المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
السيد يسين
السيد يسين

عاصفة سبتمبر وبداية الحروب الثقافية

السبت 19/نوفمبر/2016 - 01:11 م
فى نهاية مقالنا الماضى «الفوضى الطليقة والهيمنة المقننة» (10 نوفمبر 2016) تتبعنا التغيرات العالمية الكبرى

التى حدثت بعد انهيار الاتحاد السوفيتى وما أدى إليه من الخلل الجسيم الذى أصاب النظام الدولى الذى اتسم بالثبات النسبى فى عصر الحرب الباردة، والذى نشأ مباشرة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، وتحول الحلفاء -ونعنى أساسا الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة الأمريكية -الذى نجحوا بعد حرب دامية فى هزيمة النازية والفاشية والنزعة العسكرية اليابانية إلى خصوم يتنافسون على الهيمنة العالمية. وهكذا تحول النظام الدولى من نظام ثنائى القطبية إلى نظام أحادى القطبية تهيمن فيه الولايات المتحدة الأمريكية على النظام العالمى، بحكم قوتها العسكرية الفائقة، وتقدمها التكنولوجى، وقوتها الاقتصادية. وسرعان ما هبت رياح العولمة وفى قلبها الثورة الاتصالية الكبرى وخصوصا شيوع البث التليفزيونى الفضائى -الذى سمح لملايين البشر أن يتابعوا الأحداث العالمية والإقليمية والمحلية فى الوقت الواقعى لحدوثها in the real time، بالإضافة إلى اختراع شبكة الإنترنت التى قلبت الموازين فى عالم الاتصال الإنسانى. 

وقد أدت هذه التطورات الأخيرة إلى سقوط النموذج القديم للأمن القومى وظهور نموذج جديد يقوم على نوعين من الحروب. وهى الحروب الفضائية cyber war وحروب الشبكات net war التى أصبحت العصابات الدولية وتجار المخدرات والشبكات الإرهابية تستخدمها للترويج لفكرها المتطرف كما تفعل حركة «داعش» أخيرا. وبدأت بوادر نظرية اقتصادية جديدة هى «الليبرالية الجديدة» التى كانت فى الواقع المعادل الموضوعى للهيمنة الأمريكية فى مرحلة صعود الولايات المتحدة الأمريكية لتصبح إمبراطورية عالمية متكاملة الأركان. 

وفجأة -وعلى حين غرة وفى غفلة كاملة من «حراس» الأمن القومى الأمريكى- شن عدد محدود من الإرهابيين الذين ينتمون إلى تنظيم القاعدة كما اعترف «بن لادن» زعيم التنظيم- هجوما مفاجئا على مراكز القوة الأمريكية الاقتصادية حيث دخلت الطائرات المدنية المخطوفة فى قلب مبانى مركز التجارة العالمى، ومراكز القوة العسكرية حين هاجمت إحدى الطائرات المخطوفة مبنى «البنتاجون» رمز القوة العسكرية الأمريكية الفائقة.

وهكذا يمكن القول -بغير مبالغة- إن هذا الهجوم الإرهابى المهول والذى ترتب عليه مقتل آلاف الضحايا مثل فى الواقع نقطة انقطاع فى التاريخ العالمى لأنه لو أردنا الدقة فى التوصيف العلمى- لقلنا إنه كان بداية اشتعال الحرب الثقافية بين الغرب ممثلا أساسا فى الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها وبين المنظمات الإسلامية الإرهابية التى انتسبت زورا وبهتانا إلى الإسلام. حين وقعت الواقعة كنت فى لندن بعد أن افتتحت -بالاشتراك مع مدير جامعة كنت Kent- مؤتمر الجمعية الأوروبية للعلوم السياسية. 

وكنت فى طريقى للقيام بجولة على مكتبات لندن الزاخرة بالكتب الحديثة حين وصلتنى مكالمة تليفونية من مدير مكتب جريدة الأهرام فى لندن وقتها- الأستاذ «عاصم القرش» وأخبرنى فيها إنه حدث هجوم إرهابى على مبانى مركز التجارة العالمى. 

ولم أستوعب على الفور الدلالة الخطيرة للحدث إلا بعد أن أسرعت إلى الفندق الذى كنت أقيم فيه، وشاهدت على شاشة التليفزيون التصريحات التى أدلى بها كل من الرئيس الأمريكى «بوش» الابن، والرئيس الفرنسى «جاك شيراك»، ورئيس الوزراء الإيطالى «برلسكونى». 

وحين عدت إلى القاهرة -وكنت بصدد كتابة سلسلة مقالات عن حوار الحضارات- أوقفت هذا المشروع، وشرعت فى دراسة الدلالات الكبرى للحدث من جميع أوجهه. وقررت أنه لابد من صياغة إطار نظرى لتحليل مختلف أبعاد الحدث- وإن كنت من واقع تحليلى لمضمون تصريحات قادة الدول الغربية وفى مقدمتهم خطاب الرئيس الأمريكى «بوش» الابن أدركت على الفور أن هذا الحادث الإرهابى سيكون بداية «حرب ثقافية» كبرى بين الغرب والعالم الإسلامى. 

وتذكرت على الفور كتاب عالم السياسة الأمريكى الشهير «صمويل هنتنجتون» «صراع الحضارات» الذى أثار جدلا عالميا، لأنه قرر فيه أن الحروب المقبلة ستكون حروبا ثقافية، وخصوصا بين الغرب والحضارة الإسلامية من ناحية، وبين الغرب والحضارة الكونفشيوسية من ناحية أخرى. 

وإدراكا منى للخطورة البالغة لهذا الحادث الإرهابى قررت تأليف كتاب -صدر فعلا عام 2003 وعنوانه «الحرب الكونية الثالثة: عاصفة سبتمبر والسلام العالمى» القاهرة الطبعة الأولى عام 2003 عن دار نشر ميريت. 

ونظرا لأهمية الإطار النظرى الذى وضعته ونشرته فى صدر الكتاب وعرضه لمختلف أبعاد الحادث الإرهابى قررت أن أعرض لخطوطه العريضة فى مقالى الراهن لأنه تنبأ مبكرا للغاية بأنه يمثل فى الواقع إرهاصات الحرب الثقافية التى ستدور بين الغرب والعالم الإسلامى حتى لو وجهت الضربات العسكرية ضد التنظيمات الإرهابية الإسلامية، لأنها كان لابد لها أن تصيب أيضا المجتمعات الإسلامية كما حدث فى الغزو الأمريكى لأفغانستان والغزو الأمريكى الإجرامى للعراق. 

وقد قسمت هذا الإطار النظرى إلى ست فقرات أثرت فى كل فقرة منها مجموعة مترابطة من التساؤلات. 

ونقنع فى مقالنا بعرض التساؤلات عن «القطيعة التاريخية» التى مثلها الهجوم الإرهابى على معاقل القوة الأمريكية على أن تتابع فى المقالات المقبلة عرض باقى الأبعاد. الفقرة الأولى من الإطار النظرى الذى وضعته تمثلت فى مجموعة من التساؤلات عن الحدث الإرهابى ذاته. وقد تساءلت هل صحيح أن حدث الحادى عشر من سبتمبر 2001، كما وصف فى كثير من الكتابات، يمثل فاصلا تاريخيا بين ما قبل وما بعد؟ 

وهل هو يمثل «قطيعة تاريخية» بين عصر وعصر، وعلى غرار القطيعة المعرفية فى مجال الفكر؟ 

ألا يشير هذا التوصيف فكرة «التحقيب» periodization التى يعنى بها المؤرخون فى محاولة تحديد النقاط الفاصلة التى تفصل بين مرحلة تاريخية وأخرى. 

وما هى المعايير التى على أساسها يمكن القول بنهاية مرحلة وبداية مرحلة أخرى؟ 

هل عام 1991، الذى عادة ما يؤرخ به لنهاية عصر الحرب الباردة ونهاية النظام الثنائى القطبية، وبروز النظام الأحادى القطبية يصلح حقا لتحقيب العقد الأخير من القرن العشرين؟ 

أم أن النظام الأحادى القطبية هو استمرار- بصورة أخرى- للنظام العالمى السابق؟ 

وما مدى صحة تقديرات الخبراء من أن الولايات المتحدة تتحول فى الواقع من قوة عظمى وحيدة إلى إمبراطورية؟ 

وإذا كان هذا صحيحا فهل هناك نموذج نظرى للإمبراطورية يمكن أن يحدد اتجاهات وأبعاد السلوك الإمبراطورى؟ أم أننا لابد فى هذه الحالة أن نعتمد على المشابهة التاريخية Historical analogy للمقارنة مع إمبراطوريات سابقة فى التاريخ كما فعل بول كيندى فى كتابه «صعود وسقوط القوى العظمى»، والذى تنبأ فيه بالانهيار الحتمى للقوة الأمريكية فى العقود المقبلة؟ أسئلة تحتاج إلى تأمل. 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟