لابد من أن يكون واضحا منذ البداية أن موضوع الأمن القومى عموماً والأمن المصرى خصوصا، كان ولايزال من الموضوعات البالغة الأهمية وتزداد أهمية الموضوع بعد 30 يونيو حيث تزايدت التهديدات الإرهابية، سواء فى سيناء أو فى داخل الوادى، وذلك بالإضافة إلى التهديدات القادمة من ليبيا بعد الأحداث الدامية الأخيرة.
ويمكن أن نقرر منذ البداية أنه ليس هناك تعارض بين خصوصية موقع مصر وما يفرضه من ثوابت خاصة بالأمن القومى، وأصالة انتمائها العربى، والذى يوسع بالضرورة من دائرة الأمن المصرى.
ومن الناحية النظرية يمكن القول بتعدد تعريفات الأمن القومى وتنوع المدارس العلمية التى درسته بعمق، بين المدرسة الجيوبوليتيكية التقليدية التى ركزت على الموقع الجغرافى للدولة وقوتها العسكرية وتوازن القوى بينها وبين الدول التى تمثل مصدراً لتهديدها، والمدرسة غير التقليدية التى ظهرت مع مطلع السبعينيات من القرن الماضى، والتى تعتمد على البعد الاقتصادى والتنموى فى تعريف الأمن، وتظهر أهمية التهديدات الداخلية كتحديات مؤثرة فى الأمن القومى.
وكان لظهور هذه المدرسة تأثير ملموس فى توسيع مفهوم الأمن ليشمل نواحى متعددة اقتصادية وتنموية، وثقافية واجتماعية ودينية وغيرها.
كما أنه من المشكلات العملية التحديد الدقيق لدوائر الأمن القومى لدولة محددة مثل مصر، والتى يختلف بشأنها الخبراء الاستراتيجيون، وفقاً لتقدير كل خبير.
ولعل نقطة البداية فى الموضوع هى تعريف مفهوم الأمن القومى بشكل عام، والذى يعرفه أحد الباحثين بأنه اجملة المبادئ والقيم النظرية والأهداف الوظيفية والسياسات العملية المتعلقة بتأمين وجود الدولة، وسلامة أركانها، ومقومات استمرارها واستقرارها، وتلبية احتياجاتها، وضمان قيمها ومصالحها الحيوية، وحمايتها من الأخطار القائمة والمحتملة داخليا وخارجيا مع مراعاة متغيرات البنية الداخلية والإقليمية والدولية.
وهذا التعريف صيغ فى الواقع فى ضوء تعريفات متعددة للأمن القومى، اجتهد بعض الباحثين البارزين فى صياغتها، ومن بينهم ـ على سبيل المثال ـ روبرت ماكنمارا وزير الدفاع الأمريكى السابق، الذى كتب مرة أن الأمن القومى هو التنمية! بمعنى أنه بدون التنمية لا يمكن أن يوجد أمن، وأن الدول التى لا تنمو فى الواقع لا يمكن أن تظل آمنة.
وقد لفت نظرى هذا التعريف منذ سنوات بعيدة، لأنه وسع من التعريف التقليدى للأمن، الذى كان يقصره على حماية الحدود الجغرافية، ويركز على قوة الدولة وقدرتها على مواجهة مصادر التهديد. وقد كان ماكنمارا فى الواقع رائداً فى صياغة المفهوم الثقافى الجديد للأمن القومى، الذى يعنى بمصادر التهديد الداخلية فى المجتمع، كالصراعات الطائفية والفقر والتوترات السياسية، والأفكار المتطرفة وغيرها.
وقد أشرت إلى هذا التعريف القديم لروبرت ماكنمارا فى مقالة لى نشرت فى جريدة الأهرام بتاريخ 18 أغسطس 2005 بعنوان «الرؤية الاستراتيجية والأمن القومى»، وذلك بمناسبة تعريف جديد للأمن القومى صاغه «توماس بارنت» وهو من ألمع المفكرين الأمريكيين المعاصرين، الذى نشر كتاباً بالغ الأهمية بعنوان «الأجندة الجديدة للبنتاجون» ذكر فيه تعريفاً للأمن القومى بأنه هو العولمة!.
وهو يركز على أبرز سمات العولمة، وهى الاتصال اللا محدود بين البشر والثقافات المختلفة Connectivity، والذى هو ثمرة الثورة الاتصالية الكبرى. بل إنه ليتمادى أكثر من ذلك ويقول إن أردت أن تعرف سمات نموذج الأمن القومى الجديد بعد سقوط النموذج القديم، فلا تذهب لكى تتناقش مع كبار الجنرالات، ولا مع أبرز خبراء الدفاع، ولكن إذهب لكى تتناقش مع خبراء التكنولوجيا، والاتصالات، ومنظمة التجارة العالمية وأساتذة الاقتصاد!.
وهو يقصد بنموذج الأمن القومى الجديد أنه يقوم على مفهومين جديدين تماما، هما الحروب الفضائية Cyber War وحروب الشبكات Net War.
وفى تقديره أن مصدر الخطر الأكبر على الأمن القومى لن يأتى من الدول التى تمتلك أسلحة دمار شامل، ولكن من الفجوة الكبرى والعميقة بين الدول التى دخلت بعمق إلى عالم العولمة بكل تجلياتها السياسية والاقتصادية والثقافية، وبين الدول التى تقع خارج هذه الدائرة. وهذه الدول من وجهة نظره قد تكون دولاً فاشلة عجزت عن القيام بالتحول الديمقراطى أو تطوير اقتصادها، أو أنها تقف موقفاً معادياً من الحداثة، وتتمسك بأصالة ثقافية مزعومة.
وإذا انتقلنا من هذه الملاحظات المبدئية الهامة، لقلنا إن للأمن القومى أبعادا متعددة. وهذه الأبعاد هى البعد العسكرى والذى يتعلق بالقدرة العسكرية للدولة ومدى استعداد قواتها المسلحة للدفاع عن أرض الوطن، والبعد الاقتصادى والذى يتمثل فى قدرة الدولة على إشباع الحاجات الأساسية للمواطنين، والبعد السياسى الذى يركز على السياسة الداخلية والخارجية، والتوجهات الأيديولوجية للدولة وتماسكها الداخلى.
والبعد الاجتماعى الذى يعنى بالبنية الاجتماعية والثقافية السائدة فى المجتمع، ودرجة التجانس الاجتماعى بين الطوائف المختلفة، والبعد الثقافى، والذى يتمثل فى التراث التاريخى للمجتمع وهويته الثقافية، والقدرة على التفاعل الإيجابى الخلاق مع الثقافات الأجنبية.
والبعد الجغرافى والذى يتعلق بالموقع الجغرافى للدولة، وحدودها مع الدول الأخرى، وعلاقاتها مع دول الجوار، وأخيراً البعد الديموجرافى والذى يركز على العنصر البشرى وأهميته، من زاوية كونه أحد عناصر قوة الدولة، لو أحسن تعليم وتدريب القوى البشرية.
ومن ناحية أخرى تتعدد دوائر الأمن القومى. فهناك أولا الأمن الداخلى الذى يركز على الاستقرار السياسى، والتنمية المستدامة لإشباع الحاجات الأساسية للجماهير، وعدم حدوث صراعات طائفية أو توترات اجتماعية أو نزعات فكرية متطرفة.
ولدينا ثانيا الأمن المباشر والذى يتعلق بالحدود السياسية المشتركة مع دول أخرى، والدفاع عنها ومنع استخدامها من أى طرف لتهديد الأمن الداخلى.
ووضعا فى الاعتبار أصالة الانتماء العربى فى مصر، فإن دائرة الأمن الإقليمى والذى يتمثل فى العلاقة مع باقى دول الإقليم الجغرافى الذى تنتمى إليه الدولة مسألة بالغة الأهمية. ويبقى أخيرا الأمن العالمى والذى يتمثل فى اشتراك الدولة مع باقى الدول للحفاظ على الأمن العالمى ضد المخاطر الدولية مثل الإرهاب، والأزمات الاقتصادية العالمية، والمخاطر البيئية.
ويمكن القول إن مفهوم الأمن القومى أصبح جزءا من منظومة متكاملة هى الثقافة الاستراتيجية والتى تعيد صياغة نظرية الأمن القومى لتعبر عن التغيرات الكبرى التى أحدثها عصر العولمة.
نقلا عن الأهرام
ويمكن أن نقرر منذ البداية أنه ليس هناك تعارض بين خصوصية موقع مصر وما يفرضه من ثوابت خاصة بالأمن القومى، وأصالة انتمائها العربى، والذى يوسع بالضرورة من دائرة الأمن المصرى.
ومن الناحية النظرية يمكن القول بتعدد تعريفات الأمن القومى وتنوع المدارس العلمية التى درسته بعمق، بين المدرسة الجيوبوليتيكية التقليدية التى ركزت على الموقع الجغرافى للدولة وقوتها العسكرية وتوازن القوى بينها وبين الدول التى تمثل مصدراً لتهديدها، والمدرسة غير التقليدية التى ظهرت مع مطلع السبعينيات من القرن الماضى، والتى تعتمد على البعد الاقتصادى والتنموى فى تعريف الأمن، وتظهر أهمية التهديدات الداخلية كتحديات مؤثرة فى الأمن القومى.
وكان لظهور هذه المدرسة تأثير ملموس فى توسيع مفهوم الأمن ليشمل نواحى متعددة اقتصادية وتنموية، وثقافية واجتماعية ودينية وغيرها.
كما أنه من المشكلات العملية التحديد الدقيق لدوائر الأمن القومى لدولة محددة مثل مصر، والتى يختلف بشأنها الخبراء الاستراتيجيون، وفقاً لتقدير كل خبير.
ولعل نقطة البداية فى الموضوع هى تعريف مفهوم الأمن القومى بشكل عام، والذى يعرفه أحد الباحثين بأنه اجملة المبادئ والقيم النظرية والأهداف الوظيفية والسياسات العملية المتعلقة بتأمين وجود الدولة، وسلامة أركانها، ومقومات استمرارها واستقرارها، وتلبية احتياجاتها، وضمان قيمها ومصالحها الحيوية، وحمايتها من الأخطار القائمة والمحتملة داخليا وخارجيا مع مراعاة متغيرات البنية الداخلية والإقليمية والدولية.
وهذا التعريف صيغ فى الواقع فى ضوء تعريفات متعددة للأمن القومى، اجتهد بعض الباحثين البارزين فى صياغتها، ومن بينهم ـ على سبيل المثال ـ روبرت ماكنمارا وزير الدفاع الأمريكى السابق، الذى كتب مرة أن الأمن القومى هو التنمية! بمعنى أنه بدون التنمية لا يمكن أن يوجد أمن، وأن الدول التى لا تنمو فى الواقع لا يمكن أن تظل آمنة.
وقد لفت نظرى هذا التعريف منذ سنوات بعيدة، لأنه وسع من التعريف التقليدى للأمن، الذى كان يقصره على حماية الحدود الجغرافية، ويركز على قوة الدولة وقدرتها على مواجهة مصادر التهديد. وقد كان ماكنمارا فى الواقع رائداً فى صياغة المفهوم الثقافى الجديد للأمن القومى، الذى يعنى بمصادر التهديد الداخلية فى المجتمع، كالصراعات الطائفية والفقر والتوترات السياسية، والأفكار المتطرفة وغيرها.
وقد أشرت إلى هذا التعريف القديم لروبرت ماكنمارا فى مقالة لى نشرت فى جريدة الأهرام بتاريخ 18 أغسطس 2005 بعنوان «الرؤية الاستراتيجية والأمن القومى»، وذلك بمناسبة تعريف جديد للأمن القومى صاغه «توماس بارنت» وهو من ألمع المفكرين الأمريكيين المعاصرين، الذى نشر كتاباً بالغ الأهمية بعنوان «الأجندة الجديدة للبنتاجون» ذكر فيه تعريفاً للأمن القومى بأنه هو العولمة!.
وهو يركز على أبرز سمات العولمة، وهى الاتصال اللا محدود بين البشر والثقافات المختلفة Connectivity، والذى هو ثمرة الثورة الاتصالية الكبرى. بل إنه ليتمادى أكثر من ذلك ويقول إن أردت أن تعرف سمات نموذج الأمن القومى الجديد بعد سقوط النموذج القديم، فلا تذهب لكى تتناقش مع كبار الجنرالات، ولا مع أبرز خبراء الدفاع، ولكن إذهب لكى تتناقش مع خبراء التكنولوجيا، والاتصالات، ومنظمة التجارة العالمية وأساتذة الاقتصاد!.
وهو يقصد بنموذج الأمن القومى الجديد أنه يقوم على مفهومين جديدين تماما، هما الحروب الفضائية Cyber War وحروب الشبكات Net War.
وفى تقديره أن مصدر الخطر الأكبر على الأمن القومى لن يأتى من الدول التى تمتلك أسلحة دمار شامل، ولكن من الفجوة الكبرى والعميقة بين الدول التى دخلت بعمق إلى عالم العولمة بكل تجلياتها السياسية والاقتصادية والثقافية، وبين الدول التى تقع خارج هذه الدائرة. وهذه الدول من وجهة نظره قد تكون دولاً فاشلة عجزت عن القيام بالتحول الديمقراطى أو تطوير اقتصادها، أو أنها تقف موقفاً معادياً من الحداثة، وتتمسك بأصالة ثقافية مزعومة.
وإذا انتقلنا من هذه الملاحظات المبدئية الهامة، لقلنا إن للأمن القومى أبعادا متعددة. وهذه الأبعاد هى البعد العسكرى والذى يتعلق بالقدرة العسكرية للدولة ومدى استعداد قواتها المسلحة للدفاع عن أرض الوطن، والبعد الاقتصادى والذى يتمثل فى قدرة الدولة على إشباع الحاجات الأساسية للمواطنين، والبعد السياسى الذى يركز على السياسة الداخلية والخارجية، والتوجهات الأيديولوجية للدولة وتماسكها الداخلى.
والبعد الاجتماعى الذى يعنى بالبنية الاجتماعية والثقافية السائدة فى المجتمع، ودرجة التجانس الاجتماعى بين الطوائف المختلفة، والبعد الثقافى، والذى يتمثل فى التراث التاريخى للمجتمع وهويته الثقافية، والقدرة على التفاعل الإيجابى الخلاق مع الثقافات الأجنبية.
والبعد الجغرافى والذى يتعلق بالموقع الجغرافى للدولة، وحدودها مع الدول الأخرى، وعلاقاتها مع دول الجوار، وأخيراً البعد الديموجرافى والذى يركز على العنصر البشرى وأهميته، من زاوية كونه أحد عناصر قوة الدولة، لو أحسن تعليم وتدريب القوى البشرية.
ومن ناحية أخرى تتعدد دوائر الأمن القومى. فهناك أولا الأمن الداخلى الذى يركز على الاستقرار السياسى، والتنمية المستدامة لإشباع الحاجات الأساسية للجماهير، وعدم حدوث صراعات طائفية أو توترات اجتماعية أو نزعات فكرية متطرفة.
ولدينا ثانيا الأمن المباشر والذى يتعلق بالحدود السياسية المشتركة مع دول أخرى، والدفاع عنها ومنع استخدامها من أى طرف لتهديد الأمن الداخلى.
ووضعا فى الاعتبار أصالة الانتماء العربى فى مصر، فإن دائرة الأمن الإقليمى والذى يتمثل فى العلاقة مع باقى دول الإقليم الجغرافى الذى تنتمى إليه الدولة مسألة بالغة الأهمية. ويبقى أخيرا الأمن العالمى والذى يتمثل فى اشتراك الدولة مع باقى الدول للحفاظ على الأمن العالمى ضد المخاطر الدولية مثل الإرهاب، والأزمات الاقتصادية العالمية، والمخاطر البيئية.
ويمكن القول إن مفهوم الأمن القومى أصبح جزءا من منظومة متكاملة هى الثقافة الاستراتيجية والتى تعيد صياغة نظرية الأمن القومى لتعبر عن التغيرات الكبرى التى أحدثها عصر العولمة.
نقلا عن الأهرام