خيارات العرب البديلة فى مؤتمر حظر السلاح النووى
شاركت مصر والدول العربية الأخري في مؤتمر المراجعة الدوري لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية الذي بدأ أعماله في نيويورك يوم الاثنين 27 أبريل الماضي ويستمر حتي يوم 22 مايو الحالىشاركت مصر والدول العربية الأخري في مؤتمر المراجعة الدوري لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية الذي بدأ أعماله في نيويورك يوم الاثنين 27 أبريل الماضي ويستمر حتي يوم 22 مايو الحالى.
وهي مدركة للواقع المأزوم الذي يواجه القضيتين الرئيسيتين اللتين تهمان كل الدول العربية. القضية الأولي هي الرفض الإسرائيلي المدعوم أمريكياً لدعوة ضرورة توقيع إسرائيل علي معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية التي بلغ عدد الدول الموقعة عليها حتي الآن 190 دولة والالتزام بكل الضوابط والقواعد المفروضة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية وفي مقدمتها فتح كل المنشآت النووية الإسرائيلية أمام مفتشي الوكالة. أما القضية الثانية فهي قضية رفض إسرائيل مدعومة أمريكياً أيضاً لدعوة عقد مؤتمر دولي لجعل إقليم الشرق الأوسط خالياً من كل أسلحة الدمار الشامل.
الدول العربية، ومصر في مقدمتها، تدرك ذلك بل وتعرف عن يقين أن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية منذ نهاية عقد الستينيات وأنها لن تتخلي نهائياً عن هذا السلاح، ليس هذا فقط، بل أنها لن تسمح لأي دولة عربية بأن تمتلك التكنولوجيا النووية المتقدمة حتي ولو التزم هذا الكيان الصهيوني بعدم امتلاك أسلحة نووية وقبلت بالخضوع الكامل لكل مطالب وترتيبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تضمن سلمية برنامجها النووي.
إذا كان الأمر كذلك فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو: لماذا ذهبت مصر والدول العربية للمشاركة في أعمال مؤتمر مراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية؟ هل عندها مشروع مدروس وخطة جماعية متفق عليها بشأن تحقيق نجاحات في هذه الدورة بخصوص إجبار إسرائيل علي التوقيع علي معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية والخضوع لكل الضمانات والترتيبات المفروضة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبخصوص اتخاذ إجراءات تنفيذية وفق آليات واضحة ومحددة لعقد المؤتمر الدولي الذي رفضته إسرائيل وأفشلته الولايات المتحدة عام 2012 والذي كان سيعقد في هلسنكي بهدف جعل الشرق الأوسط خالياً من أسلحة الدمار الشامل.
حتي الآن ورغم مرور أكثر من أسبوعين علي بداية انعقاد هذه الدورة لمؤتمر المراجعة لم يتبين أي موقف أو تحرك عربي جماعي أو تنسيق مع مجموعة دول عدم الانحياز بخصوص أي خطة أو مشروع مبتغي من هذه الدورة، لكن ما حدث بالفعل حتي الآن هو إعلان مواقف نقدية للواقع المأزوم الذي يواجه مستقبل معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
هذه الانتقادات والمواقف، رغم أهميتها، لن تشكل قوة ضغط علي المؤتمر في ظل ثقة إسرائيل بأن هذا المؤتمر لن يصل إلي شيء وأنها في مأمن كامل من أية ضغوط ولعل هذا ما شجعها علي أن تحضر وللمرة الأولي مؤتمر المراجعة هذه المرة بصفة «مراقب» علي نحو ما كشف يوسي ميلمان في صحيفة «معارف» الإسرائيلية عندما قدم خلاصة تحليله للموقف بقوله «من الواضح أنه لن تحدث معجزة في الشرق الأوسط، ولن يكون خالياً من السلاح النووي.. هذا لن يحدث هذا الشهر وليس في المستقبل المنظور أيضاً». ميلمان حرص علي أن يستعرض قدرات المراوغة الإسرائيلية في إفشال الجهود العربية الرامية إلي جعل الشرق الأوسط إقليماً خالياً من أسلحة الدمار الشامل. فقد كتب يقول إن «الموقف الإسرائيلي كان ومازال مثل السؤال حول البيضة والدجاجة أيهما قبل الآخر. تقول إسرائيل أنه قبل أي انعقاد لمؤتمر تفريغ الشرق الأوسط من السلاح النووي فعلي كل دول المنطقة الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، والتوقيع علي اتفاقيات سلام معها بما في ذلك ترتيبات أمنية وإقامة علاقات دبلوماسية.. عندها فقط يبدأ الحوار حول إنشاء منطقة منزوعة من أسلحة الدمار الشامل».
ثقة الإسرائيليين في أن المؤتمر المنعقد في نيويورك الآن لن يحقق أية نتائج ليست نابعة فقط من الدعم الأمريكي المطلق للموقف الإسرائيلي، أو من الحديث عن «صفقة أمريكية- إسرائيلية- إيرانية» تقايض «الاتفاق النووي مع إيران بالقدرات النووية العسكرية الإسرائيلية»، أي أن تغض إسرائيل الطرف عن الاتفاق النووي مع إيران في مقابل عدم فتح ملف تسلحها النووي، لكن هناك أيضاً قراءة إسرائيلية للواقع العربي البائس الآن كونه لا يشكل مصدر قوة تجبر إسرائيل علي الخضوع للمطالب العربية بخصوص قدراتها النووية العسكرية وفي مقدمة هذا الواقع البائس الإرهاب الإسلامي التكفيري، وذلك الشرخ الذي يزداد عمقاً واتساعاً بين ما يروج له الإعلام الإسرائيلي والأمريكي من «عرب سنة» و«عرب شيعة»، وظهور إيران كقوة إقليمية أضحت مصدراً للتهديد بالنسبة لدول عربية سُنية كثيرة لدرجة أن إسرائيل باتت مقتنعة بأن بعض الدول العربية أصبحت قلقة من طموحات التوسع الإيراني أكثر من قلقها وخوفها من احتكار إسرائيل للسلاح النووي.
إذا كان هذا هو الإدراك الإسرائيلي للواقع العربي والإقليمي فإن توقعات الأمين العام للأمم المتحدة من مؤتمر نيويورك للمراجعة لم تكن أقل مأساوية، فهو من ناحية لم يكن لديه الحماس الكافي ليلقي كلمته في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر بنفسه بل ترك الأمر لأحد مساعديه رغم انعقاد الجلسة في مقر الأمم المتحدة، لكن الأهم أنه آثر أن يتحدث في العموميات وأن يبتعد عن تعقيدات الأمر في الشرق الأوسط، ولم يقل كلمة واحدة عن كيفية جعل الشرق الأوسط خالياً من أسلحة الدمار الشامل. وقبل الأمين العام كان موقف أعضاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذين رفضوا مشروع قرار تقدمت به المجموعة العربية في سبتمبر 2014 يدعو إسرائيل إلي الانضمام إلي معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
كل هذه المعلومات تعرفها وتحفظها عن ظهر قلب كل الوفود العربية الموجودة الآن في نيويورك ضمن المشاركة في مؤتمر مراجعة حظر انتشار الأسلحة النووية، لكن لا أحد يقدم لنا إجابة عن لماذا ذهبت وهي تدرك مسبقاً فشل المسعي الذي تريده علي نحو ما حدث في الدورات السابقة. وربما يسأل البعض: هل لدينا خيارات بديلة؟
الحقيقة تقول: نعم لدينا خيارات بديلة، لكن المهم أن تكون لدينا الإرادة السياسية اللازمة لإنجاح هذه الخيارات. فالدول العربية تستطيع الانسحاب الجماعي من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وهذا حق مكفول لها طبقاً لنصوص المعاهدة. والدول العربية تستطيع تجميد مشاركتها في أعمال الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومؤتمرات المراجعة اعتراضاً علي سياسة الكيل بمكيالين التي باتت من أهم معالم النظام العالمي غير العادل.
وإذا كانت هذه الخيارات قد يراها البعض سلبية فإن لدينا خيارات إيجابية في مقدمتها أن نجعل قضية نزع الأسلحة النووية من الشرق الأوسط قضية رأي عام تشارك فيها منظمات المجتمع المدني لفضح الموقفين الإسرائيلي والأمريكي بالذات، لكن الأهم هو أن نسعي إلي امتلاك برامج نووية حقيقية بما فيها امتلاك ما يسمي بـ «دورة الوقود النووي» دون السعي لامتلاك أسلحة نووية، أي أن تصبح دول «حافة نووية» كما هو حال ما لا يقل عن 59 دولة في العالم، عندها سيسمع العالم صوتنا لأننا سنكون دول قدرات وإمكانيات وليس مجرد دول أصوات تعترض ولا يأبه أحد باعتراضها.