أكتب هذا المقال يوم الأحد الموافق»10 يناير2016»حيث يعقد مجلس نواب ثورة 30 يونيو جلسته الإجرائية لانتخاب رئيس المجلس ووكيليه. وليس هناك شك فى أن هذه الخطوة الديموقراطية الحاسمة التى وعدت بها خارطة الطريق التى أعلنها »السيسى» فى3 يوليو بحضور ممثلى الشعب بمختلف فئاتهم تعد انتصارا حاسما للثورة التى أسقطت حكم جماعة الإخوان المسلمين الديكتاتورى.
لقد هوجمت الموجة الثورية العارمة فى 30 يونيو. من قبل بعض الدول الغربية وفى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التى تواطأت مع جماعة الإخوان المسلمين حتى تثب إلى السلطة فى مصر باعتبارها انقلابا عسكريا، مع أن القوات المسلحة المصرية الباسلة بقيادة الفريق أول »عبد الفتاح السيسى» والذى كان وقتها وزيرا للدفاع لم تفعل سوى تأييد الإرادة الشعبية التى رفضت مشروع أخونة الدولة وأسلمة المجتمع.
انعقاد مجلس النواب اليوم والذى يعد ترجمة أمينة للدستور الجديد بتمثيله المشرف لكل قطاعات المجتمع المصرى وفى مقدمتهم الشباب والنساء وذوى الحاجات الخاصة بالإضافة إلى ما يضمه من كوادر سياسية متميزة وخبرات مهنية عالية المستوى يعد خطوة حاسمة على طريق تحديث الديموقراطية المصرية لتعبر تعبيراً حقيقيا عن إرادة الشعب.
استطاعت الدولة المصرية بقيادة الرئيس »عبد الفتاح السيسى» رئيس الجمهورية أن تتجدد وتصبح دولة تنموية تخطط للتنمية المستدامة ليس ذلك فقط ولكن أن تقوم بأجهزتها المختلفة وبالمشاركة مع القطاع الخاص على تنفيذ مشروعاتها المختلفة. وبقى كما أوضحنا فى سلسلة مقالات سابقة- أن تتجدد باقى أطراف معادلة النظام السياسى ونعنى الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدنى حتى تصبح أحزابا ومؤسسات تنموية تشارك الدولة فى وضع الرؤى الاستراتيجية لمصر ورسم الخرائط التنموية ليس ذلك فقط، ولكن تشارك مباشرة فى جهود التنمية وتسهم فى حل مشكلات الأمية والفقر والعشوائيات والبطالة وخصوصا بطالة الشباب. ولابد فى مجال التجدد السياسى أن تسعى النخب السياسية القديمة والجديدة للتجدد المعرفى حتى تدرك بدقة طبيعة التغيرات العالمية ومنطقها الكامن حتى تسهم بالرأى والمشورة فى وضع السياسات الخارجية وتطوير السياسات الداخلية.
وفى مقابل هذه الانتصارات المتوالية لثورة 30 يونيو - والتى توجت اليوم بانعقاد مجلس النواب الجديد- تواجه البلاد بعملية تدليس فكرى واسعة النطاق تقوم بها قيادات جماعة الإخوان المسلمين الهاربة إلى قطر وتركيا، وتعبر عنها قنواتهم التليفزيونية والتى تزخر بالانتقادات السطحية وتزدحم بالأكاذيب المضحكة والتى تدل على أن سقوط الجماعة المدوى أضاع عقول هذه القيادات الفاشلة.
وليس أدل على ذلك من تشكيلهم لكيانات وهمية مثل تجميع عشرة نواب سابقين للجماعة وإطلاق اسم »البرلمان» عليهم، أو الإعلان عن تشكيل »مجلس ثورى »أو الدعوة للعنف فى ذكرى ثورة 25 يناير وكأنهم هم الذين فجروا الثورة!
وإذا كانت هذه التحركات اليائسة لقيادات الجماعة فى الخارج تعبيراً عن أمل كاذب فى عودة «مرسى» مرة أخرى باسم الشرعية الوهمية ضد إرادة الشعب المصرى فإن هناك محاولات دائبة يقوم بها بعض الكتاب والإعلاميين داخل مصر تقوم على أساس التدليس الفكرى.
وبعض الكتاب الصحفيين تخصصوا سواء مباشرة أو بطريقة غير مباشرة فى تزوير الحقائق والدفاع الباطل عن جماعة الإخوان الإرهابية، سواء فيما يتعلق بماضيها أو فيما يخص حاضرها. غير أن هؤلاء أصبحت كتاباتهم معروفة للقراء ولا تحتاج إلى كبير عناء للكشف عن تحيزها وعدم موضوعيتها، لأنها تقوم على إنكار ممارسات الحكم الديكتاتورى للجماعة الإرهابية.
إلا أن ما يلفت النظر حقا أن بعض الأساتذة الجامعيين يمارسون التدليس الفكرى للدفاع عن جماعة الإخوان المسلمين عيانا بيانا فى مخالفة صارخة لكل قواعد الموضوعية التى يطبقها الأكاديميون سواء فى أبحاثهم العلمية، أو فى مجالات النقد الاجتماعى.
وهؤلاء المدلسون أحدهم اشتهر بعلاقاته المريبة مع قادة جماعة الإخوان المسلمين، وهو الذى كان الجسر الذى عبروا عليه للتآمر مع الولايات المتحدة الأمريكية حتى يقفزوا إلى السلطة فى مصر وفقا لسيناريو يتسم بالخيبة السياسية الشديدة يقوم على أساس أن الإخوان المسلمين كحلفاء لأمريكا- يمكن أن يكونوا حائط الصد ضد التنظيمات الإرهابية، وفى مقدمتها تنظيم القاعدة الذى سبق له أن ضرب الولايات المتحدة الأمريكية ضربات إرهابية موجعة فى أحداث 11 سبتمبر الشهيرة. وغاب عن هؤلاء السذج من قادة الولايات المتحدة الأمريكية أن جماعة الإخوان المسلمين هى مصدر التطرف الدينى فى العالم الإسلامى بحكم أن منظرها المعروف «سيد قطب» هو صاحب النظرية التكفيرية الانقلابية الذى تخرجت فى مدرسته الفكرية كل التنظيمات الإرهابية الإسلامية.
وهذا الأكاديمى الذى يمارس التدليس الفكرى خرج فى أحد البرامج التليفزيونية وهو يدعو للتصالح مع جماعة الإخوان المسلمين. على أساس أن عدد أعضاء الجماعة 700.000 ألف عضو (ولم يقل لنا على أى أساس أقام هذا الإحصاء الدقيق) وكل عضو من هؤلاء له أسرة مكونة من أربعة أعضاء على الأقل ليصبح العدد الإجمالى ثلاثة أو أربعة ملايين.
ومن ثم لابد من التصالح مع الجماعة لمنع الاستقطاب الاجتماعى! غير أنه لم يقل إطلاقا ماذا يعنى بالمصالحة مع الجماعة التى تم بالفعل وصفها قانونيا بأنها جماعة إرهابية. هل تعود الجماعة كما كانت مع أن تكوينها الداخلى عبارة عن دولة موازية للدولة الرسمية فيها »مرشد عام» ومكتب إرشاد ومجلس شورى ومكاتب إدارية وكيانها يقوم على السرية المطلقة بحيث تستطيع إذا ما تم حلها أن تنزل تحت الأرض لتمارس الإرهاب ضد الدولة والمجتمع نفسه كما فعلت فعلا بعد 30 يونيو. وهل تعنى المصالحة عودة حزب »الحرية والعدالة» مرة أخرى للعمل بالسياسة والسعى إلى استلام السلطة من جديد؟
هذه الأسئلة لا يجيب عنها هذا الأستاذ الجامعى الذى يمارس التدليس الفكرى بصورة مكشوفة.
ولكن أخطر منه أستاذ جامعى آخر وهو خبير فى التناقض الفكرى، والتذبذب السياسى، والمدافع الأول عن إرهاب جماعة الإخوان المسلمين وإن كان بصورة مخادعة.فقد نشر هذا الأكاديمى المدلس مقالة أخيرا زعم فيها أن الصراع القائم فى مصر الآن هو بين العسكر والإسلاميين!
ولك أن تتخيل جرأته على الحق حين يختزل الشعب المصرى بكل فئاته فى »الإسلاميين» وحين ينعت القوات المسلحة بأنها »عسكر». ومعنى ذلك أن هذا الأستاذ الذى مارس التدريس الجامعى سنوات طويلة ينكر عن عمد ملايين المصريين من كافة الاتجاهات والأعمار التى نزلت إلى الشوارع والميادين فى 30 يونيو لإسقاط جماعة الإخوان الإرهابية. والمثير للسخرية حقا أنه يستشهد بسوابق من التاريخ الإسلامى ويتحدث عن المصالحة بين قبيلتى الأوس والخزرج!
انعقاد مجلس نواب الثورة اليوم فيه الرد البليغ على كل محاولات التدليس الفكرى!