المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د‏.‏ محمد السعيد إدريس
د‏.‏ محمد السعيد إدريس

عقيدة أوباما الشرق أوسطية

الثلاثاء 14/أبريل/2015 - 12:25 م

كثيرون يعتقدون أن إيران استطاعت أن تحقق انتصاراً كبيراً بنجاحها في التوقيع علي «اتفاق إطاري» لحل أزمة برنامجها النووي. وهذا اعتقاد حقيقي وصحيح، لأن إيران بصمودها وتماسكها الوطني (القيادة والشعب) والتفوق في القدرات العلمية والتكنولوجية النووية والعسكرية أجبرت الدول الست الكبري في العالم أن تتراجع عن مواقفها السابقة الرافضة لتمكينها من امتلاك برنامج نووي سلمي، والرافضة بالذات لحق إيران في تخصيب اليورانيوم داخل أراضيها.

فبعد سنوات طويلة من التفاوض الشاق اختطفت إيران انتصارها المزدوج، فقد استطاعت أن تخرج باتفاق يحفظ لها برنامجها وحقوقها النووية السلمية كاملة بما فيها عدم توقف عمل أجهزة الطرد المركزي التي تقوم بتخصيب اليورانيوم داخل الأراضي الإيرانية، وأن تحفظ كل منشآتها النووية دون أي إغلاق أو تدمير مقابل أن تقر بكل الشروط الدولية التي تؤمن سلمية قدراتها النووية، كما استطاعت أن تحصل علي موافقة المجتمع الدولي برفع كل العقوبات المفروضة عليها بسبب أزمة برنامجها النووي. كما استطاعت الاحتفاظ بقدراتها العسكرية وعلي الأخص قدراتها الصاروخية، التي كانت إسرائيل وأطراف داعمة لها تطالب بإدخالها ضمن التفاوض علي البرنامج النووي الإيراني.

رغم كل هذه الانتصارات والنجاحات وما سوف يترتب عليها، وبالذات ما سوف يترتب علي رفع العقوبات الاقتصادية وخاصة العقوبات المفروضة علي تصدير النفط، وما يعنيه ذلك من توفير قدرات هائلة للاقتصاد الإيراني، فإن الانتصار الأهم الذي حققته إيران هو دفع الولايات المتحدة إلي تعديل إستراتيجيتها الإقليمية في الشرق الأوسط وبالتحديد إستراتيجية التعامل مع الدول العربية الخليجية، وهو تعديل أقرب إلي الانقلاب في الإستراتيجية الأمريكية بالشرق الأوسط.

ففي حواره الذي أجراه مع الصحفي الأمريكي البارز توماس فريدمان يوم السبت (4/4/2015) ونشرته صحيفة نيويورك تايمز استبعد الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن تكون إيران مصدراً للتهديد بالنسبة للسعودية والدول العربية الخليجية الأخري. وقال إنه يعتقد أن «أكبر التهديدات التي يواجهها حلفاء واشنطن من «العرب السنة» قد لا تكون من جهة إيران وإنما من الاستياء داخل بلدانهم». وأوضح أوباما أن «هذه الدول لديها بعض التهديدات الخارجية الحقيقة للغاية ولكن لديها أيضاً بعض التهديدات الداخلية». فسر أوباما هذه التهديدات الداخلية التي يراها التهديدات الأهم بـ : «السكان الذين يكونون في بعض الأحيان منعزلين، والشباب الذين يساء استغلال مهاراتهم (العاطلون)، وأيديولوجيا مدمرة ومهلكة (التشدد)، وفي بعض الأحيان مجرد الاعتقاد بأنه لا توجد مخارج سياسية مشروعة للمظالم».

أوباما كشف في حواره مع فريدمان أنه سوف يجري مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي قريباً حواراً في كامب ديفيد بالولايات المتحدة وصفه بأنه «سيكون حواراً صعباً» يتمحور حول الوصول إلي إجابات لأسئلة شديدة الأهمية من نوع «كيف يمكننا أن نبني قدراتكم الدفاعية ضد التهديدات الخارجية، ولكن أيضاً كيف يمكننا أن نعزز الجسد السياسي في هذه البلدان، بحيث يشعر الشباب السُنة أن لديهم أشياء أخري غير «داعش» للاختيار من بينها». ولخص مضمون هذا الحوار المنتظر مع قادة دول الخليج «سوف يتمحور أولاً وقبل كل شئ في: كيف يبنون قدرات دفاعية أكثر فعالية، مع ضرورة الإدراك بأن أكبر التهديدات التي يواجهونها قد لا تكون قادمة من غزو إيراني، بل سيكون مصدرها الاستياء من داخل بلدانهم».

مفاهيم غريبة وجديدة: «العرب السُنة» و«الشباب السُنة» يريد أوباما أن يفرضها علينا في تحدٍ سافر لما نعتقده أهم مرتكزات حضارتنا: «العروبة والإسلام» خالصة من كل تقسيمات مذهبية وطائفية وعرقية.

هذه هي «عقيدة أوباما» أو «مبدأ أوباما» الجديد الذي يحدد معالم الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط. وهي عقيدة تنبع من ضرورة تقسيم العرب إلي «سُنة وشيعة» كما تنبع من قناعة بأن «الاتفاق النووي هو أفضل رهان للولايات المتحدة لأنه سيجعل إيران لا تمتلك السلاح النووي».

هذه العقيدة تنبع أيضاً من قناعة تقول إن التهديدات الحقيقية التي تواجه الدول العربية، وخاصة الخليجية منها، هي بالأساس تهديدات داخلية» ترجع إلي خصوصية البناء الاجتماعي- السياسي لهذه الدول» دون اعتبار للتهديدات الخارجية، ومن ثم فإن مواجهة هذه التهديدات الداخلية يجب أن تكون جوهر أي إستراتيجية لتحقيق الأمن. وإذا كان أوباما قد أعفي إيران من كونها مصدرا أساسيا لتهديد أمن الدول الخليجية، فإنه قد سبق وأعفي إسرائيل أيضاً من أي مسئولية لتهديد الأمن والاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط، واعتبر أن الأمريكيين والغرب كانوا واهمين عندما اعتبروا أن إسرائيل سبب رئيسي لعدم الاستقرار نتيجة لسياستها الخاطئة نحو القضية الفلسطينية، لكنه اكتشف أن مصادر تهديد أمن الدول العربية هي بالأساس أسباب داخلية.

كما أن هذه العقيدة ترتكز علي مفهوم أحادية المسئولية الأمريكية في التصدي للتهديدات الخارجية التي تواجه الدول الخليجية. فقد كشف أوباما أنه في لقائه المنتظر مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي» سوف يبحث في كيفية بناء قدرات دفاعية أكثر كفاءة وطمأنتهم علي دعم الولايات المتحدة لهم في مواجهة أي هجوم من الخارج، ولعل هذا يخفف بعض من مخاوفهم، ويسمح لهم بإجراء حوار مثمر بشكل أكبر مع الإيرانيين»، هذا يعني أنه لا يعتبر أن إيران لم تعد تُمثل أحد مصادر التهديد الخارجي التي سوف يتصدي لها أوباما دعماً للحلفاء الخليجيين. كما أنه، وبالبديهي، يستبعد وضع إسرائيل في أي مواجهة مع هذه الدول حيث اعتبر أن «أي إضعاف لإسرائيل خلال عهده أو بسببه سيشكل فشلاً جذرياً لرئاسته».

الآن، لم تعد إيران ينظر إليها كعدو من جانب الأمريكيين بل هي تتحول تدريجياً إلي حليف جديد إلي جانب الحلفاء التقليديين لواشنطن وفي مقدمتهم إسرائيل وتركيا، وما يخطط له الرئيس أوباما هو أن ينكفء العرب علي أزماتهم الداخلية وفي مقدمتها الحرب علي الإرهاب، وأن يكفوا عن الاهتمام بما يحدث خارج بلادهم لا في العراق ولا في سوريا ولا في لبنان ولا في ليبيا ولا في اليمن، فهذه مسئولية الولايات المتحدة وحلفاءها القدامي «إسرائيل وتركيا» وحليفها الجديد «إيران» باعتبار أن الدول الثلاث قوي إقليمية معترف بها أمريكياً وعالمياً، أما العرب سواء كانوا في الخليج أو في مصر أو في المشرق أو في المغرب فهم ساحة تنافس علي المصالح والنفوذ بين هذه القوي الإقليمية الثلاث تحت الرعاية والإشراف الأمريكي.

قد تكون هذه هي أبرز وأخطر معالم الشرق الأوسط الجديد، وأبرز معالم خرائط تحالفاته، وعلي دول الخليج أن تحدد مواقفها قبل أن تذهب للحوار مع أوباما، وعليها أن تتحاور أولاً مع شركائها العرب وفي مقدمتهم مصر التي يبدو أن أوباما يخطط لعزلها وإبعادها عن دول الخليج ومنع عودتها كقوة إقليمية قائدة في عالمها العربي ومنافسة في نظام الشرق الأوسط الجديد، الذي يقدر له أن يستوعب النظام العربي داخله، وهذه هي «عقيدة أوباما الشرق أوسطية الجديدة». فكيف سيكون الرد العربي وليس فقط الرد الخليجي علي مقصلة أوباما لنظامنا العربي ووطننا العربي الذي حولناه نحن باستهتارنا إلي مجرد «منطقة» منزوعة الهوية والتاريخ والحضارة.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟