كثيرون ممن أفزعتهم صدمة فوز المرشح الجمهورى دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية حاولوا البحث بعمق عن إجابة للسؤال الذى شغلهم: «كيف فاز هذا الرجل الذى لم يجد أحداً يقول بحقه كلمة طيبة واحدة، خاصة فى أروقة ودهاليز مؤسسة صنع السياسة الأمريكية، ليكون رئيساً للولايات المتحدة وعلى العكس من كل التوقعات؟». الكل تحدثوا عن «الفوز.. الصدمة» لكن القليل منهم استطاع أن يضع يده على إجابة السؤال الصعب وهى أن سر فوز ترامب يكمن فى الرسالة التى حملها شعار حملته الانتخابية الذى يقول: «سوف نجعل أمريكا عظيمة مجدداً».
وصلت هذه الرسالة الساحرة إلى قلوب وعقول الملايين من أبناء الشعب الأمريكى وخصوصاً هؤلاء المهمشين بعيداً عن صخب السياسة الأمريكية، لأنها لمست مزيجاً من مشاعر الخوف على بلدهم وإحياء أمل تجديد الحلم الأمريكى أن تبقى الولايات المتحدة «سيدة العالم» رغم ذلك يبقى السؤال الأهم: هل يستطيع ترامب أن يحقق هذا الحلم؟
حرص ترامب على أن يكون عند مستوى هذا السؤال التحدى فى «خطاب النصر» الذى أعلنه فور علمه بنبأ فوزه الانتخابى عندما بعث برسائل طمأنة لمعارضيه بالداخل وبرسائل تصالح مع العالم الخارجى.
رسالة الطمأنة هذه قد لا تكفى للتعامل مع ثلاثة تحديات تقف عقبة أمام تحقيق حلمه «أن يجعل أمريكا عظيمة مجدداً». التحدى الأول يتعلق بشخص ترامب نفسه رجل العقارات الضخمة والفاخرة وصاحب المليارات من الدولارات والذى لا يمتد تاريخه السياسى لأكثر من ثمانية عشر شهراً عندما أفصح عن عزمه الترشح لانتخابات الرئاسة الأمريكية. فهو وكما وصفته صحيفة «نيويورك تايمز» التى تعد من أهم الصحف الأمريكية وتعبر عن مؤسسات حكم قوية أنه مجرد «رجل أعمال عادى بدون خلفية سياسية أو عسكرية، وصل إلى السلطة بعد أن هدم جميع الأعراف المنيعة فى السياسة الأمريكية، مقسماً المجتمع الأمريكى وفقاً للعرق والدين واللون»، فضلاً عن أنه «تجاهل خلال حملته، جميع الآداب العامة، وكانت حملته مليئة بالابتذال»، ملخصة رؤيتها لما ينتظر أمريكا فى عهد ترامب بأن «انتخابه بداية لعصر من الغموض السياسى فى الولايات المتحدة والعالم».
فأى عظمة يمكن أن يحققها ترامب فى ظروف من التردى المجتمعى إلى هذا الحد؟
للأمانة يصعب اعتبار أن الظروف كانت ستختلف كثيراً إذا ما كان الفوز من نصيب هيلارى كلينتون، فالأزمة أكبر من أن تكون شخصية فهى أزمة بنيوية تخص النظام السياسى الأمريكى كله، بل والدولة الأمريكية التى رحل عنها سريعاً حلمها الإمبراطورى الذى اعتقدت أنها جديرة به بعد أن أضحت القوة العظمى الأحادية فى العالم عقب سقوط نظام القطبية الثنائية بانهيار وتفكك الاتحاد السوفيتي. لم يدم هذا الحلم طويلاً وكان قد بلغ ذروته مع الحرب الكونية التى شنها جورج دبليو بوش الرئيس السابق كرد فعل على تفجيرات 11 سبتمبر 2001 فى نيويورك وواشنطن، وبعدها دخلت سريعاً مرحلة الأفول عقب الغزو الأمريكى للعراق عام 2003. لكن السقوط الكبير كان عام 2008 نظراً لأن الأزمة الهائلة التى واجهت الولايات المتحدة فى ذات العام لم تكن مجرد أزمة مالية بل كانت أزمة اقتصادية باقتدار تتعلق بجوهر النظام الاقتصادى الرأسمالى الأمريكي.
فى هذا العام لم يصدق الأمريكيون أنهم باتوا ودولتهم يمثلون مصداقية كبرى لنبوءات عالم التاريخ الأمريكى بريطانى الأصل بول كيندى حول «اضمحلال القوة الأمريكية» هذه النبوءة أوردها كيندى فى مؤلفه الشهير الذى جمع بين التحليل التاريخى الدقيق والتنبؤ المستقبلى الى فائق التمايز والعبقرية الصادر عام 1987 تحت عنوان: «صعود وسقوط القوى العظمى».
من أبدع ما كتب بول كيندى فى هذا المؤلف كان الفصل الثامن الذى تحدث فيه عن «التاريخ والتأمل» وهذا هو ما يشغلنا الآن ونحن نسعى للتوصل إلى إجابة للسؤال المحورى الذى ستدور فى فلكه تجربة حكم دونالد ترامب للولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات الأربع المقبلة، آخذين فى الاعتبار القانون السياسى الذى صاغه بعبقرية فذة بول كيندى والقائل أنه: «إذا زادت الالتزامات العسكرية والإستراتيجية للإمبراطورية عن مواردها تسقط». حدث هذا للاتحاد السوفيتى السابق، حيث كان تورطه العسكرى فى أفغانستان مدخلاً للسقوط إلى جانب حقيقة سياسية أخرى تشكل قانوناً سياسياً إضافياً يقول «إذا أصيب النظام السياسى بالجمود وافتقد القدرة على التكيف مع المطالب المتجددة ومواجهة الأزمات والتحديات المتلاحقة فإنه يواجه السقوط الحتمي».
لقد أدرك الرئيس باراك أوباما فحوى ورسالة قانون بول كيندى ورفع فى حملته الانتخابية الأولى عام 2008 شعار التغيير إلى جانب شعار «نحن نستطيع». كان مشروع أوباما هو تخفيف الأعباء العسكرية التى تواجه الولايات المتحدة ووضع نهاية للحروب الأمريكية فى الخارج ولذلك قرر الانسحاب من أفغانستان والعراق، وآثر ألا يتورط فى حرب جديدة فى سوريا، لكنه لم يجرؤ أن يتعامل مع قانون الجمود السياسى والاقتصادى ومعالجة الخلل البنيوى فى النظام الرأسمالى الأمريكى الذى أدى إلى اتساع الفجوة بشكل هائل بين الأغنياء والفقراء، فضلاً عن ذلك فشل فى إيجاد وظائف لملايين العاطلين من الشباب، عندها دخل المجتمع الأمريكى إلى دائرة الخطر، وأصبح جديراً أن يوصف بأنه «مجتمع الخطر» Risk Society القابل للانفجار.
يأتى التحدى الثالث الخاص بحقائق العصر الراهن الذى نعيشه، فتوازن القوة العالمى الاقتصادى والعسكرى لم يعد كما كان يأمل أنصار دعوة »الإمبراطورية الأمريكية»، الآن توجد قوى عالمية منافسة عسكرياً واقتصادياً للولايات المتحدة: الصين، وروسيا والاتحاد الأوروبى واليابان، إضافة إلى قوى إقليمية كبرى أخرى صاعدة مثل الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا وغيرها، هذا الوضع الجديد لتوازن القوة العالمية أخذ يفرض «التعددية القطبية» كأمر واقع لا فكاك منه، وما تواجهه الولايات المتحدة الآن من تحد اقتصادى مع الصين ومن تحد سياسى وعسكرى مع روسيا مجرد رسائل تقول أن أمريكا لم تعد قوة عظمى وأن مهمة دونالد ترامب باتت صعبة وعصيّة كى يكون وفياً بأن يعيد الحلم الإمبراطورى للأمريكيين.
وصلت هذه الرسالة الساحرة إلى قلوب وعقول الملايين من أبناء الشعب الأمريكى وخصوصاً هؤلاء المهمشين بعيداً عن صخب السياسة الأمريكية، لأنها لمست مزيجاً من مشاعر الخوف على بلدهم وإحياء أمل تجديد الحلم الأمريكى أن تبقى الولايات المتحدة «سيدة العالم» رغم ذلك يبقى السؤال الأهم: هل يستطيع ترامب أن يحقق هذا الحلم؟
حرص ترامب على أن يكون عند مستوى هذا السؤال التحدى فى «خطاب النصر» الذى أعلنه فور علمه بنبأ فوزه الانتخابى عندما بعث برسائل طمأنة لمعارضيه بالداخل وبرسائل تصالح مع العالم الخارجى.
رسالة الطمأنة هذه قد لا تكفى للتعامل مع ثلاثة تحديات تقف عقبة أمام تحقيق حلمه «أن يجعل أمريكا عظيمة مجدداً». التحدى الأول يتعلق بشخص ترامب نفسه رجل العقارات الضخمة والفاخرة وصاحب المليارات من الدولارات والذى لا يمتد تاريخه السياسى لأكثر من ثمانية عشر شهراً عندما أفصح عن عزمه الترشح لانتخابات الرئاسة الأمريكية. فهو وكما وصفته صحيفة «نيويورك تايمز» التى تعد من أهم الصحف الأمريكية وتعبر عن مؤسسات حكم قوية أنه مجرد «رجل أعمال عادى بدون خلفية سياسية أو عسكرية، وصل إلى السلطة بعد أن هدم جميع الأعراف المنيعة فى السياسة الأمريكية، مقسماً المجتمع الأمريكى وفقاً للعرق والدين واللون»، فضلاً عن أنه «تجاهل خلال حملته، جميع الآداب العامة، وكانت حملته مليئة بالابتذال»، ملخصة رؤيتها لما ينتظر أمريكا فى عهد ترامب بأن «انتخابه بداية لعصر من الغموض السياسى فى الولايات المتحدة والعالم».
فأى عظمة يمكن أن يحققها ترامب فى ظروف من التردى المجتمعى إلى هذا الحد؟
للأمانة يصعب اعتبار أن الظروف كانت ستختلف كثيراً إذا ما كان الفوز من نصيب هيلارى كلينتون، فالأزمة أكبر من أن تكون شخصية فهى أزمة بنيوية تخص النظام السياسى الأمريكى كله، بل والدولة الأمريكية التى رحل عنها سريعاً حلمها الإمبراطورى الذى اعتقدت أنها جديرة به بعد أن أضحت القوة العظمى الأحادية فى العالم عقب سقوط نظام القطبية الثنائية بانهيار وتفكك الاتحاد السوفيتي. لم يدم هذا الحلم طويلاً وكان قد بلغ ذروته مع الحرب الكونية التى شنها جورج دبليو بوش الرئيس السابق كرد فعل على تفجيرات 11 سبتمبر 2001 فى نيويورك وواشنطن، وبعدها دخلت سريعاً مرحلة الأفول عقب الغزو الأمريكى للعراق عام 2003. لكن السقوط الكبير كان عام 2008 نظراً لأن الأزمة الهائلة التى واجهت الولايات المتحدة فى ذات العام لم تكن مجرد أزمة مالية بل كانت أزمة اقتصادية باقتدار تتعلق بجوهر النظام الاقتصادى الرأسمالى الأمريكي.
فى هذا العام لم يصدق الأمريكيون أنهم باتوا ودولتهم يمثلون مصداقية كبرى لنبوءات عالم التاريخ الأمريكى بريطانى الأصل بول كيندى حول «اضمحلال القوة الأمريكية» هذه النبوءة أوردها كيندى فى مؤلفه الشهير الذى جمع بين التحليل التاريخى الدقيق والتنبؤ المستقبلى الى فائق التمايز والعبقرية الصادر عام 1987 تحت عنوان: «صعود وسقوط القوى العظمى».
من أبدع ما كتب بول كيندى فى هذا المؤلف كان الفصل الثامن الذى تحدث فيه عن «التاريخ والتأمل» وهذا هو ما يشغلنا الآن ونحن نسعى للتوصل إلى إجابة للسؤال المحورى الذى ستدور فى فلكه تجربة حكم دونالد ترامب للولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات الأربع المقبلة، آخذين فى الاعتبار القانون السياسى الذى صاغه بعبقرية فذة بول كيندى والقائل أنه: «إذا زادت الالتزامات العسكرية والإستراتيجية للإمبراطورية عن مواردها تسقط». حدث هذا للاتحاد السوفيتى السابق، حيث كان تورطه العسكرى فى أفغانستان مدخلاً للسقوط إلى جانب حقيقة سياسية أخرى تشكل قانوناً سياسياً إضافياً يقول «إذا أصيب النظام السياسى بالجمود وافتقد القدرة على التكيف مع المطالب المتجددة ومواجهة الأزمات والتحديات المتلاحقة فإنه يواجه السقوط الحتمي».
لقد أدرك الرئيس باراك أوباما فحوى ورسالة قانون بول كيندى ورفع فى حملته الانتخابية الأولى عام 2008 شعار التغيير إلى جانب شعار «نحن نستطيع». كان مشروع أوباما هو تخفيف الأعباء العسكرية التى تواجه الولايات المتحدة ووضع نهاية للحروب الأمريكية فى الخارج ولذلك قرر الانسحاب من أفغانستان والعراق، وآثر ألا يتورط فى حرب جديدة فى سوريا، لكنه لم يجرؤ أن يتعامل مع قانون الجمود السياسى والاقتصادى ومعالجة الخلل البنيوى فى النظام الرأسمالى الأمريكى الذى أدى إلى اتساع الفجوة بشكل هائل بين الأغنياء والفقراء، فضلاً عن ذلك فشل فى إيجاد وظائف لملايين العاطلين من الشباب، عندها دخل المجتمع الأمريكى إلى دائرة الخطر، وأصبح جديراً أن يوصف بأنه «مجتمع الخطر» Risk Society القابل للانفجار.
يأتى التحدى الثالث الخاص بحقائق العصر الراهن الذى نعيشه، فتوازن القوة العالمى الاقتصادى والعسكرى لم يعد كما كان يأمل أنصار دعوة »الإمبراطورية الأمريكية»، الآن توجد قوى عالمية منافسة عسكرياً واقتصادياً للولايات المتحدة: الصين، وروسيا والاتحاد الأوروبى واليابان، إضافة إلى قوى إقليمية كبرى أخرى صاعدة مثل الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا وغيرها، هذا الوضع الجديد لتوازن القوة العالمية أخذ يفرض «التعددية القطبية» كأمر واقع لا فكاك منه، وما تواجهه الولايات المتحدة الآن من تحد اقتصادى مع الصين ومن تحد سياسى وعسكرى مع روسيا مجرد رسائل تقول أن أمريكا لم تعد قوة عظمى وأن مهمة دونالد ترامب باتت صعبة وعصيّة كى يكون وفياً بأن يعيد الحلم الإمبراطورى للأمريكيين.