المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د‏.‏ محمد السعيد إدريس
د‏.‏ محمد السعيد إدريس

مصر وإيران والنظام الإقليمى ـ مساران للعلاقات

الثلاثاء 08/سبتمبر/2015 - 11:17 ص

إذا أخذنا فى الاعتبار كل ما تحدثنا عنه من محددات حاكمة للعلاقات المصرية- الإيرانية، وبالذات تداعيات حل أزمة البرنامج النووى الإيرانى وانعكاسات هذا الحل على صعود القوة الإيرانية وما سوف يستتبع ذلك من نفوذ إيرانى إقليمى من ناحية، والتحول الحادث فى الإدراك الأمريكى الجديد لإيران من اعتبارها «قوة منبوذة» أو «قوة معادية» إلى اعتبارها حليفاً محتملاً من ناحية أخري، فإن تخطيط مصر لإستراتيجية علاقتها مع إيران من المنطقى أن يؤسس وفق مسارين: أول هذين المسارين هو مسار بناء القوة الإقليمية العربية الموازنة للقوى الإقليمية الثلاث: القوة الإيرانية والقوة الإسرائيلية والقوة التركية، بمعنى أن تؤسس مصر علاقتها مع إيران ليس من منظور الدولة المصرية بقدراتها الذاتية الحالية فقط، ولكن من منظور كونها القوة الإقليمية العائدة إلى مكانها الذى غابت عنه فى قلب أو محور Core النظام الإقليمى الشرق أوسطى الذى لم يستطع أحد من العرب أن يملأه، والذى ظل شاغراً منذ تداعى القوة المصرية، هذا يعنى أيضاً أن تفاعلات مصر مع إيران، ضمن هذا المسار، لن تقتصر على العلاقات الثنائية سواء كانت صراعية أم تعاونية، ولكنها تفاعلات تتسع باتساع قضايا النظام الإقليمى الشرق أوسطى وأجندة القوى الإقليمية الثلاث إضافة إلى ما يجب أن تطرحه مصر من أجندة عربية لها خصوصياتها وأولوياتها.

أما ثانى هذين المسارين؛ فهو مسار العلاقات الثنائية المباشرة بين مصر وإيران، وهو مسار سوف يحكمه الإدراك المصرى لإيران وموقعها على خريطة التفاعلات الإقليمية، وسوف يحكمه أيضاً اعتبارات المصالح الوطنية المصرية المباشرة وقضايا الأمن الوطنى المصرى ومصادر تهديده، وموقف إيران من هذا كله، هل هى ضمن مصادر تهديد الأمن الوطنى المصرى أم هى قوة داعمة له، وهل هى تمثل مصالح مصرية أم تتعارض مصالحها مع المصالح المصرية، بمعنى إدراك مصر لإيران من منظور تكامل أم تعارض وصراع المصالح. بالنسبة للمسار الأول فإنه قد يبقى مساراً افتراضياً إلى أن يتحقق أحد شرطين أو كلاهما معاً. الشرط الأول أن تمتلك مصر القدرات اللازمة كى تتحول إلى قوة إقليمية قادرة على المنافسة الإقليمية وقبلها تكون قادرة على قيادة النظام العربي، والقدرات التى لا نعنيها ليست عسكرية فقط بل اقتصادية وثقافية وحضارية، أى أن تعود مصر، مرة ثانية، دولة قادرة على صنع المكانة وامتلاك مؤهلات القيادة، وربما، قبل هذا كله، امتلاك التفويض العربى بالقيادة دون منازعة أو منافسة من دولة عربية أخرى. وهذا شرط من الصعب تصور حدوثه فى المدى القصير. أما الشرط الثانى فهو أن تدخل مصر مع دول عربية أخرى فى تكامل، أو «اندماج استراتيجي: عسكرى واقتصادى وسياسي»، يمكنها من تأسيس تلك القوة العربية القادرة على المنافسة الإقليمية.

قد يكون «الاندماج الإستراتيجى» (وهو مصطلح أدق من المشاركة الإستراتيجية) بين مصر والسعودية ومن يرغب من الدول العربية هو الأفق الأرجح الآن لتشكيل هذه القوة العربية لتحويل ما نسميه، «مثلث صراعات الهيمنة الإقليمية» بين إسرائيل وإيران وتركيا إلى «مستطيل التنافس الإقليمي» بدخول «القوة العربية» إلى قلب أو محور النظام الإقليمى بدلاً من بقاء الدول العربية ومن بينها مصر والسعودية كمجرد أطراف هامشية فى تفاعلات النظام الإقليمى.

مثل هذا «الاندماج الإستراتيجى» المصري- السعودى يواجه بعقبات كثيرة تحول دون تحقيقه أبرزها، تباين الرؤية لمصادر التهديد ذات الأولوية بالمواجهة. فبينما ترى مصر أن ا»لإرهاب» أو بالتحديد «الإرهاب التكفيرى» هو الخطر العاجل الذى يهدد بتفجير وتقسيم وانهيار الدول العربية، ترى السعودية أن إيران هى الخطر العاجل الذى يجب أن يواجه،من بين هذه العوائق أيضاً أن السعودية كانت ومازالت تعطى كل الأولوية للعلاقة مع الولايات المتحدة كحليف إستراتيجى للدفاع عن أمن المملكة وأمن دول مجلس التعاون الخليجيوفضلاً عن ذلك ليس من المتيسر بناء مشروع سياسى مصري- سعودى مشترك، فى ظل تباين النظام السياسى فى مصر مع النظام السياسى السعودي، وبالذات دور المؤسسة الدينية- المذهبية السعودية (هيئة كبار العلماء) وإذا أضفنا إلى ذلك خلفيات التنافس التاريخى السعودى- المصرى والحرص السعودى الراهن على أن تكون المملكة هى القوة العربية الإقليمية القادرة على المنافسة مصر، فإن المسار الأول المتوقع للعلاقة المصرية مع إيران من منظور بناء القوة الإقليمية العربية يبدو مؤجلاً أو مستبعداً مرحلياً لحين تحقيق أى من الشرطين، ومن ثم فإن المسار الثانى هو الذى سوف يفرض نفسه، على الأقل فى المدى القصير عبر العلاقات الثنائية المباشرة بين القاهرة وطهران وهى علاقات يجب أن تكون محكومة بمجموعة من الاعتبارات.

أول هذه الاعتبارات أن مصر يجب ألا تكون أبداً طرفاً فى أى صراع مع إيران خلفياته أمريكية وإسرائيلية على أساس محوري: إيران (الشيعية) والسعودية (السنية). ويجب آلا تتورط فى أى صراع طائفي- مذهبى مع إيران، لأن مثل هذا الصراع يعطى لإيران فرص المزيد من النفوذ والتغلغل فى الدول العربية خاصة التى تضم مكوناً شعبياً شيعياً، مع الوعى بأن مصر ليست طرفاً فى صراع ضد التشيع، لأسباب كثيرة منها أن الخلاف أو الصراع مع إيران، إن كان مبرراً، هو صراع ذو صبغة وأهداف سياسية وليس صراعاً مذهبياً طائفياً، كما أن التشيع مدارس عدة، هناك «التشيع العربى» كما تمثله مرجعية «النجف الأشرف» فى العراق، وهناك «التشيع الصفوى» كماتمثله مرجعية «قُم» فى إيران، وهناك صراعات فقهية هائلة حول قضايا خلافية كبرى مثل مبدأ «ولاية الفقيه» الذى يحكم إيران، هناك مراجع كبرى ترفض هذا المبدأ سواء من خارج إيران أو حتى من داخلها. ثانى هذه الاعتبارات أن إيران ليست كتلة واحدة صماء، هناك رؤى واتجاهات كثيرة هناك محافظون تقليديون وهناك محافظون متشددون (أصوليون) وهناك إصلاحيون معتدلون وهناك إصلاحيون متطرفون من الليبراليين واليساريين، وهناك توقعات أن يكون للإصلاحيين شأن مهم فى تحديد مستقبل إيران فى ظل مرحلة ما بعد الاتفاق النووى وتقارب طهران مع واشنطن.

ثالث هذه الاعتبارات أن إيران نجحت دائماً فى ملء فراغات الانسحاب العربى من بؤر الصراع العربية الكبرى خاصة فى فلسطين والعراق وسوريا، ولابد أن تكون مصر موجودة بقوة فى هذه الساحات العربية.

رابع هذه الاعتبارات أن التفاعل المصرى الإيجابى فى حل الأزمات العربية الساخنة خاصة الأزمة السورية يمكن أن يكون مدخلاً مناسباً لعلاقات تفاهم مع إيران تبدأ بتطبيع العلاقات بين القاهرة وطهران أى أن تكون علاقات طبيعية دون التورط فى علاقات صراع غير مبررة أو علاقات تعاون غير محسوبة.

لقد ظل القرار المصرى نحو إيران محكوما طيلة العقود الثلاثة الماضية بمحددات دولية وإقليمية وعربية أكثر من تعبيره عن محددات ومصالح مصرية بحتة، وآن الآوان أن تبادر مصر بمراجعة هذه السياسة وأن يكون القرار المصرى نحو إيران تعبيراً عن استقلالية القرار الوطنى وتعبيراً عن مصالح مصرية وبما يليق بطموحات مصر للعودة إلى دورها اللائق كقوة إقليمية كبرى منافسة على الزعامة الإقليمية.

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟