تحدثنا فى مقالنا الماضى «خريطة معرفية لمشكلات الهوية.» عن التعريف الأساسى للهوية، وعن أنماطها المتعددة، وميزنا بين ثلاثة أنماط أساسية هى الهوية الفردية والهوية الاجتماعية والهوية الإنسانية.
والواقع أنه يمكن القول إن العرض الذى قدمناه لموضوع الهوية إنما يعبر عن الوضع التقليدى لمشكلة الهوية والذى ساد حقبا طويلة من الزمن. غير أن مجئ عصر العولمة بكل جوانبها السياسية والاقتصادية والثقافية مثل نقطة إنقطاع تاريخية فى موضوع الهوية لأن مشكلاتها فى عصر العولمة تختلف كثيرا عن مشكلاتها فى العصور السابقة.
وإذا كنا اعتمدنا فى عرض الوضع التقليدى لمشكلات الهوية على كتاب ابيكو باريكب وعنوانه اسياسة جديدة للهوية المبادئ الأساسية لعالم يتسم بالاعتماد المتبادلب فإننا سنعتمد على عرض مشكلات الهوية فى عصر العولمة على أهم مرجع على الإطلاق صدر للكشف عن القوانين الأساسية لمجتمع المعلومات العالمى. وهذا المرجع الفريد ألفه أستاذ علم الاجتماع الأمريكى(من أصل أسبانى) وهو امانويل كاستلز. وكتابه عنوانه اعصر المعلومات«، وهو يتكون من ثلاثة أجزاء هى المجتمع الشبكى، وقوة الهوية، ونهاية الألفية.
ويجمع العلماء الاجتماعيون فى العالم على أن كتاب «كاستلز» يمثل ثورة فكرية حقيقية فى دراسة العالم الافتراضى الذى نشأ نتيجة ثورة الاتصالات الكبرى وفى قلبها البث التليفزيونى الفضائى واختراع شبكة الإنترنت. لدرجة أن أطلق على «كاستلز» أنه اكارل ماركسب القرن الحادى والعشرين، لأنه إذا كان «ماركس» هو الذى اكتشف فى كتابه الشهير ارأس المالب عن القوانين الأساسية للرأسمالية وفى مقدمتها نظريته عن افائض القيمةب فإن «كاستلز» بنظريته عن المجتمع الشبكىب إنما يقدم تفسيرا إبداعيا لأبرز ظواهر العالم الافتراضى.
ولذلك نحتاج إلى أن نقف وقفة طويلة نسبيا مع نظرية اكاستلزب التى ستسمح لنا بفهم المجتمع العالمى الراهن.
ولعل السؤال الذى ينبغى طرحه الآن، ما هى الأطروحة الأساسية التى يقدمها «كاستلز»؟
تتمثل هذه الأطروحة فى أن شكلاً جديداً من أشكال الرأسمالية قد بزغ وذلك فى نهاية القرن العشرين، وهى رأسمالية كونية فى طبيعتها، مصممة على تحقيق أهدافها، وأكثر مرونة من الأشكال الرأسمالية السابقة.
وهذه الرأسمالية تواجهها على مستوى العالم قوى تتحداها، تتمثل فى تشكيلة واسعة من الحركات الاجتماعية تدافع عن الخصوصيات الثقافية، وقدرة البشر على التحكم فى مصيرهم، وفى البيئة التى يعيشون فيها.
وهذا التوتر هو الذى يصنع الديناميكية الرئيسية لعصر المعلومات.
ويلخص «كاستلز» هذا التوتر فى عبارة جامعة حيث يقرر أن مجتمعاتنا أصبحت بشكل متزايد تتبلور حول االصراع الثنائى القطبية بين الشبكة والذاتب The Net and the self.
ويقصد «كاستلز» بالشبكة Net التشكيلات التنظيمية الجديدة التى قامت على أساس الاستخدام الواسع المدى للميديا الاتصالية المتشابكة ونماذج التشبيك Network، والتى تميز أكثر القطاعات الاقتصادية المتقدمة. وينطبق ذلك على الشركات الكبرى المتنافسة تنافساً شديداً، وكذلك بالنسبة للمجتمعات المحلية والحركات الاجتماعية.
ومن ناحية أخرى فالذات Self ترمز إلى الأنشطة التى يحاول فيها الناس تأكيد هوياتهم فى ظل ظروف تتسم بالتغيرات البنائية وعدم الاستقرار التى ترافق تنظيم الأنشطة الرئيسية الاجتماعية والاقتصادية، وتصوغها فى شكل شبكات ديناميكية.
وبزغت تشكيلات اجتماعية جديدة تدور حول الهويات الأولية Primary identities والتى قد يكون تركيزها على الجنس أو الدين أو السلالة أو القومية. وهذه الهويات ينظر إليها عادة وكأنها - بيولوجياً أو اجتماعياً- غير قابلة للتغير. وذلك فى مواجهة التغيرات السريعة التى يمكن أن تلحق بالآفاق الاجتماعية.
ويمكن القول أنه فى سياق التفاعل بين «الشبكة والذات» فإن ظروف الحياة الإنسانية والخبرة العملية يعاد صياغتها بشكل عميق وذلك على مستوى العالم.
وإذا تساءلنا عن الافتراضات النظرية التى بنى عليها «كاستلز» تحليلاته العميقة لقلنا إنه يقف وراء فرضه الرئيسى عن الصراع بين الشبكة والذات افتراضان أساسيان:
الافتراض الأول ويشير إلى نشوء «الشبكة» ويقرر أن سببه هو التفاعل الجدلى بين العلاقات الاجتماعية والتجديد التكنولوجى، أو بحسب تعبيرات «كاستلز» بين أنماط الإنتاج وأنماط التنمية.
أما الافتراض الثانى فيشير إلى أهمية «الذات» ويعنى بذلك أن الطريقة التى تعرف بها الجماعات هوياتها هى التى تحدد شكل مؤسسات المجتمع. وبعبارة «كاستلز» كل عملية لبناء هوية متميزة تؤدى إلى ناتج مختلف فى البناء الاجتماعى. على سبيل المثال عملية بناء هوية دينية متشددة ومنغلقة لابد أن تؤدى إلى أنساق اجتماعية مرتبطة بها.
أما الافتراض الثانى والذى يركز على دور الهوية فى التنمية الاجتماعية فيذهب إلى أن عملية بناء الهويات المتمايزة هى التى تشكل المجتمع.
وتعريف الهوية عند «كاستلز» أنها عملية بناء المعنى استناداً إلى سمة ثقافية ما، أو بالنسبة لمجموعة سمات ثقافية تكون لها الأسبقية بالنسبة إلى مصادر المعنى الأخرى.
وقد ميز «كاستلز»- تأثراً بنظريات عالم الاجتماع الفرنسى آلان تورين- بين ثلاثة أنماط للهوية وهى:
1- هوية إضفاء الشرعية Legitimizing identity وهى الهوية التى تستند إليها المؤسسات المسيطرة فى المجتمع لكى تبسط رواق سيطرتها على باقى الفاعلين الاجتماعيين، ولكى تعطى معنى عقلانياً لهذه السيطرة.
2- هوية المقاومة Resistence Identity وينتجها هؤلاء الذين يشعرون أن وضعهم أو ظروفهم تؤدى إلى استبعادهم بحكم منطق الهيمنة.
وهوية المقاومة من شأنها أن تقود إلى صياغة مجتمعات محلية أو كومبونات كوسيلة للتعامل مع ظروف القهر التى يخضعون الناس لها. ومثالها النموذجى المقاومة الفلسطينية ضد الدولة الإسرائيلية العنصرية.
3- هوية المشروع المستقبلى: Project identity وهى الهوية التى تصوغها الحركات الاجتماعية التى تسعى إلى التغيير الشامل للمجتمع. ومثالها هوية جماعات الإسلام السياسى التى تريد القضاء على الدولة العلمانية وتأسيس دولة دينية محلها.
وهكذا يمكن القول إن مشكلات الهوية الأساسية فى عصر العولمة يمكن إيجازها فى هويات تحاول بعض الأنظمة السياسية والمؤسسات المسيطرة فى المجتمع فرضها لكلى تخضع لها أفراد المجتمع. وهذه الفكرة فى الواقع قريبة من نظرية الفليسوف الفرنسى «لويس آلتوسير» والذى تحدث فى إحدى مقالاته الشهيرة عن «أجهزة الدولة الإيديولوجية».
ومن ناحية أخرى فهناك زهوية المقاومةس والتى تمارسها جماعات إيديولوجية وسياسية شتى ضد قوى الطغيان والقهر. ونصل من بعد إلى أخطر صور الهوية المعاصرة وهى هوية الجماعات الإسلامية المتطرفة ابتداء من جماعة «الإخوان المسلمين الإرهابية» وانتهاء بتنظيم «داعش» المتوحش والتى تحاول إلغاء الدول العلمانية وتأسيس دول دينية تحل محلها تمهيداً لإعلان الخلافة الإسلامية وصولا ذكما تزعم هذه التيارات- إلى «أستاذية العالم» والتى علقنا من قبل على هذا الوهم حين قلنا «أستاذية العالم لنعم ولكن فى الجهل والتخلف الفكرى»!
والواقع أنه يمكن القول إن العرض الذى قدمناه لموضوع الهوية إنما يعبر عن الوضع التقليدى لمشكلة الهوية والذى ساد حقبا طويلة من الزمن. غير أن مجئ عصر العولمة بكل جوانبها السياسية والاقتصادية والثقافية مثل نقطة إنقطاع تاريخية فى موضوع الهوية لأن مشكلاتها فى عصر العولمة تختلف كثيرا عن مشكلاتها فى العصور السابقة.
وإذا كنا اعتمدنا فى عرض الوضع التقليدى لمشكلات الهوية على كتاب ابيكو باريكب وعنوانه اسياسة جديدة للهوية المبادئ الأساسية لعالم يتسم بالاعتماد المتبادلب فإننا سنعتمد على عرض مشكلات الهوية فى عصر العولمة على أهم مرجع على الإطلاق صدر للكشف عن القوانين الأساسية لمجتمع المعلومات العالمى. وهذا المرجع الفريد ألفه أستاذ علم الاجتماع الأمريكى(من أصل أسبانى) وهو امانويل كاستلز. وكتابه عنوانه اعصر المعلومات«، وهو يتكون من ثلاثة أجزاء هى المجتمع الشبكى، وقوة الهوية، ونهاية الألفية.
ويجمع العلماء الاجتماعيون فى العالم على أن كتاب «كاستلز» يمثل ثورة فكرية حقيقية فى دراسة العالم الافتراضى الذى نشأ نتيجة ثورة الاتصالات الكبرى وفى قلبها البث التليفزيونى الفضائى واختراع شبكة الإنترنت. لدرجة أن أطلق على «كاستلز» أنه اكارل ماركسب القرن الحادى والعشرين، لأنه إذا كان «ماركس» هو الذى اكتشف فى كتابه الشهير ارأس المالب عن القوانين الأساسية للرأسمالية وفى مقدمتها نظريته عن افائض القيمةب فإن «كاستلز» بنظريته عن المجتمع الشبكىب إنما يقدم تفسيرا إبداعيا لأبرز ظواهر العالم الافتراضى.
ولذلك نحتاج إلى أن نقف وقفة طويلة نسبيا مع نظرية اكاستلزب التى ستسمح لنا بفهم المجتمع العالمى الراهن.
ولعل السؤال الذى ينبغى طرحه الآن، ما هى الأطروحة الأساسية التى يقدمها «كاستلز»؟
تتمثل هذه الأطروحة فى أن شكلاً جديداً من أشكال الرأسمالية قد بزغ وذلك فى نهاية القرن العشرين، وهى رأسمالية كونية فى طبيعتها، مصممة على تحقيق أهدافها، وأكثر مرونة من الأشكال الرأسمالية السابقة.
وهذه الرأسمالية تواجهها على مستوى العالم قوى تتحداها، تتمثل فى تشكيلة واسعة من الحركات الاجتماعية تدافع عن الخصوصيات الثقافية، وقدرة البشر على التحكم فى مصيرهم، وفى البيئة التى يعيشون فيها.
وهذا التوتر هو الذى يصنع الديناميكية الرئيسية لعصر المعلومات.
ويلخص «كاستلز» هذا التوتر فى عبارة جامعة حيث يقرر أن مجتمعاتنا أصبحت بشكل متزايد تتبلور حول االصراع الثنائى القطبية بين الشبكة والذاتب The Net and the self.
ويقصد «كاستلز» بالشبكة Net التشكيلات التنظيمية الجديدة التى قامت على أساس الاستخدام الواسع المدى للميديا الاتصالية المتشابكة ونماذج التشبيك Network، والتى تميز أكثر القطاعات الاقتصادية المتقدمة. وينطبق ذلك على الشركات الكبرى المتنافسة تنافساً شديداً، وكذلك بالنسبة للمجتمعات المحلية والحركات الاجتماعية.
ومن ناحية أخرى فالذات Self ترمز إلى الأنشطة التى يحاول فيها الناس تأكيد هوياتهم فى ظل ظروف تتسم بالتغيرات البنائية وعدم الاستقرار التى ترافق تنظيم الأنشطة الرئيسية الاجتماعية والاقتصادية، وتصوغها فى شكل شبكات ديناميكية.
وبزغت تشكيلات اجتماعية جديدة تدور حول الهويات الأولية Primary identities والتى قد يكون تركيزها على الجنس أو الدين أو السلالة أو القومية. وهذه الهويات ينظر إليها عادة وكأنها - بيولوجياً أو اجتماعياً- غير قابلة للتغير. وذلك فى مواجهة التغيرات السريعة التى يمكن أن تلحق بالآفاق الاجتماعية.
ويمكن القول أنه فى سياق التفاعل بين «الشبكة والذات» فإن ظروف الحياة الإنسانية والخبرة العملية يعاد صياغتها بشكل عميق وذلك على مستوى العالم.
وإذا تساءلنا عن الافتراضات النظرية التى بنى عليها «كاستلز» تحليلاته العميقة لقلنا إنه يقف وراء فرضه الرئيسى عن الصراع بين الشبكة والذات افتراضان أساسيان:
الافتراض الأول ويشير إلى نشوء «الشبكة» ويقرر أن سببه هو التفاعل الجدلى بين العلاقات الاجتماعية والتجديد التكنولوجى، أو بحسب تعبيرات «كاستلز» بين أنماط الإنتاج وأنماط التنمية.
أما الافتراض الثانى فيشير إلى أهمية «الذات» ويعنى بذلك أن الطريقة التى تعرف بها الجماعات هوياتها هى التى تحدد شكل مؤسسات المجتمع. وبعبارة «كاستلز» كل عملية لبناء هوية متميزة تؤدى إلى ناتج مختلف فى البناء الاجتماعى. على سبيل المثال عملية بناء هوية دينية متشددة ومنغلقة لابد أن تؤدى إلى أنساق اجتماعية مرتبطة بها.
أما الافتراض الثانى والذى يركز على دور الهوية فى التنمية الاجتماعية فيذهب إلى أن عملية بناء الهويات المتمايزة هى التى تشكل المجتمع.
وتعريف الهوية عند «كاستلز» أنها عملية بناء المعنى استناداً إلى سمة ثقافية ما، أو بالنسبة لمجموعة سمات ثقافية تكون لها الأسبقية بالنسبة إلى مصادر المعنى الأخرى.
وقد ميز «كاستلز»- تأثراً بنظريات عالم الاجتماع الفرنسى آلان تورين- بين ثلاثة أنماط للهوية وهى:
1- هوية إضفاء الشرعية Legitimizing identity وهى الهوية التى تستند إليها المؤسسات المسيطرة فى المجتمع لكى تبسط رواق سيطرتها على باقى الفاعلين الاجتماعيين، ولكى تعطى معنى عقلانياً لهذه السيطرة.
2- هوية المقاومة Resistence Identity وينتجها هؤلاء الذين يشعرون أن وضعهم أو ظروفهم تؤدى إلى استبعادهم بحكم منطق الهيمنة.
وهوية المقاومة من شأنها أن تقود إلى صياغة مجتمعات محلية أو كومبونات كوسيلة للتعامل مع ظروف القهر التى يخضعون الناس لها. ومثالها النموذجى المقاومة الفلسطينية ضد الدولة الإسرائيلية العنصرية.
3- هوية المشروع المستقبلى: Project identity وهى الهوية التى تصوغها الحركات الاجتماعية التى تسعى إلى التغيير الشامل للمجتمع. ومثالها هوية جماعات الإسلام السياسى التى تريد القضاء على الدولة العلمانية وتأسيس دولة دينية محلها.
وهكذا يمكن القول إن مشكلات الهوية الأساسية فى عصر العولمة يمكن إيجازها فى هويات تحاول بعض الأنظمة السياسية والمؤسسات المسيطرة فى المجتمع فرضها لكلى تخضع لها أفراد المجتمع. وهذه الفكرة فى الواقع قريبة من نظرية الفليسوف الفرنسى «لويس آلتوسير» والذى تحدث فى إحدى مقالاته الشهيرة عن «أجهزة الدولة الإيديولوجية».
ومن ناحية أخرى فهناك زهوية المقاومةس والتى تمارسها جماعات إيديولوجية وسياسية شتى ضد قوى الطغيان والقهر. ونصل من بعد إلى أخطر صور الهوية المعاصرة وهى هوية الجماعات الإسلامية المتطرفة ابتداء من جماعة «الإخوان المسلمين الإرهابية» وانتهاء بتنظيم «داعش» المتوحش والتى تحاول إلغاء الدول العلمانية وتأسيس دول دينية تحل محلها تمهيداً لإعلان الخلافة الإسلامية وصولا ذكما تزعم هذه التيارات- إلى «أستاذية العالم» والتى علقنا من قبل على هذا الوهم حين قلنا «أستاذية العالم لنعم ولكن فى الجهل والتخلف الفكرى»!