحمل إفكاً اسم «ثورة إسلامية» ومخطط «داعش» وروافدها المصرية، وخاصة تنظيم «أنصار بيت المقدس» بإسقاط الدولة، ونحن بين هذين المخططين نترك الجيش والشرطة يخوضان حرب استنزاف دموية، ونشغل أنفسنا بالتنديد واللعنات والبكاء على الشهداء، دون تخطيط ودون عزيمة لأن نكون طرفاً فاعلاً فى مواجهة هذين المخططين. فهذه الأهداف الخبيثة تعنى كلها أن الشعب هو المستهدف وهو أصل هذه المواجهة، وهو الذى يتعرض الآن لحرب نفسية مكثفة لدفعه أو لإرغامه على التخلى عن دعمه للنظام من خلال اختراقه معنوياً.
إذا أدركنا هذه الحقيقة المحورية فإن النظام يجب أن يضع تخطيطه للحرب على الإرهاب اعتماداً على ركيزتين؛ الأولى هى الركيزة العسكرية والأمنية لدحر الإرهاب وهزيمته، والثانية هى الركيزة الشعبية بالحفاظ على ولاء الشعب للنظام وللدولة معاً. وإذا كان ولاء الشعب للدولة حقيقة لا تتغير، فإن ولاء الشعب للنظام فى حاجة إلى تغذية مستمرة تؤكد أن النظام وبالذات الحكومة تضع نصب أعينها مطالب الشعب وحقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى مازال يأملها ويحلم بها وهى ذاتها الحقوق التى تركز جماعة الإخوان فى دعايتها على التشكيك فى جدية التزام الحكومة بها، والزعم بأن الحكومة والنظام الجديد ليسا إلا انقلاباً على ثورة 25 يناير من أجل استعادة نظام مبارك بسياساته وفساده واستبداده.
وكما تحرص الحكومة على تسليح الجيش والشرطة والاستجابة لكل مطالبهما كى يقوما معاً بمهمة التصدى بكفاءة للإرهاب وهزيمته فإن الحكومة مطالبة أيضاً أن تؤكد ولاءها للشعب وحرصها على انحيازها المطلق له فى مطالبه وحقوقه المشروعة بالفعل وليس بالوعود الإعلامية التى تتناقض تماماً مع واقع الأمور.
فالحكومة فى سعيها لتحقيق الاستقرار يجب أن تكون واعية وقادرة على التمييز بين ما هو «استقرار قهرى» قائم على التسلط والإجبار، وبين ما هو «استقرار اختيارى» يقوم على الرضا الطوعي. فالرضا هو أساس الشرعية وهو ركيزة الاستقرار، والحكومة لن تستطيع هزيمة الإرهاب دون الرضا الشعبى على أدائها الذى يصعب تحقيقه بالإجبار السلطوى أو بالخداع الإعلامى لكنه يتحقق فقط من خلال الثقة المتبادلة بين الشعب والحكومة، أن يكون الشعب واثقاً، بقناعة، أنه بالفعل هو صاحب السيادة وصاحب السلطة فى هذا البلد، وهو أيضاً صاحب الثروة الوطنية أو ما يسمى اقتصادياً بـ «المال العام» عندما يثق بأنه شريك فى ملكية المال العام وأنه صاحب هذا المال، وأن هذا المال ينفق لخدمة الشعب، كل الشعب، وليس حكراً على فئة دون غيرها من فئات الشعب وقواه الوطنية، وعندما يثق أن هذا المال يخضع لأشد أنواع الحماية، ولا يتعرض للهدر أو للنهب فإنه حتماً سيشعر بالرضا، وعندما يشعر بالرضا سيكون تواقاً لتحقيق الاستقرار والدفاع عن الشرعية.
وعندما يشعر الشعب بتكافؤ الفرص بين كل المواطنين، وأن الدولة بكل أجهزتها تحارب الفساد، سواء كان هذا الفساد يأخذ شكل سوء استغلال الثروة (المال العام) أو سوء استخدام السلطة والنفوذ، أو يأخذ شكل الرشوة والمحسوبية والاختلاس والغش، فإنه سيشعر بالرضا، والرضا هو بوابة الولاء والشرعية، وعندها لن تستطيع كل شياطين الأرض اختراق وعيه وولائه لوطنه ولنظامه، وسيكون محصناً ضد كل أنواع الغواية والدعاية والتشكيك وكل أنواع الأسلحة الفتاكة المستخدمة فى الحرب النفسية التى تشنها كل جماعات الإرهاب معتقدة أنها ستكون قادرة بها على تدمير وحدة الصف الوطنى والتزام الشعب بولائه لمصر وثورتها ومستقبلها الذى يأمله ويثق فى تحقيقه.