قدمت مجلة "رؤى مصرية"* الصادرة عن مركز الأهرام للدراسات الاجتماعية والتاريخية، في عددها التاسع ملفًا مفصلًا عن أزمة مياه النيل وسد النهضة تحت عنوان (مصر وأزمة المياه في حوض النيل)، حاولت فيه الوقوف على أسباب وأبعاد الأزمة وتداعياتها على مصر، والأطر القانونية والتفاوضية الحاكمة لمسارها، وواقع وفرص ومستقبل الأمن المائي لدول الحوض ولمصر بشكل خاص.
وفي هذا السياق، فقد قدمت "رؤى مصرية" معالجة كاملة وتوصيف علمي لكل جوانب الملف و"روشتة" تحليلية مختصرة للأكاديميين وصانعي القرار المعنيين داخل مصر. وفي ضوء اهتمامنا بطرح الرؤى المختلفة والعلمية داخل الوسط العلمي والمتخصص، فإننا سنفرد مساحة واسعة لعرض تلك المحاور التي تضمنتها "رؤى مصرية" على النحو التالي.
وفي هذا السياق، فقد قدمت "رؤى مصرية" معالجة كاملة وتوصيف علمي لكل جوانب الملف و"روشتة" تحليلية مختصرة للأكاديميين وصانعي القرار المعنيين داخل مصر. وفي ضوء اهتمامنا بطرح الرؤى المختلفة والعلمية داخل الوسط العلمي والمتخصص، فإننا سنفرد مساحة واسعة لعرض تلك المحاور التي تضمنتها "رؤى مصرية" على النحو التالي.
إن بند عدم الإضرار لا معنى له، وغير قابل للتطبيق دون الإقرار بالممارسات والحقوق التاريخية لاستغلال مياه النهر لكل دول الحوض كافة
المحور الأول- التكوين الطبوغرافي لحوض النيل
تناول الدكتور مغاوري شحاتة دياب، أستاذ الجيولوجيا ورئيس جامعة المنوفية الأسبق، التكوين الطبوغرافي لحوض النيل، وتحدث عن أهمية نهر النيل كونه أطول أنهار العالم؛ إذ يبلغ طوله 6825 كيلومترا، ومساحة حوضه 2.96 مليون كم2 تضم عشر دول هي: بوروندي - رواندا - الكونغو - كينيا - أوغندا - تنزانيا - إثيوبيا - إريتريا- السودان- مصر. ويمثل حوض نهر النيل تحديًا طبيعيًا يصعب السيطرة عليه، والشكل الحالي لنهر النيل هو ناتج سلسلة من التغيرات الجيولوجية والمناخية مر بها عبر الزمن الجيولوجي. ورغم أهمية هذا الجانب كتمهيد مطلوب لكل الأوراق المتبقية، فإننا سنهتم أكثر بالجوانب التفاوضية والتحليلية.
المحور الثاني- الأطر القانونية الناظمة لاستخدامات مياه نهر النيل
ولفهم طبيعة الأطر القانونية الحاكمة لاستخدامات مياه نهر النيل، أفردت "رؤى مصرية" مساحة كبيرة للدكتور مساعد عبد العاطي شتيوي، المستشار بالنيابة الإدارية وخبير القانون الدولى، الذي تحدث عن مجموعة من المعاهدات والاتفاقيات الخاصة بتنظيم استغلال مياه نهر النيل، وبينها على النحو التالي:
أولًا- البروتوكول الموقع بين بريطانيا وإيطاليا سنة 1891 بشأن تحديد مناطق نفوذ كل منها في شرق أفريقيا، الذي نصت المادة الثالثة منه على أن إيطاليا – صاحبة السيادة على الحبشة آنذاك – تتعهد بألا تقيم على نهر عطبرة أية إنشاءات للري من شأنها أن تؤثر تأثيرًا محسوسًا على كمية مياه نهر النيل.
ثانيًا- مجموعة المعاهدات المعقودة بين بريطانيا وإثيوبيا, وبينها وبين إيطاليا وإثيوبيا بشأن الحدود بين السودان المصري – البريطاني وإثيوبيا وإريتريا , والموقعة في أديس أبابا في 15 مايو 1902, والتي يتعهد الإمبراطور مينليك الثاني ملك ملوك الحبشة بموجبها بألا ينشئ، أو يسمح بإنشاء أي أعمال على النيل الأزرق، أو بحيرة تانا، أو نهر السوباط يكون من شأنها تعطيل سريان مياهها إلى نهر النيل إلا بالاتفاق مع حكومة بريطانيا، وحكومة السودان المصري البريطاني.
ثالثًا- الاتفاق المبرم بين حكومة بريطانيا وحكومة دولة الكونغو، والموقع في لندن في 9 مايو 1906، الذي تتعهد حكومة الكونغو بموجب المادة الثالثة منه بألا تقيم، أو تسمح بإقامة أية منشآت قرب، أو على نهر سميليكي، أو نهر أيسانجو، يكون من شأنها تخفيض كمية المياه التي تصب في بحيرة ألبرت إلا بالاتفاق مع حكومة السودان المصري – البريطاني.
رابعًا- المذكرات المتبادلة بين بريطانيا وإيطاليا في ديسمبر 1925، التي تعترف فيها الحكومة الإيطالية بالحقوق المائية التاريخية، والمكتسبة لمصر والسودان في مياه النيل الأزرق، والنيل الأبيض, وتتعهد بألا تنشئ في أقاليم أعالي تلك الأنهار، أو فروعها، أو روافدها أية منشآت من شأنها تعديل كمية المياه التي تحملها إلى نهر النيل بشكل ملموس.
خامسًا- اتفاقية مياه النيل بين مصر وبريطانيا بالنيابة عن السودان وكينيا وتنجانيقا – تنزانيا – وأوغندا في عام 1929، التي تقضي بتحريم إقامة أي مشروع من أي نوع على نهر النيل، أو روافده، أو البحيرات التي تغذيها كلها إلا بموافقة مصر, لا سيما إذا كانت هذه المشروعات ستؤثر على كمية المياه التي كانت تحصل عليها مصر، أو على تواريخ وصول تلك المياه إلى مصر.
سادسًا- اتفاقية لندن المبرمة بين بريطانيا (نيابة عن تنجانيقا – تنزانيا حاليا) وبلجيكا (نيابة عن رواندا وبروندي) في 23 نوفمبر 1934, التي تقضي مادتها الأولى بأن يتعهد الطرفان بأن يعيدا إلى نهر كاجيريا قبل وصوله إلى الحدود المشتركة لكل من تنجانيقا ورواندا وبروندي أية كميات من المياه يكون قد تم سحبها منه قبل ذلك لغرض توليد الكهرباء. فالسماح باستغلال مياه النيل لتوليد الطاقة الكهربائية لا يجوز بحال أن يمس – طبقًا لهذه المادة – كمية المياه التي تتدفق من منابعه إلى المجرى الرئيسي فيه.
سابعًا- المذكرات المتبادلة بين مصر وبريطانيا (نيابة عن أوغندا) في الفترة ما بين يوليو 1952 ويناير 1953 بشأن اشتراك مصر في بناء خزان أوين لرفع منسوب المياه في بحيرة فيكتوريا نيانزا, كما اتفقنا على التعويضات التي تمنح لأهالي أوغندا الذين يصيبهم ضرر من جراء ارتفاع منسوب مياه البحيرة, الذي من شأنه زيادة حصة مصر من مياه الري وتوليد كهرباء تضمن مزيدًا من الطاقة لكل من أوغندا وكينيا. ويعد هذا الاتفاق مثالا واضحا على التعاون وتنسيق بعض دول حوض النيل,
ثامنًا- بالإضافة إلى اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه النيل لعام 1959 بين مصر والسودان بشأن إنشاء السد العالي وتوزيع المنافع الناجمة عنه بينهما، التي تعد في الواقع مثالًا يحتذى به في مجال التعاون بين الدول المشاطئة للأنهار الدولية لاستغلال مياه هذه الأنهار؛ حيث سعت إلى تحقيق نفع مشترك لكل من الدولتين دون إجحاف بالحقوق التاريخية لكل منهما، ودون الإضرار بحقوق باقي دول الحوض. فقد أكدت هذه الاتفاقية على احترام الحقوق المكتسبة لطرفيها, وحددت هده الحقوق بدقة حسما لأي نزاع؛ حيث أقرت في البند أولًا منها بحقوق تاريخية مكتسبة لمصر مقدارها 48 مليار م3 سنويًا, وللسودان مقدارها 4 مليارات م3 سنويًا.
تاسعًا- أبرمت مصر وأوغندا في مايو 1991 اتفاقية – في شكل خطابات متبادلة بين وزيري خارجية الدولتين – بعد مفاوضات مكثفة بينهما بشأن مشروع إنشاء محطة لتوليد الكهرباء على بحيرة فيكتوريا.
هذه الاتفاقية وقعتها أوغندا، وهي دولة مستقلة، وأكدت فيها احترامها لما ورد في اتفاقية 1953 التي وقّعتها بريطانيا نيابة عنها.
اتفاقية 1991 نصت على أن السياسة التنظيمية المائية لبحيرة فيكتوريا يتعين أن تناقش وتراجع بين كل من مصر وأوغندا، بما لا يؤثر في احتياجات مصر المائية.
عاشرًا- وقع الرئيسان المصري والإثيوبي في الأول من يوليو 1993 اتفاق القاهرة, الذي وضع إطارا عاما للتعاون بين الدولتين لتنمية موارد مياه النيل، وتعزيز المصالح السياسية والاقتصادية المشتركة. وقد حوى هذا الاتفاق في أحد بنوده تعهدًا من الطرفين بالامتناع عن أي نشاط يؤدي إلى إلحاق أضرر بمصالح الطرف الآخر فيما يختص بماء النيل، كما تعهدا بالتشاور والتعاون في المشروعات ذات الفائدة المتبادلة عملًا على زيادة حجم تدفق وتقليل الفقد من مياه النيل، في إطار خطط تنمية شاملة متكاملة، كما اتفق الطرفان على إنشاء آلية للتشاور حول الموضوعات ذات الاهتمام المشترك بما في ذلك مياه النيل، وتعهدا بالعمل على التوصل إلى إطار للتعاون بين دول حوض النيل لتعزيز المصلحة المشتركة لتنمية حوض النهر.
وجلي بالقول إنه يمكننا أن نبدي على المعاهدات الخاصة بتنظيم استغلال مياه النيل الملاحظات التالية:
1- إن بعض هذه المعاهدات تناولت الوضع الإقليمي والجغرافي للدول المتعاقدة. وكما هو معلوم فإن هذا النوع من الاتفاقات الخاصة بالوضع الإقليمي والحدود، إنما تشكل, على ما انتهى إليه الفقه والقضاء الدوليان. قيدًا أو التزامًا على عاتق الدولة وعلى إقليمها, ولا يؤدي انتقال السيادة على الإقليم إلى التحلل منه. وهو ما أكدته المادتان الحادية، والثانية عشرة من اتفاقية فيينا بشأن التواصل الدولي في مجال المعاهدات أخذًا بنظرية الاتفاقات الموضوعية الممتدة.
حيث قررت المادة الحادية عشرة أنه لا تؤثر خلافات الدول في حد ذاتها على:
أ- الحدود المقررة بمعاهدة.
ب- الالتزامات والحقوق المقررة بمعاهدة، والمتعلقة بنظام الحدود.
ويتوافق نص هذه المادة مع ما قررته المادة الثانية والستون من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969 في فقرتها الثانية.
المحور الثاني- الأطر القانونية الناظمة لاستخدامات مياه نهر النيل
ولفهم طبيعة الأطر القانونية الحاكمة لاستخدامات مياه نهر النيل، أفردت "رؤى مصرية" مساحة كبيرة للدكتور مساعد عبد العاطي شتيوي، المستشار بالنيابة الإدارية وخبير القانون الدولى، الذي تحدث عن مجموعة من المعاهدات والاتفاقيات الخاصة بتنظيم استغلال مياه نهر النيل، وبينها على النحو التالي:
أولًا- البروتوكول الموقع بين بريطانيا وإيطاليا سنة 1891 بشأن تحديد مناطق نفوذ كل منها في شرق أفريقيا، الذي نصت المادة الثالثة منه على أن إيطاليا – صاحبة السيادة على الحبشة آنذاك – تتعهد بألا تقيم على نهر عطبرة أية إنشاءات للري من شأنها أن تؤثر تأثيرًا محسوسًا على كمية مياه نهر النيل.
ثانيًا- مجموعة المعاهدات المعقودة بين بريطانيا وإثيوبيا, وبينها وبين إيطاليا وإثيوبيا بشأن الحدود بين السودان المصري – البريطاني وإثيوبيا وإريتريا , والموقعة في أديس أبابا في 15 مايو 1902, والتي يتعهد الإمبراطور مينليك الثاني ملك ملوك الحبشة بموجبها بألا ينشئ، أو يسمح بإنشاء أي أعمال على النيل الأزرق، أو بحيرة تانا، أو نهر السوباط يكون من شأنها تعطيل سريان مياهها إلى نهر النيل إلا بالاتفاق مع حكومة بريطانيا، وحكومة السودان المصري البريطاني.
ثالثًا- الاتفاق المبرم بين حكومة بريطانيا وحكومة دولة الكونغو، والموقع في لندن في 9 مايو 1906، الذي تتعهد حكومة الكونغو بموجب المادة الثالثة منه بألا تقيم، أو تسمح بإقامة أية منشآت قرب، أو على نهر سميليكي، أو نهر أيسانجو، يكون من شأنها تخفيض كمية المياه التي تصب في بحيرة ألبرت إلا بالاتفاق مع حكومة السودان المصري – البريطاني.
رابعًا- المذكرات المتبادلة بين بريطانيا وإيطاليا في ديسمبر 1925، التي تعترف فيها الحكومة الإيطالية بالحقوق المائية التاريخية، والمكتسبة لمصر والسودان في مياه النيل الأزرق، والنيل الأبيض, وتتعهد بألا تنشئ في أقاليم أعالي تلك الأنهار، أو فروعها، أو روافدها أية منشآت من شأنها تعديل كمية المياه التي تحملها إلى نهر النيل بشكل ملموس.
خامسًا- اتفاقية مياه النيل بين مصر وبريطانيا بالنيابة عن السودان وكينيا وتنجانيقا – تنزانيا – وأوغندا في عام 1929، التي تقضي بتحريم إقامة أي مشروع من أي نوع على نهر النيل، أو روافده، أو البحيرات التي تغذيها كلها إلا بموافقة مصر, لا سيما إذا كانت هذه المشروعات ستؤثر على كمية المياه التي كانت تحصل عليها مصر، أو على تواريخ وصول تلك المياه إلى مصر.
سادسًا- اتفاقية لندن المبرمة بين بريطانيا (نيابة عن تنجانيقا – تنزانيا حاليا) وبلجيكا (نيابة عن رواندا وبروندي) في 23 نوفمبر 1934, التي تقضي مادتها الأولى بأن يتعهد الطرفان بأن يعيدا إلى نهر كاجيريا قبل وصوله إلى الحدود المشتركة لكل من تنجانيقا ورواندا وبروندي أية كميات من المياه يكون قد تم سحبها منه قبل ذلك لغرض توليد الكهرباء. فالسماح باستغلال مياه النيل لتوليد الطاقة الكهربائية لا يجوز بحال أن يمس – طبقًا لهذه المادة – كمية المياه التي تتدفق من منابعه إلى المجرى الرئيسي فيه.
سابعًا- المذكرات المتبادلة بين مصر وبريطانيا (نيابة عن أوغندا) في الفترة ما بين يوليو 1952 ويناير 1953 بشأن اشتراك مصر في بناء خزان أوين لرفع منسوب المياه في بحيرة فيكتوريا نيانزا, كما اتفقنا على التعويضات التي تمنح لأهالي أوغندا الذين يصيبهم ضرر من جراء ارتفاع منسوب مياه البحيرة, الذي من شأنه زيادة حصة مصر من مياه الري وتوليد كهرباء تضمن مزيدًا من الطاقة لكل من أوغندا وكينيا. ويعد هذا الاتفاق مثالا واضحا على التعاون وتنسيق بعض دول حوض النيل,
ثامنًا- بالإضافة إلى اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه النيل لعام 1959 بين مصر والسودان بشأن إنشاء السد العالي وتوزيع المنافع الناجمة عنه بينهما، التي تعد في الواقع مثالًا يحتذى به في مجال التعاون بين الدول المشاطئة للأنهار الدولية لاستغلال مياه هذه الأنهار؛ حيث سعت إلى تحقيق نفع مشترك لكل من الدولتين دون إجحاف بالحقوق التاريخية لكل منهما، ودون الإضرار بحقوق باقي دول الحوض. فقد أكدت هذه الاتفاقية على احترام الحقوق المكتسبة لطرفيها, وحددت هده الحقوق بدقة حسما لأي نزاع؛ حيث أقرت في البند أولًا منها بحقوق تاريخية مكتسبة لمصر مقدارها 48 مليار م3 سنويًا, وللسودان مقدارها 4 مليارات م3 سنويًا.
تاسعًا- أبرمت مصر وأوغندا في مايو 1991 اتفاقية – في شكل خطابات متبادلة بين وزيري خارجية الدولتين – بعد مفاوضات مكثفة بينهما بشأن مشروع إنشاء محطة لتوليد الكهرباء على بحيرة فيكتوريا.
هذه الاتفاقية وقعتها أوغندا، وهي دولة مستقلة، وأكدت فيها احترامها لما ورد في اتفاقية 1953 التي وقّعتها بريطانيا نيابة عنها.
اتفاقية 1991 نصت على أن السياسة التنظيمية المائية لبحيرة فيكتوريا يتعين أن تناقش وتراجع بين كل من مصر وأوغندا، بما لا يؤثر في احتياجات مصر المائية.
عاشرًا- وقع الرئيسان المصري والإثيوبي في الأول من يوليو 1993 اتفاق القاهرة, الذي وضع إطارا عاما للتعاون بين الدولتين لتنمية موارد مياه النيل، وتعزيز المصالح السياسية والاقتصادية المشتركة. وقد حوى هذا الاتفاق في أحد بنوده تعهدًا من الطرفين بالامتناع عن أي نشاط يؤدي إلى إلحاق أضرر بمصالح الطرف الآخر فيما يختص بماء النيل، كما تعهدا بالتشاور والتعاون في المشروعات ذات الفائدة المتبادلة عملًا على زيادة حجم تدفق وتقليل الفقد من مياه النيل، في إطار خطط تنمية شاملة متكاملة، كما اتفق الطرفان على إنشاء آلية للتشاور حول الموضوعات ذات الاهتمام المشترك بما في ذلك مياه النيل، وتعهدا بالعمل على التوصل إلى إطار للتعاون بين دول حوض النيل لتعزيز المصلحة المشتركة لتنمية حوض النهر.
وجلي بالقول إنه يمكننا أن نبدي على المعاهدات الخاصة بتنظيم استغلال مياه النيل الملاحظات التالية:
1- إن بعض هذه المعاهدات تناولت الوضع الإقليمي والجغرافي للدول المتعاقدة. وكما هو معلوم فإن هذا النوع من الاتفاقات الخاصة بالوضع الإقليمي والحدود، إنما تشكل, على ما انتهى إليه الفقه والقضاء الدوليان. قيدًا أو التزامًا على عاتق الدولة وعلى إقليمها, ولا يؤدي انتقال السيادة على الإقليم إلى التحلل منه. وهو ما أكدته المادتان الحادية، والثانية عشرة من اتفاقية فيينا بشأن التواصل الدولي في مجال المعاهدات أخذًا بنظرية الاتفاقات الموضوعية الممتدة.
حيث قررت المادة الحادية عشرة أنه لا تؤثر خلافات الدول في حد ذاتها على:
أ- الحدود المقررة بمعاهدة.
ب- الالتزامات والحقوق المقررة بمعاهدة، والمتعلقة بنظام الحدود.
ويتوافق نص هذه المادة مع ما قررته المادة الثانية والستون من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969 في فقرتها الثانية.
إن التعداد السكاني للشعب المصري البالغ 90 مليون ينبغي أن يتوفر له 90 مليار متر مكعب من المياه العذبة سنويا حتى يعيش عند الحد الأدنى لمستوى الشح المائي
ما المادة الثانية عشرة فقد جرى نصها على أنه:
أ. لا تؤثر خلافة الدول في حد ذاتها على:
(1) الالتزامات المتصلة باستخدام أي إقليم, أو بقيود على استخدامه، والمقررة بمعاهدة لصالح أي إقليم لدولة أجنبية والمعتبرة لصيقة بالإقليمين المعنيّين.
(2) الحقوق المقررة بمعاهدة لصالح أي إقليم والمتعلقة باستخدام أي إقليم لدولة أجنبية أو بقيود على استخدامه، والمعتبرة لصيقة بالإقليمين المعنيّين.
ب. ولا تؤثر خلافة دولة ما في حد ذاتها على:
(1) الالتزامات المتصلة باستخدام أي إقليم، أو بقيود على استخدامه، والمقررة بمعاهدة لصالح مجموعة دول أو لصالح جميع الدول, والمعتبرة لصيقة لذلك الإقليم.
(2) الحقوق المقررة بمعاهدة لصالح مجموعة دول أو لصالح جميع الدول, والمعتبرة لصيقة بذلك الإقليم.
(3) إن نص هذه المادة لا يطبق على الالتزامات التعاهدية التي تنص على إقامة قواعد عسكرية أجنبية في الإقليم موضوع التوارث بين الدول، وتتعلق نصوص هذه المادة بالاتفاقات الدولية, أي الالتزامات الإقليمية التي تجد أساسها في العرف، أو الاتفاق، وتتحملها دولة الإقليم لصالح دولة، أو مجموعة من الدول الأخرى.
2- كانت الدول الموقّعة على هذه المعاهدات في حالات كثيرة دولا أوربية من أصحاب المستعمرات, وقعت تلك المعاهدات باسم الدولة أو الإقليم الأفريقي الخاضع لحكمها, ومع ذلك فإن القانون الدولي يعترف بسريان مفعول هذه المعاهدات وفقًا لقواعد قانون التوارث بين الدول. لا سيما وأن هذه المعاهدات لم تأتِ بمبادئ قانونية جديدة على خلاف القواعد العامة الحاكمة للنظام القانوني للأنهار الدولية, وإنما أكدت فحسب المبادئ التي سبق للفقه والعرف الدوليين قبولها, كمبدأ الاعتراف بالحقوق الدولية المكتسبة, ومبدأ وجوب التعاون والتشاور والإخطار.
3- تكشف العديد من هذه الاتفاقات عن التزام دول حوض النيل من الناحية القانونية بمنح الأولوية المطلقة للحقوق التاريخية والاقتسام السابق للمياه. فبمقتضى البروتوكول الموقع بين إيطاليا وبريطانيا في روما عام 1891.
اتفاقية 1902 التي وقعها إمبراطور الحبشة منيليك الثاني مع كل من بريطانيا وإيطاليا.
المحور الثالث- واقع وفرص التعاون مع دول الحوض
في هذا السياق تحدث أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر جامعة المنصورة، الدكتور زكي البحيري، وأشار في مقدمته أن علاقة مصر بقارتها الأفريقية وثيقة وضاربة في القدم منذ وقت مبكر، وذلك أمر طبيعي؛ فمصالح مصر الفعلية هي مع أفريقيا، وانتماؤها أفريقي، وأمنها القومي يبدأ من منابع نهر النيل في قلب القارة الأفريقية، ذلك النهر الذي هو سر الحياة والحضارة التي نشأت على أرض هذا الوادي.
وفي هذا الإطار فقد أشار إلى عدة مشروعات للتعاون والعمل المشترك بين دول حوض النيل؛ وأهمها:
1 - لجنة التعاون المائي لبلدان شرق أفريقيا: وتكونت في 1955 ".
2 - مشروع الدراسات الهيدرومترولوجية: (Hydrometeorological Survey of the Catchments of Lakes Victoria, and Albert) : وتم إنشاؤه بين خمس من دول الحوض، هي: مصر والسودان وكينيا وأوغندا وتنزانيا، للتنبؤ بكميات سقوط الأمطار وتحديد مواعيد وأماكن سقوطها، في نطاق بحيرات فيكتوريا وألبرت وكيوجا.
3 - التجمع الاقتصادي لدول البحيرات العظمى: وتم إنشاؤه 1976، في مدينة "جيسيني"، وضم دول رواندا وبوروندي وزائير، وهي الدول ذات الارتباط بنهر السمليكي، ونهر كاجيرا في رواندا وبوروندي، وهدفه التنمية، وتوليد الكهرباء بمنطقة أعالي النيل.
4 - مشروع قناة جونجلي: ويأتى ضمن مشروعات العمل المشترك في حوض النيل. وتوقف المشروع بسبب استئناف الحرب الأهلية في جنوب السودان 1983.
5 - منظمة الكوميسا: وهي تجمع اقتصادي واسع يشكل في داخله سوقًا مشتركًا لدول شرق وجنوب أفريقيا، ويدخل فيها كل دول حوض النيل، وقد أُنشئت 1994،
6 – الصندوق المصري للتعاون الفني (حاليًا الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية): وتم إنشاؤه 1980، وكان الهدف منه المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول الأفريقية.
7 – الأندوجو: أول تجمع تعاوني واسع لعدد من دول حوض النيل، وتكون في نوفمبر 1983.
8 - لجنة التعاون الفني لتنمية حوض النيل والحفاظ على البيئة.
(تيكونيل): وقد وافق على تكوين هذه اللجنة معظم مجلس وزراء الموارد المائية لدول الحوض في اجتماع كمبالا في ديسمبر 1992.
9 – مبادرة حوض النيل: في مارس 1998 قرر مجلس وزراء الري إقامة هذه المبادرة "(Nile Basin Initiative) لكي تكون مصدرًا للتعاون الإقليمي لا مصدرًا للنزاع حول المياه.
المحور الرابع - الندرة القاتلة ومستقبل أمن المياه في مصر
رغم أن نهر النهر يعد الأطول في العالم، لكنه ليس الأغزر مائيا بل، بعيد عن أغزر عشرة أنهار في التدفقات المائية في العالم، ولا تزيد تصرفاته السنوية (أي ما يصل من ماء النهر إلى دولة المصب) على 84 مليار متر مكعب سنويا يتنافس عليها 437 مليون نفس بشرية تعيش على ضفاف النهر، ومتوقع تضاعفها إلى 874 مليون نسمة عام 2050 طبقا لتقرير مفوضية حوض النيل NBI، الصادر عام 2014.
هذا ما أكده دكتور نادر نور الدين محمد، أستاذ الموارد المائية واستصلاح الأراضي بكلية الزراعة جامعة القاهرة، الذي كتب في هذا السياق، وأكد على أن الاعتماد على ما يجري فقط بين ضفتي نهر النيل لتحديد نصيب الفرد من المياه في دول حوض النيل يهبط بنصيب الفرد من المياه إلى 192 مترا سنويا، ولولا الأمطار الغزيرة التي تسقط على دول منابع النيل الأبيض الست بكميات تصل إلى 1200 مليار، وعلى جنوب السودان بكميات تتجاوز 600 مليار، ثم على إثيوبيا ذات أعلي نسبة مشاركة في التدفقات المائية للنيل بمعدلات تصل إلى 72 مليارًا عبر أنهارها الرئيسية الثلاثة: الأزرق (59-64%)، وعطبرة والسوباط (22%)، فلديها أمطار طبقا لتقرير منظمة الأغذية والزراعة الصادر في ديسمبر 2012 تبلغ 936 مليار متر مكعب سنويا، حيث تسهم هذه الكميات الكبيرة من المياه، في تحسين نصيب الفرد من المياه رغم ما يهدر في المستنقعات الكثيرة الواقعة على طوال النهر، وأكبرها مستنقع الصد، الذي يصنف بالمستنقع الأكبر عالميا، ويهدر ليس أقل من 30 مليار متر مكعب سنويا من مياه النيل الأبيض بسبب انعدام الانحدار في الجنوب السوداني بما يجبر بحر الجبل (اسم النيل الأبيض في جنوب السودان) على الافتراش على مساحة شاسعة مكونة هذا المستنقع. تخرج مصر والسودان من هذا الحزام المطير؛ حيث لا تتجاوز معدلات سقوط الأمطار في مصر والشمال الصحراوي للسودان عن 15 مم سنويا؛ بحيث لا يمكن الاعتداد بها أو استغلالها اقتصاديا في الزراعة.
هذه الرؤية العامة لنهر النيل على اعتبار أنه المصدر الرئيسي، ويكاد يكون الأوحد للمياه العذبة في مصر، وبنسبة تقترب من 95% من إجمالي الموارد المائية المصرية بحصة مكتسبة تعودنا على وصولها إلى الحدود الجنوبية المصرية مقدرة عند مدينة أسوان، وتبلغ 55.5 مليار متر مكعب سنويا، وهي تلك الكمية التي أكدتها اتفاقية عام 1959 مع السودان لتقسيم مياه النيل التي تصل إلى الحدود المصرية، وليس لتقسيم كامل مياه النهر كما يظن البعض. تضاف إلى الكميات السابقة للموارد المائية المصرية كمية 5.5 مليار متر مكعب سنويا من المياه الجوفية التي تستفيد منها مصر سواء داخل أراضي الوادي والدلتا، أو في مناطق الاستصلاح الصحراوية، أو تلك الواقعة على حواف الدلتا، يضاف إليها نحو 1.3 مليار متر مكعب من الأمطار، وهي تلك التي يستفاد منها فقط لأنها تسقط على أراضي الدلتا في شهور السدة الشتوية، ومنع ماء الري عن أراضي الدلتا.
مما تقدم يمكن القول إن إجمالي الموارد المائية المصرية التي يستفاد بها في مصر، والتي تضم مياه نهر النيل، والمياه الجوفية، والأمطار الساقطة على الدلتا المصرية لا تتجاوز 62.3 مليار متر مكعب سنويا لشعب وصل تعداده إلى 90 مليون نسمة، وبالتالي يكون نصيب الفرد من المياه لا يتجاوز 692 متر مكعب سنويا، وينتمي إلى أنصبة الحد الأدنى للشح المائى، والذي حددته منظمة الأمم المتحدة للمياه بأنه يتراوح بين 1700 إلى 1000 متر مكعب للفرد سنويا.
طبقا لحدود الشح المائي السابقة، والتي يمكن التعامل مع حدها الأدنى بنصيب ألف متر مكعب سنويا للفرد، وبالتالي فإن التعداد السكاني للشعب المصري البالغ 90 مليون ينبغي أن يتوفر له 90 مليار متر مكعب من المياه العذبة سنويا حتى يعيش عند الحد الأدنى لمستوى الشح المائي، وبالتالي يكون العجز الحقيقي والواقعي في الموارد المائية المصرية، وهو الذي يوضح الفارق بين "المفترض والمتاح" يبلغ 28 مليار متر مكعب سنويا، وهو عجز هائل في دولة لا تعيش على أكثر من 6% فقط من مساحتها، منها: 3% للأراضي الزراعية، والباقي للعمران والسكن، لو كانت مصر تعيش على كامل، أو أغلب مساحتها لاستفحل الأمر، وتطلب نقل هذه المياه إلى مسافات أطول تفقد خلالها كميات ليست بالقليلة بالبخر، والتسرب الجانبى، والعميق خلال ترع التوزيع، وتوصيل المياه.
أما عن مستقبل أمن المياه في مصر فتشير توقعات المراكز الديموجرافية العالمية؛ بأن تعداد السكان في مصر في عام 2050 سيصل إلى 135 مليون نسمة تتطلب احتياجات مائية لا تقل عن 135 مليار متر مكعب سنويا؛ لنعيش عند مستوى يلامس الشح المائي، بينما من غير المتوقع أن تزيد الموارد المائية المصرية عن معدلاتها الحالية عند مستوى 62.3 مليار متر مكعب سنويا؛ حيث أنهت اتفاقية عنتيبي الموقعة في 14 مايو عام 2010 الآمال المصرية في استقطاب مياه المستنقعات لزيادة الموارد المائية للنهر، واقتسامها مع الدول التي تقع فيها هذه المستنقعات؛ بسبب نص الاتفاقية الموقع عليها من إثيوبيا، وجميع دول منابع النيل الأبيض باستثناء دولة الكونغو على السيادة المطلقة لكل دولة على مستنقعاتها، وفواقدها المائية، والتحجج بالحفاظ على التنوع والتوازن الحيوي في هذه المستنقعات، وبالتالي فعلي مصر أن تبحث وتهتم من الآن بالدراسات المستقبلية لأمن المياه في مصر. هذا العدد من السكان لمصر في عام 2050 يحتاج إلى 135 مليارًا، وبالتالي سيرتفع العجز المائي المصري إلى 75 مليارا، وهو عجز هائل ينبغي تسخير كل الدراسات للتوصل إلى كيفية التعامل والتغلب على هذا العجز، وينخفض معها نصيب الفرد إلى 460 متر مكعب للفرد سنويا لننتقل إلى حد الشح المائي المدقع والمزمن Acute Water Scarcity، الذي حددته منظمات المياه الدولية بحصة 500 متر مكعب للفرد سنويا.
أولى الموارد المائية المستقبلية المتوقع الاستعانة بها؛ بسبب العجز المائي الهائل السابق هو الدخول في معترك تحلية وإعذاب مياه البحر، التي لا ينبغي أن نتفاءل بها كثيرا؛ حيث إن المبدأ العالمي لتحلية مياه البحار والمحيطات هو الحفاظ على حياة البشر، وليس لإحداث تنمية، وعلى ذلك فإن كل كميات المياه المحلاة في العالم لا تتجاوز 22 مليار متر مكعب سنويا من إجمالي الموارد المائية للعالم، والبالغة 4500 مليار متر مكعب من المياه العذبة يتم استخدام 3500 مليار منها حتى الآن، وتستأثر دول الخليج بالنسبة الكبرى لمياه التحلية في العالم نظرًا لمحدودية مواردها من المياه العذبة. وفي هذا المجال ينبغي الإشارة إلى أن أهم معوقات لجوء مصر إلى تقنيات تحلية مياه البحرين المتوسط والأحمر هو كمية الطاقة الكهربية الكبيرة التي تحتاجها عمليات التحلية، التي تقدر بنحو 2.5 كيلووات/ساعة لإنتاج متر مكعب من المياه، وثانيا هو دفن النفايات الناتجة عن التحلية من الأملاح، وبعض الملوثات، والفلزات الثقيلة، والعناصر النادرة بما يتطلب تدبير أماكن عميقة لهذه النفايات، التي لا يمكن إعادتها للبحر مرة ثانية. الأمر الثالث هو التكاليف المرتفعة للتحلية بالنسبة لمختلف استخدامات قطاعات الدولة، التي تتراوح حاليا بين 40 إلى 50 سنتًا أمريكيًا، أي ما يعادل ما بين 4 إلى 5 جنيهات مصرية؛ لإنتاج المتر المكعب من المياه العذبة؛ بخلاف تكاليف توصيلها ونقلها حتى أماكن المستفيدين منها.
المورد الثاني، وهو مورد مهم وضخم هو استخدام نظم معالجة مياه الصرف الزراعى، والصحي، والصناعي؛ بحيث لا يتم وصول أي منها إلى النيل وترع الري إلا بعد المعالجة الثلاثية والمتقدمة، التي تزيل كل الملوثات، والسموم المعدنية، والعضوية، والميكروبات الممرضة، وتنتج مياها يمكن استخدامها في جميع المجالات (بخلاف مياه الشرب، التي يشير التقدير الدولي لمنظمة المياه للأمم المتحدة بأن السبب فقط هو أن النفس البشرية تعافها، ولا تتقبل شرب مياه كانت في الأصل صرفًا صحيًا، أو صناعيًا، أو زراعيًا مهما تم التأكيد على تمام نقاوتها وهو ما نوافق عليه تمامًا). تقدر كميات مياه الصرف الزراعي والصحي والصناعي التي يمكن معالجتها نحو 15 مليار متر مكعب قدر لها أنها قد تحتاج إلى نحو 17 مليار جنيه لإقامة محطات المعالجة في القري والريف، إلى أن يتم تعميم شبكات الصرف الصحي في جميع المحافظات، ومحطات المعالجة لتدوير مياه الصرف الصناعي داخل المصانع، وبالمثل أيضًا مياه الصرف الزراعي المحملة بالأملاح، ومتبقيات المبيدات والأسمدة الضارتين، ولكنها تتميز بأن تكاليف معالجتها قد لا تتجاوز نصف، أو ثلث تكاليف تحلية مياه البحار، وفي حدود جنيهين، وهي ما تضيف موردا مهما للموارد المائية المصرية.
في المقابل تتوقع بعض التقديرات والدراسات المصرية لبعض الباحثين في وزارة الري والموارد المائية بأن هناك إمكانيات ودراسات بالوصول إلى ما يمكن الاستفادة منه من المياه الجوفية سواء المتجددة، أو غير المتجددة حتى عام 2050 إلى نحو 10 مليار متر مكعب سنويا، بدلا من خمسة مليارات ونصف مليار حاليًا، وترى بعض المصادر الدولية الأخرى بحتمية لجوء مصر إلى التوسع في إنشاء مصائد الأمطار على طولي الساحلين الشرقي والغربي للمتوسط وللصحاري المصرية، والاستفادة من مياه السيول التي تهاجم سلاسل جبال البحر الأحمر، وسيناء، وجبال محافظات الصعيد بما يمكن أن يوفر ما بين 5 – 10 مليارات متر مكعب سنويًا من مياه الأمطار، ولكنها تتطلب بنيات تحتية، وإنشاءات للهرابات، ومصائد المياه، وشبكات توصيل قد تصل بتكاليفها أيضا إلى نحو 2.5 جنيه للمتر المكعب من مياه الأمطار والسيول المروضة.
من السابق يتبين أن أقصى تنمية للموارد المائية المصرية داخليًا، وبتكاليف ليست بالقلية لا يمكن أن تتجاوز 20 مليار متر مكعب سنويًا في المتوسط. هذه الكميات تجعلنا بعيدين عن سد الفجوة المائية المستقبلية؛ وبالتالي لا بد أن ترتبط خطوات تنمية الموارد المائية داخليًا بخطط مساندة لترشيد استخدامات المياه الحالية، خاصة في القطاع الزراعى، الذي يستأثر وحده بنسبة 85% من إجمالي مواردنا المائية، سواء بتطوير ورفع كفاءة الرى، وكفاءة شبكات التوصيل، وإعادة هيكلة السياسات الزراعية المصرية بتقليل مساحات الحاصلات المستنزفة للمياه، وإحلالها بحاصلات أقل استهلاكًا مثل: تقليل مساحات زراعات قصب السكر، وإحلالها ببنجر السكر (وهناك تحفظات كثيرة على هذا الأمر)، أو استنباط أنواع وتقاوٍ جديدة تمكث فترات أقل في الحقل مثل الأرز، الذي تم اختزال فترة مكوثة في التربة إلى 4 أشهر بدلا من ستة في السابق فتم توفير شهريّ ري، أو حاصلات تتحمل العطش، وارتفاع درجات الحرارة، أو التحول إلى زراعة الأرز بالحبة بدلا من الشتلات، التي تتطلب غمر الأرض بكميات كبيرة من المياه، بالإضافة إلى تقليل مساحات الموز والخضروات ذات الأوراق العريضة مثل: القلقاس، والكرنب، ومعها بعض محاصيل الأعلاف، ويرى البعض أيضا تطبيق نظام "تسعير المياه" المطبق في الأردن، وفلسطين، وباكستان، والولايات المتحدة بتحمل المزارعين تكاليف نقل واستهلاك المياه بما يجبره على الترشيد، ولكن هذا الأمر شائك؛ لأن بيعنا لمياه النيل للمزارعين قد يخلق مبررا لدول المنابع لطلب مقابل مادي لمياه النيل التي تصل إلى مصر ما دامت مصر تبيع المياه لمزارعيها.
المحور الخامس- إمبراطورية المياه وخريطة السدود الإثيوبية
في هذا الجانب من "رؤى مصرية"، تحدث الدكتور عباس شراقي، أستاذ مساعد الجولوجيا بمعهد الدراسات الإفريقية - جامعة القاهرة، حول مدى إسهام الأنهار الإثيوبية وخريطة السدود التي تنتوي بناءها، حيث أكد على أن الأنهار الإثيوبية تسهم بنحو 85% من مياه النيل البالغ مقدارها عند أسوان 84 مليار م3 سنويًا، من خلال 3 أحواض رئيسية: النيل الأزرق (60%)، عطبرة (12%) والسوباط (13%).
وأكد على أنه قد نفذ مكتب الاستصلاح الأمريكي دراسة موسعة عن حوض النيل الأزرق أعوام 1958 -1964، وقد نشرت هذه الدراسة في 7 مجلدات. حددت تلك الدراسة 33 موقعًا لإنشاء سدود متعددة الأغراض على طول النيل الأزرق وروافده الرئيسية، بالإضافة إلى العديد من السدود المقترحة في الأحواض الإثيوبية الأخرى.
أولًا- مشروعات داخل أحواض نهر النيل في إثيوبيا
1- حوض النيل الأزرق
أ- سد شارا شارا: أنشئ سد شارا شارا على مخرج بحيرة تانا لكي ينظم تدفق المياه منها إلى النيل الأزرق.
ب- سد فينشا: أنشئ سدفينشا عام 1973، ويغطي مساحة حوض نهر فينشا نحو 1318 كم2.
ج- تانا - بيليس: يقع مشروع تانا ـ بيليسفي منطقة أمهرة (شمالي غرب إثيوبيا).
د- سد النهضة الإثيوبي: استفادت الحكومة الإثيوبية بنجاح بنود مبادرة حوض النيل كأساس للتكامل والتنمية المستدامة، وأنشأت مشروعي تاكيزي في 2009، وتانا ـ بيليسفي 2011، كما أنها استغلت ثورات الربيع العربي وانشغال مصر بثورة 25 يناير 2011، في الإعلان عن مشروع سد النهضة الإثيوبي العظيم في فبراير 2011.
(1) الخصائص الفنية لسد النهضة: يتكون سد النهضة من سد رئيسي خراساني على مجرى النيل الأزرق بارتفاع 145م وطول 1800م، وبيتين للطاقة يحتويان على وحدات (توربينات) لإنتاج الكهرباء على جانبي النهر، وثلاث قنوات لتصريف المياه والتحكم في منسوب بحيرة السد، وسد مكمل (سرج) بارتفاع 50 م وطول 5 كم لزيادة حجم تخزين المياه إلى 74 مليار م3، يصل طول البحيرة إلى 100 كم بمتوسط عرض 10 كم، وسوف تغرق نحو 200 ألف فدان من إجمالي 350 ألف فدان قابلة للري في منطقة السد، بالإضافة إلى نحو 300 ألف فدان أخرى من الغابات.
(2) وحدات إنتاج الكهرباء: يحتوي تصميم السد على 15 وحدة كهربائية، قدرة كل منها 350 ميجاوات، عبارة عن 10 وحدات على الجانب الغربي من النهر، وخمس على الجانب الشرقي، بإجمالي5225 ميجاوات ازدادت أخيرًا بنهاية2012 لتصبح 6000 ميجاوات بإضافة وحدة أخرى على الجانب الشرقي لتصبح 6 وحدات، مما يجعل سد النهضة في المرتبة الأولى أفريقيًا، والعاشر عالميًا في قائمة أكبر السدود إنتاجًا للكهرباء. وطبقًا للجدول الزمني فمن المقرر الانتهاء من أول وحدتين بعد 44 شهرًا من بدء العمل في أغسطس2014، إلا أنه تعذر تنفيذ ذلك، وتم التأجيل إلى أغسطس 2015، والانتهاء كلية من المشروع في يوليو 2017. ومن المتوقع أن يستغرق سد النهضة 2-3 سنوات إضافية للانتهاء من بنائه كما حدث في المشروعات السابقة.
مشروعات مستقبلية في حوض النيل الأزرق: توجد ثلاثة سدود كبرى مقترحة على نطاق واسع من حيث السعة التخزينية، وتوليد الطاقة الكهرومائية على طول نهر النيل الأزرق الرئيسي داخل إثيوبيا اقترحها مكتب الولايات المتحدة للاستصلاح (USBR) في عام 1964، وهي على النحو التالي:
- سد كارادوبي (Karadobi) على بعد 385 كم جنوب بحيرة تانا، بارتفاع 250م وسعة تخزينية 40 مليارًا م3، وطاقة كهربائية 1600 ميجاوات.
- سد مندايا(Mendaya) على بعد 145 كم غرب كارادوبي، بارتفاع 171 م وسعة تخزينية 49 مليارًا م3، وطاقة كهربائية 1600-2000 ميجاوات.
- سد بيكو أبو (Beko Abo) الذي اختير بدلًا من سد مابيل (Mabil)، على بعد 145 كم شرق الحدود السودانية، بارتفاع 171 م، وسعة تخزينية 49 مليارًا م3، وطاقة كهربائية 1600 ميجاوات بتكلفة تقدر بـ2 مليار دولار. ومن المتوقع أن تبدأ إثيوبيا في تنفيذ أحد هذه المشروعات الثلاثة في أقرب وقت لتخفيف الحمل من على سد النهضة من خلال خفض سرعة المياه، وحجز كمية من الطمي، وبالتالي إطالة عمر سد النهضة.
2- مشروعات حوض عطبرة (تاكيزي)
سد تاكيزي: يقع سد تاكيزي على نهر عطبرة في منطقة تيجري على الحدود الغربية مع شمال إثيوبيا. ويعرف نهر تاكيزي بسيتيت في غربى إثيوبيا وإريتريا وشرق السودان. ويصل طول النهر إلى 608كم داخل إثيوبيا، ويتميز بعمقه، الذي يصل في مناطق إلى أكثر من 2000م.
3- حوض نهر السوباط (بارو-أكوبو)
- سد ألورو(Alwero): تم بناء سد ألورو من 1982 حتى 1997 على نهر ألورو بطول 3,5 كم، وعلى بعد 6,5 كم غرب بلدة أبوبو مكونًا خزان أبوبو (22 كم2) بسعة تخزينية 75 مليون م3 (57 مليون م3 تخزينًا حيًا) من المياه الصالحة لزراعة نحوا 30 ألف فدان، ولكنها لم تستغل بعد.
ثانيًا- مشروعات خارج حوض نهر النيل
1- سد كوكا: حوض نهر أواش هو من أهم الأحواض في إثيوبيا، تم إنشاء سد كوكا عام 1960 جنوب شرق أديس أبابا بنحو 100 كم، وعلى ارتفاع 1551 متر فوق سطح البحر.
2- جيبي1: أنشئ سد جيبي1 (184 ميجاوات) في عام 2004 بتكلفة قدرها 331 مليون دولار أمريكي على نهر جيبي الصغير، وعلى بعد 260 كم من أديس أبابا. وقد تم الانتهاء من المشروع في إطار مشروع البنك الدولى 1997.
3 – جيبي2: في عام 2004، منحت أديس أبابا العقد الثاني لإنشاء جيبي2 إلى شركة ساليني الإيطالية، ويقع جيبي2 على بعد 240 كم جنوب غرب أديس أبابا. ويهدف إلى إنتاج 420 ميجاوات عن طريق سحب المياه من نهر جيبي (خزان جيبي1) المرتفع إلى نهر أومو (المنخفض).
4- جيبي3: في 19 يوليو 2006، وقعت شركة ساليني الإيطالية وإثيوبيا عقدا جديدا بالأمر المباشر أيضًا لبناء سد جيبي 3 على نهر أومو، بارتفاع 244 مترًا، وبذلك يكون أعلى سد في العالم، وسعة تخزينية قدرها 11,75 مليار م3.
أ. لا تؤثر خلافة الدول في حد ذاتها على:
(1) الالتزامات المتصلة باستخدام أي إقليم, أو بقيود على استخدامه، والمقررة بمعاهدة لصالح أي إقليم لدولة أجنبية والمعتبرة لصيقة بالإقليمين المعنيّين.
(2) الحقوق المقررة بمعاهدة لصالح أي إقليم والمتعلقة باستخدام أي إقليم لدولة أجنبية أو بقيود على استخدامه، والمعتبرة لصيقة بالإقليمين المعنيّين.
ب. ولا تؤثر خلافة دولة ما في حد ذاتها على:
(1) الالتزامات المتصلة باستخدام أي إقليم، أو بقيود على استخدامه، والمقررة بمعاهدة لصالح مجموعة دول أو لصالح جميع الدول, والمعتبرة لصيقة لذلك الإقليم.
(2) الحقوق المقررة بمعاهدة لصالح مجموعة دول أو لصالح جميع الدول, والمعتبرة لصيقة بذلك الإقليم.
(3) إن نص هذه المادة لا يطبق على الالتزامات التعاهدية التي تنص على إقامة قواعد عسكرية أجنبية في الإقليم موضوع التوارث بين الدول، وتتعلق نصوص هذه المادة بالاتفاقات الدولية, أي الالتزامات الإقليمية التي تجد أساسها في العرف، أو الاتفاق، وتتحملها دولة الإقليم لصالح دولة، أو مجموعة من الدول الأخرى.
2- كانت الدول الموقّعة على هذه المعاهدات في حالات كثيرة دولا أوربية من أصحاب المستعمرات, وقعت تلك المعاهدات باسم الدولة أو الإقليم الأفريقي الخاضع لحكمها, ومع ذلك فإن القانون الدولي يعترف بسريان مفعول هذه المعاهدات وفقًا لقواعد قانون التوارث بين الدول. لا سيما وأن هذه المعاهدات لم تأتِ بمبادئ قانونية جديدة على خلاف القواعد العامة الحاكمة للنظام القانوني للأنهار الدولية, وإنما أكدت فحسب المبادئ التي سبق للفقه والعرف الدوليين قبولها, كمبدأ الاعتراف بالحقوق الدولية المكتسبة, ومبدأ وجوب التعاون والتشاور والإخطار.
3- تكشف العديد من هذه الاتفاقات عن التزام دول حوض النيل من الناحية القانونية بمنح الأولوية المطلقة للحقوق التاريخية والاقتسام السابق للمياه. فبمقتضى البروتوكول الموقع بين إيطاليا وبريطانيا في روما عام 1891.
اتفاقية 1902 التي وقعها إمبراطور الحبشة منيليك الثاني مع كل من بريطانيا وإيطاليا.
المحور الثالث- واقع وفرص التعاون مع دول الحوض
في هذا السياق تحدث أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر جامعة المنصورة، الدكتور زكي البحيري، وأشار في مقدمته أن علاقة مصر بقارتها الأفريقية وثيقة وضاربة في القدم منذ وقت مبكر، وذلك أمر طبيعي؛ فمصالح مصر الفعلية هي مع أفريقيا، وانتماؤها أفريقي، وأمنها القومي يبدأ من منابع نهر النيل في قلب القارة الأفريقية، ذلك النهر الذي هو سر الحياة والحضارة التي نشأت على أرض هذا الوادي.
وفي هذا الإطار فقد أشار إلى عدة مشروعات للتعاون والعمل المشترك بين دول حوض النيل؛ وأهمها:
1 - لجنة التعاون المائي لبلدان شرق أفريقيا: وتكونت في 1955 ".
2 - مشروع الدراسات الهيدرومترولوجية: (Hydrometeorological Survey of the Catchments of Lakes Victoria, and Albert) : وتم إنشاؤه بين خمس من دول الحوض، هي: مصر والسودان وكينيا وأوغندا وتنزانيا، للتنبؤ بكميات سقوط الأمطار وتحديد مواعيد وأماكن سقوطها، في نطاق بحيرات فيكتوريا وألبرت وكيوجا.
3 - التجمع الاقتصادي لدول البحيرات العظمى: وتم إنشاؤه 1976، في مدينة "جيسيني"، وضم دول رواندا وبوروندي وزائير، وهي الدول ذات الارتباط بنهر السمليكي، ونهر كاجيرا في رواندا وبوروندي، وهدفه التنمية، وتوليد الكهرباء بمنطقة أعالي النيل.
4 - مشروع قناة جونجلي: ويأتى ضمن مشروعات العمل المشترك في حوض النيل. وتوقف المشروع بسبب استئناف الحرب الأهلية في جنوب السودان 1983.
5 - منظمة الكوميسا: وهي تجمع اقتصادي واسع يشكل في داخله سوقًا مشتركًا لدول شرق وجنوب أفريقيا، ويدخل فيها كل دول حوض النيل، وقد أُنشئت 1994،
6 – الصندوق المصري للتعاون الفني (حاليًا الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية): وتم إنشاؤه 1980، وكان الهدف منه المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول الأفريقية.
7 – الأندوجو: أول تجمع تعاوني واسع لعدد من دول حوض النيل، وتكون في نوفمبر 1983.
8 - لجنة التعاون الفني لتنمية حوض النيل والحفاظ على البيئة.
(تيكونيل): وقد وافق على تكوين هذه اللجنة معظم مجلس وزراء الموارد المائية لدول الحوض في اجتماع كمبالا في ديسمبر 1992.
9 – مبادرة حوض النيل: في مارس 1998 قرر مجلس وزراء الري إقامة هذه المبادرة "(Nile Basin Initiative) لكي تكون مصدرًا للتعاون الإقليمي لا مصدرًا للنزاع حول المياه.
المحور الرابع - الندرة القاتلة ومستقبل أمن المياه في مصر
رغم أن نهر النهر يعد الأطول في العالم، لكنه ليس الأغزر مائيا بل، بعيد عن أغزر عشرة أنهار في التدفقات المائية في العالم، ولا تزيد تصرفاته السنوية (أي ما يصل من ماء النهر إلى دولة المصب) على 84 مليار متر مكعب سنويا يتنافس عليها 437 مليون نفس بشرية تعيش على ضفاف النهر، ومتوقع تضاعفها إلى 874 مليون نسمة عام 2050 طبقا لتقرير مفوضية حوض النيل NBI، الصادر عام 2014.
هذا ما أكده دكتور نادر نور الدين محمد، أستاذ الموارد المائية واستصلاح الأراضي بكلية الزراعة جامعة القاهرة، الذي كتب في هذا السياق، وأكد على أن الاعتماد على ما يجري فقط بين ضفتي نهر النيل لتحديد نصيب الفرد من المياه في دول حوض النيل يهبط بنصيب الفرد من المياه إلى 192 مترا سنويا، ولولا الأمطار الغزيرة التي تسقط على دول منابع النيل الأبيض الست بكميات تصل إلى 1200 مليار، وعلى جنوب السودان بكميات تتجاوز 600 مليار، ثم على إثيوبيا ذات أعلي نسبة مشاركة في التدفقات المائية للنيل بمعدلات تصل إلى 72 مليارًا عبر أنهارها الرئيسية الثلاثة: الأزرق (59-64%)، وعطبرة والسوباط (22%)، فلديها أمطار طبقا لتقرير منظمة الأغذية والزراعة الصادر في ديسمبر 2012 تبلغ 936 مليار متر مكعب سنويا، حيث تسهم هذه الكميات الكبيرة من المياه، في تحسين نصيب الفرد من المياه رغم ما يهدر في المستنقعات الكثيرة الواقعة على طوال النهر، وأكبرها مستنقع الصد، الذي يصنف بالمستنقع الأكبر عالميا، ويهدر ليس أقل من 30 مليار متر مكعب سنويا من مياه النيل الأبيض بسبب انعدام الانحدار في الجنوب السوداني بما يجبر بحر الجبل (اسم النيل الأبيض في جنوب السودان) على الافتراش على مساحة شاسعة مكونة هذا المستنقع. تخرج مصر والسودان من هذا الحزام المطير؛ حيث لا تتجاوز معدلات سقوط الأمطار في مصر والشمال الصحراوي للسودان عن 15 مم سنويا؛ بحيث لا يمكن الاعتداد بها أو استغلالها اقتصاديا في الزراعة.
هذه الرؤية العامة لنهر النيل على اعتبار أنه المصدر الرئيسي، ويكاد يكون الأوحد للمياه العذبة في مصر، وبنسبة تقترب من 95% من إجمالي الموارد المائية المصرية بحصة مكتسبة تعودنا على وصولها إلى الحدود الجنوبية المصرية مقدرة عند مدينة أسوان، وتبلغ 55.5 مليار متر مكعب سنويا، وهي تلك الكمية التي أكدتها اتفاقية عام 1959 مع السودان لتقسيم مياه النيل التي تصل إلى الحدود المصرية، وليس لتقسيم كامل مياه النهر كما يظن البعض. تضاف إلى الكميات السابقة للموارد المائية المصرية كمية 5.5 مليار متر مكعب سنويا من المياه الجوفية التي تستفيد منها مصر سواء داخل أراضي الوادي والدلتا، أو في مناطق الاستصلاح الصحراوية، أو تلك الواقعة على حواف الدلتا، يضاف إليها نحو 1.3 مليار متر مكعب من الأمطار، وهي تلك التي يستفاد منها فقط لأنها تسقط على أراضي الدلتا في شهور السدة الشتوية، ومنع ماء الري عن أراضي الدلتا.
مما تقدم يمكن القول إن إجمالي الموارد المائية المصرية التي يستفاد بها في مصر، والتي تضم مياه نهر النيل، والمياه الجوفية، والأمطار الساقطة على الدلتا المصرية لا تتجاوز 62.3 مليار متر مكعب سنويا لشعب وصل تعداده إلى 90 مليون نسمة، وبالتالي يكون نصيب الفرد من المياه لا يتجاوز 692 متر مكعب سنويا، وينتمي إلى أنصبة الحد الأدنى للشح المائى، والذي حددته منظمة الأمم المتحدة للمياه بأنه يتراوح بين 1700 إلى 1000 متر مكعب للفرد سنويا.
طبقا لحدود الشح المائي السابقة، والتي يمكن التعامل مع حدها الأدنى بنصيب ألف متر مكعب سنويا للفرد، وبالتالي فإن التعداد السكاني للشعب المصري البالغ 90 مليون ينبغي أن يتوفر له 90 مليار متر مكعب من المياه العذبة سنويا حتى يعيش عند الحد الأدنى لمستوى الشح المائي، وبالتالي يكون العجز الحقيقي والواقعي في الموارد المائية المصرية، وهو الذي يوضح الفارق بين "المفترض والمتاح" يبلغ 28 مليار متر مكعب سنويا، وهو عجز هائل في دولة لا تعيش على أكثر من 6% فقط من مساحتها، منها: 3% للأراضي الزراعية، والباقي للعمران والسكن، لو كانت مصر تعيش على كامل، أو أغلب مساحتها لاستفحل الأمر، وتطلب نقل هذه المياه إلى مسافات أطول تفقد خلالها كميات ليست بالقليلة بالبخر، والتسرب الجانبى، والعميق خلال ترع التوزيع، وتوصيل المياه.
أما عن مستقبل أمن المياه في مصر فتشير توقعات المراكز الديموجرافية العالمية؛ بأن تعداد السكان في مصر في عام 2050 سيصل إلى 135 مليون نسمة تتطلب احتياجات مائية لا تقل عن 135 مليار متر مكعب سنويا؛ لنعيش عند مستوى يلامس الشح المائي، بينما من غير المتوقع أن تزيد الموارد المائية المصرية عن معدلاتها الحالية عند مستوى 62.3 مليار متر مكعب سنويا؛ حيث أنهت اتفاقية عنتيبي الموقعة في 14 مايو عام 2010 الآمال المصرية في استقطاب مياه المستنقعات لزيادة الموارد المائية للنهر، واقتسامها مع الدول التي تقع فيها هذه المستنقعات؛ بسبب نص الاتفاقية الموقع عليها من إثيوبيا، وجميع دول منابع النيل الأبيض باستثناء دولة الكونغو على السيادة المطلقة لكل دولة على مستنقعاتها، وفواقدها المائية، والتحجج بالحفاظ على التنوع والتوازن الحيوي في هذه المستنقعات، وبالتالي فعلي مصر أن تبحث وتهتم من الآن بالدراسات المستقبلية لأمن المياه في مصر. هذا العدد من السكان لمصر في عام 2050 يحتاج إلى 135 مليارًا، وبالتالي سيرتفع العجز المائي المصري إلى 75 مليارا، وهو عجز هائل ينبغي تسخير كل الدراسات للتوصل إلى كيفية التعامل والتغلب على هذا العجز، وينخفض معها نصيب الفرد إلى 460 متر مكعب للفرد سنويا لننتقل إلى حد الشح المائي المدقع والمزمن Acute Water Scarcity، الذي حددته منظمات المياه الدولية بحصة 500 متر مكعب للفرد سنويا.
أولى الموارد المائية المستقبلية المتوقع الاستعانة بها؛ بسبب العجز المائي الهائل السابق هو الدخول في معترك تحلية وإعذاب مياه البحر، التي لا ينبغي أن نتفاءل بها كثيرا؛ حيث إن المبدأ العالمي لتحلية مياه البحار والمحيطات هو الحفاظ على حياة البشر، وليس لإحداث تنمية، وعلى ذلك فإن كل كميات المياه المحلاة في العالم لا تتجاوز 22 مليار متر مكعب سنويا من إجمالي الموارد المائية للعالم، والبالغة 4500 مليار متر مكعب من المياه العذبة يتم استخدام 3500 مليار منها حتى الآن، وتستأثر دول الخليج بالنسبة الكبرى لمياه التحلية في العالم نظرًا لمحدودية مواردها من المياه العذبة. وفي هذا المجال ينبغي الإشارة إلى أن أهم معوقات لجوء مصر إلى تقنيات تحلية مياه البحرين المتوسط والأحمر هو كمية الطاقة الكهربية الكبيرة التي تحتاجها عمليات التحلية، التي تقدر بنحو 2.5 كيلووات/ساعة لإنتاج متر مكعب من المياه، وثانيا هو دفن النفايات الناتجة عن التحلية من الأملاح، وبعض الملوثات، والفلزات الثقيلة، والعناصر النادرة بما يتطلب تدبير أماكن عميقة لهذه النفايات، التي لا يمكن إعادتها للبحر مرة ثانية. الأمر الثالث هو التكاليف المرتفعة للتحلية بالنسبة لمختلف استخدامات قطاعات الدولة، التي تتراوح حاليا بين 40 إلى 50 سنتًا أمريكيًا، أي ما يعادل ما بين 4 إلى 5 جنيهات مصرية؛ لإنتاج المتر المكعب من المياه العذبة؛ بخلاف تكاليف توصيلها ونقلها حتى أماكن المستفيدين منها.
المورد الثاني، وهو مورد مهم وضخم هو استخدام نظم معالجة مياه الصرف الزراعى، والصحي، والصناعي؛ بحيث لا يتم وصول أي منها إلى النيل وترع الري إلا بعد المعالجة الثلاثية والمتقدمة، التي تزيل كل الملوثات، والسموم المعدنية، والعضوية، والميكروبات الممرضة، وتنتج مياها يمكن استخدامها في جميع المجالات (بخلاف مياه الشرب، التي يشير التقدير الدولي لمنظمة المياه للأمم المتحدة بأن السبب فقط هو أن النفس البشرية تعافها، ولا تتقبل شرب مياه كانت في الأصل صرفًا صحيًا، أو صناعيًا، أو زراعيًا مهما تم التأكيد على تمام نقاوتها وهو ما نوافق عليه تمامًا). تقدر كميات مياه الصرف الزراعي والصحي والصناعي التي يمكن معالجتها نحو 15 مليار متر مكعب قدر لها أنها قد تحتاج إلى نحو 17 مليار جنيه لإقامة محطات المعالجة في القري والريف، إلى أن يتم تعميم شبكات الصرف الصحي في جميع المحافظات، ومحطات المعالجة لتدوير مياه الصرف الصناعي داخل المصانع، وبالمثل أيضًا مياه الصرف الزراعي المحملة بالأملاح، ومتبقيات المبيدات والأسمدة الضارتين، ولكنها تتميز بأن تكاليف معالجتها قد لا تتجاوز نصف، أو ثلث تكاليف تحلية مياه البحار، وفي حدود جنيهين، وهي ما تضيف موردا مهما للموارد المائية المصرية.
في المقابل تتوقع بعض التقديرات والدراسات المصرية لبعض الباحثين في وزارة الري والموارد المائية بأن هناك إمكانيات ودراسات بالوصول إلى ما يمكن الاستفادة منه من المياه الجوفية سواء المتجددة، أو غير المتجددة حتى عام 2050 إلى نحو 10 مليار متر مكعب سنويا، بدلا من خمسة مليارات ونصف مليار حاليًا، وترى بعض المصادر الدولية الأخرى بحتمية لجوء مصر إلى التوسع في إنشاء مصائد الأمطار على طولي الساحلين الشرقي والغربي للمتوسط وللصحاري المصرية، والاستفادة من مياه السيول التي تهاجم سلاسل جبال البحر الأحمر، وسيناء، وجبال محافظات الصعيد بما يمكن أن يوفر ما بين 5 – 10 مليارات متر مكعب سنويًا من مياه الأمطار، ولكنها تتطلب بنيات تحتية، وإنشاءات للهرابات، ومصائد المياه، وشبكات توصيل قد تصل بتكاليفها أيضا إلى نحو 2.5 جنيه للمتر المكعب من مياه الأمطار والسيول المروضة.
من السابق يتبين أن أقصى تنمية للموارد المائية المصرية داخليًا، وبتكاليف ليست بالقلية لا يمكن أن تتجاوز 20 مليار متر مكعب سنويًا في المتوسط. هذه الكميات تجعلنا بعيدين عن سد الفجوة المائية المستقبلية؛ وبالتالي لا بد أن ترتبط خطوات تنمية الموارد المائية داخليًا بخطط مساندة لترشيد استخدامات المياه الحالية، خاصة في القطاع الزراعى، الذي يستأثر وحده بنسبة 85% من إجمالي مواردنا المائية، سواء بتطوير ورفع كفاءة الرى، وكفاءة شبكات التوصيل، وإعادة هيكلة السياسات الزراعية المصرية بتقليل مساحات الحاصلات المستنزفة للمياه، وإحلالها بحاصلات أقل استهلاكًا مثل: تقليل مساحات زراعات قصب السكر، وإحلالها ببنجر السكر (وهناك تحفظات كثيرة على هذا الأمر)، أو استنباط أنواع وتقاوٍ جديدة تمكث فترات أقل في الحقل مثل الأرز، الذي تم اختزال فترة مكوثة في التربة إلى 4 أشهر بدلا من ستة في السابق فتم توفير شهريّ ري، أو حاصلات تتحمل العطش، وارتفاع درجات الحرارة، أو التحول إلى زراعة الأرز بالحبة بدلا من الشتلات، التي تتطلب غمر الأرض بكميات كبيرة من المياه، بالإضافة إلى تقليل مساحات الموز والخضروات ذات الأوراق العريضة مثل: القلقاس، والكرنب، ومعها بعض محاصيل الأعلاف، ويرى البعض أيضا تطبيق نظام "تسعير المياه" المطبق في الأردن، وفلسطين، وباكستان، والولايات المتحدة بتحمل المزارعين تكاليف نقل واستهلاك المياه بما يجبره على الترشيد، ولكن هذا الأمر شائك؛ لأن بيعنا لمياه النيل للمزارعين قد يخلق مبررا لدول المنابع لطلب مقابل مادي لمياه النيل التي تصل إلى مصر ما دامت مصر تبيع المياه لمزارعيها.
المحور الخامس- إمبراطورية المياه وخريطة السدود الإثيوبية
في هذا الجانب من "رؤى مصرية"، تحدث الدكتور عباس شراقي، أستاذ مساعد الجولوجيا بمعهد الدراسات الإفريقية - جامعة القاهرة، حول مدى إسهام الأنهار الإثيوبية وخريطة السدود التي تنتوي بناءها، حيث أكد على أن الأنهار الإثيوبية تسهم بنحو 85% من مياه النيل البالغ مقدارها عند أسوان 84 مليار م3 سنويًا، من خلال 3 أحواض رئيسية: النيل الأزرق (60%)، عطبرة (12%) والسوباط (13%).
وأكد على أنه قد نفذ مكتب الاستصلاح الأمريكي دراسة موسعة عن حوض النيل الأزرق أعوام 1958 -1964، وقد نشرت هذه الدراسة في 7 مجلدات. حددت تلك الدراسة 33 موقعًا لإنشاء سدود متعددة الأغراض على طول النيل الأزرق وروافده الرئيسية، بالإضافة إلى العديد من السدود المقترحة في الأحواض الإثيوبية الأخرى.
أولًا- مشروعات داخل أحواض نهر النيل في إثيوبيا
1- حوض النيل الأزرق
أ- سد شارا شارا: أنشئ سد شارا شارا على مخرج بحيرة تانا لكي ينظم تدفق المياه منها إلى النيل الأزرق.
ب- سد فينشا: أنشئ سدفينشا عام 1973، ويغطي مساحة حوض نهر فينشا نحو 1318 كم2.
ج- تانا - بيليس: يقع مشروع تانا ـ بيليسفي منطقة أمهرة (شمالي غرب إثيوبيا).
د- سد النهضة الإثيوبي: استفادت الحكومة الإثيوبية بنجاح بنود مبادرة حوض النيل كأساس للتكامل والتنمية المستدامة، وأنشأت مشروعي تاكيزي في 2009، وتانا ـ بيليسفي 2011، كما أنها استغلت ثورات الربيع العربي وانشغال مصر بثورة 25 يناير 2011، في الإعلان عن مشروع سد النهضة الإثيوبي العظيم في فبراير 2011.
(1) الخصائص الفنية لسد النهضة: يتكون سد النهضة من سد رئيسي خراساني على مجرى النيل الأزرق بارتفاع 145م وطول 1800م، وبيتين للطاقة يحتويان على وحدات (توربينات) لإنتاج الكهرباء على جانبي النهر، وثلاث قنوات لتصريف المياه والتحكم في منسوب بحيرة السد، وسد مكمل (سرج) بارتفاع 50 م وطول 5 كم لزيادة حجم تخزين المياه إلى 74 مليار م3، يصل طول البحيرة إلى 100 كم بمتوسط عرض 10 كم، وسوف تغرق نحو 200 ألف فدان من إجمالي 350 ألف فدان قابلة للري في منطقة السد، بالإضافة إلى نحو 300 ألف فدان أخرى من الغابات.
(2) وحدات إنتاج الكهرباء: يحتوي تصميم السد على 15 وحدة كهربائية، قدرة كل منها 350 ميجاوات، عبارة عن 10 وحدات على الجانب الغربي من النهر، وخمس على الجانب الشرقي، بإجمالي5225 ميجاوات ازدادت أخيرًا بنهاية2012 لتصبح 6000 ميجاوات بإضافة وحدة أخرى على الجانب الشرقي لتصبح 6 وحدات، مما يجعل سد النهضة في المرتبة الأولى أفريقيًا، والعاشر عالميًا في قائمة أكبر السدود إنتاجًا للكهرباء. وطبقًا للجدول الزمني فمن المقرر الانتهاء من أول وحدتين بعد 44 شهرًا من بدء العمل في أغسطس2014، إلا أنه تعذر تنفيذ ذلك، وتم التأجيل إلى أغسطس 2015، والانتهاء كلية من المشروع في يوليو 2017. ومن المتوقع أن يستغرق سد النهضة 2-3 سنوات إضافية للانتهاء من بنائه كما حدث في المشروعات السابقة.
مشروعات مستقبلية في حوض النيل الأزرق: توجد ثلاثة سدود كبرى مقترحة على نطاق واسع من حيث السعة التخزينية، وتوليد الطاقة الكهرومائية على طول نهر النيل الأزرق الرئيسي داخل إثيوبيا اقترحها مكتب الولايات المتحدة للاستصلاح (USBR) في عام 1964، وهي على النحو التالي:
- سد كارادوبي (Karadobi) على بعد 385 كم جنوب بحيرة تانا، بارتفاع 250م وسعة تخزينية 40 مليارًا م3، وطاقة كهربائية 1600 ميجاوات.
- سد مندايا(Mendaya) على بعد 145 كم غرب كارادوبي، بارتفاع 171 م وسعة تخزينية 49 مليارًا م3، وطاقة كهربائية 1600-2000 ميجاوات.
- سد بيكو أبو (Beko Abo) الذي اختير بدلًا من سد مابيل (Mabil)، على بعد 145 كم شرق الحدود السودانية، بارتفاع 171 م، وسعة تخزينية 49 مليارًا م3، وطاقة كهربائية 1600 ميجاوات بتكلفة تقدر بـ2 مليار دولار. ومن المتوقع أن تبدأ إثيوبيا في تنفيذ أحد هذه المشروعات الثلاثة في أقرب وقت لتخفيف الحمل من على سد النهضة من خلال خفض سرعة المياه، وحجز كمية من الطمي، وبالتالي إطالة عمر سد النهضة.
2- مشروعات حوض عطبرة (تاكيزي)
سد تاكيزي: يقع سد تاكيزي على نهر عطبرة في منطقة تيجري على الحدود الغربية مع شمال إثيوبيا. ويعرف نهر تاكيزي بسيتيت في غربى إثيوبيا وإريتريا وشرق السودان. ويصل طول النهر إلى 608كم داخل إثيوبيا، ويتميز بعمقه، الذي يصل في مناطق إلى أكثر من 2000م.
3- حوض نهر السوباط (بارو-أكوبو)
- سد ألورو(Alwero): تم بناء سد ألورو من 1982 حتى 1997 على نهر ألورو بطول 3,5 كم، وعلى بعد 6,5 كم غرب بلدة أبوبو مكونًا خزان أبوبو (22 كم2) بسعة تخزينية 75 مليون م3 (57 مليون م3 تخزينًا حيًا) من المياه الصالحة لزراعة نحوا 30 ألف فدان، ولكنها لم تستغل بعد.
ثانيًا- مشروعات خارج حوض نهر النيل
1- سد كوكا: حوض نهر أواش هو من أهم الأحواض في إثيوبيا، تم إنشاء سد كوكا عام 1960 جنوب شرق أديس أبابا بنحو 100 كم، وعلى ارتفاع 1551 متر فوق سطح البحر.
2- جيبي1: أنشئ سد جيبي1 (184 ميجاوات) في عام 2004 بتكلفة قدرها 331 مليون دولار أمريكي على نهر جيبي الصغير، وعلى بعد 260 كم من أديس أبابا. وقد تم الانتهاء من المشروع في إطار مشروع البنك الدولى 1997.
3 – جيبي2: في عام 2004، منحت أديس أبابا العقد الثاني لإنشاء جيبي2 إلى شركة ساليني الإيطالية، ويقع جيبي2 على بعد 240 كم جنوب غرب أديس أبابا. ويهدف إلى إنتاج 420 ميجاوات عن طريق سحب المياه من نهر جيبي (خزان جيبي1) المرتفع إلى نهر أومو (المنخفض).
4- جيبي3: في 19 يوليو 2006، وقعت شركة ساليني الإيطالية وإثيوبيا عقدا جديدا بالأمر المباشر أيضًا لبناء سد جيبي 3 على نهر أومو، بارتفاع 244 مترًا، وبذلك يكون أعلى سد في العالم، وسعة تخزينية قدرها 11,75 مليار م3.
أعلن وزير المياه والطاقة الإثيوبي، أن نتائج الدراسات التي يتم إجراؤها غير ملزمة، وإن كانت تحظى بالاحترام، ولا تعنى إيقاف البناء في السد، وإنما هي مهمة بعد ذلك لملء السد
المحور السادس- المصيدة والفخ: المبادرة المشتركة لحوض النيل
تناول هذا الجزء من العدد فخاخ المبادرة المشتركة لحوض النيل، وتحدث دكتور ضياء الدين القوصي، خبير المياه ومستشار وزير الري الأسبق باستفاضة عن تلك التحديات:
أولًا- الأهداف الخفية لمبادرة حوض النيل
رغم كل ما ذكرت من قبل فإن أحدًا لم يتنبه إلى أن فخًا قد نصب لمصر عنوانه "مبادرة حوض النيل" تضم عشر دول هي: رواندا، وبوروندي، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وإثيوبيا، وكينيا، وتنزانيا، وأوغندا، والسودان، ومصر أخيرًا، وأخيرًا إريتريا التي آثرت ألا تكون عضوًا عاملا، وإنما طلبت أن تكون فقط عضوًا مراقبًا – كان مجموع سكان هذه الدول وقت توقيع اتفاق المبادرة (فبراير 1999) نحو 300 مليون نسمة، وقيل ساعتها إن هذه الدول تعيش في فقر مدقع؛ حيث إن أربع دول منها هي من أكثر عشر دول في العالم فقرًا، وأن المناخ في هذه الدول مضطرب ومتغير، وأن مواقعها من أكثر الأماكن في العالم تعرضًا للتهديدات والكوارث الطبيعية وغير الطبيعية، وأن البنية التحتية في هذه البلاد هشة ومتهالكة إذا كان لها وجود في الأصل، كل ذلك على الرغم من وجود فرص هائلة للتفوق والانطلاق نحو مستقبل زاهر ووردي – هذا هو العرض الذي يبشر بالعسل، أما عن السم فيقول دافيد جراي أحد خبراء البنك الدولي المرموقين – الذي قامت عليه مبادرة حوض النيل في مراحلها الأولية – أن مصيدة الفقر ترتبط بالمخزون المائي، ولم يجد هنا مثلا يضربه سوى بإثيوبيا التي قال إن حصة الفرد من مخزون المياه فيها لا يزيد على 43 مترًا مكعبًا، مقارنة بما يقارب 6150 مترًا مكعبًا في الولايات المتحدة الأمريكية وأنه يلزم أن يصل هذا النصيب للفرد إلى مستوى مخزون الفرد في جنوب أفريقيا وهو نحو 746 مترًا مكعبًا ( نحو 12% من أمريكا الشمالية) حتى يتحقق لإثيوبيا الاستقرار والتقدم – لاحظ هنا أنه لم يقارن إثيوبيا بمصر حتى لا يثير حفيظة أحد على الرغم من أن نصيب الفرد من مخزون المياه في مصر يزيد على 1000 متر مكعب، وهو يفوق نصيب الفرد الإثيوبي بما يقارب 25 ضعفًا، ولكن الرسالة التي أراد هذا الخبير أن يصل بها إلى باقي دول الحوض هي أن مخزون المياه في إثيوبيا يجب أن يزيد بما يصل إلى 20 ضعفا، وبشكل سريع – لم يتوقف الرجل عند هذا الحد، وإنما استمر في الحديث عن العجز في الطاقة، حيث قال إن استهلاك الفرد في إثيوبيا وهو 21 كيلوات ساعة في العام، لا يقارن بنفس الرقم في مصر الذي يصل إلى 900 كيلوات ساعة، ولا بمتوسط الاستهلاك العالمي الذي يزيد على 2600 كيلوات ساعة.
إذن لم يخف الرجل أن البنك الدولي قد أتى بهذه المبادرة ليس فقط من أجل الأعمال الخيرية التي من شأنها رفع مستويات معيشة دول حوض النيل ونشر الرخاء والرفاهية في ربوع الحوض ولكن من أجل أن تلحق إثيوبيا بالركب العالمي في شأن زيادة حصة الفرد الإثيوبي من المخزون المائي – الذي لا يتحقق إلا بإنشاء السدود وملء خزاناتها بالمياه – وأيضًا بزيادة القدرة على توليد الطاقة الكهربائية – التي لا تتحقق أيضا إلا بوجود المياه في الخزانات أمام السدود، ووجود محطات توليد الطاقة الكهربائية. لهذا فإنه قال إن إمكانات الاستفادة من مياه النيل لتوليد الطاقة الكهربائية التي لا تزيد في مصر عن الانتقال من 10 آلاف ميجاوات ساعة في العام إلى أقل من 20 ألف ميجاوات ساعة، فإن هذه الإمكانات في إثيوبيا يمكن أن تزيد بها من المستوى المتدني التي هي عليه الآن إلى ما يزيد على 140 ألف ميجاوات ساعة.
كل البيانات التي ذكرتها من قبل حصلت عليها من محاضرة ألقاها دافيد جراي يوم 17 فبراير 2005 عن التعاون الحالي، والفرص المتاحة في المستقبل للتنمية المشتركة بين دول حوض النيل الشرقي: (مصر، والسودان، وأثيوبيا).
وبطبيعة الحال تحدث في نفس المحاضرة عن سوء تغذية الأطفال والعجز في الإمداد بالمياه النقية، وخدمات الصرف الصحى، وركز على أن الموارد المائية في الإقليم تقع تحت ضغوط سريعة ومتزايدة، وأن الحاجة إلى النمو تستدعي الإنفاق على مشروعات المياه، وأنه حتى يمكن تجنب الأزمات والصدام يلزم التعاون بين الدول، وأن التنوع في الإنتاج الزراعي والتصدير يمكن أن يلعب دورًا مهمًا في هذا الصدد.
هنا يظهر السم واضحًا إذ إن المسألة ليست فقط في توليد الطاقة الكهربائية كما يدعي البعض، ولكن بيت القصيد هو تخزين المياه اللازمة للتوسع في التنمية الزراعية والتصدير.
ينطلق دافيد جراي ليبشر بالفرص المتاحة في حوض النيل ليقول "إن 90% من إمكانات الحوض في إنتاج الطاقة الكهربائية غير مستغلة. وإن 85% من إجمالى تعداد السكان لا يتمتع بخدمات وصول التيار الكهربائي. وإن 60% من الأراضى القابلة للزراعة المروية لا يتم الاستفادة بها. وإن التخزين المتعدد الأغراض (الزراعة – توليد الطاقة الكهربائية ... إلخ) قليل جدًا على الرغم من الاختلاف الشديد في الهطول المطري زيادة ونقصًا. وضعف الاستدامة البيئية في المجمعات المائية والأراضي والبحيرات والأراضى الرطبة. وضرورة منع حدوث النزاعات والتقليل من التوتر، وتحسين مستوى التكامل".
وفي سبيل الوصول إلى منافع محددة من التعاون بين دول الحوض فإن هناك أربعة أقسام هي (والحديث لا يزال على لسان دافيد جراي) "المنافع البيئية المتزايدة للنهر، وتتمثل في تحسين، واستدامة النظم البيئية، والمحافظة على المياه، وترشيد استخدامها، وتحسين نوعيتها. والمنافع الاقتصادية المتزايدة من النهر: وتتمثل في تحسين الإنتاجية، وإدارة الفيضانات وفترات الجفاف. وخفض التكاليف التي تنفق بسبب النهر: وذلك بالانتقال إلى سياسة التعاون والتنمية. والمنافع المتزايدة غير المباشرة خارج حدود النهر: بالاستفادة من التعاون والتكامل الإقليمي مع الدول الأخرى".
ولعل الإسهاب في عرض وجهة نظر دافيد جراي، وهو أحد كبار مستشاري البنك الدولي كما ذكرنا كان فقط لنقل فلسفة إنشاء مبادرة حوض النيل، التي بدأت بسكرتارية فنية في مدينة عنتيبى الأوغندية في يونيو 1999، وأعلنت رسميًا في سبتمبر من نفس العام.
ثانيًا- مصر والمبادرة: نتائج هزيلة
الواقع أن دولة واحدة لم تتضرر من جراء مبادرة حوض النيل قدر ما تضررت مصر التي عانت الأمرّين من مواجهة باقي دول الحوض التي حرضتها إثيوبيا، وربما كينيا أيضًا على التمرد بزعم أن مصر تقمصت دور الدول الإمبريالية التي طالما أذاقت الدول الأفريقية من ويلات الاحتلال والاستغلال والنهب والاحتكار، وأن هذا الفقر الذي ترزح تحت وطأته معظم دول الحوض، إنما جاء بسبب التخمة التنموية التي تعاني منها مصر – وعندها فطن المفاوض المصري إلى الفخ الذي نصبه البنك الدولي له والمصيدة التي أوقعه في حبائلها، ولم يكن الطعم سوى حفنة من الدولارات التي قدمتها مجموعة من الدول المانحة، وقام البنك الدولي فيها ولأول مرة بدور الوكيل، إذ لم يشأ أن يكون مقرضًا، حيث لن يوافق أحد على شروطه التعسفية، ولم يشأ أن يكون مانحًا؛ لأن الكرم يتعارض مع طبيعته الجشعة الطامعة - لذا فقد قرر أن يرتدي مسوح الرهبان والكهنة ينصح وينظِر ويعظ ويفتي وينهر ويقهر ويأمر وينهي كل ذلك بأموال الغير والغير سعيد بما يقوم به بنك الهوى من تطبيق لسياسات يتفق الجميع عليها لها عنوان واحد، هو استدراج مصر تحت بريق الذهب والدولارات إلى الفخ والمصيدة، ثم حملها على تجرع السم في أطباق العسل حتى تصل الأمور إلى ما وصلت إليه ولا حول ولا قوة إلا باللـه العلي العظيم.
والغريب أن وزيرًا مصريًا واحدًا ظل مسئولا عن هذا الملف طوال ما يزيد على عشر سنوات، ولما طال الأمد وكثر السؤال عن النتائج كانت الإجابة دائما أن كل شيء على ما يرام، وأن الصنعة المليحة يطول بها الوقت على الدوام، وأن ما تم كثير وما تبقى لا يزيد على عدد أصابع اليد الواحدة كنسبة مئوية لما أنجز – إلا أن الرجل اختفى من المسرح السياسي فجأة عام 2009 ليقوم مكانه وزيرًا آخر اصطدم بحقيقة أن شيئًا لم ينجز، وأن الأمر لا يحتوي على إيجابيات تصل في إجماليها إلى عُشر معشار السلبيات، لذا فإن أمر المبادرة انتهى إكلينيكيًا كما ذكرنا في منتصف عام 2010، وإن كانت بعض الشكليات لا تزال قائمة لمجرد الإعلان بين الحين والآخر أن هناك لا يزال شبح وهمي، يسمى "مبادرة حوض النيل".
والحقيقة أن مجموعة الشركاء في هذه المبادرة، التي يمكن أن توصف بالفشل الذريع كانوا جميعًا السبب فيما وصلت إليه؛ إذ إنهم – جميعًا وبلا استثناء – تدعو إلى دولارات المبادرة، كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، وراح كل فريق يرتب للحصول على المناصب والمقار والأثاث والأجهزة، وأظن أن الإنفاق في النهاية وصل إلى مئات الملايين من الدولارات دون أن تتحقق فائدة ملموسة واحدة، ومن الطريف أن الأستاذ محمد حسنين هيكل أشار في حديث تليفزيوني أن البعض اشتكى من التغيير المتواصل لأفراد الفريق المصري المشارك في المبادرة، وعندما سئل أحد المسئولين عن السبب في ذلك قال إن هذا يعود إلى الرغبة في عدالة توزيع المكافآت وبدل السفر بين الأفراد، أما الاستمرارية وتواصل المهام واستدامة المعرفة فكلها أمور شكلية لا تهم ولا تجدي، وعلى الجانب الآخر كان هناك من يهتم بجمع المعلومات، وإعداد الفخ، ونصب المصيدة، وتحديد جرعات السم التي يمكن أن تحتويها أطباق العسل على موائد المصريين، حتى كان لهم ما كان وتحقق لهم ما أرادوا.
أظن صادقًا أن مبادرة حوض النيل هي بدون أدنى شك إحدى أسوأ الفاعليات التي شاركت فيها مصر على مستوى دول حوض النيل، إذا لم تكن أسوأها على الإطلاق، وعلى الرغم من ذلك فإن الترويج الإعلامي الكاذب طالما صور للعام والخاصة أن هذه المبادرة عمل تاريخي لم يصل إليه أحد من العباد من قبل، ولدَّى صورة من حديث أدلى به المدير التنفيذي لسكرتارية مبادرة حوض النيل في المؤتمر الدولي للزراعة والرىفي دول حوض النيل الذي عقد بمدينة المنيا خلال الفترة من 26 – 29 مارس عام 2012 يقول سيادته فيه: بحلول عام 2012 تكون مبادرة حوض النيل قد أنجزت النتائج الأساسية في مسارها الفني والاستثماري، وكان الدعم الذي قدمته المبادرة إلى دول الحوض هائلا نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: (الانتهاء من دراسة شاملة للاتجار في الطاقة بين دول الحوض، وبمشاركة دولة جيبوتي (ولا أدري ما إذا كان ما سيولده سد النهضة الإثيوبي داخل هذا الإطار من عدمه) - أسهم الخبراء من دول الحوض في مساعدة رواندا وكينيا لإدخال الأبعاد الخاصة بالمياه العابرة للحدود في سياستهما الوطنية- تم فتح حوار حول إمكانية طرح تغير المناخ كأحد الموضوعات التي يلزم أن تتم دراستها بشكل إقليمى - تم الاحتفال بنجاح بيوم النيل في 22 فبراير 2012- تم إعداد تقرير عن حالة الحوض - تم تطوير نظام دعم القرار، والذى يشمل إطار الاستدامة في حوض النيل، ونظام معلومات حوض النيل -هناك مشروعات تحت التنفيذ عن التوصيل الداخلي للطاقة والزراعة وإدارة مجمعات المياه، وإدارة أحواض الأنهار والمزارع السمكية والتنبؤ بالفيضانات وإدارتها .. إلخ).
(ولا أدري إن كانت هذه المشروعات قد مرت بمراحل التصميم ودراسات الجدوى، أم أن ذلك كله يقع تحت أعمال التنفيذ، وما نسب الإنجاز المئوية) - تسهيل برنامج التعاون - برنامج إدارة الموارد المائية - برنامج تنمية الموارد المائية.
ترى هل كانت هذه النتائج الهزيلة هي خلاصة عمل لمدة تزيد على الثني عشر عامًا من مائتي خبير من دول حوض النيل العشر يساعدهم المئات من المعاونين، وكانت أيضًا خلاصة إنفاق مئات الملايين من الدولارات، أم نستطيع أن نقول إن الأمر انتهى إلى ما لا يمكن أن يحتسب إنجازًا بالمعنى الحقيقي والصحيح ؟ أترك هذا السؤال ليجيب عنه الزمن والتاريخ.
المحور السابع- أزمة اتفاقية عنتيبي: التفاوض المتعثر والتداعيات الخطرة
تناول دكتور محمد نصر الدين علام، أستاذ هندسة الموارد المائية بكلية الهندسة جامعة القاهرة، ووزير الموارد المائية والري الأسبق، في هذا الجزء سلبيات الاتفاقية الإطارية، حيث رصد في الاتفاقية الإطارية سلبيات عديدة على مصر يمكن إيجازها فيما يلي:
1- الاتفاقية لا تقر بجميع الاتفاقيات السابقة مثل اتفاقية 1929 مع دول الهضبة الاستوائية و1902 مع إثيوبيا، ولا تقر بالحقوق المائية القانونية والتاريخية لدولتي المصب.
2- تنص الاتفاقية على إعادة تقسيم موارد النهر المائية على دول الحوض بمعايير تميل إلى دول المنبع على حساب دولتي المصب، وذلك مقارنة بالمعايير الواردة في اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997.
3- الاتفاقية لا تتضمن الإجراءات التنفيذية للإخطار المسبق، والتى شملتها اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997، والتي تعطي الحق للدول المتضررة الاعتراض على مشروعات وسدود دول أعالى النهر إذا ثبت أنّ لها أضرارًا جسيمة.
4- الاتفاقية تنص على تعديل العديد من البنود والملاحق بالأغلبية (ثلثي الأعضاء) مما يمكّن دول المنبع تغييرها دون الرجوع إلى دولتي المصب.
5- لا تشمل الاتفاقية أي بند لزيادة إيراد النهر، بل تعمل على إعاقة مثل هذه المشاريع حيث تنص صراحة على المحافظة على أراضي البرك والمستنقعات في دول الحوض، والتي يفقد فيها كميات هائلة من إيراد النهر، والتي من خلال تنميتها يمكن زيادة إيراد النهر، وبما يكفي احتياجات جميع دول الحوض.
6- إن بند عدم الإضرار لا معنى له، وغير قابل للتطبيق دون الإقرار بالممارسات والحقوق التاريخية لاستغلال مياه النهر لكل دول الحوض كافة لتكون هي المرجعية لتقدير أي ضرر قد يلحق بهذه الدول نتيجة لأي مشاريع تقوم بها دول أخرى في الحوض.
7- لا تشمل الاتفاقية أي بنود تختص بالإدارة المشتركة للنهر، وتنظيم تدفقاته، وإقامة منشآت عليه، وذلك حتى لا يكون لدولتي المصب أي تدخل في شأن مشاريع أعالي النيل، وهذا يتعارض مع ما نصت عليه اتفاقية الأمم المتحدة للأنهار المشتركة لعام 1997 في ثلاثة بنود كاملة أرقام: (24) و(25) و(26)، التي تختص بإدارة النهر، وتنظيم تدفقاته، وإقامة منشآت عليه على الترتيب.
إن هذه السلبيات والنواقص تتفق مع المقولة التي كان يرددها البعض من أنه كان قد تم الاتفاق مع دول المنبع على 99% من الاتفاقية هل متطلباتنا وحقوقنا التاريخية تقدر فقط 1% من الاتفاقية؟ وهل كان علينا قبول هذه السلبيات، وإهدار الحقوق لنحسن علاقاتنا مع دول الحوض؟ والاتفاقية الإطارية لتعاون دول حوض النيل في شكلها الحالي لا يمكن لمصر توقيعها لنواقصها العديدة، التي تسمح بإعادة توزيع إيراد نهر النيل على دول المنبع خصما من حصتي مصر والسودان. ومصر والسودان ليسا طرفا في هذه الاتفاقية الإطارية، ولذلك فهي لا تلزمهما بأي التزامات قانونية أو مؤسسية، ولكن من ناحية أخرى، لا تعفي هذه الاتفاقية دول المنبع من التزاماتهم القانونية في الاتفاقيات التاريخية القائمة مع مصر والسودان. والدول التي وقعت الاتفاقية الإطارية منهم خمسة في الهضبة الاستوائية، يجمعهم بالفعل تجمع دول شرق أفريقيا، ولن تضيف لهم هذه الاتفاقية أي جديد، وهناك تجمع مماثل لدول بحيرة فكتوريا، ولكن لم تكن له الفاعلية المأمولة على الرغم من مرور سنوات طويلة على إنشائه. وهناك تعارض في المصالح المائية بين دول الهضبة الاستوائية مع بعضها بعضًا، وخاصة كينيا وتنزانيا من ناحية، وأوغندا من ناحية أخرى، فأوغندا تريد صرف أكبر كمية ممكنة من مياه بحيرة فكتوريا لتعظيم إنتاج الكهرباء من خزان أوين وسد بوجاجالي، بينما ترغب كينيا وتنزانيا في تقليل هذه التصرفات لزيادة منسوب البحيرة، واستخدام مياهها في أغراض الشرب والزراعة. وإنشاء أي سدود مائية في كينيا، وتنزانيا، ورواندا، أو بوروندي سيؤثر سلبًا على كهرباء أوغندا. وإثيوبيا من ناحية أخرى لا تشترك مع الدول الاستوائية في الحوض المائي، بل تقع في منبع الحوض الشرقي لنهر النيل، وليس بينها وبين بقية دول المنبع الأخرى أي قواسم مشتركة داخل الحوض للتعاون المائي فيما بينهم. وعلى الرغم من ذلك نجحت إثيوبيا إلى حد كبير في استقطاب دول الهضبة الاستوائية، والاستقواء بهم ضد مصر لتحقيق أهدافها السياسية والمائية، وبالفعل وقع معظم هذه الدول على اتفاقية عنتيبي ويقومون حاليا بإجراءات التصديق عليها. ولكن وبلا شك أنّ الخلاف حول الاتفاقية الإطارية أدى إلى بعض الفتور السياسي بين دول المنبع من ناحية ودولتي المصب من ناحية أخرى، وما لذلك من ضغوط وتوابع سياسية على كل من مصر والسودان.
ولكن إذا كان الهدف الحقيقي للاتفاقية الاطارية هو التوصل إلى إطار فاعل للتعاون بين دول الحوض، فإنه من صالح الجميع العودة إلى مائدة المفاوضات للاتفاق حول النقاط العالقة في الاتفاقية الإطارية لكي تحظى بتوافق جميع دول الحوض. ولتحقيق هذه العودة الحميدة للتفاوض يجب الاتفاق بين دول الحوض على تجميد الاتفاقية الإطارية لفترة زمنية معقولة، ويتم أثناء هذه الفترة التفاوض الجاد حول النقاط االعالقة مع إعداد جيد لمسارات تفاوض محددة، وأجندة تفصيلية. ومن المهم إيصال رسالة اطمئنان لدول الهضبة الاستوائية أن مصر لا تمانع ولا تعترض على مشاريعها المائية والزراعيةة لعدم تأثيرها السلبي الكبير على مصر. ومن الضرورى العمل على محاولة إقناع دول الهضبة الاستوائية على فصل مفاوضات الهضبة الاستوائية عن الهضبة الإثيوبية لاختلاف الخصائص الهيدرولوجية وطبيعة المشاريع التنموية. ومن المهم العمل على زيادة التجارة البينية، وفتح أسواق للمنتجات، والصناعات المصرية، وتعزيز الاستثمارات في دول حوض النيل.
المحور الثامن- أبعاد أزمة سد النهضةوالموقف المصري
في ختام أوراق المجلة، يقدم دكتور هانئ رسلان، مدير مركز الأهرام للدراسات الاجتماعية والتاريخية ورئيس تحرير المجلة، أبعاد وتأثيرات الأزمة والموقف المصري، حيث تناول تحليلًا زمنيًا لتطورات الملف، وفقًا لعدة محطات:
إعلان مالابو
عقب لقاء مطول بين الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإثيوبي، هايلي مريم ديسالين، صدر هذا الإعلان في28 يونيو2014على هيئة بيان مشترك، ونص على أن الطرفين قد قررا تشكيل لجنة عليا تحت إشرافهما المباشر لتناول كل جوانب العلاقات الثنائية والإقليمية في المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والأمنية.
كما أكد الطرفان محورية نهر النيل كمورد أساسي لحياة الشعب المصري ووجوده، وكذلك إدراكهما لاحتياجات الشعب الإثيوبي التنموية.
وفيما يتعلق باستخداماتهما المائية، فقد تم النص على عدد من المبادئ:
1- احترام مبادئ الحوار والتعاون كأساس لتحقيق المكاسب المشتركة، وتجنب الإضرار ببعضهم بعضًا.
2- أولوية إقامة مشروعات إقليمية لتنمية الموارد المالية لسد الطلب المتزايد على المياه، ومواجهة نقص المياه.
3- احترام مبادئ القانون الدولي.
4- الاستئناف الفوري لعمل اللجنة الثلاثية حول سد النهضة بهدف تنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية، واحترام نتائج الدراسات المزمع إجراؤها خلال مختلف مراحل مشروع السد.
5- التزام الحكومة الإثيوبية بتجنب أي ضرر محتمل من سد النهضة على استخدامات مصر من المياه.
6- التزام الحكومة المصرية بالحوار البناء مع إثيوبيا، والذي يأخذ احتياجاتها التنموية، وتطلعات شعب إثيوبيا في الحسبان.
7- التزام الدولتين بالعمل في إطار اللجنة الثلاثية بحسن النية، وفي إطار التوافق.
اجتماع الخرطوم أغسطس2014
بعد مشاورات عدة، جرى استئناف اجتماعات سد النهضة في العاصمة السودانية، الخرطوم في 25 أغسطس 2014. وأكد الدكتور حسام مغازي، وزير الموارد المائية والري (جريدة الأخبار المصرية، 16يوليو2014) أن أديس أبابا وافقت على عقد الاجتماع الثلاثي في إطار محددات البيان المشترك الذي صدر بعد لقاء الرئيس السيسي وهايلي ميريام ديسالين، رئيس وزراء إثيوبيا، الذي يعد حجر أساس جديدًا للتحرك، ووضع جدول زمني محدد للانتهاء من المفاوضات، وآليات تنفيذ التوصيات النهائية للخروج من الأزمة الحالية.
أبدت إثيوبيا تحفظاتها على أجندة الاجتماعات مقدمًا، وأفرغت إعلان مالابو من محتواه، حيث صرح فقيه أحمد، مدير الأنهار العابرة في وزارة المياه والطاقة الإثيوبية، في منتصف يوليو 2014 (الأخبار،16يوليو2014) بأن المفاوضات ستبدأ من حيث انتهت الجولات السابقة، التي توصلت إلى تشكيل لجنة من الدول الثلاث، مهمتها دراسة مقترحين أساسيين هما: "الهيدرولوجيا، والآثار البيئية، والاجتماعية، والاقتصادية للسد"، وأن اللجنة يمكنها إشراك مستشارين وخبراء في دراسة هذه المقترحات.
وبعد أن عقد الاجتماع، تبخرت كل هذه الأفكار والرؤى الجديدة، حيث أسفر الإعلان عن التوصل إلى إقرار مصر، والسودان، وإثيوبيا خريطة طريق لتنفيذ توصيات اللجنة الدولية لتقييم سد النهضة الإثيوبي، يبدأ تنفيذها في الأسبوع الأول من سبتمبر 2014، وتنتهي في مارس2015.
استمرار المراوغة الإثيوبية
وعلى الرغم من هذه النتائج التي أفرغت إعلان مالابو من مضمونه، ولم تنظر إليه ككل متكامل، وصبت في تكريس الاتجاه الإثيوبي في حصر اللقاءات والاجتماعات في دراسات تستغرق الزمن، وتدور في حلقات مفرغة إلى أن يكتمل البناء، ويصبح أمرًا واقعًا، فقد صدرت تصريحات متواترة من الدكتور حسام مغازي في كل وسائل الإعلام المصرية، يبشر فيها المصريين بأنه قد تم حل أكثر مني85 ٪من المشكلة، و"بأننا قد حصلنا على أكثر مما توقعنا"، وأن هناك اتفاقا ملزمًا للدول الثلاث، وأن هذه النتائج الملزمة سوف تتصدر قبل اكتمال بناء المرحلة الأولى من سد النهضة بسعة تخزينية 214 مليار متر مكعب، وأن هذا المستوى من البناء لا يشكل ضررًا لمصر، معبرا بذلك عن عدم الممانعة في الاستمرار في بناء السد، ومقدما التبريرات لمصلحة الموقف الإثيوبي.
وقد أثار ذلك التساؤلات عن الهدف من هذه التصريحات، وهل هي لمخاطبة الرأى العام المصري، وتهدئة حالة القلق، أم أنها تعبر عن عدم إلمام بالإستراتيجية التفاوضية الإثيوبية، مع سعي لإبراز حسن النية بشكل مفرط،لا سيما أنه لا يوجد أي موقف أو التزام إثيوبي يفسر جملة عدم الإضرار بمصر بأنها تعني عدم نقصان قطرة مياه واحدة من حصة مصر،كما ظل يردد السيد وزير الري.
كما ظهرت أسئلة أخرى حول الاتفاق على آلية لإجراء الدراستين، منها: هل هذا يعني أن إثيوبيا سوف تقبل بتغيير تصميمات السد أو أبعاده، إذا ثبت أن هناك ضررًا على مصر، أم أن إثيوبيا سوف تقول إن هذا أمر طبيعي، في ظل مبدأ الاستخدام العادل الذي أكده الوزير الإثيوبي في اجتماعات الخرطوم؟ كما أنه ليس هناك اتفاق من الأصل بين مصر وإثيوبيا حول مفهوم "الضرر"، حيث إن مصر ترى أن أي نقصان في حصتها (55.5 مليار) يمثل ضررًا، في حين أن إثيوبيا ترى أن هذا يمثل هيمنة لا يمكن السماح باستمرارها من جانب دولة واحدة، هي مصر، وأن معايير الاستخدام العادل تقول إن ما تحصل عليه مصر يجب أن يقل ويتراجع (البعض يصل بها إلى40 مليار متر مكعب).
وقد تبين، في وقت لاحق، أن نتائج هذه الدراسات غير ملزمة، حيث أعلن وزير المياه والطاقة الإثيوبي، اليماهو تيجنو، فى أحد البرامج التليفزيونية المصرية، التي أجرت حوارًا مع وزراء المياه والري لمصر، وإثيوبيا، والسودان - على هامش اجتماعاتهم في القاهرة في منتصف أكتوبر 2014 - أن نتائج الدراسات التي يتم إجراؤها غير ملزمة، وإن كانت تحظى بالاحترام"Respected"، وأن هذه الدراسات لا تعنى إيقاف البناء في السد، وإنما هي مهمة بعد ذلك لملء السد، وتشغيله في المستقبل. وأضاف أن المبادئ الأساسية لإثيوبيا هي الاستخدام المنصف والعادل، وألا نسبب ضررًا ملحوظًا للدول أسفل مجرى النهر. وأيد وزير المياه السوداني وجهة نظر الوزير الإثيوبي، وشرحها بالقول إن رأي الاستشاري ليس ملزمًا، وليس حكمًا قضائيًا دوليًا نافذًا، وإن الاحترام يعني أنه يحال إلى الدول بسيادتها القانونية، لكي تمارس الالتزام به.
ودون حاجة إلى تأمل أو كثير عناء، يمكن القول إن نتائج هذه الدراسات لن تشكل أي فارق مع إثيوبيا التي سوف تمضي طبقًا لما تراه بشكل منفرد. فإذا أثبتت الدراسات الضرر، فإن الرد الإثيوبي جاهز ومعلن من الآن، وهو أن هذا الضررغير ملحوظ أوغير مؤثر، وأنه يندرج في إطار مبدأ الاستخدام العادل والمنصف، وبالتالي سوف تستمر الخطة الإثيوبية كما هي دون أدنى تغيير. بل إن البناء سيكون قد تم إنجازه، وإثيوبيا في أبهى صورة، حيث أوضحت للعالم أنها كانت شفافة، ولم تدخر جهدًا، وتفاوضت في الخرطوم، والقاهرة، وأديس أبابا، وأن مصر تريد فقط الاستمرار في الهيمنة على النيل، وأن هذا العهد قد ولّى، كما تقول تصريحاتهم المختلفة.
إعلان مبادئ سد النهضة
ديباجة: تقديرًا للاحتياج المتزايد لجمهورية مصر العربية، جمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية، وجمهورية السودان لمواردهم المائية العابرة للحدود؛ وإدراكًا لأهمية نهر النيل كمصدر الحياة، ومصدر حيوى لتنمية شعوب مصر وإثيوبيا والسودان؛ ألزمت الدول الثلاث أنفسها بالمبادئ التالية بشأن سد النهضة:
1- مبدأ التعاون
2- مبدأ التنمية، التكامل الإقليمي والاستدامة
3- مبدأ عدم التسبب في ضرر ذي شأن
4- مبدأ الاستخدام المنصف والمناسب
5- مبدأ التعاون في الملء الأول وإدارة السد
– تنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية، واحترام المخرجات النهائية للتقرير الختامي للجنة الثلاثية للخبراء حول الدراسات الموصى بها في التقرير النهائي للجنة الخبراء الدولية خلال المراحل المختلفة للمشروع.
– تستخدم الدول الثلاث، بروح التعاون، المخرجات النهائية للدراسات المشتركة الموصى بها في تقرير لجنة الخبراء الدولية، والمتفق عليها من جانب اللجنة الثلاثية للخبراء، بغرض:
* الاتفاق على الخطوط الإرشادية وقواعد الملء الأول لسد النهضة، والتي ستشمل كل السيناريوهات المختلفة، بالتوازي مع عملية بناء السد.
* الاتفاق على الخطوط الإرشادية وقواعد التشغيل السنوي لسد النهضة، التي يجوز لمالك السد ضبطها من وقت لآخر.
* إخطار دولتي المصب بأي ظروف غير منظورة، أو طارئة تستدعي إعادة الضبط لعملية تشغيل السد.
6- مبدأ بناء الثقة
– سيتم إعطاء دول المصب الأولوية في شراء الطاقة المولدة من سد النهضة.
7- مبدأ تبادل المعلومات والبيانات
– سوف توفر كل من مصر وإثيوبيا والسودان البيانات والمعلومات اللازمة لإجراء الدراسات المشتركة للجنة الخبراء الوطنين، وذلك بروح حسن النية وفي التوقيت الملائم.
8- مبدأ أمان السد
– تقدر الدول الثلاث الجهود التي بذلتها إثيوبيا حتى الآن لتنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية المتعلقة بأمان السد.
– سوف تستكمل إثيوبيا، بحسن نية، التنفيذ الكامل للتوصيات الخاصة بأمان السد الواردة في تقرير لجنة الخبراء الدولية.
9- مبدأ السيادة ووحدة إقليم الدولة
– سوف تتعاون الدول الثلاث على أساس السيادة المتساوية، وحدة إقليم الدولة، المنفعة المشتركة وحسن النيّات، بهدف تحقيق الاستخدام الأمثل والحماية المناسبة للنهر.
10- مبدأ التسوية السلمية للمنازعات
– تقوم الدول الثلاث بتسوية منازعاتهم الناشئة عن تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق بالتوافق من خلال المشاورات أو التفاوض وفقًا لمبدأ حسن النوايا. إذا لم تنجح الأطراف في حل الخلاف من خلال المشاورات أو المفاوضات، فيمكن لهم مجتمعين طلب التوفيق، الوساطة، أو إحالة الأمر لعناية رؤساء الدول/رئيس الحكومة.
وقع هذا الاتفاق حول إعلان المبادئ في الخرطوم، السودان في23 من شهر مارس 2015 بين جمهورية مصر العربية، جمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية وجمهورية السودان.
ويضاف إلى ما سبق أن الاجتماعات الخاصة باستكمال الدراستين اللتين تم الاتفاق عليهما تعانى التعثر والخلافات حول التفاصيل، حيث مضت ثلاثة أشهر دون أن تتمكن اللجنة الوطنية المكلفة من اختيار المكتب الفني العالمي الذي سيقوم بإجراء الدراسات. وهكذا، يدور الموقف المصري في الدائرة نفسها من جديد.
الفشل والتعثر
وعقب توقيع هذه الوثيقة التي أثارت الكثير من الجدل، وأحيطت بقدر كبير من الكتمان، ولم تعلن بنودها إلا في يوم التوقيع نفسه قام الرئيس السيسي بزيارة إلى أديس أبابا، وألقى خطابًا في البرلمان الإثيوبي، يؤكد فيه على اختيار مصر لمبادئ التعاون في سبيل تحقيق المصالح المشتركة، وكان من الواضح أنه يعول على تجسير فجوه الثقة بين البلدين والشكوك المتبادلة، وأن هذا قد يساعد على الوصول إلى تفاهمات وحلول وسط، ولكن كل ذلك ذهب إدراج الرياح بسبب أن الموقف الإثيوبي الذي لم يتغير، ولم يتزحزح قيد أنملة عن إستراتيجية الخداع وشراء الوقت.
بل تبين من الممارسة العملية أن صمت إعلان المبادئ عن أبعاد السد وسعته التخزينية كان يحمل موافقة مصرية غير مباشرة عبر تجاوز هذا الموضوع، والتركيز على استكمال الدراسات، على أساس أن هذا سوف يساعد على الحد من الأضرار التي قد تتعرض لها مصر عبر التوافق على السياسة التشغيلية. وهو منطق متهافت للغاية، إذ إن وثيقة المبادئ لا تلزم إثيوبيا بنتائج الدراسات، ولا بالتوافق على سياسة تشغيلية محددة، بل تنص على "التنسيق"، وتمنح إثيوبيا أيضًا الحق في تغيير أي من السياسة التشغيلية فيما بعد، مع الاكتفاء بمجرد إخطار الدولتين أسفل المجرى وهما: السودان ومصر.
إن النقاش التفصيلي لوثيقة إعلان المبادئ يوضح الكثير من العوار والتنازلات التي قدمها المفاوض المصري دون أن يحصل على أي مقابل، ولا يتسع المجال لسردها في هذه المساحة بالتفصيل، وعلى الرغم من ذلك كانت النتيجة هي الفشل في مجرد الاتفاق على إسناد الدراسات المزعومة إلى المكاتب الاستشارية بسبب المراوغات الإثيوبية وأيضًا بسبب ضعف المفاوض المصري. حيث أعلن المكتب الهولندي "دلتارس" انسحابه في سبتمبر 2015، وهو أحد المكتبين اللذين وقع عليهما الاختيار بإجراء الدراسات، بسبب عدم ملاءمة الشروط التي وضعتها اللجنة الوطنية. وهكذا انقضى عام كامل آخر، لكي يعلن بعدها فشل الاجتماعات، التي بدأت في الخرطوم في أغسطس 2014 في التقدم ولو نصف خطوة إلى الأمام. غير أن اللافت للنظر والمثير للتساؤل بشدة هو استمرار الموقف المصري الذي يعبر عنه السيد وزير الري د. حسام مغازي على ذات النهج في التبشير باقتراب الحلول والتوافقات.
* وهي سلسلة شهرية تُعنَى بتقديم تحليلات متخصصة حول الظواهر والقضايا المصرية في المجالات المختلفة، إضافة إلى الأحداث الاقليمية أو الدولية ذات الصلة أو التأثير على مصر، وذلك من خلال رؤى ووجهات نظر مصرية. ويرأس تحريرها الدكتور هانئ رسلان، ومدير التحرير الأستاذ محمود حمدي أبو القاسم.
تناول هذا الجزء من العدد فخاخ المبادرة المشتركة لحوض النيل، وتحدث دكتور ضياء الدين القوصي، خبير المياه ومستشار وزير الري الأسبق باستفاضة عن تلك التحديات:
أولًا- الأهداف الخفية لمبادرة حوض النيل
رغم كل ما ذكرت من قبل فإن أحدًا لم يتنبه إلى أن فخًا قد نصب لمصر عنوانه "مبادرة حوض النيل" تضم عشر دول هي: رواندا، وبوروندي، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وإثيوبيا، وكينيا، وتنزانيا، وأوغندا، والسودان، ومصر أخيرًا، وأخيرًا إريتريا التي آثرت ألا تكون عضوًا عاملا، وإنما طلبت أن تكون فقط عضوًا مراقبًا – كان مجموع سكان هذه الدول وقت توقيع اتفاق المبادرة (فبراير 1999) نحو 300 مليون نسمة، وقيل ساعتها إن هذه الدول تعيش في فقر مدقع؛ حيث إن أربع دول منها هي من أكثر عشر دول في العالم فقرًا، وأن المناخ في هذه الدول مضطرب ومتغير، وأن مواقعها من أكثر الأماكن في العالم تعرضًا للتهديدات والكوارث الطبيعية وغير الطبيعية، وأن البنية التحتية في هذه البلاد هشة ومتهالكة إذا كان لها وجود في الأصل، كل ذلك على الرغم من وجود فرص هائلة للتفوق والانطلاق نحو مستقبل زاهر ووردي – هذا هو العرض الذي يبشر بالعسل، أما عن السم فيقول دافيد جراي أحد خبراء البنك الدولي المرموقين – الذي قامت عليه مبادرة حوض النيل في مراحلها الأولية – أن مصيدة الفقر ترتبط بالمخزون المائي، ولم يجد هنا مثلا يضربه سوى بإثيوبيا التي قال إن حصة الفرد من مخزون المياه فيها لا يزيد على 43 مترًا مكعبًا، مقارنة بما يقارب 6150 مترًا مكعبًا في الولايات المتحدة الأمريكية وأنه يلزم أن يصل هذا النصيب للفرد إلى مستوى مخزون الفرد في جنوب أفريقيا وهو نحو 746 مترًا مكعبًا ( نحو 12% من أمريكا الشمالية) حتى يتحقق لإثيوبيا الاستقرار والتقدم – لاحظ هنا أنه لم يقارن إثيوبيا بمصر حتى لا يثير حفيظة أحد على الرغم من أن نصيب الفرد من مخزون المياه في مصر يزيد على 1000 متر مكعب، وهو يفوق نصيب الفرد الإثيوبي بما يقارب 25 ضعفًا، ولكن الرسالة التي أراد هذا الخبير أن يصل بها إلى باقي دول الحوض هي أن مخزون المياه في إثيوبيا يجب أن يزيد بما يصل إلى 20 ضعفا، وبشكل سريع – لم يتوقف الرجل عند هذا الحد، وإنما استمر في الحديث عن العجز في الطاقة، حيث قال إن استهلاك الفرد في إثيوبيا وهو 21 كيلوات ساعة في العام، لا يقارن بنفس الرقم في مصر الذي يصل إلى 900 كيلوات ساعة، ولا بمتوسط الاستهلاك العالمي الذي يزيد على 2600 كيلوات ساعة.
إذن لم يخف الرجل أن البنك الدولي قد أتى بهذه المبادرة ليس فقط من أجل الأعمال الخيرية التي من شأنها رفع مستويات معيشة دول حوض النيل ونشر الرخاء والرفاهية في ربوع الحوض ولكن من أجل أن تلحق إثيوبيا بالركب العالمي في شأن زيادة حصة الفرد الإثيوبي من المخزون المائي – الذي لا يتحقق إلا بإنشاء السدود وملء خزاناتها بالمياه – وأيضًا بزيادة القدرة على توليد الطاقة الكهربائية – التي لا تتحقق أيضا إلا بوجود المياه في الخزانات أمام السدود، ووجود محطات توليد الطاقة الكهربائية. لهذا فإنه قال إن إمكانات الاستفادة من مياه النيل لتوليد الطاقة الكهربائية التي لا تزيد في مصر عن الانتقال من 10 آلاف ميجاوات ساعة في العام إلى أقل من 20 ألف ميجاوات ساعة، فإن هذه الإمكانات في إثيوبيا يمكن أن تزيد بها من المستوى المتدني التي هي عليه الآن إلى ما يزيد على 140 ألف ميجاوات ساعة.
كل البيانات التي ذكرتها من قبل حصلت عليها من محاضرة ألقاها دافيد جراي يوم 17 فبراير 2005 عن التعاون الحالي، والفرص المتاحة في المستقبل للتنمية المشتركة بين دول حوض النيل الشرقي: (مصر، والسودان، وأثيوبيا).
وبطبيعة الحال تحدث في نفس المحاضرة عن سوء تغذية الأطفال والعجز في الإمداد بالمياه النقية، وخدمات الصرف الصحى، وركز على أن الموارد المائية في الإقليم تقع تحت ضغوط سريعة ومتزايدة، وأن الحاجة إلى النمو تستدعي الإنفاق على مشروعات المياه، وأنه حتى يمكن تجنب الأزمات والصدام يلزم التعاون بين الدول، وأن التنوع في الإنتاج الزراعي والتصدير يمكن أن يلعب دورًا مهمًا في هذا الصدد.
هنا يظهر السم واضحًا إذ إن المسألة ليست فقط في توليد الطاقة الكهربائية كما يدعي البعض، ولكن بيت القصيد هو تخزين المياه اللازمة للتوسع في التنمية الزراعية والتصدير.
ينطلق دافيد جراي ليبشر بالفرص المتاحة في حوض النيل ليقول "إن 90% من إمكانات الحوض في إنتاج الطاقة الكهربائية غير مستغلة. وإن 85% من إجمالى تعداد السكان لا يتمتع بخدمات وصول التيار الكهربائي. وإن 60% من الأراضى القابلة للزراعة المروية لا يتم الاستفادة بها. وإن التخزين المتعدد الأغراض (الزراعة – توليد الطاقة الكهربائية ... إلخ) قليل جدًا على الرغم من الاختلاف الشديد في الهطول المطري زيادة ونقصًا. وضعف الاستدامة البيئية في المجمعات المائية والأراضي والبحيرات والأراضى الرطبة. وضرورة منع حدوث النزاعات والتقليل من التوتر، وتحسين مستوى التكامل".
وفي سبيل الوصول إلى منافع محددة من التعاون بين دول الحوض فإن هناك أربعة أقسام هي (والحديث لا يزال على لسان دافيد جراي) "المنافع البيئية المتزايدة للنهر، وتتمثل في تحسين، واستدامة النظم البيئية، والمحافظة على المياه، وترشيد استخدامها، وتحسين نوعيتها. والمنافع الاقتصادية المتزايدة من النهر: وتتمثل في تحسين الإنتاجية، وإدارة الفيضانات وفترات الجفاف. وخفض التكاليف التي تنفق بسبب النهر: وذلك بالانتقال إلى سياسة التعاون والتنمية. والمنافع المتزايدة غير المباشرة خارج حدود النهر: بالاستفادة من التعاون والتكامل الإقليمي مع الدول الأخرى".
ولعل الإسهاب في عرض وجهة نظر دافيد جراي، وهو أحد كبار مستشاري البنك الدولي كما ذكرنا كان فقط لنقل فلسفة إنشاء مبادرة حوض النيل، التي بدأت بسكرتارية فنية في مدينة عنتيبى الأوغندية في يونيو 1999، وأعلنت رسميًا في سبتمبر من نفس العام.
ثانيًا- مصر والمبادرة: نتائج هزيلة
الواقع أن دولة واحدة لم تتضرر من جراء مبادرة حوض النيل قدر ما تضررت مصر التي عانت الأمرّين من مواجهة باقي دول الحوض التي حرضتها إثيوبيا، وربما كينيا أيضًا على التمرد بزعم أن مصر تقمصت دور الدول الإمبريالية التي طالما أذاقت الدول الأفريقية من ويلات الاحتلال والاستغلال والنهب والاحتكار، وأن هذا الفقر الذي ترزح تحت وطأته معظم دول الحوض، إنما جاء بسبب التخمة التنموية التي تعاني منها مصر – وعندها فطن المفاوض المصري إلى الفخ الذي نصبه البنك الدولي له والمصيدة التي أوقعه في حبائلها، ولم يكن الطعم سوى حفنة من الدولارات التي قدمتها مجموعة من الدول المانحة، وقام البنك الدولي فيها ولأول مرة بدور الوكيل، إذ لم يشأ أن يكون مقرضًا، حيث لن يوافق أحد على شروطه التعسفية، ولم يشأ أن يكون مانحًا؛ لأن الكرم يتعارض مع طبيعته الجشعة الطامعة - لذا فقد قرر أن يرتدي مسوح الرهبان والكهنة ينصح وينظِر ويعظ ويفتي وينهر ويقهر ويأمر وينهي كل ذلك بأموال الغير والغير سعيد بما يقوم به بنك الهوى من تطبيق لسياسات يتفق الجميع عليها لها عنوان واحد، هو استدراج مصر تحت بريق الذهب والدولارات إلى الفخ والمصيدة، ثم حملها على تجرع السم في أطباق العسل حتى تصل الأمور إلى ما وصلت إليه ولا حول ولا قوة إلا باللـه العلي العظيم.
والغريب أن وزيرًا مصريًا واحدًا ظل مسئولا عن هذا الملف طوال ما يزيد على عشر سنوات، ولما طال الأمد وكثر السؤال عن النتائج كانت الإجابة دائما أن كل شيء على ما يرام، وأن الصنعة المليحة يطول بها الوقت على الدوام، وأن ما تم كثير وما تبقى لا يزيد على عدد أصابع اليد الواحدة كنسبة مئوية لما أنجز – إلا أن الرجل اختفى من المسرح السياسي فجأة عام 2009 ليقوم مكانه وزيرًا آخر اصطدم بحقيقة أن شيئًا لم ينجز، وأن الأمر لا يحتوي على إيجابيات تصل في إجماليها إلى عُشر معشار السلبيات، لذا فإن أمر المبادرة انتهى إكلينيكيًا كما ذكرنا في منتصف عام 2010، وإن كانت بعض الشكليات لا تزال قائمة لمجرد الإعلان بين الحين والآخر أن هناك لا يزال شبح وهمي، يسمى "مبادرة حوض النيل".
والحقيقة أن مجموعة الشركاء في هذه المبادرة، التي يمكن أن توصف بالفشل الذريع كانوا جميعًا السبب فيما وصلت إليه؛ إذ إنهم – جميعًا وبلا استثناء – تدعو إلى دولارات المبادرة، كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، وراح كل فريق يرتب للحصول على المناصب والمقار والأثاث والأجهزة، وأظن أن الإنفاق في النهاية وصل إلى مئات الملايين من الدولارات دون أن تتحقق فائدة ملموسة واحدة، ومن الطريف أن الأستاذ محمد حسنين هيكل أشار في حديث تليفزيوني أن البعض اشتكى من التغيير المتواصل لأفراد الفريق المصري المشارك في المبادرة، وعندما سئل أحد المسئولين عن السبب في ذلك قال إن هذا يعود إلى الرغبة في عدالة توزيع المكافآت وبدل السفر بين الأفراد، أما الاستمرارية وتواصل المهام واستدامة المعرفة فكلها أمور شكلية لا تهم ولا تجدي، وعلى الجانب الآخر كان هناك من يهتم بجمع المعلومات، وإعداد الفخ، ونصب المصيدة، وتحديد جرعات السم التي يمكن أن تحتويها أطباق العسل على موائد المصريين، حتى كان لهم ما كان وتحقق لهم ما أرادوا.
أظن صادقًا أن مبادرة حوض النيل هي بدون أدنى شك إحدى أسوأ الفاعليات التي شاركت فيها مصر على مستوى دول حوض النيل، إذا لم تكن أسوأها على الإطلاق، وعلى الرغم من ذلك فإن الترويج الإعلامي الكاذب طالما صور للعام والخاصة أن هذه المبادرة عمل تاريخي لم يصل إليه أحد من العباد من قبل، ولدَّى صورة من حديث أدلى به المدير التنفيذي لسكرتارية مبادرة حوض النيل في المؤتمر الدولي للزراعة والرىفي دول حوض النيل الذي عقد بمدينة المنيا خلال الفترة من 26 – 29 مارس عام 2012 يقول سيادته فيه: بحلول عام 2012 تكون مبادرة حوض النيل قد أنجزت النتائج الأساسية في مسارها الفني والاستثماري، وكان الدعم الذي قدمته المبادرة إلى دول الحوض هائلا نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: (الانتهاء من دراسة شاملة للاتجار في الطاقة بين دول الحوض، وبمشاركة دولة جيبوتي (ولا أدري ما إذا كان ما سيولده سد النهضة الإثيوبي داخل هذا الإطار من عدمه) - أسهم الخبراء من دول الحوض في مساعدة رواندا وكينيا لإدخال الأبعاد الخاصة بالمياه العابرة للحدود في سياستهما الوطنية- تم فتح حوار حول إمكانية طرح تغير المناخ كأحد الموضوعات التي يلزم أن تتم دراستها بشكل إقليمى - تم الاحتفال بنجاح بيوم النيل في 22 فبراير 2012- تم إعداد تقرير عن حالة الحوض - تم تطوير نظام دعم القرار، والذى يشمل إطار الاستدامة في حوض النيل، ونظام معلومات حوض النيل -هناك مشروعات تحت التنفيذ عن التوصيل الداخلي للطاقة والزراعة وإدارة مجمعات المياه، وإدارة أحواض الأنهار والمزارع السمكية والتنبؤ بالفيضانات وإدارتها .. إلخ).
(ولا أدري إن كانت هذه المشروعات قد مرت بمراحل التصميم ودراسات الجدوى، أم أن ذلك كله يقع تحت أعمال التنفيذ، وما نسب الإنجاز المئوية) - تسهيل برنامج التعاون - برنامج إدارة الموارد المائية - برنامج تنمية الموارد المائية.
ترى هل كانت هذه النتائج الهزيلة هي خلاصة عمل لمدة تزيد على الثني عشر عامًا من مائتي خبير من دول حوض النيل العشر يساعدهم المئات من المعاونين، وكانت أيضًا خلاصة إنفاق مئات الملايين من الدولارات، أم نستطيع أن نقول إن الأمر انتهى إلى ما لا يمكن أن يحتسب إنجازًا بالمعنى الحقيقي والصحيح ؟ أترك هذا السؤال ليجيب عنه الزمن والتاريخ.
المحور السابع- أزمة اتفاقية عنتيبي: التفاوض المتعثر والتداعيات الخطرة
تناول دكتور محمد نصر الدين علام، أستاذ هندسة الموارد المائية بكلية الهندسة جامعة القاهرة، ووزير الموارد المائية والري الأسبق، في هذا الجزء سلبيات الاتفاقية الإطارية، حيث رصد في الاتفاقية الإطارية سلبيات عديدة على مصر يمكن إيجازها فيما يلي:
1- الاتفاقية لا تقر بجميع الاتفاقيات السابقة مثل اتفاقية 1929 مع دول الهضبة الاستوائية و1902 مع إثيوبيا، ولا تقر بالحقوق المائية القانونية والتاريخية لدولتي المصب.
2- تنص الاتفاقية على إعادة تقسيم موارد النهر المائية على دول الحوض بمعايير تميل إلى دول المنبع على حساب دولتي المصب، وذلك مقارنة بالمعايير الواردة في اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997.
3- الاتفاقية لا تتضمن الإجراءات التنفيذية للإخطار المسبق، والتى شملتها اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997، والتي تعطي الحق للدول المتضررة الاعتراض على مشروعات وسدود دول أعالى النهر إذا ثبت أنّ لها أضرارًا جسيمة.
4- الاتفاقية تنص على تعديل العديد من البنود والملاحق بالأغلبية (ثلثي الأعضاء) مما يمكّن دول المنبع تغييرها دون الرجوع إلى دولتي المصب.
5- لا تشمل الاتفاقية أي بند لزيادة إيراد النهر، بل تعمل على إعاقة مثل هذه المشاريع حيث تنص صراحة على المحافظة على أراضي البرك والمستنقعات في دول الحوض، والتي يفقد فيها كميات هائلة من إيراد النهر، والتي من خلال تنميتها يمكن زيادة إيراد النهر، وبما يكفي احتياجات جميع دول الحوض.
6- إن بند عدم الإضرار لا معنى له، وغير قابل للتطبيق دون الإقرار بالممارسات والحقوق التاريخية لاستغلال مياه النهر لكل دول الحوض كافة لتكون هي المرجعية لتقدير أي ضرر قد يلحق بهذه الدول نتيجة لأي مشاريع تقوم بها دول أخرى في الحوض.
7- لا تشمل الاتفاقية أي بنود تختص بالإدارة المشتركة للنهر، وتنظيم تدفقاته، وإقامة منشآت عليه، وذلك حتى لا يكون لدولتي المصب أي تدخل في شأن مشاريع أعالي النيل، وهذا يتعارض مع ما نصت عليه اتفاقية الأمم المتحدة للأنهار المشتركة لعام 1997 في ثلاثة بنود كاملة أرقام: (24) و(25) و(26)، التي تختص بإدارة النهر، وتنظيم تدفقاته، وإقامة منشآت عليه على الترتيب.
إن هذه السلبيات والنواقص تتفق مع المقولة التي كان يرددها البعض من أنه كان قد تم الاتفاق مع دول المنبع على 99% من الاتفاقية هل متطلباتنا وحقوقنا التاريخية تقدر فقط 1% من الاتفاقية؟ وهل كان علينا قبول هذه السلبيات، وإهدار الحقوق لنحسن علاقاتنا مع دول الحوض؟ والاتفاقية الإطارية لتعاون دول حوض النيل في شكلها الحالي لا يمكن لمصر توقيعها لنواقصها العديدة، التي تسمح بإعادة توزيع إيراد نهر النيل على دول المنبع خصما من حصتي مصر والسودان. ومصر والسودان ليسا طرفا في هذه الاتفاقية الإطارية، ولذلك فهي لا تلزمهما بأي التزامات قانونية أو مؤسسية، ولكن من ناحية أخرى، لا تعفي هذه الاتفاقية دول المنبع من التزاماتهم القانونية في الاتفاقيات التاريخية القائمة مع مصر والسودان. والدول التي وقعت الاتفاقية الإطارية منهم خمسة في الهضبة الاستوائية، يجمعهم بالفعل تجمع دول شرق أفريقيا، ولن تضيف لهم هذه الاتفاقية أي جديد، وهناك تجمع مماثل لدول بحيرة فكتوريا، ولكن لم تكن له الفاعلية المأمولة على الرغم من مرور سنوات طويلة على إنشائه. وهناك تعارض في المصالح المائية بين دول الهضبة الاستوائية مع بعضها بعضًا، وخاصة كينيا وتنزانيا من ناحية، وأوغندا من ناحية أخرى، فأوغندا تريد صرف أكبر كمية ممكنة من مياه بحيرة فكتوريا لتعظيم إنتاج الكهرباء من خزان أوين وسد بوجاجالي، بينما ترغب كينيا وتنزانيا في تقليل هذه التصرفات لزيادة منسوب البحيرة، واستخدام مياهها في أغراض الشرب والزراعة. وإنشاء أي سدود مائية في كينيا، وتنزانيا، ورواندا، أو بوروندي سيؤثر سلبًا على كهرباء أوغندا. وإثيوبيا من ناحية أخرى لا تشترك مع الدول الاستوائية في الحوض المائي، بل تقع في منبع الحوض الشرقي لنهر النيل، وليس بينها وبين بقية دول المنبع الأخرى أي قواسم مشتركة داخل الحوض للتعاون المائي فيما بينهم. وعلى الرغم من ذلك نجحت إثيوبيا إلى حد كبير في استقطاب دول الهضبة الاستوائية، والاستقواء بهم ضد مصر لتحقيق أهدافها السياسية والمائية، وبالفعل وقع معظم هذه الدول على اتفاقية عنتيبي ويقومون حاليا بإجراءات التصديق عليها. ولكن وبلا شك أنّ الخلاف حول الاتفاقية الإطارية أدى إلى بعض الفتور السياسي بين دول المنبع من ناحية ودولتي المصب من ناحية أخرى، وما لذلك من ضغوط وتوابع سياسية على كل من مصر والسودان.
ولكن إذا كان الهدف الحقيقي للاتفاقية الاطارية هو التوصل إلى إطار فاعل للتعاون بين دول الحوض، فإنه من صالح الجميع العودة إلى مائدة المفاوضات للاتفاق حول النقاط العالقة في الاتفاقية الإطارية لكي تحظى بتوافق جميع دول الحوض. ولتحقيق هذه العودة الحميدة للتفاوض يجب الاتفاق بين دول الحوض على تجميد الاتفاقية الإطارية لفترة زمنية معقولة، ويتم أثناء هذه الفترة التفاوض الجاد حول النقاط االعالقة مع إعداد جيد لمسارات تفاوض محددة، وأجندة تفصيلية. ومن المهم إيصال رسالة اطمئنان لدول الهضبة الاستوائية أن مصر لا تمانع ولا تعترض على مشاريعها المائية والزراعيةة لعدم تأثيرها السلبي الكبير على مصر. ومن الضرورى العمل على محاولة إقناع دول الهضبة الاستوائية على فصل مفاوضات الهضبة الاستوائية عن الهضبة الإثيوبية لاختلاف الخصائص الهيدرولوجية وطبيعة المشاريع التنموية. ومن المهم العمل على زيادة التجارة البينية، وفتح أسواق للمنتجات، والصناعات المصرية، وتعزيز الاستثمارات في دول حوض النيل.
المحور الثامن- أبعاد أزمة سد النهضةوالموقف المصري
في ختام أوراق المجلة، يقدم دكتور هانئ رسلان، مدير مركز الأهرام للدراسات الاجتماعية والتاريخية ورئيس تحرير المجلة، أبعاد وتأثيرات الأزمة والموقف المصري، حيث تناول تحليلًا زمنيًا لتطورات الملف، وفقًا لعدة محطات:
إعلان مالابو
عقب لقاء مطول بين الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإثيوبي، هايلي مريم ديسالين، صدر هذا الإعلان في28 يونيو2014على هيئة بيان مشترك، ونص على أن الطرفين قد قررا تشكيل لجنة عليا تحت إشرافهما المباشر لتناول كل جوانب العلاقات الثنائية والإقليمية في المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والأمنية.
كما أكد الطرفان محورية نهر النيل كمورد أساسي لحياة الشعب المصري ووجوده، وكذلك إدراكهما لاحتياجات الشعب الإثيوبي التنموية.
وفيما يتعلق باستخداماتهما المائية، فقد تم النص على عدد من المبادئ:
1- احترام مبادئ الحوار والتعاون كأساس لتحقيق المكاسب المشتركة، وتجنب الإضرار ببعضهم بعضًا.
2- أولوية إقامة مشروعات إقليمية لتنمية الموارد المالية لسد الطلب المتزايد على المياه، ومواجهة نقص المياه.
3- احترام مبادئ القانون الدولي.
4- الاستئناف الفوري لعمل اللجنة الثلاثية حول سد النهضة بهدف تنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية، واحترام نتائج الدراسات المزمع إجراؤها خلال مختلف مراحل مشروع السد.
5- التزام الحكومة الإثيوبية بتجنب أي ضرر محتمل من سد النهضة على استخدامات مصر من المياه.
6- التزام الحكومة المصرية بالحوار البناء مع إثيوبيا، والذي يأخذ احتياجاتها التنموية، وتطلعات شعب إثيوبيا في الحسبان.
7- التزام الدولتين بالعمل في إطار اللجنة الثلاثية بحسن النية، وفي إطار التوافق.
اجتماع الخرطوم أغسطس2014
بعد مشاورات عدة، جرى استئناف اجتماعات سد النهضة في العاصمة السودانية، الخرطوم في 25 أغسطس 2014. وأكد الدكتور حسام مغازي، وزير الموارد المائية والري (جريدة الأخبار المصرية، 16يوليو2014) أن أديس أبابا وافقت على عقد الاجتماع الثلاثي في إطار محددات البيان المشترك الذي صدر بعد لقاء الرئيس السيسي وهايلي ميريام ديسالين، رئيس وزراء إثيوبيا، الذي يعد حجر أساس جديدًا للتحرك، ووضع جدول زمني محدد للانتهاء من المفاوضات، وآليات تنفيذ التوصيات النهائية للخروج من الأزمة الحالية.
أبدت إثيوبيا تحفظاتها على أجندة الاجتماعات مقدمًا، وأفرغت إعلان مالابو من محتواه، حيث صرح فقيه أحمد، مدير الأنهار العابرة في وزارة المياه والطاقة الإثيوبية، في منتصف يوليو 2014 (الأخبار،16يوليو2014) بأن المفاوضات ستبدأ من حيث انتهت الجولات السابقة، التي توصلت إلى تشكيل لجنة من الدول الثلاث، مهمتها دراسة مقترحين أساسيين هما: "الهيدرولوجيا، والآثار البيئية، والاجتماعية، والاقتصادية للسد"، وأن اللجنة يمكنها إشراك مستشارين وخبراء في دراسة هذه المقترحات.
وبعد أن عقد الاجتماع، تبخرت كل هذه الأفكار والرؤى الجديدة، حيث أسفر الإعلان عن التوصل إلى إقرار مصر، والسودان، وإثيوبيا خريطة طريق لتنفيذ توصيات اللجنة الدولية لتقييم سد النهضة الإثيوبي، يبدأ تنفيذها في الأسبوع الأول من سبتمبر 2014، وتنتهي في مارس2015.
استمرار المراوغة الإثيوبية
وعلى الرغم من هذه النتائج التي أفرغت إعلان مالابو من مضمونه، ولم تنظر إليه ككل متكامل، وصبت في تكريس الاتجاه الإثيوبي في حصر اللقاءات والاجتماعات في دراسات تستغرق الزمن، وتدور في حلقات مفرغة إلى أن يكتمل البناء، ويصبح أمرًا واقعًا، فقد صدرت تصريحات متواترة من الدكتور حسام مغازي في كل وسائل الإعلام المصرية، يبشر فيها المصريين بأنه قد تم حل أكثر مني85 ٪من المشكلة، و"بأننا قد حصلنا على أكثر مما توقعنا"، وأن هناك اتفاقا ملزمًا للدول الثلاث، وأن هذه النتائج الملزمة سوف تتصدر قبل اكتمال بناء المرحلة الأولى من سد النهضة بسعة تخزينية 214 مليار متر مكعب، وأن هذا المستوى من البناء لا يشكل ضررًا لمصر، معبرا بذلك عن عدم الممانعة في الاستمرار في بناء السد، ومقدما التبريرات لمصلحة الموقف الإثيوبي.
وقد أثار ذلك التساؤلات عن الهدف من هذه التصريحات، وهل هي لمخاطبة الرأى العام المصري، وتهدئة حالة القلق، أم أنها تعبر عن عدم إلمام بالإستراتيجية التفاوضية الإثيوبية، مع سعي لإبراز حسن النية بشكل مفرط،لا سيما أنه لا يوجد أي موقف أو التزام إثيوبي يفسر جملة عدم الإضرار بمصر بأنها تعني عدم نقصان قطرة مياه واحدة من حصة مصر،كما ظل يردد السيد وزير الري.
كما ظهرت أسئلة أخرى حول الاتفاق على آلية لإجراء الدراستين، منها: هل هذا يعني أن إثيوبيا سوف تقبل بتغيير تصميمات السد أو أبعاده، إذا ثبت أن هناك ضررًا على مصر، أم أن إثيوبيا سوف تقول إن هذا أمر طبيعي، في ظل مبدأ الاستخدام العادل الذي أكده الوزير الإثيوبي في اجتماعات الخرطوم؟ كما أنه ليس هناك اتفاق من الأصل بين مصر وإثيوبيا حول مفهوم "الضرر"، حيث إن مصر ترى أن أي نقصان في حصتها (55.5 مليار) يمثل ضررًا، في حين أن إثيوبيا ترى أن هذا يمثل هيمنة لا يمكن السماح باستمرارها من جانب دولة واحدة، هي مصر، وأن معايير الاستخدام العادل تقول إن ما تحصل عليه مصر يجب أن يقل ويتراجع (البعض يصل بها إلى40 مليار متر مكعب).
وقد تبين، في وقت لاحق، أن نتائج هذه الدراسات غير ملزمة، حيث أعلن وزير المياه والطاقة الإثيوبي، اليماهو تيجنو، فى أحد البرامج التليفزيونية المصرية، التي أجرت حوارًا مع وزراء المياه والري لمصر، وإثيوبيا، والسودان - على هامش اجتماعاتهم في القاهرة في منتصف أكتوبر 2014 - أن نتائج الدراسات التي يتم إجراؤها غير ملزمة، وإن كانت تحظى بالاحترام"Respected"، وأن هذه الدراسات لا تعنى إيقاف البناء في السد، وإنما هي مهمة بعد ذلك لملء السد، وتشغيله في المستقبل. وأضاف أن المبادئ الأساسية لإثيوبيا هي الاستخدام المنصف والعادل، وألا نسبب ضررًا ملحوظًا للدول أسفل مجرى النهر. وأيد وزير المياه السوداني وجهة نظر الوزير الإثيوبي، وشرحها بالقول إن رأي الاستشاري ليس ملزمًا، وليس حكمًا قضائيًا دوليًا نافذًا، وإن الاحترام يعني أنه يحال إلى الدول بسيادتها القانونية، لكي تمارس الالتزام به.
ودون حاجة إلى تأمل أو كثير عناء، يمكن القول إن نتائج هذه الدراسات لن تشكل أي فارق مع إثيوبيا التي سوف تمضي طبقًا لما تراه بشكل منفرد. فإذا أثبتت الدراسات الضرر، فإن الرد الإثيوبي جاهز ومعلن من الآن، وهو أن هذا الضررغير ملحوظ أوغير مؤثر، وأنه يندرج في إطار مبدأ الاستخدام العادل والمنصف، وبالتالي سوف تستمر الخطة الإثيوبية كما هي دون أدنى تغيير. بل إن البناء سيكون قد تم إنجازه، وإثيوبيا في أبهى صورة، حيث أوضحت للعالم أنها كانت شفافة، ولم تدخر جهدًا، وتفاوضت في الخرطوم، والقاهرة، وأديس أبابا، وأن مصر تريد فقط الاستمرار في الهيمنة على النيل، وأن هذا العهد قد ولّى، كما تقول تصريحاتهم المختلفة.
إعلان مبادئ سد النهضة
ديباجة: تقديرًا للاحتياج المتزايد لجمهورية مصر العربية، جمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية، وجمهورية السودان لمواردهم المائية العابرة للحدود؛ وإدراكًا لأهمية نهر النيل كمصدر الحياة، ومصدر حيوى لتنمية شعوب مصر وإثيوبيا والسودان؛ ألزمت الدول الثلاث أنفسها بالمبادئ التالية بشأن سد النهضة:
1- مبدأ التعاون
2- مبدأ التنمية، التكامل الإقليمي والاستدامة
3- مبدأ عدم التسبب في ضرر ذي شأن
4- مبدأ الاستخدام المنصف والمناسب
5- مبدأ التعاون في الملء الأول وإدارة السد
– تنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية، واحترام المخرجات النهائية للتقرير الختامي للجنة الثلاثية للخبراء حول الدراسات الموصى بها في التقرير النهائي للجنة الخبراء الدولية خلال المراحل المختلفة للمشروع.
– تستخدم الدول الثلاث، بروح التعاون، المخرجات النهائية للدراسات المشتركة الموصى بها في تقرير لجنة الخبراء الدولية، والمتفق عليها من جانب اللجنة الثلاثية للخبراء، بغرض:
* الاتفاق على الخطوط الإرشادية وقواعد الملء الأول لسد النهضة، والتي ستشمل كل السيناريوهات المختلفة، بالتوازي مع عملية بناء السد.
* الاتفاق على الخطوط الإرشادية وقواعد التشغيل السنوي لسد النهضة، التي يجوز لمالك السد ضبطها من وقت لآخر.
* إخطار دولتي المصب بأي ظروف غير منظورة، أو طارئة تستدعي إعادة الضبط لعملية تشغيل السد.
6- مبدأ بناء الثقة
– سيتم إعطاء دول المصب الأولوية في شراء الطاقة المولدة من سد النهضة.
7- مبدأ تبادل المعلومات والبيانات
– سوف توفر كل من مصر وإثيوبيا والسودان البيانات والمعلومات اللازمة لإجراء الدراسات المشتركة للجنة الخبراء الوطنين، وذلك بروح حسن النية وفي التوقيت الملائم.
8- مبدأ أمان السد
– تقدر الدول الثلاث الجهود التي بذلتها إثيوبيا حتى الآن لتنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية المتعلقة بأمان السد.
– سوف تستكمل إثيوبيا، بحسن نية، التنفيذ الكامل للتوصيات الخاصة بأمان السد الواردة في تقرير لجنة الخبراء الدولية.
9- مبدأ السيادة ووحدة إقليم الدولة
– سوف تتعاون الدول الثلاث على أساس السيادة المتساوية، وحدة إقليم الدولة، المنفعة المشتركة وحسن النيّات، بهدف تحقيق الاستخدام الأمثل والحماية المناسبة للنهر.
10- مبدأ التسوية السلمية للمنازعات
– تقوم الدول الثلاث بتسوية منازعاتهم الناشئة عن تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق بالتوافق من خلال المشاورات أو التفاوض وفقًا لمبدأ حسن النوايا. إذا لم تنجح الأطراف في حل الخلاف من خلال المشاورات أو المفاوضات، فيمكن لهم مجتمعين طلب التوفيق، الوساطة، أو إحالة الأمر لعناية رؤساء الدول/رئيس الحكومة.
وقع هذا الاتفاق حول إعلان المبادئ في الخرطوم، السودان في23 من شهر مارس 2015 بين جمهورية مصر العربية، جمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية وجمهورية السودان.
ويضاف إلى ما سبق أن الاجتماعات الخاصة باستكمال الدراستين اللتين تم الاتفاق عليهما تعانى التعثر والخلافات حول التفاصيل، حيث مضت ثلاثة أشهر دون أن تتمكن اللجنة الوطنية المكلفة من اختيار المكتب الفني العالمي الذي سيقوم بإجراء الدراسات. وهكذا، يدور الموقف المصري في الدائرة نفسها من جديد.
الفشل والتعثر
وعقب توقيع هذه الوثيقة التي أثارت الكثير من الجدل، وأحيطت بقدر كبير من الكتمان، ولم تعلن بنودها إلا في يوم التوقيع نفسه قام الرئيس السيسي بزيارة إلى أديس أبابا، وألقى خطابًا في البرلمان الإثيوبي، يؤكد فيه على اختيار مصر لمبادئ التعاون في سبيل تحقيق المصالح المشتركة، وكان من الواضح أنه يعول على تجسير فجوه الثقة بين البلدين والشكوك المتبادلة، وأن هذا قد يساعد على الوصول إلى تفاهمات وحلول وسط، ولكن كل ذلك ذهب إدراج الرياح بسبب أن الموقف الإثيوبي الذي لم يتغير، ولم يتزحزح قيد أنملة عن إستراتيجية الخداع وشراء الوقت.
بل تبين من الممارسة العملية أن صمت إعلان المبادئ عن أبعاد السد وسعته التخزينية كان يحمل موافقة مصرية غير مباشرة عبر تجاوز هذا الموضوع، والتركيز على استكمال الدراسات، على أساس أن هذا سوف يساعد على الحد من الأضرار التي قد تتعرض لها مصر عبر التوافق على السياسة التشغيلية. وهو منطق متهافت للغاية، إذ إن وثيقة المبادئ لا تلزم إثيوبيا بنتائج الدراسات، ولا بالتوافق على سياسة تشغيلية محددة، بل تنص على "التنسيق"، وتمنح إثيوبيا أيضًا الحق في تغيير أي من السياسة التشغيلية فيما بعد، مع الاكتفاء بمجرد إخطار الدولتين أسفل المجرى وهما: السودان ومصر.
إن النقاش التفصيلي لوثيقة إعلان المبادئ يوضح الكثير من العوار والتنازلات التي قدمها المفاوض المصري دون أن يحصل على أي مقابل، ولا يتسع المجال لسردها في هذه المساحة بالتفصيل، وعلى الرغم من ذلك كانت النتيجة هي الفشل في مجرد الاتفاق على إسناد الدراسات المزعومة إلى المكاتب الاستشارية بسبب المراوغات الإثيوبية وأيضًا بسبب ضعف المفاوض المصري. حيث أعلن المكتب الهولندي "دلتارس" انسحابه في سبتمبر 2015، وهو أحد المكتبين اللذين وقع عليهما الاختيار بإجراء الدراسات، بسبب عدم ملاءمة الشروط التي وضعتها اللجنة الوطنية. وهكذا انقضى عام كامل آخر، لكي يعلن بعدها فشل الاجتماعات، التي بدأت في الخرطوم في أغسطس 2014 في التقدم ولو نصف خطوة إلى الأمام. غير أن اللافت للنظر والمثير للتساؤل بشدة هو استمرار الموقف المصري الذي يعبر عنه السيد وزير الري د. حسام مغازي على ذات النهج في التبشير باقتراب الحلول والتوافقات.
* وهي سلسلة شهرية تُعنَى بتقديم تحليلات متخصصة حول الظواهر والقضايا المصرية في المجالات المختلفة، إضافة إلى الأحداث الاقليمية أو الدولية ذات الصلة أو التأثير على مصر، وذلك من خلال رؤى ووجهات نظر مصرية. ويرأس تحريرها الدكتور هانئ رسلان، ومدير التحرير الأستاذ محمود حمدي أبو القاسم.