بمناسبة مرور ثلاثين عاما على إصدار التقرير الاستراتيجى العربى أكتب هذا المقال بمناسبة احتفال مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الذى يديره حاليا أحد أبناء المركز المرموقين وهو الأستاذ «ضياء رشوان» وذلك بمناسبة مرور ثلاثين عاما على إصدار التقرير الاستراتيجى العربى الذى أسسته عام 1986.
ثلاثون عاما على إصدار التقرير الاستراتيجى العربى
بمناسبة مرور ثلاثين عاما على إصدار التقرير الاستراتيجى العربى أكتب هذا المقال بمناسبة احتفال مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الذى يديره حاليا أحد أبناء المركز المرموقين وهو الأستاذ «ضياء رشوان» وذلك بمناسبة مرور ثلاثين عاما على إصدار التقرير الاستراتيجى العربى الذى أسسته عام 1986.
وليس هناك من شك فى أن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الذى أسسه الأستاذ «محمد حسنين هيكل» عام 1968 هو رائد المراكز الاستراتيجية فى الوطن العربى. فلأول مرة فى تاريخ المراكز البحثية يتخصص مركز عربى فى الدراسات الاستراتيجية، فى وقت لم تكن هذه الدراسات تمارس بحثا وتنظيرا إلا عرضا وفى إطار بحوث العلوم السياسية التى كانت تجرى بطريقة تقليدية.
ويمكن القول بدون مبالغة أن نقطة الانقطاع الحاسمة فى تاريخ مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية وفى تاريخى العلمى الشخصى كانت فى أغسطس عام 1975 حين عينت مديرا للمركز، وتفرغت بالكامل لإعادة تأسيسه وفق فلسفة جديدة، واستنادا إلى خبرة طويلة فى تخطيط وتنفيذ البحوث العلمية.
وأجرى المركز عشرات البحوث المتنوعة، فى إطار الدوائر الثلاث التى وضعتها لنشاطه العلمى: الدائرة العالمية، والدائرة الإقليمية، والدائرة المصرية.
وبناء على حصيلة الخبرات المتراكمة فى مجال القيام بالدراسات الاستراتيجية المتنوعة، وبعد اكتمال صفوف الخبراء والباحثين فى المركز، كان الوقت قد حان لإصدار التقرير الاستراتيجى العربى، الذى اتخذ قرار إصداره عام 1985. وكان دافعى لطرح الفكرة على مجلس الخبراء الذى أمضى ستة أشهر كاملة فى التخطيط للتقرير والاستقرار فى النهاية على الإطار الأساسى الذى تطور بعد ذلك، هو إحساسى بضرورة أن نطرح على العالم رؤية استراتيجية عربية من منظور قومى، لا تقل فى التزامها بالمعايير الأكاديمية، عن أى تقرير استراتيجى عالمى، وربما تفوقها من زاوية التحليل النقدى.
وهكذا صدر التقرير الاستراتيجى العربى الأول عام 1986 لتغطية أحداث عام 1985، متضمنا ثلاثة أقسام: النظام الدولى والنظام الإقليمى العربى، والنظام المصرى، وقد قمت برئاسة تحرير هذا التقرير لتسع سنوات كاملة من عام 1985 حتى عام 1994. وخلفنى فى رئاسة تحرير التقرير عدد من خبراء المركز المرموقين، وصدر التقرير الأخير برئاسة الدكتور «عمرو هاشم ربيع» ومدير التحرير هو الدكتور «محمد عز العرب» وهما يمثلان الأجيال الجديدة من أبناء مركز الأهرام العتيد.
لقد كان إصدار هذا التقرير هو الخطوة الأولى من مخطط متكامل لتأسيس الخطاب الاستراتيجى العربى. وكانت الخطوة التالية هى تأسيس ما أطلقنا عليه «المؤتمر الاستراتيجى العربى» بناء على اتفاق تعاون علمى بين مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ومركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية.
وأصدر المركز ــ فى إطار تجديده المستمر لإصداراته ــ مطبوعة علمية ربع سنوية باسم«كراسات استراتيجية» تتناول بالتحليل القضايا الاستراتيجية الساخنة. وفى إطار التطوير الخلاق النشاطات العلمية يصدر المركز الآن خمس إصدارات متميزة هى«الملف المصرى» و«مختارات إسرائيلية» و«مختارات إيرانية» و«أحوال مصرية»و«بدائل».
ومما لا شك فيه أن «التقرير الاستراتيجى العربى» الذى صدر عام 1986 يعد أبرز إصدار أصدره المركز حتى الآن، لأنه أصبح علامة على المركز ومرجعا عالميا معترفا به. وقد وضعت تقليدا له باعتبارى مشرفا عليه ورئيسا لتحريره، وهو أن أصدر كل عدد«بمقدمة تحليلية» تتناول بالتحليل والمناقشة قضية استراتيجية هامة. وكان من المنطقى أن أبدا أول عدد بدراسة موضوعها: «نحو رؤية عربية للدراسات الاستراتيجية» حاولت فيها ـ بعد أن قدمت تعريفا واسعا للاستراتيجية يشمل الجوانب العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ـ أن أطرح قضية ضرورة «صياغة رؤية عربية للاستراتيجية». ثم تتالت المقدمات التحليلية بعد ذلك وآخرها فى العدد الثلاثين الذى صدر مؤخرا بعنوان «التحولات الثقافية فى عصر العولمة». ويمكن القول أن «التقرير الاستراتيجى العربى» والذى كان يناقش سنويا فى ندوة علمية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية اقترحها وأشرف على تنفيذها سنوات طويلة الدكتور «علىّ الدين هلال» أصبح مدرسة علمية متكاملة تخرج منها عشرات الباحثين المصريين والعرب.
وقد توالى على رئاسة تحريره خبراء متعددون مرموقون. وها هو العدد الثلاثون الذى صدر أخيرا يؤكد أن سياستنا فى تمكين شباب الباحثين العلميين التى بدأناها عام 1975 قد أتت ثمارها وأنجبت مجموعات متعددة من أنبغ الخبراء المصريين الاستراتيجيين.
ولو ألقينا نظرة سريعة على محتويات التقرير الاستراتيجى العربى (2013-2014)الذى صدر مؤخرا لوجدناها ـ طبقا لمنهجية التقرير التى استقرت منذ صدوره ـ تنقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية هى التفاعلات الدولية والنظام العربى والإقليمى والأوضاع فى جمهورية مصر العربية.
وفى دائرة التفاعلات الدولية تقارير متميزة عن أهم التحولات العالمية وأبرزها الصعود الأوارسى، والمسار المرتبك لتوجهات السياسة الخارجية الأمريكية، واختلال التوازن فى السياسة الروسية لصالح التوجه شرقا، وفاعلية الحكومة الصينية فى مواجهة التحديات الداخلية والأزمات الدولية، وآليات مؤسسية جديدة لسياسات قديمة فى أمريكا الجنوبية، وأداء الاقتصاد العالمى فى تحقيق النمو الاحتوائى.
أما دائرة النظام العربى والإقليمى فتتضمن تقارير عميقة عن سبعة موضوعات هى تحولات النظام الإقليمى العربى بعد الثورات، ومعضلات الدولة الوطنية العربية، واتجاهات التحالفات العربية العربية، واتجاهات التحالفات العربية ـ الإقليمية، وإسرائيل والقضية الفلسطينية، والاقتصادات العربية، وأخيرا الظواهر الإقليمية الجديدة وأخيرا نجد فى دائرة جمهورية مصر العربية رصدا نقديا عميقا للمشهد السياسى والاجتماعى والثقافى فى مصر.
وأبرز ملامح هذا المشهد هو إعادة هيكلة مؤسسة الرئاسة، وإشكالية تنظيم العملية الانتخابية لمجلس النواب، والضعف المؤسسى للأحزاب السياسية، وانفراط عقد الحركات الثورية من تحالف 30 يونيو، وتحديات عمل مؤسسات المجتمع المدنى، وآليات ضبط الأداء والخطاب الإعلامى.
أهنئ مركز الأهرام بالعيد الثلاثين للتقرير الاستراتيجى، وأرجو لفريق العمل بقيادة الأستاذ «ضياء رشوان» مدير المركز والذى أصبح يضم نجوما لامعة من الأجيال الجديدة دوام التوفيق.