كنت أود أن أستكمل ما تحدثت عنه فى الأسبوع الماضى عن «دور مصر الذى لا بديل عنه» لإنقاذ الأمة وكيف يكون وعبر أية أدوات ووفق أى سياسات واستعدادات، لكننى، ولحسن الحظ، تلقيت رسالة من أخ عزيز (الأستاذ سعد محيو المفكر اللبنانى القدير) جمعنا الهم العربى المشترك على مدى ما يقرب من ربع قرن. هذه الرسالة وما تضمنته من أفكار ورؤى لم تتطابق فقط مع ما تحدثت عنه بل تحمل مشروعاً لتفعيل الدعوة إلى مواجهة مخططات إعادة تقسيم الدول العربية وتفكيك النظام العربي. فقد كشفت رسالة الصديق العزيز أن هذا الهم العربى مازال يشغلنا بل ويخيفنا، إلى درجة الفزع على المستقبل العربى فى ظل أجواء توحى بأن مخطط إعادة تقسيم وتفتيت الدول العربية فيما يشبه اتفاقية «سايكس - بيكو» جديدة، يجد له أصداء مشجعة، وقوى دافعة ومتحمسة تعتقد أن الظروف باتت سانحة أكثر من أى وقت مضى لفرض هذا المخطط الذى ظل يشغل عقول ومؤسسات قوى دولية وإقليمية على مدى عقود ممتدة من الناحية الفعلية، ابتداء من مؤتمر بازل الصهيونى عام 1897 الذى قرر إقامة دولة لليهود فى فلسطين ومن بعده مؤتمر «هنرى كامبل بنرمان» الذى جمع قادة ومفكرى الدول الأوروبية صاحبة المستعمرات الممتدة فى العالم (1905 - 1907) الذى تلاقى مع المؤتمر الصهيونى فى أهدافه العليا.
ربما أكون قد كتبت وتحدثت عشرات المرات عن التلاقى بين مقررات هذين المؤتمرين، لكن دافعى إلى تكرار الكتابة هو أولاً التأكيد على أن ما يربط الكيان الصهيونى بالغرب الاستعمارى هو تفكيك العالم العربى وطمس ونزع هويته الحضارية العربية - الإسلامية، وتقزيم روابط العلاقات بين الشعب العربى الواحد إلى مجرد علاقات الجوار الجغرافي، أما دافعى الثانى فهو الترابط الشديد بين هذين المشروعين الاستعماريين وأهدافهما وبين ما يطرح الآن من مشروعات لإعادة تقسيم الدول العربية وتفكيك النظام العربى ابتداء من مشروع «الشرق الأوسط الكبير» الأمريكى عام 2003 الذى كان غطاء للغزو الأمريكى للعراق، ودعا إلى إعادة ترسيم الخرائط السياسية وتأسيس دول أكثر تجانساً فى مكوناتها الاجتماعية العرقية والطائفية بحدود أفضل من حدود «سايكس - بيكو»، ثم جاء مشروع أمريكى آخر فى أوج العدوان الإسرائيلى - الأمريكى على لبنان صيف 2006 على لسان كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة تحت عنوان «الشرق الأوسط الجديد» دعا إلى استبدال الصراع فى المنطقة من صراع عربى - صهيونى إلى صراع عربى - إيراني، واستبدال العدو فى المنطقة بأن تحل إيران بدلاً من إسرائيل كعدو للعرب، وإن هذا يفرض إطلاق الصراع السنى - الشيعي. ثم جاء المشروع الإسرائيلى الجديد، بعد توقيع الاتفاق النووى الإيرانى وتحول إيران إلى صديق جديد للولايات المتحدة، الذى يدعو إلى استقطاب إقليمى بين «عرب سنة» تقودهم تركيا والسعودية، مع طموح لأن تكون إسرائيل عضواً فى هذا التحالف السني، لمواجهة حلف «العرب الشيعة» الذين تقودهم إيران. والآن وفى ذروة البحث عن مخرج للأزمة السورية ظهر الحديث الروسى والأمريكى عن خيار الفيدراليات فى سوريا، الذى قد يتحول إلى تقسيم ليس لسوريا وحدها بل ربما يمتد إلى العراق واليمن وقد يشمل معظم الدول العربية ليعود بنا مجدداً إلى الهدف المحورى الذى التقى عليه مؤتمر بازل الصهيونى مع مؤتمر لندن الاستعماري، أى الإمعان فى تقسيم وتجزئة الدول العربية والحيلولة دون توحيدها.
هل من وسيلة للخروج من هذا النفق؟.
السؤال تحول إلى مشروع بحثى يشرف عليه زميلنا الأستاذ سعد محيو من خلال مركز دراسات الوحدة العربية (بيروت)، وهو مشروع يؤكد أن ما تحدثنا عنه فى الأسبوع الماضى من تحسب وتخوف من دعوة الفيدراليات وإعادة التقسيم والتبشير بـ «سايكس بيكو جديدة» أخذ يتحول إلى تيار قوى رافض لهذه الدعوة ويبحث عن مخرج من هذا النفق.
ونظراً لأهمية الدعوة التى تلقيتها بهذا الخصوص فإننى أود تعميمها على كل السادة القراء، ليتحول البحث عن إجابة للسؤال إلى تأسيس مشروع عربى بديل، وإلى تيار عربى قادر على مواجهة التحديات وإليكم نص الرسالة التى حملت عنوان «الخروج من النفق»:
«الصديق العزيز...
أرفق ربطاً استبيانياً سنطرحه على أبرز المثقفين والباحثين العرب حول الوسائل العملية لإخراج الأمة العربية من الورطة الكبرى والخطيرة التى تتخبط فيها. والاستبيان سيكون باكورة الموقع الإلكترونى الجديد «استراتيجيات» الذى سنطلقه خلال أيام من خلال مركز دراسات الوحدة العربية. ويشرفنى أن يكون ردك من أوائل الذين سننشر آراءهم، كما أنك مخول، بالطبع، بعرض الاستبيان على من تختاره من المثقفين.
نص الاستبيان
«هل ثمة مخرج من كابوس عملية التفتيت والتفكيك التدميرية الجارية الآن على قدم وساق للوطن العربى (ولاحقاً لإيران وتركيا وباكستان وغيرها). فى ضوء:
- عجز مشاريع الإسلام السياسى المتنوعة من الإسلام الإيرانى إلى العثمانية التركية الجديدة مروراً بالتلاوين «الجهادية» والوهابية والأصوليات الأخري، عن وقف تداعيات التفتيت، ناهيك عن تقديم حلول ومخارج ناجحة للأمة.
- تداعى مشروع الدولة القطرية، بفعل ضربات متنوعة وعديدة منها: المخططات الخارجية، مفاعيل العولمة، تعثر مفاهيم الحداثة القطرية، والانفجارات الديموجرافية والبيئية، إلخ.
- تنامى وتصاعد الهويات ما قبل الوطنية والقومية، وما بدأت تسفر عنه من حروب أهلية دائمة، تتغذى من تدافع القوى الإقليمية والدولية لتناقش جغرافيا «الرجل العربى المريض» ولتستتبع كلا من هذه الهويات إليها.
هل تعتقدون أنه يمكن أن تكون هناك حلول أو مخارج أخرى لهذا الكابوس المدمر، غير إعادة تنشيط مفهوم العروبة، بل واعتماد مشروع دولة الوحدة الاتحادية كبديل لمشاريع التفتيت الإقليمية والدولية؟. نعرف أن مثل هذا التوجه دونه عقبات فكرية واستراتيجية قد تجعله يبدو مستحيل التحقق، لكنه فى الواقع يشمل قوة وزخماً لا يتوافران فى أى مشروع أخر لسبب بسيط، إنه الوحيد القادر على وقف الحروب والصراعات المذهبية والطائفية والعشائرية القاتلة، وعلى تقديم بديل مشرق وقابل للحياة ومحقق لسلام الأوطان العربية، على عكس كل المشاريع الأخرى التى لن تؤدى سوى إلى تأييد الحروب والدمار والفقر والأحقاد أسوة بحروب الثلاثين سنة الأوروبية التى أبادت نصف سكان القارة فى النصف الأول من القرن السابع عشر.
إن كنتم توافقون على هذا الطرح نرجو:
- اقتراح الوسائل العملية والسياسية، التى تمكن القوى والمنظمات والشخصيات العروبية من وضع هذا الطرح موضع التنفيذ، على المستويين الشعبى والرسمي، بما فيها تحديد عناصر «الكتلة التاريخية» العربية التى يمكنها حمل المشروع.
- اقتراح الاستراتيجيات الإعلامية والثقافية والسيكولوجية التى يمكنها بث الروح مجدداً لدى الشباب العربى بالأمل والحلم العروبى الوحدوى الديمقراطي، لمقارعة الكوابيس الانتحارية والاستبدادية والتفتيتية. أما إذا كانت لديكم مقترحات أخري، فنأمل أن تتفضلوا بطرحها ومشاركتنا إياها».
انتهى نص الاستبيان، والدعوة عامة للجميع للمشاركة فى الحوار والمقترحات وتقديم الرؤى والحلول بشكل مكثف فى حدود صفحتين وأن تكون المراسلة:
إما على: محمد السعيد إدريس msiidries@gmail.com
أو: سعد محيو saad_mehio@hotmail.com
ولسيادتكم جزيل الشكر.