المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د‏.‏ محمد السعيد إدريس
د‏.‏ محمد السعيد إدريس

مصــــر وفوضـــى تشــــكيل الأحـــلاف

الثلاثاء 29/ديسمبر/2015 - 10:51 ص

العيون كلها تتركز صوب مصر، فهى فى نظر القوى الإقليمية والدولية الفاعلة فى إقليم الشرق الأوسط «القوة المرجحة والحاسمة فى صراعات القوة المحتدمة» التى جرى التعبير عنها خلال أقل من عامين بتشكيل أربعة تحالفات تزعم كلها أنها تحارب الإرهاب دون أن تحدد ما هو الإرهاب الذى تعنيه وما هى منظماته وما هى القوى الداعمة له بالسلاح والمال والتدريب وتسهيلات العبور والدعاية أيضاً، والسؤال المهم بهذا الخصوص ماذا ستفعل مصر، أو بالتحديد ما يجب أن تفعل، وأى من هذه الأحلاف الأربعة يعتبر الأقرب إلى ما تريده مصر وما يجب أن تقوم به؟ وإذا لم تكن مصر ترى أن أياً من هذه الأحلاف يمتلك جدارة أن تشارك فيه، فهل مصر مدعوة لتأسيس تحالف وقيادته؟ وإذا كانت الإجابة هي: نعم، فما هى مواصفات هذا التحالف ومن هو العدو الذى سوف تستهدف مصر محاربته من خلال تحالفها الذى قد تتجه إلى تأسيسه؟

فالمملكة العربية السعودية شكلت «تحالفا عربيا» أعطته اسم «عاصفة الحزم» لمقاتلة جماعة الحوثيين المدعومين من قوات الرئيس اليمنى السابق على عبد الله صالح والذين يتلقون المساعدات من إيران، والهدف هو تثبيت الشرعية فى اليمن ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي، وإجبار الحوثيين وجماعة على عبد الله صالح على الخضوع للشرعية ووقف التدخل الإيرانى فى شئون اليمن. كما شكلت الولايات المتحدة تحالفاً ضم على الورق اسم 60 دولة من دول العالم لمقاتلة تنظيم «داعش» فى العراق، كانت السعودية ودول مجلس التعاون الخليجى باستثناء سلطنة عمان أعضاء فى هذا التحالف، الذى جرى توسيع مجال عمله إلى سوريا بعد تردد طويل كان سببه هو الخوف من أن تؤدى مقاتلة «داعش» فى سوريا إلى تقوية نظام الرئيس السورى بشار الأسد.

وبعد أن تأكد عجز هذا التحالف الدولي- الأمريكى عن إلحاق هزيمة بتنظيم «داعش» سواء فى العراق أو فى سوريا دخلت روسيا طرفاً مباشراً فى الحرب ضد «داعش» بعد إعلان التنظيم مسئوليته عن إسقاط طائرة روسية فى شمال سيناء وضم هذا التحالف إيران والعراق والنظام السورى ومعه حزب الله «لبنان»، وهو التحالف الذى نجح فى فرض معادلة توازن قوى جديدة فى سوريا وضعت حداً للتدخل التركى فى الأزمة السورية وهو التدخل الذى كان يستهدف تحقيق مصالح تركية بحتة على حساب المصالح الوطنية السورية وعلى حساب نجاح الحرب ضد «داعش» والتنظيمات الإرهابية الأخري.

وسط كل هذا الارتباك فى الحرب على الإرهاب، وبعد نجاح المملكة العربية السعودية فى عقد اجتماع مهم للمعارضة السورية فى «الرياض» تبعه انعقاد مؤتمر دولى فى العاصمة النمساوية «فيينا» لتحقيق السلام فى سوريا، فاجأت المملكة الجميع بإعلان تشكيل تحالف إسلامى للحرب على الإرهاب لم توجه الدعوة لأطراف عربية- إسلامية تحارب الإرهاب للمشاركة فيه من أبرزها: العراق وسوريا وإيران، إضافة إلى الجزائر وإندونيسيا، الأمر الذى شجع الكاتب الأمريكى آدم تايلو فى صحيفة «واشنطن بوست» ليقول: «مهما كانت التأكيدات التى تقدمها السعودية بصدد عدم سنية تحالفها، فإنه امتداد للتحالف السُنى الذى حشدته للحرب فى اليمن»، كما دعته ليؤكد بناء على هذه الفكرة أن يقول «القوة المحركة لهذا التحالف ليست إلا منافسة إيران، عوضاً عن مكافحة الإرهاب»، ولعل هذا ما دفع رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى ليصف التحالف السعودى بأنه «تحالف ورقي» مفسراً ذلك بقوله إن «الدول التى تحارب الإرهاب، وهى العراق وسوريا، غير موجودة فكيف سيحارب هذا التحالف الإرهاب».

على الجانب الآخر ظهرت كتابات مؤيدة للتحالف السعودى انظر مثلاً موقع (الجزيرة نت) بتاريخ 18/12/2015 مقال بعنوان «التحالف الإسلامى ضد الإرهاب.. سباقات ورسائل» أكد أن الوضع فى سوريا «يشكل التحدى الأبرز للتحالف الإسلامى (السعودي) ضد الإرهاب»، حيث يمارس النظام السورى (إرهاب الدولة وكل أصناف الإرهاب ضد غالبية السوريين، إضافة إلى تنظيم الدولة (داعش) ومن لف فى فلكه، وبالأخص ميليشيا حزب الله الإرهابية،والميليشيات الإيرانية والعراقية والأفغانية، إلى جانب التدخل الروسى السافر إلى جانب النظام».

واضح من كل هذا الاستعراض أن كل تحالف له «إرهابه» الذى يريد أن يحاربه، وإذا كان التحالف الدولى الأمريكى أعلن أن الإرهاب الذى يحاربه هو تنظيم «داعش» وإذا كان التحالف الروسي- الإيرانى أكد أن التحالف الذى يحاربه فى سوريا هو بالأساس تنظيم «داعش» والتنظيمات السلفية الجهادية الأخرى التى تحارب النظام السورى ولا تختلف كثيراً فى أهدافها النهائية عن تنظيم «داعش»، فإن التحالف العربى السعودي، والتحالف الإسلامي- السعودى يحارب الإرهاب الذى يعتبره مدعوماً من إيران، الأمر الذى يعيد توضيح أولوية إيران كمصدر للتهديد فى الفكر الاستراتيجى السعودى يفوق خطر إرهاب «داعش» وتنظيمات إسلامية تقاتل فى العراق تدعمها السعودية وقطر وتركيا.

أين مصر من هذا كله؟

مصر تعطى أولوية مطلقة الآن للحرب على الإرهاب الذى يستهدف إسقاط الدول والذى يزعم أنه يستهدف إقامة «الخلافة الإسلامية» ويرتكز على تكفير الدول والمجتمعات والأفراد يستوى فى ذلك «داعش» والقاعدة (النصرة) ومن يدور فى فلكهما، ويمارس إرهابه سواء فى سوريا أو فى اليمن أو فى ليبيا وأيضاً فى مصر. وإذا كانت مصر لها موقفها الرافض والصريح من سياسة التدخل الإيرانى فى شئون دول عربية فإنها ليست فى موضع التعامل مع إيران باعتبارها العدو الأول الذى يجب أن يحارب، ويجب ألا تكون طرفاً فى أى تحالف يضع ضمن أولوياته محاربة إيران، أو الدخول فى تحالف له خلفيته الطائفية أو المذهبية.

فالحرب السنية الشيعية هى صناعة إسرائيلية بالمطلق، وما تريده إسرائيل هو فرض استقطاب عربي- طائفى يقسم العرب إلى «عرب سنة» تريد أن تكون معهم فى تحالف تدعمه الولايات المتحدة ضد «عرب شيعة» ترى أن روسيا وإيران تقفان خلفهم.

ومصر لا يمكن أن تكون طرفاً فى تحالف واحد مع تركيا وقطر فى الوقت الذى تتحالفان فيه مع تنظيم الإخوان، وتحاربان الدولة السورية، ناهيك عن التدخل التركى العسكرى فى شمال العراق، والتوجه التركى لبناء قاعدة عسكرية تركية فى قطر. كما أن مصر لا يمكن أن تحارب ضمن ما يريده الأمريكيون بتأسيس قوة عسكرية سنية تقاتل الإرهاب فى العراق على نحو ما جاء فى مقترح أعضاء فى مجلس الشيوخ الأمريكى فى مقدمتهم السيناتور جون ماكين (صاحب دعوة أن تقسيم العراق هو الحل الأمثل لأزماته) والسيناتور ليندسى جراهام عضو اللجنة. فقد دعوا إلى «تشكيل قوة من 100 ألف جندى من دول المنطقة (الدول السنية) لقتال (داعش)». وقال ماكين إن «حشد هذه القوة لن يكون صعباً على مصر، وسيكون صعباً على الدول الأصغر، ولكن تركيا يمكن أن تسهم فيه».

هذه الفوضى فى الأحلاف والأفكار ليست لها علاقة من قريب أو بعيد بما يشغل مصر الآن من تحديات وما تواجهه من مخاطر داخلية وعلى حدودها المباشرة وما تؤمن به من قيم ومبادئ حاكمة لإدارة وتخطيط علاقاتها العربية والإقليمية والدولية، وهذه كلها محددات يصعب أن تحيد عنها مصر وهى تجيب عن سؤال: ما هو التحالف الذى تحتاج إليه لمواجهة التحديات التى تتهددها والمصالح العليا التى تدافع عنها؟.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟