يريدون أن يبرزوا فى المجال العام وكأنهم هم الحريصون على حدود الوطن والمدافعين عنه ضد من فرطوا فيه!
وهؤلاء الانتهازيون من عواجيز النشطاء السياسيين أصناف شتى. بعضهم يريد أن يلعب دورا أى دور حتى تغطى وسائل الإعلام مواقفه الخطيرة وتنقل تصريحاته التافهة، والآخرون يتزاحمون على الميكروفونات وصفحات الصحف يجرون الحوارات ويعرضون آراءهم الساذجة فى مجال إنقاذ الوطن!
أما شباب النشطاء السياسيين فهم هؤلاء الذين أصبحت “الثورية” مهنة لا مهنة له بالنسبة لهم! وهم الذين ملأوا الدنيا ضجيجا حين اختلطت الثورة بالفوضى بعد 25 يناير، حيث أصبح التظاهر العشوائى ممارسة يومية!
ولدينا بعد ذلك قبائل الغوغائيين من المثقفين والذين أغلبهم فى الواقع من أنصاف المتعلمين، وبعضهم ممن يمتهنون حرفة الأدب لم يقرأوا كتابا فكريا واحداً فى حياتهم!
هؤلاء الأدعياء جلسوا فجأة على مقاعد أساتذة القانون الدولى وتكاثرت تصريحاتهم الصحفية وازدحمت بغثائهم البرامج التليفزيونية بعد أن أصبحوا فجأة خبراء فى ترسيم الحدود البحرية!
وأسآندة فى مجال الجزر، وأصبحوا من قراء الخرائط، ومن المؤرخين الذين يصدرون الفتاوى هنا وهناك!
ولا ننسى فى مجال الغوغائيين الجماعات الشاردة لحركة 6 أبريل والاشتراكيين الثوريين الذين أعلنوا من قبل عقيدتهم العبقرية وهى هدم الدولة!
أما عن عصابات الألتراس فحدث ولا حرج بمنظرهم البائس بعد أن خلطوا الرياضة بالسياسة بالتخريب المتعمد.
وتأتى بعد ذلك الكارثة الكبرى التى تسببت فيها الثورة الاتصالية والتقدم التكنولوجى ونعنى “الفيس بوك” و”التوتير”.
أصبح لكل “هلفوت” حساب يسجل فيه آراءه العبقرية فى إصلاح الكون. وكما ظهر بعد هزيمة يونيو 1967 ممن أطلق عليهم “جنرالات المقاهى” الذين كانوا على أنغام “الشيشة” يرسمون الخطط العسكرية للقضاء على القوات الإسرائيلية فى ساعات قليلة، ظهرت فئة “فلاسفة المقاهى” الذين اتخذوا لأنفسهم فى “الفيس بوك” مكانا مختاراً!
وفى هذا المحيط الصاخب الذى يختلط فيه الأدعياء بالجهلة بأنصاف المتعلمين سنجد خليطاً عجيباً من الأفكار التافهة، والترهات والكتابات التى تدعى الحكمة، والتى تناقش كل الأمور من أول التسلح الذرى إلى الإصلاح الاقتصادى إلى القواعد الأساسية للقيام بثورة جديدة تسقط النظام القائم الذى شيدته وفقاً لإجراءات ديموقراطية الموجة الثورية فى 30 يونيو، وتصاعدت الصيحات الغوغائية لتصنع البديل!
وقال بعض الشراح للمذاهب الغوغائية المقصود هو ليس من يحكم مصر ولكن كيف ينبغى أن تحكم مصر!
تأمل كم الادعاء فى هذه العبارة التى تصدر عن مجموعات هائمة من الذين لا يملكون فكرا حقيقياً ولا رؤية مستنيرة، ومن هؤلاء الذين لم يفهموا على وجه الإطلاق التغيرات التى حدثت فى العالم فى الجوانب الدولية والسياسية والاقتصادية والثقافية.
وحتى يزداد المشهد تعقيداً انضم إلى كل هذه الفئات مجموعات من الشباب الأنقياء الذين تم استثارة روحهم الوطنية وحبهم لبلادهم. غير أن هؤلاء جنى عليهم نظام التعليم المتردى. فهم لم يتعلموا شيئاً، ومعلوماتهم تافهة، وتربوا على تقاليد “العقل الإتباعى” الذى يصم أصحابه المعلومات صما حتى ينجحوا فى الامتحان، ولم يتربوا على تقاليد “العقل النقدى” الذى يقوم على أساس قاعدة معرفية متينة، ويطرح كل شئ للمساءلة، ولا يسير أصحابه كالقطيع وراء الذين يسعون إلى هدم الدولة وتخريب المجتمع.
ولا يعنى ذلك كله أن الحكومة لم تخطئ فى طرح موضوع الجزر، ولم تمهد لذلك منذ فترة طويلة فى ظل نقاش هادئ تطرح فيه الحقائق التاريخية بغير مواربة.
لكن هذا شىء ومحاولة إسقاط النظام وهدم الدولة شيئ آخر.
ومن الظواهر الملفتة حقاً أن بعض هؤلاء المعارضين عبروا عن معارضتهم فى داخل المجال العام الوطنى وهذا حقهم المشروع الذى لا جدال فيه، وإن كنا نتمنى أن تكون هذه المعارضة مبنية على فكر موضوعى وليست عبارة عن مجموعة من الشعارات الجوفاء التى تتحدث عن الوطنية.
غير أن بعض المعارضين انتهزوا زيارة الرئيس “أولاند” رئيس فرنسا وتجمع بعضهم وذهبوا إلى لقائه فى مقر السفارة الفرنسية فى القاهرة ليحرضوا على الدولة المصرية ويدعون الرئيس الفرنسى لكى لا يكمل صفقة الأسلحة مع مصر وأن يضغط على الرئيس “السيسى” وذلك باسم حقوق الإنسان المهددة فى مصر!
ولدينا فى هذا المجال تعليقات موجزة على هذا الخبر. بين هذا الوفد المعارض ناشطة سياسية سبق لها أن اعترفت فى فيديو مسجل وأذيع فى التليفزيون أنها ممن استخدموا المولوتوف والحجارة فى الهجوم على قوات الأمن فى أثناء ثورة يناير وهى فى ذلك مثلها مثل “الثائر” المزعوم الذى حكم عليه بالسجن لأنه اعترف علانية على شاشة التليفزيون بأنه شارك فى إحراق المجمع العلمى!
وكان فى الوفد المعارض أيضاً “نجم” من نجوم التمويل الأجنبى فى مجال منظمات المجتمع المدنى والذى أثرى ثراءً فاحشاً من هذا التمويل بعد أن برع فى “فبركة” الإيصالات المزيفة عن النفقات التى صرفها من أموال التمويل.
نحن نتحدى من يرفعون الصوت ويطالبون بحرية قبول التمويل الأجنبى بأن يعلنوا أمام جهة الكسب غير المشروع ذمتهم المالية لكى يعرف الرأى العام ماذا كان وضعهم الاقتصادى حين بدأوا النشاط فى منظمات المجتمع المدنى وثرواتهم الحرام التى تراكمت فى الوقت الحاضر!
لكل ذلك اقترحت فى لقاء الرئيس “السيسى” مع المثقفين الذى انعقد منذ فترة فى قصر “الاتحادية” أنه بدلا من تحويل منظمات المجتمع المدنى إلى التحقيق لحصولهم على تمويل أجنبى دون تصريح قانونى يمكن تنظيم مؤتمر برعاية الدولة يحضره أصحاب مؤسسات المجتمع المدنى ويعلن كل منهم أمام أنظار الإعلام والرأى العام كم أموال التمويل الأجنبى التى حصل عليها والجهات الممولة وهل فرضت عليهم أجندة خاصة للتنفيذ أم أن هذه المنظمات التى ملأت الدنيا ضجيجا لم تفعل سوى تنفيذ أجندات التمويل الأجنبية.
الرأى العام يريد أن يعرف الحقيقة كل الحقيقة!