كل الحمد لله سبحانه وتعالى الذى مكننا من تحقيق كل هذا الإبهار العظيم فى مؤتمر شرم الشيخ وعلى أرض سيناء الغالية التى مازال الإرهاب الأسود يريد أن يجعلها «ولاية إسلامية» ينطلق منها مشروعه للخلافة التى يروج لها.
نجح المؤتمر فى أن يعيد لمصر صورتها الناصعة من الأمن والاستقرار أمام كل العالم بفضل الجهود الجبارة للرئيس عبد الفتاح السيسى والمهندس إبراهيم محلب وأركان حكومته، وبفضل رجال الجيش والشرطة الأبطال حماة الوطن.
نجحنا بمؤتمر شرم الشيخ أن نستعيد الثقة فى أنفسنا أولاً وأن نستعيد ثقة العالم ثانياً فى مصرنا وثورتنا ومستقبلنا فى التنمية الشاملة بأبعادها المتكاملة: الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعلمية والثقافية. هذه التنمية الشاملة التى وردت فى الخطاب الافتتاحى للرئيس السيسى بمؤتمر شرم الشيخ والتى عرّفها بأنها تنمية مستدامة تهدف لبناء مجتمع ديمقراطي، يجب أن تمزج بين بناء المجتمع الديمقراطى وبين بناء مجتمع العدالة والكفاية أيضاً. فالتنمية الشاملة بأبعادها المتعددة المشار إليها، يجب أن تكون مستدامة ويجب أن تؤسس على قاعدة كفاءة الإنتاج وعدالة التوزيع ضمن إطار المجتمع الديمقراطي، وأن يكون الشعب العامل هو عصب هذه التنمية وليس فقط الاستثمارات رغم حتميتها، وليس فقط القطاع الخاص رغم ضرورته.
هذه التنمية لا يمكن أن تكون أبداً وبالضرورة هى نموذج التنمية الرأسمالية. فعلى الرغم من كل ما يروج داخل مصر لهذا النموذج الرأسمالى فى التنمية، اعتماداً على مقولة خاطئة تقول إنه «لا تنمية إلا بالقطاع الخاص»، وعلى الرغم من تهليل البعض لفقرات وعبارات وردت فى كلمة وزير الخارجية الأمريكى بالمؤتمر بهذا الخصوص، ولكون هذه الكلمة جاءت خالية تماماً من أى إشارة لكلمة قطاع عام أو قطاع أعمال (بزعم أنها لم يعد لها وجود فى العالم) إلا أن الحقائق العلمية تؤكد أن النظام الرأسمالى العالمى مأزوم، وأن هذه «المأزومية» تتجلى أكثر ما تتجلى فى الولايات المتحدة الأمريكية، وأن هذه «المأزومية» سوف تستمر طالما ظل النظام الرأسمالى فى الولايات المتحدة وغيرها عاجزاً عن إيجاد حلول جذرية لأزمات من نوع عمق التفاوت فى توزيع الدخل التى جعلت النظام الديمقراطى الأمريكى نظام من يملكون فقط، أو بالتحديد «نظام من يملكون أكثر».
المنبهرون بالنظام الرأسمالى وبحتمية قيادة القطاع الخاص للتنمية يبدو أنهم معزولون عن الدور المحورى للقطاع العام والحكومى فى أهم الدول الرأسمالية، ويبدو أنهم معزولون أيضاً عما ما يموج به الفكر الاقتصادى العالمى من مراجعات للتوحش الرأسمالى وفشله المحتوم فى قيادة التقدم وصنع المستقبل، يكفى أن نشير إلى دراسات أمارتاسين وجوزيف سيتجلنز والدراسة الرائدة والعظيمة للعالم الاقتصادى الفرنسى توماس بيكيتى التى كشفت عمق التفاوت فى توزيع الدخل فى العالم ومردوده السلبى على التقدم بمفهومه الشامل الاقتصادى والسياسى والاجتماعى على وجه الخصوص.
بهذا المعنى من الضرورى أن تكون لنا نظريتنا الاقتصادية الخاصة، وأن هذه النظرية يجب أن تكون محصلة تفاعل مجتمعى يشارك فيه الخبراء والعلماء. نظرية اقتصادية ترتبط بنظرية وطنية لنظامنا السياسى ونظامنا الاجتماعي، بحيث يؤسس مشروع التنمية الشاملة والمستدامة على قواعد راسخة ومفاهيم واضحة ومقبولة شعبياً تجعل الهدف من هذا المشروع للتنمية الشاملة ليس فقط «نوع الحياة الجيدة للمصريين» ولكن أيضاً بناء مجتمع كفاءة الإنتاج وعدالة التوزيع، إنتاج قائم على الصناعة والزراعة بالأساس إلى جانب قطاع الخدمات بمشاركة من القطاع العام، أى ملكية الدولة، والقطاع التعاونى والقطاع الخاص، وأن يكون هذا مقروناً بعدالة توزيع الثروة الوطنية بين كل المصريين. مع ربط هذا كله بالتأسيس لنظام سياسى ديمقراطى يؤمِّن تداول السلطة، والتعددية الحزبية، ويحول دون سيطرة رأس المال على الحكم.
وبهذا المعنى أيضاً نحن مطالبون بعد مؤتمر شرم الشيخ بفتح حوار مجتمعى واسع حول مشروع الرئيس للتنمية الشاملة والمستدامة نحسم فيه رؤيتنا الوطنية لنظامنا الاقتصادى ولنظامنا السياسى ولنظامنا الاجتماعي، دون شروط مسبقة أو ضغوط تحت غطاء التمويل والاستثمار، ودون أى مساس بإرادتنا السياسية، ودون خضوع لمطالب بعض رجال الأعمال الذين أظهروا ميلاً للاستقواء بالخارج لفرض هذه المطالب، تصوراً منهم أن فرص نهب الثروة الوطنية والمال العام باتت سانحة مجدداً، سواء ما يتعلق بالاستيلاء من جديد على الأراضى بأثمان رمزية أو بالتهرب من الضرائب والجمارك، أو فرض قوانين للتشغيل والعمل ضد مصالح الموظفين والعمال على غرار ما كان يحدث، وما يحدث الآن فى بعض شركات ومصانع القطاع الخاص، من إصرار على التنكيل بالعمال وفرض دكتاتورية رأس المال.
نحن أيضاً مطالبون بعد مؤتمر شرم الشيخ بسرعة إنجاز استحقاق انتخاب مجلس النواب بعد إجراء التعديلات المطلوبة والمستحقة لقانون تقسيم الدوائر تحقق الضوابط الدستورية المطلوبة وبالذات التمثيل العادل للسكان والمحافظات مع وضع ضوابط قانونية تمنع تسرب المنتسبين للحزب الوطنى المنحل ولجماعة الإخوان ومع وضع الضوابط القانونية اللازمة لترشح مزدوجى الجنسية، ضوابط تمنع ترشح كل من يمثل خطراً أو تهديداً للأمن الوطني، وتمنع ازدواجية الولاء.
وإذا كانت القاعدة الأساسية للتمثيل العادل للسكان تفرض أن يمثل النائب فى أية دائرة من الدوائر الانتخابية العدد ذاته من الناخبين الذى يمثله باقى النواب فى الدوائر الأخري، فإن العدالة تفرض أيضاً احترام خصوصية كل دائرة، وحق كل دائرة أن يكون لها من يمثلها داخل البرلمان. هذا يعنى ضرورة تجنب العودة مجدداً إلى قاعدة دمج الدوائر لأن الدمج يعطى لناخبى الدائرة الأكبر فرصة اقتناص كل المقاعد لمرشحى دائرتهم وحرمان الدائرة الأصغر من التمثيل داخل البرلمان.
بعض أشكال هذا الدمج كانت شديدة الإجحاف على نحو ما حدث من دمج لدائرة بركة السبع (الأقل عدداً) مع دائرة قويسنا (الأكبر عدداً) فى محافظة المنوفية. وإذا كانت لجنة الانتخابات قد أعادت الاستقلالية لدائرة بركة السبع فإنها ظلمتها وخصصت لها مقعداً واحداً رغم أن قوتها الانتخابية 230341 صوتاً فى حين أعطت لدائرة الشهداء (121943 صوتاً) مقعدين. من الضرورى أن يكون الدمج فى أضيق الحدود وأن تكون العدالة هى أساس توزيع المقاعد بين الدوائر داخل كل محافظة وبين كل المحافظات، وهذه العدالة تستوجب أيضاً مراجعة نظام القائمة المغلقة لأنه نظام إقصائى وغير عادل فالمادة (102) من الدستور تتحدث عن التمثيل العادل والمتكافئ ونظام القائمة المغلقة ليست له أية علاقة بالتمثيل العادل والمتكافئ، ومن العيب أن يتحدث البعض عن ضرورة تحصين البرلمان الجديد لمنع الطعن مستقبلاً على نظام القائمة المغلقة.
من العيب أن نعرف الخطأ ونتحايل عليه بدعوى التحصين، نحن نريد برلماناً شرعياً غير مطعون فيه ونريد برلماناً قوياً قادراً على القيام بوظائفه التشريعية، ولا نريد العودة مجدداً إلى برلمان «موافقون». فالبرلمان الجديد سيكون المعنية قبل غيره بضبط المسيرة الوطنية بعد شرم الشيخ، وبالذات ما يتعلق بمراجعة المراسيم بقوانين التى صدرت فى غيبة البرلمان كى تأتى مسيرة التنمية الشاملة والمستدامة آمنة ورشيدة.