مازال لغز الموقف الأمريكى من الانقلاب العسكرى الفاشل فى تركيا مساء الجمعة (15 يوليو 2016) يثير الكثير من التساؤلات حتى بعد أن كسرت صحيفة «ينى شفق» التركية حاجز الغموض وتجرأت واتهمت قائد قوات المساعدة الدولية لإرساء الأمن فى أفغانستان «إيساف» جون كامبل، بإدارة تلك المحاولة الانقلابية الفاشلة، مضيفة أن تمويلها تم من خلال جهاز المخابرات المركزية الأمريكية «سي. أي. إيه» عن طريق بنك «يو.بي. إيه» فى نيجيريا، إضافة إلى إفادات للنيابة العامة فى مدينة أضنة التركية تقول إن «طائرات الإمداد بالوقود التى زودت طائرات «إف 16» التابعة للانقلابيين التى كانت تقصف أنقرة خلال الانقلاب حلقت من قاعدة «انجرليك» التى يستخدمها الأمريكيون.
الأسئلة كثيرة وتزيد الغموض ليس بخصوص الموقف الأمريكى من هذا الانقلاب فقط، لكن تثيره أكثر بالنسبة لمستقبل العلاقات الأمريكية - التركية على ضوء التصعيد التركى بخصوص مطالب أنقرة من واشنطن تسليم الداعية الإسلامى التركى فتح الله جولن الذى وصل إلى درجة اتهام وزير العمل التركى سليمان صويلو لواشنطن بأنها «تقف وراء الانقلاب»، وإلى درجة تهديد رئيس الحكومة بن على يلدريم بأن بلاده ستلجأ إلى إعادة النظر فى صداقتها مع واشنطن فى حال عدم تسليم الأمريكيين فتح الله جولن. هذه الاتهامات وهذا التصعيد استنكره السفير الأمريكى فى تركيا جون باس، كما استنكر الاتهامات التى تروج لها «وسائل إعلام وللأسف بعض الشخصيات» قائلاً فى بيان أن «هذا الأمر خاطئ تماماً، ومثل هذه التخمينات تسيء إلى عقود من الصداقة». ودخل وزير الدفاع الأمريكى اشتون كارتر طرفاً فى تفنيد ما يراه ادعاءات، عقب اتصال هاتفى مع نظيره التركى فكرى أشيق الذى طالب كارتر بإلا يتساهل مع جولن الذى تتهمه أنقرة بتدبير الانقلاب، حيث أكد كارتر أن بلاده مستعدة لتقديم جميع أنواع الدعم لتركيا وأنه «لا أساس من الصحة للادعاءات» التى انتشرت فى أوساط الشعب التركى بدعم الولايات المتحدة، لكن ما هو أهم هو مناقشة كارتر مع وزير الدفاع التركى أهمية قاعدة «انجرليك» الجوية التركية فى عمليات «التحالف الدولي» بقيادة واشنطن ضد تنظيم «داعش» فى سوريا والعراق.
التطرق إلى أهمية قاعدة «انجرليك» بالنسبة للولايات المتحدة، بشكل عام، وبالنسبة للحرب الدائرة الآن ضد «داعش» بشكل خاص هى المدخل الأهم للإجابة على سؤال مستقبل العلاقات الأمريكية مع تركيا، وأين ستقف الولايات المتحدة مع اردوغان أم مع فتح الله جولن؟ الأسباب التى يرجح اختيار واشنطن للتحالف مع اردوغان والتضحية بشخص جولن، سواء بتسليمه أو بالسماح له بالخروج من الولايات المتحدة للتخلص من عبء الضغوط التركية رغم كل ما يمكن أن تفجره عملية التسليم تلك من كشف لملفات علاقات جولن مع أجهزة أمنية واستخباراتية أمريكية من إحراجات لواشنطن. أول هذه الأسباب تتعلق بالأهمية القصوى لقاعدة «انجرليك» الجوية بالنسبة للولايات المتحدة وإستراتيجيتها العسكرية العليا ولحلف شمال الأطلسى (الناتو) ضمن الصراع الأوسع مع روسيا وضمن مخططات أمريكية واسعة فى الشرق الأوسط، فهذه القاعدة هى أهم القواعد العسكرية الأمريكية فى الشرق الأوسط، إضافة إلى أنها تحتوى على عشرات القذائف من طراز «BbI» التى تحمل رءوسا نووية، علاوة على أنها تضم أكبر مخزن للأسلحة الأمريكية فى الخارج على نحو ما كشفت صحيفة «لوس انجيلوس تايمز» الأمريكية.
السبب الثانى الذى لا يقل أهمية هو أن تركيا أضحت الآن مثار تنافس عليها بين أربعة أطراف أساسية بين الولايات المتحدة وروسيا من ناحية، وبين إسرائيل وإيران من ناحية أخري. فتركيا هى الآن عنصر ترجيح مهم فى صراع توازن القوى وكسب النفوذ بين هذه الأطراف الأربعة وعلى الأخص فى الساحة السورية. فالرئيس الروسى فلاديمير بوتين بادر بالاتصال بنظيره أردوغان بعيد الانقلاب الفاشل مباشرة ليؤكد له أن موقفه الأساسى هو رفض الانقلاب بشكل عام ضد أى من الحكومات سواء كان فى تركيا أو أوكرانيا أو فى اليمن أو فى أى مكان آخر فى العالم، ولعل فى اللقاء المنتظر أن يتم هذه الأيام بين بوتين وأردوغان ما يكشف عن حرص روسى تركى متبادل على إظهار مؤشرات لخصوصية تنامى العلاقات بين البلدين، وهى رسالة ابتزاز تركية لواشنطن. هناك سبب ثالث يتعلق بالتصعيد الراهن للأزمة الكردية داخل تركيا بعد الانقلاب الفاشل وتأثيره السلبى على العلاقات التركية الأمريكية، حيث تعمد الرئيس التركى استبعاد دعوة صلاح الدين ديميرطاش زعيم «حزب الشعوب الديمقراطى» الكردى المعارض ضمن دعوته للقاء خاص مع زعماء المعارضة فى البرلمان حيث اقتصرت الدعوة على لقاء مع كل من كمال كليشدار أوغلو زعيم حزب «الشعب الجمهورى» ودولت بهشلى زعيم حزب «الحركة القومية» فى إشارة لها مغزى بوجود نية مبيتة عند أردوغان لتفعيل قرار البرلمان الصادر قبل شهر من وقوع الانقلاب الفاشل تقريبا برفع الحصانة عن 52 نائبا تمهيدا لمحاكمتهم وعزلهم منهم 90% من نواب «حزب الشعوب الديمقراطى» ما يعنى احتمال إخراج الحزب من البرلمان ومحاكمته بتهمة الإرهاب. يحدث هذا فى ظل وجود أزمة بين واشنطن وأنقرة بسبب انحيازات واشنطن لقوات ما يسمى بـ«سوريا الديمقراطية» التى تقودها المعارضة الكردية السورية، ناهيك عن انحياز واشنطن لخيار تأثيث «فيدرالية كردية» فى شمال سوريا ترفضها أنقرة بشدة. هذا التصعيد التركى الراهن ضد الأكراد قد يفاقم من الأزمة الأمريكية - التركية بخصوص الأكراد وهذا ما لا تريده واشنطن الآن. أما السبب الرابع فيتعلق بضعف الرهان على المعارضة التركية فى تفعيل موقف تركى داخلى ضد أردوغان خاصة مع تعرض الجيش وقياداته لعملية تصفية و»تطهير» غير مسبوقة ضمن عملية إصلاحات شاملة تستهدف إخضاعه بالكامل لسلطة الرئاسة.
أما السبب الخامس والأهم فيتعلق بالموقع المركزى لأردوغان وحزبه «العدالة والتنمية» فى إستراتيجية التحالف الأمريكى للرئيس باراك أوباما مع ما يسمى بـ «تيار الإسلام المعتدل» أو «الإسلام الليبرالي» فهل يمكن أن تفرط واشنطن بسهولة فى هذه الإستراتيجية؟ هذا هو السؤال الأهم الجدير بالمزيد من التحليل.
*نقلا عن الأهرام
الأسئلة كثيرة وتزيد الغموض ليس بخصوص الموقف الأمريكى من هذا الانقلاب فقط، لكن تثيره أكثر بالنسبة لمستقبل العلاقات الأمريكية - التركية على ضوء التصعيد التركى بخصوص مطالب أنقرة من واشنطن تسليم الداعية الإسلامى التركى فتح الله جولن الذى وصل إلى درجة اتهام وزير العمل التركى سليمان صويلو لواشنطن بأنها «تقف وراء الانقلاب»، وإلى درجة تهديد رئيس الحكومة بن على يلدريم بأن بلاده ستلجأ إلى إعادة النظر فى صداقتها مع واشنطن فى حال عدم تسليم الأمريكيين فتح الله جولن. هذه الاتهامات وهذا التصعيد استنكره السفير الأمريكى فى تركيا جون باس، كما استنكر الاتهامات التى تروج لها «وسائل إعلام وللأسف بعض الشخصيات» قائلاً فى بيان أن «هذا الأمر خاطئ تماماً، ومثل هذه التخمينات تسيء إلى عقود من الصداقة». ودخل وزير الدفاع الأمريكى اشتون كارتر طرفاً فى تفنيد ما يراه ادعاءات، عقب اتصال هاتفى مع نظيره التركى فكرى أشيق الذى طالب كارتر بإلا يتساهل مع جولن الذى تتهمه أنقرة بتدبير الانقلاب، حيث أكد كارتر أن بلاده مستعدة لتقديم جميع أنواع الدعم لتركيا وأنه «لا أساس من الصحة للادعاءات» التى انتشرت فى أوساط الشعب التركى بدعم الولايات المتحدة، لكن ما هو أهم هو مناقشة كارتر مع وزير الدفاع التركى أهمية قاعدة «انجرليك» الجوية التركية فى عمليات «التحالف الدولي» بقيادة واشنطن ضد تنظيم «داعش» فى سوريا والعراق.
التطرق إلى أهمية قاعدة «انجرليك» بالنسبة للولايات المتحدة، بشكل عام، وبالنسبة للحرب الدائرة الآن ضد «داعش» بشكل خاص هى المدخل الأهم للإجابة على سؤال مستقبل العلاقات الأمريكية مع تركيا، وأين ستقف الولايات المتحدة مع اردوغان أم مع فتح الله جولن؟ الأسباب التى يرجح اختيار واشنطن للتحالف مع اردوغان والتضحية بشخص جولن، سواء بتسليمه أو بالسماح له بالخروج من الولايات المتحدة للتخلص من عبء الضغوط التركية رغم كل ما يمكن أن تفجره عملية التسليم تلك من كشف لملفات علاقات جولن مع أجهزة أمنية واستخباراتية أمريكية من إحراجات لواشنطن. أول هذه الأسباب تتعلق بالأهمية القصوى لقاعدة «انجرليك» الجوية بالنسبة للولايات المتحدة وإستراتيجيتها العسكرية العليا ولحلف شمال الأطلسى (الناتو) ضمن الصراع الأوسع مع روسيا وضمن مخططات أمريكية واسعة فى الشرق الأوسط، فهذه القاعدة هى أهم القواعد العسكرية الأمريكية فى الشرق الأوسط، إضافة إلى أنها تحتوى على عشرات القذائف من طراز «BbI» التى تحمل رءوسا نووية، علاوة على أنها تضم أكبر مخزن للأسلحة الأمريكية فى الخارج على نحو ما كشفت صحيفة «لوس انجيلوس تايمز» الأمريكية.
السبب الثانى الذى لا يقل أهمية هو أن تركيا أضحت الآن مثار تنافس عليها بين أربعة أطراف أساسية بين الولايات المتحدة وروسيا من ناحية، وبين إسرائيل وإيران من ناحية أخري. فتركيا هى الآن عنصر ترجيح مهم فى صراع توازن القوى وكسب النفوذ بين هذه الأطراف الأربعة وعلى الأخص فى الساحة السورية. فالرئيس الروسى فلاديمير بوتين بادر بالاتصال بنظيره أردوغان بعيد الانقلاب الفاشل مباشرة ليؤكد له أن موقفه الأساسى هو رفض الانقلاب بشكل عام ضد أى من الحكومات سواء كان فى تركيا أو أوكرانيا أو فى اليمن أو فى أى مكان آخر فى العالم، ولعل فى اللقاء المنتظر أن يتم هذه الأيام بين بوتين وأردوغان ما يكشف عن حرص روسى تركى متبادل على إظهار مؤشرات لخصوصية تنامى العلاقات بين البلدين، وهى رسالة ابتزاز تركية لواشنطن. هناك سبب ثالث يتعلق بالتصعيد الراهن للأزمة الكردية داخل تركيا بعد الانقلاب الفاشل وتأثيره السلبى على العلاقات التركية الأمريكية، حيث تعمد الرئيس التركى استبعاد دعوة صلاح الدين ديميرطاش زعيم «حزب الشعوب الديمقراطى» الكردى المعارض ضمن دعوته للقاء خاص مع زعماء المعارضة فى البرلمان حيث اقتصرت الدعوة على لقاء مع كل من كمال كليشدار أوغلو زعيم حزب «الشعب الجمهورى» ودولت بهشلى زعيم حزب «الحركة القومية» فى إشارة لها مغزى بوجود نية مبيتة عند أردوغان لتفعيل قرار البرلمان الصادر قبل شهر من وقوع الانقلاب الفاشل تقريبا برفع الحصانة عن 52 نائبا تمهيدا لمحاكمتهم وعزلهم منهم 90% من نواب «حزب الشعوب الديمقراطى» ما يعنى احتمال إخراج الحزب من البرلمان ومحاكمته بتهمة الإرهاب. يحدث هذا فى ظل وجود أزمة بين واشنطن وأنقرة بسبب انحيازات واشنطن لقوات ما يسمى بـ«سوريا الديمقراطية» التى تقودها المعارضة الكردية السورية، ناهيك عن انحياز واشنطن لخيار تأثيث «فيدرالية كردية» فى شمال سوريا ترفضها أنقرة بشدة. هذا التصعيد التركى الراهن ضد الأكراد قد يفاقم من الأزمة الأمريكية - التركية بخصوص الأكراد وهذا ما لا تريده واشنطن الآن. أما السبب الرابع فيتعلق بضعف الرهان على المعارضة التركية فى تفعيل موقف تركى داخلى ضد أردوغان خاصة مع تعرض الجيش وقياداته لعملية تصفية و»تطهير» غير مسبوقة ضمن عملية إصلاحات شاملة تستهدف إخضاعه بالكامل لسلطة الرئاسة.
أما السبب الخامس والأهم فيتعلق بالموقع المركزى لأردوغان وحزبه «العدالة والتنمية» فى إستراتيجية التحالف الأمريكى للرئيس باراك أوباما مع ما يسمى بـ «تيار الإسلام المعتدل» أو «الإسلام الليبرالي» فهل يمكن أن تفرط واشنطن بسهولة فى هذه الإستراتيجية؟ هذا هو السؤال الأهم الجدير بالمزيد من التحليل.
*نقلا عن الأهرام