المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د‏.‏ محمد السعيد إدريس
د‏.‏ محمد السعيد إدريس

خطــورة الغيـاب عن المشـهد الانتخابـى

الثلاثاء 17/نوفمبر/2015 - 10:46 ص

من المقرر أن تجرى انتخابات الجولة الثانية لمجلس النواب المصرى الجديد يومى الأحد والاثنين المقبلين (22 و23 نوفمبر الحالي) وسط توقعات محدودة بأن يتم تحسين نسبة المشاركة فى هذه الجولة عن الجولة السابقة التى جاءت نسبتها صادمة لكل المصريين وكانت دافعاً لطرح العديد من التساؤلات حول أسباب هذا العزوف الشعبى هل هو تكاسل أم استياء، وما هو تأثير غياب مشاركة 75% من المصريين الذين لهم حق الاقتراع على شرعية البرلمان الجديد، لكن سؤال كيف يمكن استعادة ثقة المصريين فى هذه الانتخابات لم يشغل الكثيرين للأسف فى وقت تدنت فيه المسئولية عن الارتقاء بالوعى الشعبى فى ثلاثة اتجاهات أولها إجادة عملية التصويت لتفادى رفع نسبة الأصوات الباطلة على النحو الذى حدث فى الجولة الأولي، وثانيها تحفيز المصريين على ضرورة المشاركة باعتبارها واجبا وطنيا أولاً وحقا سياسيا مشروعا اكتسبه الشعب بنص الدستور ثانياً، وثالثها تحديد المعايير التى يجب الاستناد إليها فى اختيار النواب الجدد.

فالإعلام لم يكترث بأهمية ومسئولية تبصير المصريين بكيفية التصويت للقوائم وللمرشحين الفرديين حسب مقاعد كل دائرة انتخابية. كما أن منظمات المجتمع المدنى اكتفت بمراقبة الانتخابات ولم تكترث لأولوية التثقيف الانتخابى باعتباره الوظيفة الأهم لهذه المنظمات فى عملية الانتخابات، وأكمل غياب دور الأحزاب فى النهوض بالتوعية الانتخابية غيابها السياسى عن خوض معركة التنافس السياسى على كسب المقاعد وإثبات الوجود داخل البرلمان.

وإذا كان من الضرورى الحرص على تصحيح هذه الأخطاء فإن القيام بمسئولية تحفيز الشعب على المشاركة فى التصويت يجب أن يحظى بالأولوية الآن جنباً إلى جنب مع مسئولية تجديد المعايير الصحيحة لاختيار النواب، أياً كانت دوافع وأسباب التقاعس عن المشاركة فى الجولة الأولى وأياً كان توصيف هؤلاء الممتنعين عن المشاركة سواء كانوا من اليائسين من جدوى المشاركة بسبب الإحباط من أخطاء ارتكبت وترتكب فى إدارة السياسة فى مصر الآن أو من البائسين الذين يتابعون بحسرة شديدة كيف تتهاوى أحلامهم على صخرة الواقع الاقتصادى والاجتماعى الأليم وبالذات ملايين العاطلين من الشباب المصريين، وملايين الكادحين من فقراء المصريين الذين يعيشون فى القرى والنجوع بريف وصعيد مصر أو يعيشون فى عشوائيات المدن المصرية وهم يتابعون مدى الاتساع المتزايد والمتسارع فى فجوة الدخول بين الأغنياء والفقراء ناهيك عن فجوة الخدمات الهائلة بين ما يحصل عليه الأغنياء من خدمات وتسهيلات توفرها الدولة والحرمان الذى يعيش فيه الفقراء من الحد الأدنى من الخدمات الصحية والتعليمية والنقل والمواصلات والإسكان والمياه والكهرباء والصرف الصحى وغيرها من الخدمات الأساسية.

كل هؤلاء اليائسين والبائسين عليهم أن يدركوا أن عزوفهم عن المشاركة فى الانتخابات ليس هو الحل، فالدولة المدنية الديمقراطية والحقوق السياسية لن تتحقق تلقائياً بل تتحقق بالنضال المستمر والمتواصل من داخل البرلمان ومن خارجه، وإصلاح أوضاع البائسين لن يتحقق بعزوفهم عن المشاركة فى تأسيس برلمان قوى قادر على أن يدافع عن مصالحهم ومطالبهم فى الحياة الكريمة. المشاركة وحدها هى التى تحقق هذا كله، لكن إلى جانب ذلك يجب أن ندرك أن المشاركة، كما أشرت، هى واجب وطنى وهى أيضاً حق يجب ألا نفرط فيه، حق سياسى كفله الدستور ضمن نصوصه الرائعة التى جعلت البرلمان هو السلطة العليا باعتباره سلطة الشعب والوكيل عن الشعب.

فالانتخابات واجب وطنى على ضوء كل ما يتهدد مصر من الداخل ومن الخارج. فمصر مستهدفة بقدر لا يقل أبداً عن استهداف العراق وسوريا، ومخطط تدمير الدول وإعادة تقسيمها له أطراف كثيرة يعملون من أجله، وخرائط هؤلاء موجودة ومعروفة، ومن ثم فإن الإسراع فى تأسيس برلمان قوى إلى جانب الرئيس الذى اختاره الشعب بجدارة مع دستور من أفضل دساتير العالم فى توازنه الدقيق والراقى بين النظامين الرئاسى والبرلمانى يعد ضرورة لإكمال بناء الدولة سياسياً كى ننطلق فى بنائها اقتصادياً وتدعيم قدراتها العسكرية والأمنية وتحصينها من كل أنواع التهديد سواء كانت من الداخل أو من الخارج فى ظل تربص قوى ظلامية تريد مجدداً إسقاط النظام خاصة جماعة الإخوان ناهيك عن تيار السلفية الجهادية وبالأخص تنظيم داعش ومن على شاكلته من تلك التنظيمات الإرهابية.

 

كما أن الانتخابات حق سياسى كفله الدستور وأعطى للشعب أن يختار من يحكمه، وأن يكون هو صاحب السلطة والسيادة الأوحد، فالبرلمان هو وكيل الشعب فى إدارة الحكم والسياسة وهذا حق لا تتمتع به كل الشعوب، ويجب على المصريين أن يحافظوا على هذا الحق وأن يدافعوا عنه، وأن يدركوا أنهم وهم يختارون أعضاء مجلس النواب فإنهم يختارون وكلاء عنهم ونوابا لهم فى حكم مصر ، وهذا ما يؤكده الدستور فى تحديده لوظائف البرلمان من هنا تأتى المهمة الثالثة الخاصة بضرورة التوعية بهذه الوظائف باعتبارها المعايير الحقيقية التى يجب الالتزام بها عند اختيار النواب، أى اختيار الأكفأ من بين المرشحين القادرين على القيام بهذه الوظائف، إضافة إلى شرط الأمانة فى النائب الجديد. فالكفاءة شرط أول والأمانة شرط ثان يجب الالتزام به كى يكون المواطن على يقين بأن من اختاره وكيلاً له أو نائباً عنه هو الأقدر على تحمل مسئولية القيام بالوظائف التى حددها الدستور وهى وظائف أربع تشمل أولاً التشريع، وثانياً إقرار سياسة الحكومة، وثالثاً إقرار الموازنة العامة للدولة، ورابعاً مراقبة ومحاسبة السلطة التنفيذية.

من الضرورى ومن الواجب أن يدقق كل ناخب فى أشخاص المرشحين ليختار من بينهم من هو قادر على أن يكون مشرعاً، ومن يملك الكفاءة العلمية والمهنية ومن يتحلى بالأمانة استناداً إلى تاريخه السياسى السابق للتأكد من قدرته على أن يكون مشرعاً لمصلحة الشعب ومدافعاً عن حقوقه.

ومن الضرورى أن يختار الشعب من يملك الكفاءة فى مناقشة السياسة الحكومية ونقدها موضوعياً ومن هو كفء لمناقشة الموازنة العامة للدولة سواء من ناحية الإيرادات أو المصروفات التى يجب أن تعطى كل الأولوية للإنفاق فى المجالات التى تخدم مصالح الشعب وفق أولوياته، وأن يكون أخيراً يمتلك القدرة والخبرة والكفاءة والشجاعة للقيام بوظيفة مراقبة ومحاسبة السلطة التنفيذية فى أدائها لوظائفها المحددة فى السياسة الحكومية المعتمدة من البرلمان.

هذه المسئوليات إذا أخذناها فى الاعتبار فسوف نكون على يقين بأن أى تقاعس عن المشاركة فى انتخاب البرلمان جريمة فى حق مصر وجريمة فى حق أنفسنا، وترف لا تحتمله بلادنا وهى تواجه كل ما تواجهه من تحديات ومخاطر.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟