جدلية العلاقة بين الإعلام والإسلام السياسي في مؤتمر الإعلام وتحديات التغيير في المراحل الانتقالية
عقدت كلية الإعلام بجامعة الأهرام الكندية
مؤتمرها السنوي الثالث بعنوان:"الإعلام وتحديات التغيير في المراحل
الانتقالية" بالتعاون مع معهد الأهرام الإقليمي للصحافة ومؤسسة فردريش نومان
الألمانية ، وذلك في الفترة من 18-20 مارس/آذار الماضي، وذلك برئاسة أ.د. ليلى عبد
المجيد، عميدة الكلية. ورغم تعدد جلسات المؤتمر التي استمرت لثلاثة أيام، والتي
شاركتُ في فاعلياته،ا وكنت أحد أعضاء اللجنة العلمية للمؤتمر، ورغم أن هذه الجلسات
كانت حافلة بعرض الأبحات والحلقات النقاشية والمُداخلات والتعقيبات، فإنه استوقفني
عددٌ من الدراسات المهمة والفارقة، والتي تمس العلاقة الجدلية بين دوائر ثلاث هي الإعلام
والدين والسياسة، أو بعبارة أخرى تلك الدراسات التي تُعنَى بالإسلام السياسي،
وجدلية العلاقة بينه وبين الإعلام ، ونرى أنه من المفيد عرض هذه الدراسات.
أولا: الإعلام وهوية الدولة في خطاب الحركات
الإسلامية
تبلورت المشكلة البحثية لدراسة الباحث محمد رشاد، في
تحديد الأسس الحاكمة للتغطية الصحفية لقضية
"هوية الدولة" في صحف التيار السلفي خلال فترة تعديل الدستور عام 2014،
وذلك برصد وتحليل طُروحات وحجج وتصورات الخطاب الصحفي في تلك الصحف، ودوره في
تكوين مفهوم هوية الدولة لدى الجمهور المصري، خاصة بعد سقوط الإخوان المسلمين، ليبقى
السلفيون اللاعب الرئيس للتيارات الدينية المصرية في الملعب السياسي.
وذهب الباحث إلى أنه من المعروف لدى الخبراء في التيارات
الدينية، أن السلفيين في مصر ليسوا تيارًا واحدًا؛ حيث عرفت مصر ظهور التوجهات
السلفية بالمعنى العام مع بواكير ظاهرة الصحوة الإسلامية في مفتتح القرن الماضي،
غير أن خارطة الاتجاهات السلفية شهدت مع توالي السنين، حالة من التنوع في الأفكار
والرؤى، وبرغم التصاعد السلفي في المجتمعات العربية والإسلامية بشكل عام ـ وفي مصر
بشكل خاص ـ فقد ظلت هذه الخارطة السلفية تتسم بتعقد وتداخل الخيوط إلى الحد الذي
بات معه من الصعوبة بمكان الإحاطة الدقيقة بمكونات الخارطة السلفية على الساحة
المصرية، والوقوف على أفكارها، ورموزها، واتجاهاتها.
ومع هذا الاختلاف في الرؤى السلفية، اتسمت توجهات التيار
السلفي تجاه قضية هوية الدولة بالارتباك والتضارب بعد تظاهرات 30 يونيو/حزيران
2013، وسقوط حكم الإخوان المسلمين من مصر، لينضم إلى الاضطراب والغموض اللذين
يسيطران على الخطاب السلفي منذ ثورة 25 يناير/كانون ثان 2011، من خلال المسوّغات
التي طرحها السلفيون لتبرير المشاركة في العمل السياسي من البداية، ثم القبول
بالتعددية الحزبية مرورًا بالانتخابات، إلى أن وصلت الحال إلى المشاركة في الإطاحة
بالطرف الإسلامي الآخر وهو الإخوان المسلمين، من الحكم والقبول بخارطة المستقبل.
وفي هذا الإطار، تبدو أهمية دراسة وتحليل طبيعة التحولات
التي طرأت على رؤى وتوجهات الخطاب الصحفي لمشكلة هوية الدولة في الشارع المصري، إحدى
القضايا الجدلية في ظل الاختلاف الواضح في الآراء في الشارع المصري بعد ثورة 30
يونيو/حزيران، وانقسام المصريين إلى قسم مُطالِب بالشريعة والشرعية وعودة نظام الإخوان،
أو يتبنّى عودة الدولة الدينية أو التي يسيطر عليها التيارات الدينية، وقسم آخر
تطغى عليه الصبغة المدنية المغلفة بالغطاء العسكري، ويطالب بمدنية الدولة أو عسكرة
الدولة، بل وصل الأمر إلى المناداة بعدم الخلط بين الدين بالسياسة، وبالتالي علمنة
الدولة المصرية في الدستور المصري الجديد 2014.
وعلى الرغم من أن حزب النور الممثل للتيار السلفي في لجنة
الخمسين لصياغة الدستور المصري 2014، أيد بشكل واضح وقاطع الدستور الذي يطغى عليه
الطابع المدني، مؤكدًا أن مجمله يتضمن الحد الكافي لكل غيور على الشريعة والهوية، فإن
التيارات الإسلامية بشكل عام والتيار السلفي، الذي يعارض وجهة النظر السلفية
الرسمية، قد قامت برفض الدستور خاصة بعدما نصّ الدستور على عدم قيام أحزاب على
أساس ديني في المستقبل، وإلغاء المادة 219.
ثانيا: الإعلام والقضايا السياسية في عهد
الإخوان
سعت دراسة الباحث خالد زكي أبو الخير، للتعرف على أطر
المعالجة الصحفية التي وظّفتها صحيفتا "الحرية والعدالة"
و"التحرير" في معالجتهما لأزمة الشرعية السياسية، ومدى تباينها من صحيفة
لأخرى، طبقًا للسياسة التحريرية لكل صحيفة، والتي حكمت توجهها من الأزمة، كما سعت
الدراسة أيضًا لرصد أبرز الإستراتجيات التي استخدمتها الصحيفتان في تأطيرهما
للأزمة ومحددات تشكيلها، وكذلك تحديد أهم المصادر التي اعتمدت عليها الصحف في
تناولها للأزمة، وتحديد الأطراف والشخصيات المحورية البارزة في معالجات صحيفتي
الدراسة للأزمة، إلى جانب استخلاص أوجه الاتساق والاختلاف في معالجات
الصحيفتين للأزمة على اختلاف توجهاتهما.
وخلصت الدراسة إلى أن صحيفة "الحرية والعدالة"
قد انطلقت من موقفها الداعم لشرعية مرسي، وبقاء نظامه في إبراز إطار الإجماع
الهادف إلى إظهار تأييد جموع الشعب المصري لبقاء نظام مرسي، على عكس صحيفة "التحرير"
التي انطلقت من الإطار ذاته لإبراز تأييد الشعب المصري لرحيل النظام، وبينما
استخدمت صحيفة "الحرية والعدالة" إطار الحشد في دعوة المواطنين للنزول،
والمشاركة في المظاهرات الداعمة لشرعية نظام مرسي، اعتمدت صحيفة "التحرير"
على الإطار ذاته في دعوة المصريين للمشاركة في المظاهرات المطالبة برحيل النظام.
وإلى جانب أطر الإجماع والحشد، تشابهت صحيفتا الدراسة في أربعة أطر أخرى، هي إطار
التخوين، إطار بناء التوقعات، إطار إدانة العنف، إطار الصراع السياسي، وإن اختلفت
دلالات توظيف هذه الأطر بين الصحيفتين طبقًا لموقف كلٍ منهما من الأزمة.
وأشارت الدراسة إلى مجموعة من الأطر التي انفردت بها
صحيفة "الحرية والعدالة" وهي: إطار الإشادة بأداء مرسي ونظامه، إطار
التهوين من دعوات العصيان والتمرد، إلى جانب إبراز إطار الانقسام بين صفوف
المعارضين لنظام مرسي. كما انفردت صحيفة "التحرير" بأربعة أطر رئيسة وهي:
إطار الفشل السياسي للنظام، إطار مساندة التيارات المعارضة لمرسي، إطار الهيمنة
والاستبداد السياسي، إطار الاستنفار والكراهية من جماعة الإخوان، وهي في مجملها
تدعم موقف الصحيفة من الأزمة الذي تجلي في المطالبة برحيل نظام مرسي.
كما كشفت نتائج التحليل عن ست إستراتجيات رئيسية برزت في
سياق معالجة الصحيفتين للأزمة، هي: إستراتيجية الهجوم، إستراتيجية التجاهل والإقصاء،
إستراتجية التخويف، إستراتجية التحدي، الإستراتيجية المستقبلية. وتبين من نتائج
التحليل اختلاف توظيف هذه الإستراتجيات طبقًا لموقف كل صحيفة من الأزمة، فيبنما
وظفت صحيفة "الحرية والعدالة" إستراتيجية التخويف في إثارة الخوف من
رحيل نظام مرسي، وظفتها صحيفة "التحرير" في إثارة الخوف من بقاء هذا
النظام. وأظهرت النتائج استناد كل صحيفة إلى المصادر التي تتسق مع موقفها من
الأزمة، وهو ما يؤكد نتيجة مُفادها؛ أحادية الرؤى المطروحة داخل كل صحيفة في سياق
معالجتها للأزمة.
وأوضحت نتائج التحليل أن الأطراف المحورية التي برزت في
سياق معالجات الصحف المدروسة للأزمة هي: مرسي، جماعة الإخوان، الشعب المصري، مؤيدو
مرسي، معارضو الرئيس، الشرطة، الحكومة، القضاة، وسائل الإعلام المؤيدة لسياسات
مرسي، ووسائل الإعلام المعارضة لنظام مرسي، المؤسسة العسكرية، القوى الخارجية،
وقوى أخرى مثل نشطاء الفيس بوك. وقد اختلفت طبيعة التصورات المنسوبة إليهم سلبًا
وإيجابًا بحسب حدود دور كل منهم في الأزمة، ومدى اتساق ذلك مع موقف كل صحيفة من
الأزمة.
إن السياسة
التحريرية لكل صحيفة وموقفها من الأزمة، قد انعكسا بشكل واضح على أطر تناولها
للأزمة، وإستراتيجيات تأطيرها للأزمة، ومصادر المعلومات التي اعتمدت عليها، وطبيعة
التصورات المنسوبة للأطراف المحورية في الأزمة.
وطبقًا لنموذج الإعلام والشرعية السياسية الذي وظفته
الدراسة كإطار تفسيري، تبين أن الصحيفتين لعبتا دورًا في التمهيد لأحداث 30 يونيو/حزيران،
وإن اختلفت الآليات فيما بينهما، فصحيفة "التحرير" لعبت هذا الدور عبر
التأكيد على فشل نظام مرسي في تلبية احتياجات المواطنين، والتأكيد على تأكل شعبيته
في الشارع، والدعوة إلى الثورة على النظام والخلاص منه، ومساندة الحركات الاحتجاجية
المطالبة برحيل النظام. فيما تجلت محددات دور صحيفة "الحرية والعدالة"
في تبنّيها اتجاهًا مغايرًا تمثل في المبالغة الشديدة بأداء نظام مرسي، بشكل حمل
تناقضات بين ماتعكسه الصحيفة في خطابها، والواقع الذي يعيشه المواطن المصري من
أزماتٍ حياتية ومشكلات، وهو ما أسهم طبقًا للنموذج في تعميق الفجوة بين النظام
والمواطنين.
ثالثا: السياسة الخارجية الأمريكية تجاه مصر
في عهدي مرسي ومنصور
رصدت
الدراسة القيِمة للباحثة فاطمة شعبان أبو الحسن (2014) المعالجة الإعلامية للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه مصر قبل 30 يونيو/حزيران (عهد الرئيس السابق محمد
مرسي) وبعده، وذلك بالمقارنة بين قناتي الجزيرة القطرية والحرة الأمريكية.
ولا
تهدف هذه الدراسة إلى بحث السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية في حد
ذاتها، ولكنها تبحث علاقة السياسة الخارجية للدولة بوسائل الاتصال، وعلى وجه
التحديد الكشف عن كيفية قيام تلك الوسائل بتوجيه السياسة الخارجية للولايات
المتحدة تجاه دول الشرق الأوسط خاصة مصر في ضوء الاعتبارات الدولية والضغوط
الداخلية، وتهتم الدراسة بالمعالجة الإعلامية للقضايا السياسية والأمنية المتعلقة
بمصر في كلٍ من قناة الحُرة الأمريكية وقناة الجزيرة القطرية خلال فترتي حكم
الرئيس السابق (المعزول محمد مرسي والرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور)،
وذلك في ضوء الاعتماد على نظرية الأُطر الإخبارية كمدخل نظري للدراسة وأداة تحليل
الخطاب.
وقد
اختارت الباحثة عينة عمدية من قناتي "الحُرة" و"الجزيرة"
تمثلت في برنامج "من واشنطن" "الجزيرة" و"الاتجاهات
الأربعة" "الحُرة" خلال فترتين زمنيتين، تبدأ الأولى من شهر يوليو/تموز
حتى نهاية سبتمبر/أيلول 2012، وتمتد الثانية ما بين شهري يوليو/تموز، وسبتمبر/أيلول
2013.
وخلصت
نتائج الدراسة التحليلية إلى وجود 16 أطروحة متعلقة بالسياسة الخارجية الأمريكية
تجاه مصر في المعالجة الإعلامية للقناتين، حيث شهدت فترة ما بعد 30 يونيو/حزيران
جدلاً واسعًا حول الموقف الأمريكي المضطرب تجاه الأحداث في مصر لدرجة حدوث انقسام
في الإدارة الأمريكية بشقيها التنفيذي (الرئيس باراك أوباما) والتشريعي (الكونجرس)
بخصوص تجميد المساعدات العسكرية للجيش المصري للضغط على مصر لتعديل مسارها
الديمقراطي، وكذلك الطرح بأن الولايات المتحدة تبحث عن مصالحها فقط مصر ويهمها فقط
دعم "الجواد الرابح في مصر"، بالإضافة إلى الاتهام المتبادل بين القوى
السياسية في مصر بأن "الولايات المتحدة تدعم الإخوان المسلمين" و"الولايات
المتحدة تدعم الجيش المصري".
وتبين
أن أطروحة "انفتاح الولايات المتحدة على جميع التيارات الإسلامية" من
أكثر الطروحات، تكرارًا في فترة الرئيس محمد مرسي، ووصول حركات الإسلام السياسي
إلى الحكم في سائر دول الربيع العربي، وحرص الولايات المتحدة على مد جسور التعاون
معها. أما في مرحلة ما بعد مرسي، فكانت أطروحة "ارتباك الموقف الأمريكي تجاه
ما يحصل في مصر" هي الأكثر تكررًا في كلتا القناتين.
وفي
المرتبة الثانية، جاءت أطروحة "قطع المساعدات الأمريكية بسبب انحراف مصر عن
مسارها الديمقراطي"، حيث نوقش هذه الأطروحة بشكلٍ متقارب في قناتي الدراسة
خاصةً بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة، كذلك يُلاحظ أن قناة "الجزيرة" قد
ركزت على طُروحات لم تركز عليها قناة "الحُرة" أو تناولتها بشكلٍ ضعيف
ومنها "تراجع النفوذ الأمريكي في مصر" و"تحاشي أمريكا وصف ما حدث
في مصر بالانقلاب"، "الدعم الأمريكي للجيش المصري"، كذلك تناولت
قناة "الحُرة" عددًا من الطُروحات التي لم تظهر في قناة
"الجزيرة" منها: "الضغط الأمريكي من أجل المصالحة السياسية مع
الإخوان المسلمين" و"الولايات المتحدة تبحث عن مصالحها في مصر"
و"دعم الولايات المتحدة للإخوان المسلمين".
اتضح
من الدراسة أن "إطار الفشل" من أكثر الأُطر التي تم استخدامها في تقديم
المواقف الرسمية للإدارة الأمريكية تجاه القضايا السياسية والأمنية المتعلقة بمصر
خلال فترتي الدراسة، وكانت من أكثر الطروحات التي استخدمت "إطار الفشل"
أٌطروحة "ارتباك
الموقف الأمريكي تجاه ما يحصل في مصر" وأُطروحة "تراجع
النفوذ الأمريكي في مصر"، يليه "إطار التعاون"، ومن الطُروحات
التي استخدمت هذا الإطار أُطروحة "انفتاح الولايات المتحدة على جميع
التيارات الإسلامية" وأُطروحة "الولايات المتحدة تدعم الجيش المصري" وأُطروحة "الولايات
المتحدة تدعم الإخوان المسلمين"، ثم جاء في المرتبة الثالثة إطارا الصراع والمسئولية، ومن أكثر الطُروحات
التي استخدمت إطار الصراع كل من أُطروحة "اضطراب العلاقات المصرية
الأمريكية" وأُطروحة "ارتباك الموقف الأمريكي تجاه ما يحصل
في مصر"، وأُطروحة "دعم
الولايات المتحدة للإخوان المسلمين"، أما "إطار المسئولية" فقد
كانت من أكثر الطُروحات التي استخدمت هذا الإطار أُطروحة "الولايات المتحدة
تبحث عن مصالحها في مصر"، وأُطروحة "قطع المساعدات الأمريكية بسبب انحراف مصر عن
مسارها الديمقراطي" وأُطروحة "الضغط الأمريكي من أجل المصالحة السياسية مع
الإخوان المسلمين".
وسعت
الورقة البحثية للباحثتين سارة سعيد المغربي وياسمين محمد أبو العلا (2014) إلى
الكشف عن معالجة الصحافة الإسرائيلية المتمثلة في "جيروزاليم
بوست" والصحافة الأمريكية المتمثلة في "نيويورك تايمز" للتغيير الذي
شهدته مصر في عام 2011 ، بعد إسقاط نظام مبارك، وفي عام 2012 بعد فوز محمد مرسى،
مرشح جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات الرئاسية، وفي عام 2013 بعد عزل محمد
مرسي، والمقارنة بين معالجة الصحيفتين لهذه التغيرات. واعتمدت الدراسة على تحليل
المضمون بشقيه الكمي والكيفي، كما
وظفت الدراسة مدخل التحليل الثقافي، وذلك للربط بين المضمون المقدم عن التغيير في
مصر وكل من الواقع الثقافي، السياسي والاجتماعي الذي
تعمل فيه صحف الدراسة.
وخلصت
نتائج الدراسة إلى اختلاف اتجاه الصحيفتين الإسرائيلية والأمريكية نحو التغيير في
مصر خلال فترات الدراسة الثلاث، فعلى مستوى الصحيفة الإسرائيلية غلب الاتجاه
المعارض في كل الفترات، حيث عارضت الجريدة في 2011 بشكل كبير سقوط نظام مبارك،
وعكست الموضوعات الخوف من طبيعة النظام الجديد والسياسات التي سينتهجها مع
إسرائيل. أما في 2012، فاعتبرت فوز محمد مرسي كارثة إستراتيجية، وقدمت عددًا من
الموضوعات التي تعكس تهديدًا باحتمال عودة القوات الإسرائيلية لاحتلال سيناء. وفي
2013، عكست موضوعات الجريدة قلق إسرائيل بسبب الغموض من مستقبل الحكم في مصر، وعدم
إمكانية توقعه.
أما
الصحيفة الأمريكية، فكشفت النتائج أن أكبر نسبة تأييد للتغيير في مصر كانت في عام
2011، حيث أشادت الجريدة بالثورة المصرية وإرادة الشعب المصري، وتوقعت مستقبلاً
إيجابيًّا في مصر، والسعي لتحقيق الديمقراطية، أما أكبر نسبة معارضة فكانت في
2013، حيث عارضت الموضوعات المقدمة في الجريدة التغيير الذي حدث في مصر، والذي
وصفته بأنه انقلاب على الشرعية. وفي 2012، تقاربت الاتجاهات المؤيدة والمعارضة في
الصحيفة الأمريكية بشكل كبير، حيث قدمت موضوعات تعكس التفاؤل من فوز محمد مرسي، وما
يمثله من نجاح للمسار الديمقراطي في مصر، وفي الوقت نفسه، تناولت موضوعات أخرى بعض
المخاوف من أسلمة مصر والصراعات التي ستشهدها البلاد بين مؤيدي مرسي وبين معارضيه.
رابعا: قضايا حقوق الإنسان
1-
قضايا حقوق
الإنسان في صحف التيارات الدينية خلال المرحلة الانتقالية:
استهدفت
دراسة كاشفة للباحثة باكينام غراب، تحديد وتأصيل وتحليل التأثيرات المتبادلة بين
الخطاب الفكرى والأيديولوجي للتيارات الدينية، وصحف هذه التيارات وموقفها من قضايا
حقوق الإنسان خلال المرحلة الانتقالية في مصر. وقد اعتمدت الدراسة على مدخل
التحليل الثقافي للتعرف على العوامل المركبة والمتداخلة الحاكمة لإنتاج النص
الصحفي العاكس لقضايا الدراسة، كما اعتمدت الدراسة على أداة تحليل الخطاب، وأجريت
الدراسة على عينة من صحف "عقيدتي"" و"الحرية والعدالة"
و"الرحمة" و"وطني"لأنها تمثل تيارات دينية مختلفة؛ فالأولى
تمثل الاتجاه الديني الوسطى للمؤسسة الدينية الرسمية، والثانية تعبر عن فكر
"جماعة الإخوان المسلمين"، والثالثة تعبر عن التيار السلفي، أما الأخيرة
تعبر عن موقف الجماعة الوطنية المسيحية تجاه قضايا الشأن العام. وأُجريت الدراسة
في الفترة من مايو/آيار 2013 وحتى نهاية أغسطس/آب من العام نفسه.
وقد
توصلت الدراسة التحليلية إلى عدد من النتائج أهمها سلبية تناول صحف الدراسة لقضايا
حقوق الإنسان، حيث ارتبط خطاب صحف الدراسة عن هذه القضايا بالأحداث الجارية خلال
فترة الدراسة، ولم يهتم الخطاب الصحفي بتأصيل وتعميق مبادئ حقوق الإنسان.
وقد
تصدرت الحقوق الشخصية قائمة أولويات قضايا حقوق الإنسان التي عالجتها صحيفة
"الحرية والعدالة"، في مقابل تصدر الحقوق المدنية والسياسية سائر صحف
الدراسة.
وتبين
من خلال رصد الطُروحات المركزية للخطاب الصحفي، أن خطاب صحيفة "الحرية
والعدالة" أكد ضرورة احترام التيارات العلمانية والليبرالية لنتائج
الانتخابات، وشرعية الرئيس مرسي وحق الشعب في تقرير هويته ومرجعيته ومصيره
السياسي، في حين ركز خطاب صحيفة "الرحمة" على أن عدم التزام وسائل
الإعلام بالدور المهني لها كان من أهم عوامل إشاعة الفوضى وعدم الاستقرار في
المجتمع، وذلك من خلال إشاعة مُناخ التشكيك والتخوين، بينما ركز خطاب
"عقيدتي" على حق الشعب في المطالبة بمطالب ثورة يناير التي لم تتحقق،
وأخيرًا وجهت "وطني" معالجتها للخطاب نحو التمييز الذي يتعرض له
الأقباط.
2- حقوق المرأة السياسية المهدَرة في حكم الإخوان المسلمين
استهدفت
دراسة مهمة للباحثة أسماء أحمد أبو زيد تحليل وتفسير الدور
الذي تضطلع به المجلات النسائية المصرية تجاه الحقوق السياسية للمرأة، والعوامل
والمتغيرات المؤثرة في إنتاج الخطاب الصحفي من خلال دراسة تحليلية لخطاب مجلتي
"حواء" و"نصف النيا" خلال الفترة من أول يونيو/ 2013 حتى
فبراير/شباط 2014، وقد وظفت الدراسة في سبيل ذلك مدخلي تحليل النُظم والتحليل
الثقافي.
ومن
خلال الدراسة التحليلية ، تبين أن خطاب المجلتين ركز على خمس طُروحات رئيسة، وذلك
على النحو التالي:
الأُطروحة
الأُولى: نزع
الحقوق السياسية للمرأة المصرية وإهدار كرامتها على يد "جماعة الإخوان
المسلمين"، واختزال دور المرأة في الانتخابات كقوة تصويتية.
ووظفت
مجلتا الدراسة آلية الكشف والتنوير بشأن هذه الأُطروحة، حيث كشفت المجلتان عن دور
"جماعة الإخوان المسلمين" في الرجوع بمكاسب المرأة السياسية إلى الوراء
لعقودٍ طويلة. ودمجت مجلة "حواء بين استمالات التأثير العقلانية كالاستشهاد
بالمعلومات والأحداث الواقعية ، والاستمالات العاطفية باستخدام الألفاظ والشعارات،
في حين ركزت مجلة "نصف الدنيا" على الاستمالات العاطفية بالاعتماد على
الاستعارة والأساليب اللغوية مثل: "المرأة تحرث في البحر في عهد
الإخوان".
وقد
لجأت المجلتان للاستمالات العقلانية للتأكيد على سلب الحقوق
السياسية للمرأة في عهد جماعة الإخوان، في حين لجأت للاستمالات العاطفية لتنمية
الشعور بالسَخط والكراهية لدى المرأة تجاه جماعة الإخوان كجماعة مناهضة لحقوق
المرأة
الأُطروحة
الثانية: مشاركة
المرأة في ثورة 30 يونيو/حزيران.
حيث
قامت مجلتا الدراسة بتوظف الاستمالات العقلانية لإقناع المجتمع المصري بأهمية دور
المرأة في ثورة 30 يونيو/حزيران، كما وظفت المجلتان آلية الحشد والتعبئة لنزول
المرأة إلى ميادين مصر ضد النظام الإخواني، كما قدت المجلتان أدلةً وشواهدَ على
العنف المضاعف الذي تتعرض له المرأة أثناء مشاركتها في المظاهرات.
الأُطروحة
الثالثة: أهمية مشاركة المرأة في المرحلة الانتقالية بعد
ثورة 30 يونيو/حزيران.
ولم
تُوفق مجلتا الدراسة في الدمج بين ترتيب الحُجج الإقناعية لإبراز أهمية مشاركة
المرأة المصرية في المرحلة الانتقالية، واستخدام الاستمالات العاطفية التي تقوم
على المبالغة والتهويل.
الأُطروحة
الرابعة: وفيما يتعلق بالأطروحة الرابعة المتعلقة بوضع المرأة في دستور 2013، فقد اتجهت مجلتا حواء ونصف الدنيا إلى تقديم أدلة وشواهد تبرز أهمية دور المرأة في المرحلة المقبلة من خلال الاعتماد على استمالات التأثير العقلانية بتقديم الآرقام والإحصائيات. ولم يكتف خطاب المجلتين برصد انتهاكات حقوق النساء بل قدم مقترحات لتمكين النساء من حقوقهم السياسية. ووظفت المجلتان في البداية آلية الكشف والتنوير من خلال التوعية بالحقوق السياسية للمرأة، ثم آلية الحشد والتعبئة للتصويت بــ
"نعم" على الدستور.
الأُطروحة
الخامسة: تقديم نماذج نسائية ناضلت من أجل الحقوق السياسية
للمرأة.
قامت
المجلتان بتقديم أدلةٍ وشواهد على نجاح القيادات النسائية في المجتمع، وتسليط
الضوء على سيرة النساء المصريات اللاتي شاركن في الحياة العامة، وقدمن النموذج
والقدوة للمرأة الواعية والمثقفة.