افتقدنا، وسط ركام الأزمات اللا محدودة والتحديات المتصاعدة من الداخل والخارج، وعلى مدى السنوات الخمس التى مضت من عمر الثورة المصرية فى 25 يناير 2011 شعارين مهمين من أدق وأهم الشعارات المعبرة عن أوجاع المصريين طيلة العقود الأربعة التى مضت قبل تفجر تلك الثورة. شعار «الخبز مع الكرامة» وشعار «الأمن مع الكرامة».
وسيبقى الحكم على جدارة أو عجز أى مشروع وطنى بمدى نجاحه فى تحقيق الدعوة إلى توفير الخبز مع الكرامة وتحقيق الأمن مع الكرامة. وهذا ما يجب أن يشغل كل المصريين الآن، الدولة بأجهزتها ومؤسساتها والأحزاب والمجتمع المدنى بكل تنويعاته، والشعب كله. وهذه المعادلة الصعبة عنوانها ما يسمى بـ «الحكم الرشيد» الذى نأمله جميعاً.
تحقيق هذا الحكم الرشيد له شروطه وله متطلباته، وأهم هذه الشروط والمتطلبات أن تعود الدولة المصرية ثانية لتقود مسيرة التقدم والنهضة وتحقيق التنمية التى تعنى بالأساس «تحسين فرص الحياة» لملايين المصريين، عبر مؤشرات علمية تحدد المعنى المقصود بـ «جودة الحياة» كما يلخصها شعارا «الخبز مع الكرامة» و«الأمن مع الكرامة».
الدولة المصرية القادرة على قيادة وتحقيق مشروع النهضة والتقدم وتحقيق التنمية، هى «الدولة التنموية» القادرة على وضع خطط علمية ومدروسة لمشروعات التنمية وتنفيذها فى جميع المجالات خاصة مجالى الصناعة والزراعة، وهى الدولة القادرة على القيام بالتوزيع العادل لعائد التنمية بين كل المصريين الذين يجب أن ينعموا بـ «جودة الحياة» كغيرهم من شعوب العالم، وهنا يجب أن يقترن التوجه نحو تأسيس هذه الدولة التنموية بالتوجه المتزامن مع التأسيس لديمقراطية حقيقية تمكن الشعب من أن يكون شريكاً فى صنع القرار وفى مراقبة تنفيذه، وتفعيل آليات جادة للرقابة والمحاسبة فى كل المجالات.
ونستطيع أن نقول إنه، وعلى الرغم من كل التحديات التى واجهت ومازالت تواجه مصر وعلى مدى السنوات الخمس الماضية فإن مصر بدأت فعلاً الأخذ بنموذج الدولة التنموية، أو هى فى طريقها إلى ذلك من خلال مجموعة المشاريع التنموية الكبرى التى بدأت فى مجالات متعددة من أبرزها شبكة الطرق الجديدة، والإسكان الشعبى وتعمير العشوائيات، وإيجاد حلول جادة لمشكلة إنتاج الغذاء، وهى كلها مشاريع تقول إن الدولة فى طريقها إلى أن تكون «دولة تنموية».
من أبرز مؤشرات هذا التوجه افتتاح «ميناء أرقين البري» بين مصر والسودان على الضفة الغربية من نهر النيل وبحيرة ناصر يوم الأربعاء الماضى (28/9/2016) وهو الميناء الذى يعنى تشغيله ليس فقط ربط مصر والسودان بطريق برى متسع ييسر عملية انتقال الأفراد والبضائع بين البلدين الشقيقين، ولكنه يعنى أيضاً، وفى ذات الوقت تشغيل ما يُعرف بـ «مشروع محور الإسكندرية- كيب تاون» الذى انطلق منذ 13 شهراً ليربط شمال القارة الإفريقية من الإسكندرية بأقصى جنوبها فى كيب تاون بجمهورية جنوب إفريقيا بطريق يبلغ طوله حوالى عشرة آلاف كيلو متر. هذا المحور يعتبر «محوراً تجارياً استراتيجياً» للقارة الإفريقية كلها، ولتجارة مصر مع دول هذه القارة وبالأخص دول «مجموعة الكوميسا» التسع عشرة التى يبلغ مجموع تجارتها مع العالم 287 مليار دولار سنوياً، فى حين لا تتجاوز التجارة البينية بين دولها 27 مليار دولار.
إنجاز وتفعيل مشروع «محور الإسكندرية كيب تاون» هدفه النهوض بالتجارة البينية بين دول الكوميسا ومن بينها مصر التى لا تتجاوز تجارتها مع دول هذه المجموعة التى هى عضو أساسى فيها 2٫7 مليار دولار فقط، ومن هنا تبرز الأهمية الكبرى لافتتاح ميناء أرقين البرى بين مصر والسودان الذى يعد نقطة التبادل التجارى الأولى على محور التجارة «الإسكندرية- كيب تاون»، وهو واحد من سبعة خطوط برية تجارية وضعها الاتحاد الإفريقى لتنمية التجارة البينية بين دول القارة الإفريقية وتنميتها.
رغم كل هذه الأهمية التجارية التى يعول عليها بافتتاح هذا الميناء البرى مع السودان الشقيق إلا أن هناك أهمية أكبر لهذا الميناء من منظور آخر «إنتاجى تنموي»، فهذا الميناء البرى على الضفة الغربية للنيل ومع ميناء «قسطل» الذى سبق افتتاحه عام 2014 على الضفة الشرقية للنيل يمكن أن يساهما فى تحويل مستطيل الحدود بين جنوب مصر ابتداءً من أسوان وشمال السودان (المحافظة الشمالية) إلى منطقة «تكامل إنتاجى زراعي- صناعي»، حيث تتوافر الطاقة الكهربائية من السد العالى وتتوافر المياه من النيل وبحيرة ناصر وثروة هائلة من المياه الجوفية، والطموح لتحويل «المثلث الذهبي» بين مصر وكل من السودان وليبيا إلى واقع.
لقد انطلق مشروع «المثلث الذهبي» هذا بين مصر والسودان وليبيا مع بداية عقد السبعينيات، لكنه تعثر بفعل الصراعات السياسية المفتعلة بين الأقطار الثلاثة وبسبب الضغوط الخارجية التى أفزعتها دعوة تأسيس هذه «الكتلة النواة» لتفعيل دعوة التوحيد العربية.
هذا المثلث الذهبى هو قاعدة إنتاجية زراعية صناعية نادرة كتب له أن يبقى معطلاً سواء بإرادتنا أو بإرادات الآخرين، لكن إرادة صنع المستقبل التى بدأت تنطلق داخل مصر فى مقدورها تحويل هذا المستطيل الممتد من أسوان إلى المحافظة الشمالية بالسودان إلى أهم مركز لإنتاج الغذاء من الثروة الحيوانية والثروة السمكية والإنتاج الزراعى والصناعات الغذائية بدايته الربط البرى المتعدد بين مصر والسودان، والاتجاه إلى تأسيس موانئ برية مماثلة بين مصر وليبيا تربطها شبكة من الطرق البرية.
هذه الشبكة من الخطوط البرية لن تكتمل إلا بشبكة موازية من خطوط السكك الحديدية تربط مصر مع السودان، ومصر مع ليبيا، وإذا تم تنفيذ الجسر البرى بين السعودية ومصر، فإن خطوط الاتصال البرية ستكون قد باتت كاملة بين دول المشرق العربى ودول المغرب العربي.
هذه الشبكة المأمولة من الطرق البرية وخطوط السكك الحديدية هى قاعدة التأسيس للتكامل الاقتصادى العربى الحقيقى خاصة بين مصر والسودان وليبيا. فإعادة إحياء مشروع «المثلث الذهبي» ليتحول إلى مشروع إنتاجى تنموى وليس فقط تجارى بين الأقطار الشقيقة الثلاثة ستربط هذه الدول الثلاث بالقارة الإفريقية ربطاً له معنى، لأنه سيكون لدينا ما نتاجر به مع الدول الإفريقية، وهذا كله سيبقى مشروطاً بأن تعود مصر مرة أخرى دولة تنموية وأن يكون مشروعها هو أن تحقق للمصريين ما يأملونه من «خبز مع كرامة» و»أمن مع كرامة» ضمن «حكم رشيد».
نقلا عن الأهرام
وسيبقى الحكم على جدارة أو عجز أى مشروع وطنى بمدى نجاحه فى تحقيق الدعوة إلى توفير الخبز مع الكرامة وتحقيق الأمن مع الكرامة. وهذا ما يجب أن يشغل كل المصريين الآن، الدولة بأجهزتها ومؤسساتها والأحزاب والمجتمع المدنى بكل تنويعاته، والشعب كله. وهذه المعادلة الصعبة عنوانها ما يسمى بـ «الحكم الرشيد» الذى نأمله جميعاً.
تحقيق هذا الحكم الرشيد له شروطه وله متطلباته، وأهم هذه الشروط والمتطلبات أن تعود الدولة المصرية ثانية لتقود مسيرة التقدم والنهضة وتحقيق التنمية التى تعنى بالأساس «تحسين فرص الحياة» لملايين المصريين، عبر مؤشرات علمية تحدد المعنى المقصود بـ «جودة الحياة» كما يلخصها شعارا «الخبز مع الكرامة» و«الأمن مع الكرامة».
الدولة المصرية القادرة على قيادة وتحقيق مشروع النهضة والتقدم وتحقيق التنمية، هى «الدولة التنموية» القادرة على وضع خطط علمية ومدروسة لمشروعات التنمية وتنفيذها فى جميع المجالات خاصة مجالى الصناعة والزراعة، وهى الدولة القادرة على القيام بالتوزيع العادل لعائد التنمية بين كل المصريين الذين يجب أن ينعموا بـ «جودة الحياة» كغيرهم من شعوب العالم، وهنا يجب أن يقترن التوجه نحو تأسيس هذه الدولة التنموية بالتوجه المتزامن مع التأسيس لديمقراطية حقيقية تمكن الشعب من أن يكون شريكاً فى صنع القرار وفى مراقبة تنفيذه، وتفعيل آليات جادة للرقابة والمحاسبة فى كل المجالات.
ونستطيع أن نقول إنه، وعلى الرغم من كل التحديات التى واجهت ومازالت تواجه مصر وعلى مدى السنوات الخمس الماضية فإن مصر بدأت فعلاً الأخذ بنموذج الدولة التنموية، أو هى فى طريقها إلى ذلك من خلال مجموعة المشاريع التنموية الكبرى التى بدأت فى مجالات متعددة من أبرزها شبكة الطرق الجديدة، والإسكان الشعبى وتعمير العشوائيات، وإيجاد حلول جادة لمشكلة إنتاج الغذاء، وهى كلها مشاريع تقول إن الدولة فى طريقها إلى أن تكون «دولة تنموية».
من أبرز مؤشرات هذا التوجه افتتاح «ميناء أرقين البري» بين مصر والسودان على الضفة الغربية من نهر النيل وبحيرة ناصر يوم الأربعاء الماضى (28/9/2016) وهو الميناء الذى يعنى تشغيله ليس فقط ربط مصر والسودان بطريق برى متسع ييسر عملية انتقال الأفراد والبضائع بين البلدين الشقيقين، ولكنه يعنى أيضاً، وفى ذات الوقت تشغيل ما يُعرف بـ «مشروع محور الإسكندرية- كيب تاون» الذى انطلق منذ 13 شهراً ليربط شمال القارة الإفريقية من الإسكندرية بأقصى جنوبها فى كيب تاون بجمهورية جنوب إفريقيا بطريق يبلغ طوله حوالى عشرة آلاف كيلو متر. هذا المحور يعتبر «محوراً تجارياً استراتيجياً» للقارة الإفريقية كلها، ولتجارة مصر مع دول هذه القارة وبالأخص دول «مجموعة الكوميسا» التسع عشرة التى يبلغ مجموع تجارتها مع العالم 287 مليار دولار سنوياً، فى حين لا تتجاوز التجارة البينية بين دولها 27 مليار دولار.
إنجاز وتفعيل مشروع «محور الإسكندرية كيب تاون» هدفه النهوض بالتجارة البينية بين دول الكوميسا ومن بينها مصر التى لا تتجاوز تجارتها مع دول هذه المجموعة التى هى عضو أساسى فيها 2٫7 مليار دولار فقط، ومن هنا تبرز الأهمية الكبرى لافتتاح ميناء أرقين البرى بين مصر والسودان الذى يعد نقطة التبادل التجارى الأولى على محور التجارة «الإسكندرية- كيب تاون»، وهو واحد من سبعة خطوط برية تجارية وضعها الاتحاد الإفريقى لتنمية التجارة البينية بين دول القارة الإفريقية وتنميتها.
رغم كل هذه الأهمية التجارية التى يعول عليها بافتتاح هذا الميناء البرى مع السودان الشقيق إلا أن هناك أهمية أكبر لهذا الميناء من منظور آخر «إنتاجى تنموي»، فهذا الميناء البرى على الضفة الغربية للنيل ومع ميناء «قسطل» الذى سبق افتتاحه عام 2014 على الضفة الشرقية للنيل يمكن أن يساهما فى تحويل مستطيل الحدود بين جنوب مصر ابتداءً من أسوان وشمال السودان (المحافظة الشمالية) إلى منطقة «تكامل إنتاجى زراعي- صناعي»، حيث تتوافر الطاقة الكهربائية من السد العالى وتتوافر المياه من النيل وبحيرة ناصر وثروة هائلة من المياه الجوفية، والطموح لتحويل «المثلث الذهبي» بين مصر وكل من السودان وليبيا إلى واقع.
لقد انطلق مشروع «المثلث الذهبي» هذا بين مصر والسودان وليبيا مع بداية عقد السبعينيات، لكنه تعثر بفعل الصراعات السياسية المفتعلة بين الأقطار الثلاثة وبسبب الضغوط الخارجية التى أفزعتها دعوة تأسيس هذه «الكتلة النواة» لتفعيل دعوة التوحيد العربية.
هذا المثلث الذهبى هو قاعدة إنتاجية زراعية صناعية نادرة كتب له أن يبقى معطلاً سواء بإرادتنا أو بإرادات الآخرين، لكن إرادة صنع المستقبل التى بدأت تنطلق داخل مصر فى مقدورها تحويل هذا المستطيل الممتد من أسوان إلى المحافظة الشمالية بالسودان إلى أهم مركز لإنتاج الغذاء من الثروة الحيوانية والثروة السمكية والإنتاج الزراعى والصناعات الغذائية بدايته الربط البرى المتعدد بين مصر والسودان، والاتجاه إلى تأسيس موانئ برية مماثلة بين مصر وليبيا تربطها شبكة من الطرق البرية.
هذه الشبكة من الخطوط البرية لن تكتمل إلا بشبكة موازية من خطوط السكك الحديدية تربط مصر مع السودان، ومصر مع ليبيا، وإذا تم تنفيذ الجسر البرى بين السعودية ومصر، فإن خطوط الاتصال البرية ستكون قد باتت كاملة بين دول المشرق العربى ودول المغرب العربي.
هذه الشبكة المأمولة من الطرق البرية وخطوط السكك الحديدية هى قاعدة التأسيس للتكامل الاقتصادى العربى الحقيقى خاصة بين مصر والسودان وليبيا. فإعادة إحياء مشروع «المثلث الذهبي» ليتحول إلى مشروع إنتاجى تنموى وليس فقط تجارى بين الأقطار الشقيقة الثلاثة ستربط هذه الدول الثلاث بالقارة الإفريقية ربطاً له معنى، لأنه سيكون لدينا ما نتاجر به مع الدول الإفريقية، وهذا كله سيبقى مشروطاً بأن تعود مصر مرة أخرى دولة تنموية وأن يكون مشروعها هو أن تحقق للمصريين ما يأملونه من «خبز مع كرامة» و»أمن مع كرامة» ضمن «حكم رشيد».
نقلا عن الأهرام