العلاقات المصرية الأردنية بين التفاعل الثقافى والتعاون الاستراتيجى
يمكن القول أن التفاعل الثقافى العميق بين النخبة الثقافية الأردنية والنخبة المصرية من أساتذة العلوم الاجتماعية والساسة المرموقين تم من خلال "منتدى الفكر العربي" فى عمان. وهذا المنتدى أسسه فى منتصف الثمانينيات مجموعة من المثقفين العرب الذين أحسوا بالحاجة إلى ساحة فكرية يعرضون فيها بطريقة علمية متكاملة ومن منطلق قومى مشكلات المجتمع العربي. وقد رأس هذا المنتدى الأمير "الحسن بن طلال" ولى عهد المملكة الأردنية وقت إنشاء المنتدى وشغل منصب أول أمين عام له الدكتور "سعد الدين إبراهيم" أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية.
وقد ساعد الدكتور "إبراهيم" على تنفيذ خططه الطموحة فى مجال إقامة الندوات العربية التى كان يشارك فيها باحثون وساسة من دول المشرق والمغرب والخليج وعلاقاته الكويتية الواسعة بالمثقفين العرب الذين تحمسوا لتنفيذ الخطط المتعددة للمنتدى فى مجال الندوات. والأهم من ذلك الإسهام الإيجابى فى مشروعات المنتدى الكبرى ومن أهمها مشروع "تعليم الأمة العربية" الذى مولته المثقفة الكويتية المعروفة الدكتور "سعاد الصباح" وشارك فيه عشرات من الباحثين العرب.
ومما لا شك فيه أن مما ساعد على إثراء عمل المنتدى أن رئيسه حتى الآن الأمير "الحسن بن طلال" مثقف عربى نادر المثال، لأنه استطاع عبر نشاطاته وكتاباته الفكرية والسياسية والإنسانية أن يكتسب سمعة دولية كبرى، مما جعل عديدا من الهيئات الدولية تتسابق لكى يرأس مجالس إدارتها ويوجه أعمالها.
ولعل أبلغ دليل على ذلك أن "نادى روما" الشهير الذى تخصص فى استشراف مستقبل العالم، واشتهر بتقريره العالمى "حدود النمو" الذى آثار ضجة عالمية طلب من الأمير "الحسن بن طلال" منذ سنوات أن يرأسه ويوجه نشاطاته، مما يدل على عظيم التقدير للقدرات الفكرية والذكاء السياسى والثقافة الواسعة للأمير.
وقد أتيح لى أن أشارك فى تفعيل العلاقات المصرية الأردنية حين توليت أمانة منتدى الفكر العربى بعمان خلفا للدكتور "سعد الدين إبراهيم" (1990-1992) وحرصت على توسيع دائرة مشاركة الباحثين العرب، والأهم من ذلك قمت بتنظيم حوارات حضارية كبرى أهمها على الإطلاق "الحوار العربى اليابانى الأول" الذى انعقد فى طوكيو، و"الحوار العربى اليابانى الثاني" الذى انعقد فى عمان، وقمت أيضا بتنظيم "الحوار العربى السوفيتي" وغيره من الحوارات الحضارية.
وقد تفضل جلالة الملك "الحسين بن طلال" رحمه الله- فى نهاية عملى بمنتدى الفكر العربي- بمنحى وسام الاستحقاق الأردنى من الطبقة الأولى.
وهكذا يمكن القول أن الباحثين المصريين من خلال قيامهم بإدارة منتدى الفكر العربى ساهموا فى التفاعل الفكرى العميق بين النخبة المصرية والنخبة الأردنية.
غير أنه بالإضافة إلى التفاعل الثقافى تجلى عمق التعاون الاستراتيجى بين مصر والأردن حين بادرت -وقت أن كنت مديرا لمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية- بعقد بروتوكول للتعاون بين المركز ومركز الدراسات الإستراتيجية بالجامعة الأردنية حين كان دولة الرئيس الدكتور "عبد السلام المجالى" رئيس وزراء الأردن السابق رئيسا للجامعة.
والواقع أننى اتخذت هذه المبادرة بعد أن شرعت فى تنفيذ الخطوة الأولى من مخطط متكامل لتأسيس الخطاب الاستراتيجى العربي. وكانت الخطوة التالية هى تأسيس ما أطلقنا عليه "المؤتمر الاستراتيجى العربي" يقوم بتنظيمه دوريا مركز الأهرام ومركز الجامعة الأردنية.
وكان الهدف المعلن هو تأسيس "جماعة عربية للأمن القومي" تتشكل من ضباط القوات المسلحة الحاليين والسابقين، والدبلوماسيين فى وزارات الخارجية، والباحثين المدنيين المتخصصين فى العلوم السياسية والإستراتيجية على مستوى العالم العربي.
وتم عقد ثلاث مؤتمرات إستراتيجية عربية، الأول فى عمان، والثانى فى القاهرة، والثالث فى عمان.
وقد ناقش المؤتمر الاستراتيجى العربى الأول موضوع النظام الإقليمى العربي: الوضع الراهن والتحديات المستقبلية وافتتحه الأمير "الحسن بن طلال" ولى عهد المملكة الأردنية الهامشية حين عقد المؤتمر عام 1967، والدكتور "عبد السلام المجالى" رئيس الجامعة الأردنية، وشاركت فيه نخبة ممتازة من الباحثين العرب وعقد المؤتمر من 15-17 سبتمبر 1997.
وناقش المؤتمر الاستراتيجى العربى الثانى فى القاهرة من (8- 10 يناير 1989) موضوع "النظام العربى فى بيئة دولية متغيرة" وافتتحه الدكتور "بطرس بطرس غالى" رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية فى هذا الوقت، والأستاذ "إبراهيم نافع" رئيس مجلس إدارة وتحرير الأهرام" وقت عقد المؤتمر.
وعقد المؤتمر الاستراتيجى العربى الثالث فى عمان من 26-28 مارس 1994 بعد تولى الدكتور "مصطفى الحمارنة" إدارة مركز الدراسات الإستراتيجية بالجامعة الأردنية، بالاشتراك مع الجمعية العربية للعلوم السياسية، وكان موضوعه "العرب فى الاستراتيجيات العالمية".
وافتتح المؤتمر الدكتور "عبد السلام المجالى" رئيس وزراء الأردن فى هذا الوقت والدكتور "فوزى غرايبة" رئيس الجامعة الأردنية. وقد تم طبع أعمال المؤتمرات الإستراتيجية العربية الثلاثة فى كتب تداولها الباحثون العرب، وأصبحت مراجع أساسية فى الموضوعات التى تعرضت لها بالبحث والتحليل.
وإذا استشرفنا آفاق التعاون بين مصر والأردن فى الفترة المقبلة - وخصوصا فى ظل التفاهم السياسى العميق بين الرئيس "عبد الفتاح السيسى" وجلالة الملك "عبد الله بن الحسين" ملك المملكة الأردنية الهاشمية- فلابد من التركيز على التفاعل الثقافى بين المثقفين المصريين والأردنيين من خلال الندوات المشتركة من ناحية، ومن المهم – من ناحية أخرى- إحياء بروتوكول التعاون العلمى بين مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية ومركز الدراسات الإستراتيجية بالجامعة الأردنية.