من الصعب الإجابة عن سؤال ما هو مآل الثورة فى مصر دون تذكر حقيقة مهمة هى أن هذه الثورة لم تنطلق من مشروع ثورى ولم تمتلك قيادة ثورية، كذلك من الصعب الإجابة عن سؤال ما هو مآل الثورة دون التعرف على فلسفة الحكم فى مصر الآن، أى ما هى القيم السياسية العليا وما هى الأهداف الكبرى التى يسعى الحكم فى مصر إلى تحقيقها ومقارنتها بالأهداف التى عبرت عنها الملايين من المصريين عندما فجروا ثورتهم فى 25 يناير 2011.
كان الشغل الشاغل لهذه الملايين هو إسقاط النظام، فقط إسقاط النظام، لم تملك هذه الملايين مشروعاً ثورياً أو قيادة ثورية كى تنفذ هذا المشروع الثورى بعد نجاحها فى إسقاط النظام، ومن الظلم محاسبة الشعب الذى ثار لإسقاط النظام واتهامه بالتقصير فى امتلاك مشروع ثورى وقيادة ثورية.
غياب المشروع الثورى وغياب القيادة الثورية كان نتيجة طبيعية لمجمل تردى الأوضاع السياسية فى مصر وكان أحد أسباب تفجر الثورة، لكن رغم ذلك يبقى هذا الغياب حقيقة مؤثرة سلبياً فى مجرى تطور الأحداث فى مصر بعد الثورة، وظل غياب هذا المشروع مسئولية القوى السياسية التى حكمت مصر بعد الثورة.
فقد شهدت مصر أربع مراحل متمايزة هى مرحلة حكم المجلس العسكرى من 11 فبراير 2011 إلى يونيو 2012 حيث بدأت مرحلة حكم الإخوان ولمدة عام واحد وانتهت بعزل الرئيس الإخوانى محمد مرسى فى 3 يوليو 2013 بعد تفجر ثورة 30 يونيو 2013، وأعقبها حكم انتقالى برئاسة المستشار عدلى منصور لمدة سنة واحدة اكتملت فيها الانتخابات الرئاسية الجديدة وتولى الرئيس عبد الفتاح السيسى الحكم فى يونيو 2014.
فى السنة الأولى التى شهدت حكم المجلس العسكرى كانت الاهتمامات متركزة على آليات إدارة الدولة وتنازع الرؤى بين إجراء الانتخابات الرئاسية أولاً ثم إعداد الدستور الجديد للبلاد وبعده إجراء الانتخابات البرلمانية، وكانت هذه هى رؤية معظم القوى السياسية، وبين رؤية أخرى هى رؤية جماعة الإخوان والسلفيين ومعظم فصائل ما يسمى «الإسلام السياسي» كانت ترى العكس أى البدء أولاً بالانتخابات البرلمانية، ثم إعداد الدستور ومن بعده إجراء الانتخابات الرئاسية. ومضى عام كامل من عمر الثورة طغى فيه هذا التنازع والتنافس حول آليات الحكم دون اهتمام أو اكتراث بما هى أسس وقواعد الحكم وقيمه السياسية، أو بالأحرى ما هى فلسفة الحكم الجديد وكيف ستتحقق أهداف الثورة وبالذات إقامة نظام الحكم القادر على تحقيق الهدفين الأساسيين اللذين ثار الشعب من أجل تحقيقهما فى 25 يناير 2011 وهما: التوزيع العادل للثروة الوطنية بين كل المصريين، والتوزيع العادل للسلطة السياسية، أى تحقيق العدل الاجتماعى وتحقيق الديمقراطية الحقيقية التى تجعل الشعب هو الطرف الأساسى فى الحكم، وهو صاحب السلطة العليا، مع إدراك لا يقل أهمية يعطى كل الأولوية للنهوض بالاقتصاد والإنتاج الوطنى من خلال العودة مجدداً إلى الأخذ بمفهوم «الدولة التنموية» فى قيادة العملية الإنتاجية.
وجاء حكم الإخوان ليختطف الثورة وأهدافها ويسعى إلى تكريس نظام حكم جديد وفق المشروع الإخوانى الإقصائى لكل القوى السياسية وتفرد الإخوان بالحكم، وعندما ثار الشعب فى 30 يونيو 2013 وأسقط الإخوان كان دافعه هو استعادة مصر واستعادة ثورتها، ثم معاودة تحقيق الأهداف التى جرى الانحراف بها، لكن الحكم الجديد بعد 3 يوليو 2013، أى مرحلة حكم الرئيس عدلى منصور أولاً، ثم العامين الماضيين من حكم الرئيس عبد الفتاح السيسى ثانياً وجد نفسه مضطراً إلى مواجهة تحديات ومصادر تهديد حقيقية جديدة هى الخطر الإرهابي، ثم الأزمة الاقتصادية أدت إلى الانشغال القسرى عن الإعداد لحوار وطنى واسع ينتج عنه برنامج وطنى للحكم، برنامج للإنقاذ، ولكنه ضمن رؤية شاملة وواضحة تقرر ما هى فلسفة الحكم الجديد، وكيف سنحكم مصر لنحقق الأهداف التى قامت الثورة من أجلها، وما هى قواعد اختيار القيادات العليا للدولة وخاصة الوزراء والمحافظين ومن فى مستواهم الذين سيكون فى مقدورهم تحقيق هذا البرنامج الذى يستهدف بدوره تحقيق أهداف الثورة:
انشغال الحكم الجديد بمواجهة التحديات والتهديدات المستحدثة من الداخل والخارج، وغلبة ضغوط الأزمة الاقتصادية لأسباب كثيرة من أبرزها توقف عجلة الإنتاج بسبب التداعيات التى رافقت أحداث الثورة، وتراجع السياحة، إضافة إلى الأجواء الخلافية التى أعقبت أحداث إسقاط حكم الإخوان، ومن بعدها الانتخابات الرئاسية أدى إلى نتيجتين متلازمتين أولهما توقف المسعى العام نحو التأسيس لوفاق وطنى يقود لحوار وطنى شامل ينتج عنه بلورة مشروع سياسى للحكم فى مصر يكون هدفه تحقيق الأهداف التى قامت الثورة من أجلها، الأمر الذى أدى إلى الإفراط فى الاعتماد على الأجهزة الرسمية للدولة ومؤسساتها فى إدارة شئون الحكم بعيداً عن مشاركة القوى السياسية، ثانيهما: التعويل فى إدارة الدولة على النظام القديم بقياداته وسياساته، من منطلق أنهم من لديهم التجربة والخبرة فى إدارة الدولة، دون تدقيق فى أن تجربة وخبرة هؤلاء هى التى أدت إلى سقوط ذلك النظام شعبياً بعد أن حول مصر إلى دولة عاجزة وفاشلة وظالمة، ودون استخلاص لأهم نتائج هذا السقوط وهى أنه لا نهضة ولا تقدم لمصر دون التخلص الكامل من تركة هذا النظام وأنماط إدارته للسياسة والحكم.
لذلك فإن التحدى الكبير الذى يواجه الحكم فى مصر الآن هو كيف يمكن الجمع بين المضى قدماً فى مواجهة التهديدات والتحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية المستحدثة منها والقديمة بنجاح وبين التوجه نحو صياغة مشروع وطنى عبر وفاق وطنى واسع، يضم كل القوى الوطنية التى لم تتورط فى أى عمليات تهدد الأمن القومي، هدفه تحقيق الأهداف التى قامت الثورة من أجلها، وفق برنامج عمل محدد المعالم والمراحل يأخذ فى اعتباره ضرورة إعطاء الأولوية المطلقة لتحقيق العدالة الاجتماعية وحل المشكلات الحياتية التى تواجه ملايين المصريين، الأمر الذى يستلزم اتخاذ وقفة قوية أمام التمادى فى التزام بسياسات النظام الرأسمالى الذى أدى إلى تراكم الثروات فى أيدى قلة محدودة على حساب إفقار الغالبية من المواطنين، ومن ثم انعدام اللا مساواة، وتدمير القيم الديمقراطية التى من المفترض أن تكون الرأسمالية قامت من أجل تحقيقها. هذا الهدف لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال إقامة «دولة ديمقراطية اجتماعية» وهى الدولة التى تفجرت الثورة فى مصر من أجل تحقيقها.
نقلا عن الأهرام
كان الشغل الشاغل لهذه الملايين هو إسقاط النظام، فقط إسقاط النظام، لم تملك هذه الملايين مشروعاً ثورياً أو قيادة ثورية كى تنفذ هذا المشروع الثورى بعد نجاحها فى إسقاط النظام، ومن الظلم محاسبة الشعب الذى ثار لإسقاط النظام واتهامه بالتقصير فى امتلاك مشروع ثورى وقيادة ثورية.
غياب المشروع الثورى وغياب القيادة الثورية كان نتيجة طبيعية لمجمل تردى الأوضاع السياسية فى مصر وكان أحد أسباب تفجر الثورة، لكن رغم ذلك يبقى هذا الغياب حقيقة مؤثرة سلبياً فى مجرى تطور الأحداث فى مصر بعد الثورة، وظل غياب هذا المشروع مسئولية القوى السياسية التى حكمت مصر بعد الثورة.
فقد شهدت مصر أربع مراحل متمايزة هى مرحلة حكم المجلس العسكرى من 11 فبراير 2011 إلى يونيو 2012 حيث بدأت مرحلة حكم الإخوان ولمدة عام واحد وانتهت بعزل الرئيس الإخوانى محمد مرسى فى 3 يوليو 2013 بعد تفجر ثورة 30 يونيو 2013، وأعقبها حكم انتقالى برئاسة المستشار عدلى منصور لمدة سنة واحدة اكتملت فيها الانتخابات الرئاسية الجديدة وتولى الرئيس عبد الفتاح السيسى الحكم فى يونيو 2014.
فى السنة الأولى التى شهدت حكم المجلس العسكرى كانت الاهتمامات متركزة على آليات إدارة الدولة وتنازع الرؤى بين إجراء الانتخابات الرئاسية أولاً ثم إعداد الدستور الجديد للبلاد وبعده إجراء الانتخابات البرلمانية، وكانت هذه هى رؤية معظم القوى السياسية، وبين رؤية أخرى هى رؤية جماعة الإخوان والسلفيين ومعظم فصائل ما يسمى «الإسلام السياسي» كانت ترى العكس أى البدء أولاً بالانتخابات البرلمانية، ثم إعداد الدستور ومن بعده إجراء الانتخابات الرئاسية. ومضى عام كامل من عمر الثورة طغى فيه هذا التنازع والتنافس حول آليات الحكم دون اهتمام أو اكتراث بما هى أسس وقواعد الحكم وقيمه السياسية، أو بالأحرى ما هى فلسفة الحكم الجديد وكيف ستتحقق أهداف الثورة وبالذات إقامة نظام الحكم القادر على تحقيق الهدفين الأساسيين اللذين ثار الشعب من أجل تحقيقهما فى 25 يناير 2011 وهما: التوزيع العادل للثروة الوطنية بين كل المصريين، والتوزيع العادل للسلطة السياسية، أى تحقيق العدل الاجتماعى وتحقيق الديمقراطية الحقيقية التى تجعل الشعب هو الطرف الأساسى فى الحكم، وهو صاحب السلطة العليا، مع إدراك لا يقل أهمية يعطى كل الأولوية للنهوض بالاقتصاد والإنتاج الوطنى من خلال العودة مجدداً إلى الأخذ بمفهوم «الدولة التنموية» فى قيادة العملية الإنتاجية.
وجاء حكم الإخوان ليختطف الثورة وأهدافها ويسعى إلى تكريس نظام حكم جديد وفق المشروع الإخوانى الإقصائى لكل القوى السياسية وتفرد الإخوان بالحكم، وعندما ثار الشعب فى 30 يونيو 2013 وأسقط الإخوان كان دافعه هو استعادة مصر واستعادة ثورتها، ثم معاودة تحقيق الأهداف التى جرى الانحراف بها، لكن الحكم الجديد بعد 3 يوليو 2013، أى مرحلة حكم الرئيس عدلى منصور أولاً، ثم العامين الماضيين من حكم الرئيس عبد الفتاح السيسى ثانياً وجد نفسه مضطراً إلى مواجهة تحديات ومصادر تهديد حقيقية جديدة هى الخطر الإرهابي، ثم الأزمة الاقتصادية أدت إلى الانشغال القسرى عن الإعداد لحوار وطنى واسع ينتج عنه برنامج وطنى للحكم، برنامج للإنقاذ، ولكنه ضمن رؤية شاملة وواضحة تقرر ما هى فلسفة الحكم الجديد، وكيف سنحكم مصر لنحقق الأهداف التى قامت الثورة من أجلها، وما هى قواعد اختيار القيادات العليا للدولة وخاصة الوزراء والمحافظين ومن فى مستواهم الذين سيكون فى مقدورهم تحقيق هذا البرنامج الذى يستهدف بدوره تحقيق أهداف الثورة:
انشغال الحكم الجديد بمواجهة التحديات والتهديدات المستحدثة من الداخل والخارج، وغلبة ضغوط الأزمة الاقتصادية لأسباب كثيرة من أبرزها توقف عجلة الإنتاج بسبب التداعيات التى رافقت أحداث الثورة، وتراجع السياحة، إضافة إلى الأجواء الخلافية التى أعقبت أحداث إسقاط حكم الإخوان، ومن بعدها الانتخابات الرئاسية أدى إلى نتيجتين متلازمتين أولهما توقف المسعى العام نحو التأسيس لوفاق وطنى يقود لحوار وطنى شامل ينتج عنه بلورة مشروع سياسى للحكم فى مصر يكون هدفه تحقيق الأهداف التى قامت الثورة من أجلها، الأمر الذى أدى إلى الإفراط فى الاعتماد على الأجهزة الرسمية للدولة ومؤسساتها فى إدارة شئون الحكم بعيداً عن مشاركة القوى السياسية، ثانيهما: التعويل فى إدارة الدولة على النظام القديم بقياداته وسياساته، من منطلق أنهم من لديهم التجربة والخبرة فى إدارة الدولة، دون تدقيق فى أن تجربة وخبرة هؤلاء هى التى أدت إلى سقوط ذلك النظام شعبياً بعد أن حول مصر إلى دولة عاجزة وفاشلة وظالمة، ودون استخلاص لأهم نتائج هذا السقوط وهى أنه لا نهضة ولا تقدم لمصر دون التخلص الكامل من تركة هذا النظام وأنماط إدارته للسياسة والحكم.
لذلك فإن التحدى الكبير الذى يواجه الحكم فى مصر الآن هو كيف يمكن الجمع بين المضى قدماً فى مواجهة التهديدات والتحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية المستحدثة منها والقديمة بنجاح وبين التوجه نحو صياغة مشروع وطنى عبر وفاق وطنى واسع، يضم كل القوى الوطنية التى لم تتورط فى أى عمليات تهدد الأمن القومي، هدفه تحقيق الأهداف التى قامت الثورة من أجلها، وفق برنامج عمل محدد المعالم والمراحل يأخذ فى اعتباره ضرورة إعطاء الأولوية المطلقة لتحقيق العدالة الاجتماعية وحل المشكلات الحياتية التى تواجه ملايين المصريين، الأمر الذى يستلزم اتخاذ وقفة قوية أمام التمادى فى التزام بسياسات النظام الرأسمالى الذى أدى إلى تراكم الثروات فى أيدى قلة محدودة على حساب إفقار الغالبية من المواطنين، ومن ثم انعدام اللا مساواة، وتدمير القيم الديمقراطية التى من المفترض أن تكون الرأسمالية قامت من أجل تحقيقها. هذا الهدف لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال إقامة «دولة ديمقراطية اجتماعية» وهى الدولة التى تفجرت الثورة فى مصر من أجل تحقيقها.
نقلا عن الأهرام