هذه هى بحق معركة كل الشعب المصري، ولا أقصد فقط معركة الحرب ضد الإرهاب التى هى أهم وأبرز المعارك، ولكنى أقصد كل ما نواجهه من تحديات داخلية وخارجية تستلزم بل تفرض وحدة الموقف الوطنى الذى كنا نتمنى أن يرتكز على وحدة الرؤية ووحدة المشروع الذى لم تتحدد للأسف معالمه بعد.
فإذا كنا نتحسب لأى مخاطر تتهدد استعداداتنا وفرحتنا بافتتاح قناة السويس الجديدة التى تعد مؤشراً لعودة الانطلاقة المصرية عربياً وإقليمياً ودولياً، وإذا كنا نتحسب لمخاطر ردود فعل إرهابية قد تحدث انتقاماً لتنفيذ أحكام إعدام قد تصدر بحق بعض قادة جماعة الإخوان وبعض المتورطين فى قتل مصريين فإننا يجب أن نتحسب ونستعد أيضاً لمواجهة الجديد فى معالم تطورات المشهد الإقليمى سريع التغيير وشديد الارتباك، وهذا التحسب وهذا الاستعداد يكون بالتركيز على وحدة المصريين وهى وحدة ستبقى هشة ودعائية إذا لم ترتكز على مشروع وطنى واضح ومحدد المعالم مرتكزاته هى دولة الحرية والعزة والكرامة ومبادئ أبرزها: المواطنة المتساوية والفرص المتكافئة لكل المصريين فى الثروة والسلطة، والمراقبة والمحاسبة ومحاربة كل أنواع وأشكال الفساد والمحسوبية، والأهم من هذا كله هو عودة الثقة الشعبية فى أن الثورة المصرية «ثورة 25 يناير 2011» لم ولن تنهزم، وأن الشعب سيبقى وحده هو السيد وهو صاحب السيادة فى هذا الوطن، وأن الدستور الذى استفتى عليه الشعب لن يصادر ولن يجرى التحايل عليه، وأن البرلمان الجديد سيكون قوياً وقادراً على موازنة السلطة التنفيذية ومراقبتها ومحاسبتها باسم الشعب وإرادته ولن يكون تابعاً بأى حال لهذه السلطة ولأى سبب من الأسباب.
عندما نستعيد هذه الثقة فى أن الثورة لم تنتكس ولم تنهزم ولم يتم احتواؤها من القوى المعادية لها ،خاصة من رجال ورموز ومؤسسات نظام مبارك وتحالفاته، سنكون قادرين على استعادة وحدة الشعب ليخوض الشعب كل المعارك المفروضة علينا من الداخل وفى الخارج، سواء ضد الإرهاب أو ضد القوى الإقليمية والدولية التى تمثل بسياساتها ومشاريعها وأطماعها تهديداً للأمن والمصالح القومية المصرية.
فالتطورات الخارجية والإقليمية منها بالذات شديدة التعقيد وتستلزم قوة صلبة فى الداخل المصرى لمواجهتها. واستطيع أن أحدد ثلاثة تطورات إقليمية اعتبرها الأبرز والأهم والأكثر ارتباطاً بأحداثنا وتحدياتنا الداخلية هى على الترتيب؛ أولاً: نجاح إيران فى أن تحظى بموافقة دولية من القوى الست الكبرى فى العالم «مجموعة 5+1» مدعومة بقرار دولى صادر من مجلس الأمن الدولى يوم 20 يوليو الحالى هو القرار رقم 2231، بأن تكون دولة نووية وأن يتم رفع كل العقوبات الدولية المفروضة عليها. وثانياً، عودة التقارب بين حركة المقاومة الإسلامية «حماس» والمملكة العربية السعودية. وثالثاً: دخول تركيا، لأول مرة، كطرف مشارك فى الحرب الدولية على تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش).
والسؤال المحورى بهذا الخصوص هو: كيف ستتعامل مصر مع هذه التطورات التى أرى أن لها امتدادات قوية فى كل ما نواجهه داخل مصر من تحديات؟
أعرف مقدماً أن كل تطور من هذه التطورات الثلاثة فى حاجة إلى دراسات وتحليلات معمقة، لكن مع ذلك أدرك أن الوقت يستلزم أيضاً سرعة اتخاذ قرارات محسوبة، تعقبها تحركات وإجراءات لابد منها.
كيف سنتعامل مع إيران الجديدة التى ربما تصبح صديقاً للغرب وللشرق، وربما تنجح فى أن تفرض نفسها قوة إقليمية مهيمنة؟ وما هو موقفنا من تركيا التى تحارب «داعش» الآن فى سوريا ولكنها مرتبطة بعلاقات قوية مع كل من جماعة الإخوان وقطر، هل الحرب على «داعش» يمكن أن تكون مدخلاً لمراجعة علاقات مصر بتركيا رغم كونها حربا مشكوكا فى جديتها وتستهدف الأكراد قبل أن تستهدف «داعش»؟ وماذا عن نوايا تركيا شديدة السوء بسوريا ووحدتها الوطنية بدليل إصرارها على ربط اتفاقها مع واشنطن فى الحرب على «داعش» فى سوريا بإقامة منطقة «الحظر الجوى» فى شمال سوريا التى ظلت تطالب بها كشرط لمشاركتها فى تلك الحرب، وهو الشرط الذى يفضح الأطماع التركية فى «حلب» ويهدد وحدة الأراضى السورية. كيف سيكون موقف مصر من تركيا فى ظل هذه التطورات وفى إطار التقارب السعودي- التركى الرامى إلى احتواء إيران؟
كيف سيكون موقفنا من حركة «حماس» بعد تقارب «حماس» مع السعودية وبعد أن أصبحت «حماس» مستهدفة هى الأخرى من «داعش». تقارب «حماس» مع السعودية يعنى تباعدها عن إيران، كما أن تعرضها لإرهاب الجماعات السلفية الجهادية مؤخراً وبالذات من التنظيمات الموالية لـ «داعش» قد يغرى مصر بالتقارب معها ضمن معركة مشتركة للحرب على الإرهاب، لكن تبقى عقدة علاقة «حماس» مع الإخوان، فكيف سيكون القرار المصرى هل ستظل مصر بمنأى عن التنسيق مع «حماس» لعلاقتها بالإخوان، أم ستقدم على قرار محسوب بالتقارب مع «حماس» ضمن مشروع الحرب على الإرهاب التكفيري؟.
تطورات مهمة ومعقدة لكن يبقى التطور الإيرانى هو المتغير الأهم على المستويين الإقليمى والدولي، لأنه تطور سيغير حتماً من خرائط التحالفات والصراعات الإقليمية ويضع مصر أمام خيارات صعبة وأكثر تعقيداً فى ظل السياسات الغربية الجديدة للتقارب مع إيران، وفى ظل ما سوف يحدثه القرار الدولى بتمكين إيران من أن تصبح قوة نووية من تغيرات فى موازين القوى الإقليمية.
فبهذا القرار بات فى مقدورنا أن نقول إن إقليم الشرق الأوسط أخذ فى التحول إلى نظام ثنائى القطبية بين إسرائيل النووية عسكرياً والساعية إلى الهيمنة الإقليمية وبين إيران النووية ولكن غير العسكرية التى سيكون فى مقدورها، إن شاءت، أن تصبح قوة نووية عسكرية ولكن بعد انقضاء مهلة 15 عاماً جرى النص عليها فى القرار الدولى رقم 2231، وهذا سيجعل من إيران قوة إقليمية «مناوئة» ورافضة للهيمنة الإسرائيلية وساعية لفرض نفسها قوة مهيمنة بديلة، وسيكون على تركيا أن تقوم بدور القوة الموازنة بين القوتين الإسرائيلية والإيرانية والساعية إلى كسب ود هاتين القوتين أو الانحياز لواحدة منها ضد الأخرى حسب ما تفرضه مصالحها.
أين سيكون موقع مصر ضمن هذه الخريطة الإقليمية شديدة التعقيد، هل ستبقى قوة هامشية، أم ستسعى إلى فرض نفسها قوة إقليمية منافسة كما كانت فى الماضى على القيادة الإقليمية، وكيف ستدير علاقاتها مع هذه القوى الإقليمية الكبرى الثلاث؟ وما هى البدائل الأخرى أمام مصر؟ وهل البديل العربى مازال ممكناً؟ أى هل تستطيع مصر مع السعودية تأسيس مشاركة إستراتيجية تكون محور ارتكاز مشروع القوة العربية المشتركة التى سيجرى إقرار بروتوكول تأسيسها فى اجتماع قريب لوزراء الخارجية والدفاع العرب؟
أسئلة وتحديات صعبة تفرض علينا أن نجيب عنها وأن نتفاعل معها بسياسات وأدوار تحمى أمننا القومى وتحقق مصالحنا وتعيد مصر مجدداً قوة عربية وإقليمية قادرة على التفاعل والقيادة، وهذا كله سيبقى رهناً بالمشروع الوطنى الذى سوف يرتكز عليه هذا الدور، وهو المشروع الذى لم يحظ حتى الآن بالاهتمام الواجب الذى كان يجب أن يحظى به، لأنه المشروع الذى سيحدد لنا ماذا نريد؟ وكيف؟