ليست هذه هى المرة الأولى التى تعلن فيها المملكة العربية السعودية تأسيس «حلف إسلامى» تخوض من خلاله معركة أو حرباً ضد ما تعتقده مصدراً للتهديد.
فى منتصف الستينيات من القرن الماضى وفى ذروة ما اعتبرته مصادر استخباراتية وأكاديمية أمريكية «حرباً باردة عربية» بين القاهرة والرياض حول حركة التحرر العربية التى كانت تقودها مصر والتى كان الدور المصرى فى اليمن أحد معالمها اتجهت المملكة العربية السعودية إلى تأسيس «حلف إسلامى» لمواجهة ماسمته «خطر القومية العربية» التى يقودها جمال عبدالناصر. وهنا كان التلاقى السعودى مع إيران الشاهنشاهية التى كانت أهم قواعد النفوذ الأمريكى فى الخليج العربى حينئذ.
فشل هذا الحلف الإسلامى فى أن يكون له وجود سياسى أو عسكرى فعلي، لكنه ترك آثاراً دامية فى النفوس وبالذات بالنسبة لتفجير صراع عقائدى بين العروبة والإسلام، حيث جرى تكفير الدعوة القومية العربية واختلاق تعارض بين العروبة والإسلام مازلنا ندفع أثمانه، وهنا يجب أن نتذكر الدور شديد السوء الذى قامت به فلول جماعة الإخوان الذين كانوا قد تسللوا إلى المملكة ودول عربية خليجية أخرى فى تشويه الدعوة القومية العربية اعتقاداً منهم بأن ذلك يدخل ضمن حرب تصفية الحسابات مع نظام جمال عبدالناصر.
كما أن هذه الدعوة السعودية الحالية لتشكيل تحالف إسلامى لمحاربة الإرهاب ليست الدعوة الوحيدة لمحاربة الإرهاب فقد سبقتها الدعوة الأمريكية لقيادة تحالف دولى ضد الإرهاب يعمل منذ أكثر من عام فى العراق وسوريا، كما تلت هذه الدعوة الأمريكية دعوة روسية لتشكيل تحالف آخر للحرب ضد الإرهاب ضم كلا من إيران والنظام السورى وهى الدعوة التى جاءت عقب عجز التحالف الأمريكى الدولى عن تحقيق نجاحات ملموسة ضد تنظيم «داعش» فى سوريا والعراق، ومن ثم فإن الدعوة السعودية لتأسيس تحالف إسلامى للحرب ضد الإرهاب جاءت فى ظروف ملتبسة أثارت الكثير من التساؤلات حول الدوافع والأهداف الحقيقية لهذا الحلف.
وإذا كان وزير الخارجية السعودى عادل الجبير قد أحسن القول فى مؤتمره الصحفى فى باريس (15/12/2015) عندما حرص على توضيح أن التحالف الذى تريده السعودية «ليس تحالفاً سُنياً أو شيعياً، وإنما تحالف ضد الإرهاب» فإن التحالف السعودى الجديد يواجه تحديات كثيرة سوف تضعه فى اختبارات صعبة من منظور دوره الحقيقى فى الحرب على الإرهاب.
يأتى فى مقدمة هذه التحديات الفرص التى تبدو مواتية الآن أمام الحل السياسى للأزمة السورية بعد القرار الأممى الصادر بالإجماع عن مجلس الأمن الدولى مساء يوم الجمعة الفائت (18/12/2015)، وصدر هذا القرار بإجماع الآراء وتضمن خريطة طريق لحل سياسى مدعوم دولياً للأزمة السورية يتضمن وقف إطلاق نار على كامل الأراضى السورية يدخل حيز التنفيذ ما إن تتخذ السلطة السورية والمعارضة «الخطوات الأولى باتجاه عملية انتقال سياسي». كما تضمن دعم مجلس الأمن لانتخابات حرة وعادلة، وتشكيل حكومة انتقالية فى غضون ستة أشهر على أن تكون الانتخابات بعد 18شهراً.
هذا القرار تضمن أيضاً تجاوزاً لأزمة شخص الرئيس السورى ونص على أن «الشعب السورى هو من يقرر مستقبل بلاده»، لكن ما هو أهم أن هذا القرار تضمن توافقاً روسياً أمريكياً حول دور مؤقت للرئيس السورى وخروج مشرف له فى نهاية المرحلة الانتقالية، وأن هذا التوافق له خلفية روسية- إيرانية، أى أن روسيا لم تعد متمسكة إلى الأبد بالرئيس السورى، وأن إيران تسير هى الأخرى وفق تفاهمات روسية- إيرانية موسعة، مع هذا الاتجاه، الأمر الذى يعنى فعلاً أننا أمام فرص مواتية لحل سياسى سورى تقبل به الولايات المتحدة وقامت روسيا بهندسته بالتفاهم مع إيران، وكما يعنى أيضاً أن ساحة الحرب ضد الإرهاب فى سوريا تتجه إلى الانحسار ما يؤكد أن الحلف السعودى لن يجد سوقاً رائجة له فى سوريا. وهنا يجدر أن نتساءل: هل كانت الرياض بعيدة عن الإلمام بكل هذه التفاهمات، وإذا كان لديها إلهام كاف فلماذا كان كل هذا التسرع فى الوقوع فى أخطاء إجرائية كثيرة كان فى الإمكان تفاديها؟ وما هى الدوافع الحقيقية لتأسيس هذا التحالف وخلفياتها.
الحلف يواجه تحديا ثانيا فى الساحة العراقية، وهى الساحة الثانية الأهم للحرب ضد الإرهاب، فى وقت لم يشارك ولن يشارك العراق فى هذا الحلف. هل سيدخل الحلف للحرب فى العراق دون موافقة السلطات الشرعية العراقية؟ وإذا حدث ذلك فهل سيكون التدخل مجدياً فعلياً؟
السؤال مهم فى ظل تطورات لها اعتبارها تخص الساحة العراقية، أبرزها الرفض العراقى لتدخل أى قوات أجنبية لقتال «داعش» برياً على الأرض العراقية، كما أن العراق يخوض أزمة ساخنة مع تركيا بسبب الوجود العسكرى التركى المرفوض فى شمال العراق، كما أن العراق، وعلى لسان وزير دفاعه بات فى معرض تحرير الرمادى ونجح فى تقليص انتشار «داعش» على أرض العراق من 40% إلى 17%، أى أن سوق الحلف فى العراق باتت شبه مغلقة.
كما يواجه الحلف تحدياً ثالثا بالنسبة لأعضائه فهو يضم دولاً تدعم منظمات إرهابية منها تركيا ومنها قطر، فكيف يمكن للسعودية توحيد مواقف الدول الأعضاء الرافضة للإرهاب والمطالبة بمحاسبة من يموله ويسلحه مع مواقف دول أعضاء فى الحلف متهمة بتمويل وتسليح منظمات إرهابية ولها خلافات حادة مع دول مشاركة فى الحلف مثل مصر، وبالذات الخلافات المصرية مع كل من قطر وتركيا على الأقل من منظور التحالف التركي- القطرى مع جماعة الإخوان. العزوف المصرى المبكر عن إرسال قوات للقتال فى سوريا ضمن مهام هذا الحلف يكشف عمق التحدى الذى يواجه هذا الحلف.
إذا كان الأمر كذلك فأى إرهاب سيقاتل هذا الحلف وضمن أى رؤية إستراتيجية؟. غموض أهداف الحلف ودوافعه تدفع للتساؤل عما إذا كانت معاركه السياسية ستفوق معاركه العسكرية، وهل يمكن أن تدخل هذه المعارك السياسية ضمن إطار التنافس السعودى مع القوى الإقليمية الأخرى حول الزعامة الإقليمية؟
إجابة هذا السؤال مهمة جداً بالنسبة لمصر فى هذه الظروف الصعبة.