بداية ترددت كثيرة في كتابة هذا المقال، حتى لا يسئ الفهم، أو يحدث تأويلاً خاطئًا لما اقصده من معنى أو مدلولات يتم الإشارة إليها. خاصة وأننا شرفت من قبل بلقاء سماحة السيد مقتدى الصدر ضمن وفد من المثقفين العرب من قبل، وأتفهم موقفه وتصريحاته تجاه غلق ضريح الأمام الحسين في القاهرة. وأعلم أن موقفه نابع من مسئولية أخلاقية ودينية بحتة وأنه لا يخشي فى الله لومة لائم، وهو ما أكسبه شعبية كبيرة في مصر، حينما دافع عن جميع العراقيين، شيعة وسنة وأكراد، رفض الاحتلال وقاومه حتى خرج مندحرًا، له مواقف وطنية ثابتة ضد التقسيم والفساد السياسي والاقتصادي. كل هذا جزء من تفكير المصريين عن سماحته.
وفي هذا الإطار يجب أن يعلم السيد عدة أمور: أولا- أن حرية العبادة مكفولة طبقًا للدستور المصري الجديد حيث نصت المادة التاسعة منه على أن "تلتزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، دون تمييز". كما نصت المواثيق الدولية على نفس الحق وحريته وإتاحة ممارسة الشعائر الدينية لكل المواطنين على حدً سواء.
ثانيا- غلق المساجد لا يتم في وجهة الشيعة فقط ولكن يتم أيضًا أمام شيوخ السلفية وغيرهم، وكان هذا مطلب شعبي فى ظل توغل وتوحش الحركات الدينية بعد ثورة 25 يناير. والدولة في حيرة من أمرها هل تطبق الأصل وتفتح المساجد أمام الكل أم تغلق لبعض الوقت من أجل التنظيم، وأن تهدأ الاعصاب، وأن ينتشر الاعتدال المنشود، والتى مازالت تبحث عنه الدولة المصرية، وهو ما جعل الرئيس عبد الفتاح السيسي ينادى بضرورة التجديد والاعتدال وإحداث "ثورة دينية" لنشر الإسلام الوسطي.
ثالثا- كانت هناك تخوفات من جانب الدولة من تربص بعض غولات التطرف بالمواطنين الشيعة في مسجد الأمام الحسين فلجأت الدولة للخيار الأسهل لها وهو غلق الأضرحة من أجل عدم الاحتكاك وتكرار مشاهد حدثت من قبل، هي مرفوضة من جميع المصريين بلا استثناء، وحقنًا لدماء المصريين.
وبناء على ما سبق، اعتقد بأن التصريحات من جميع الأطراف لابد أن تقف فورًا، وأن يبدى كل طرف تفهه لوجهة نظر الطرف الآخر. كما أنصح الأطراف المختلفة بما يلي:
أولا، الدخول سريعًا في حوارات مباشرة بين شيوخ الأزهر والمرجعيات الدينية في العراق، وعلى رأسها سماحة السيد مقتدى الصدر. ثانيا، كانت هناك –ومازالت- محاولات للتقريب بين الأديان الثلاثة، فمن باب أولى أن يكون هناك محاولات لتفعيل المبادرات الخاصة بالتقريب بين المذاهب الإسلامية، وذلك بهدف تصحيح الصورة النمطية السلبية من كل طرف تجاه الآخر. فلا شك في أن الثوابت واحدة، وبالتالى الاختلاف على الفروع، والتي يمكن تداركها والوصول إلى حلولا وسط طالما صدقت النوايا، والإرادة السياسية والدينية.
ثالثا، لابد من استمرار التفاعل الثقافي والاجتماعي بين النخب المصرية والعراقية، ليست فقط الدينية ولكن أيضًا السياسية والعلمية والثقافية. فلا يعقل بأى حال من الأحوال أنه مع زيارة كل وفد مصرى إلى العراق تثار ضجة في الداخل أو كلما أغلق مسجد يقع العلماء في البلدين في حرب طروادة من التصريحات التي تأول بشكل خاطئ، وتؤثر بالسلب على الجميع.
الحوار هو الحل ... من يبدأ بالخطوة الأولى
نقلا عن مجلة الهدى