لا أدرى من أين وكيف وبماذا أبدأ؟، ففى لحظات الفراق الأليمة تعجز الكلمات عن ترجمة المشاعر أو التعبير عن حجم المصاب؟. فأنا لم أصدق حتى الآن رحيله، ويمتلك جوارحى شعورً لم أعهده من قبل، فضلاً عن شعورى بعدم القدرة على تحمل الصدمة والخوف والحزن على رحيله وأنا بعيدًا عنه. أننى متأكد حق التأكد واليقين، كما يقينى فى المولى عز وجل، بأننى لن استطيع أن أعبر بقاموسى اللغوى المحدود عما يدور فى صدرى و عما أكنه له من حب وتقدير واحترام، أو أن أوفيه قدر نذر يسير من حقه، فهو القامة والقيمة، هو العالم والمفكر، هو المبدع والعاشق، هو المستقل فى الهوى والتفكير، هو نصير الباحثين، هو القارئ المطلع النهم، هو المتابع المدقق، هو الإنسان الحنون،.
لم يسع أستاذنا أو الكاهن الأكبر الذى علمنا البحث، كما يطلق عليه المثقف المبدع النبيل نبيل عبد الفتاح، أو سلطان الباحثين، كما كتب الخلوق الدكتور عبد العليم محمد، إلى السلطة أو النفوذ فى يومً من الأيام. فما لا يعرفه أحد أنه عُرض عليه أحد المناصب فى المجال الثقافى عليه وكانت إجابته قاطعة وافية: «أنا باحث ولا أنفع أن أكون غير باحث وقارئ فقط.. أنا مش بتاع مناصب.. أشكرك». وكنت واقفًا أمامه أتعجب، وأنا أعلم، وشاهد، على كم المعاناة التى كان فيها يوميًا للحصول على ما هو جديد من أفكار ومعلومات ليقدمها على طبق من فضة لتلاميذه وقرائه. كان يكتب فى بعض الأوقات 9 مقالات أسبوعية فى جرائد مصرية وعربية، فضلا عن مساهماته فى الشأن العام من مؤتمرات وندوات علمية.
وما لا يعرفه البعض أيضًا، أن أستاذنا كان قارئًا نهمًا باحثًا صلدًا، مطلعًا يقظًا لكل ما يُكتب أو يُنشر فى الصحف والدوريات المصرية والعربية والدولية. ليس هذا فقط، لكنه كان حينما يقرأ مقالاً أو دراسة أو كتابًا جديداً يحتوى على أفكار ورؤى ذات قيمة، كان يبادر على الفور بالاتصال بأصحابها ويشد من أزرهم ويهنئهم، فهو كان دائم الاتصال بالكثير من الصحفيين والكتاب والباحثين، المغمورين من أمثالي، بل ويقوم بالإشادة بهم فى مقاله الأسبوعى بجريدة الأهرام الغراء.
لن أنسى ذك اليوم، الذى هاتفنى فيه وقال أين أنت؟ كانت الإجابة فى الحال: فى الأهرام ياريس... قال انتظرنى فلدى أخبار سعيدة، وكان صوته فرحًا كفرحة الأطفال فى لهوهم وبرائتهم، مفعما. وحينما وصل مكتبه فاجأنى بالقول: «بارك لى فقد اشتريت مقبرة.. وأوصيك أنت وعمرو ياسين، الابن الحنون، بعد مماتى بعمل مكتبة أنيقة تضعوا فيها أحدث الكتب مع إدخال wi fi لكى أقوم من سباتى أقراء الكتب الحديثة.. وأتطلع على الأفكار الجديدة.. وأتصفح الإنترنت ثم أعود مكاني.. ولن اتركه لا تخافوا أبدا.. ولن أتسبب فى إزعاج للجيران فى المقابر الأخرى.
موقف أخر، يدلل على حماسة الشباب الثورى ، كان فى ضيافة مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، مستشار الرئيس الاندونيسي، وتبادل أطراف الحديث عن ثورة 30 يونيو مع الضيف الكريم الذى لم يكن مقتنعًا بأن ما جرى هو ثورة حقيقية انتفض فيها الشعب لإرادة التغيير، فسأل الضيف ما هو مصدر معلوماتك وما هى القنوات التى تشاهدها، فحينما بادر الضيف بالقول أن أحد مصادره هو قناة الجزيرة، إذ به ينتفض بطريقة لم أعهدها عنه، وكأنه ابن العشرين عامًا، ويبادره بالقول: “هى ثورة.. وعجبانا”..
إن المشروع العملى والثقافى للعالم الجديد ممتد عبر سنوات، فهو مؤسس التقرير الاستراتيجى العربي، وهو أول من كتب بعمق عن العولمة والمواطنة، وأستطاع أن يقدم له عددا من النظريات المناهج العلمية فى التحليل الثقافى والاجتماعي، بل وأسس، وترأس عددا من المراكز العملية المرموقة، كان أخرها المركز العربى للبحوث والدراسات مع الدكتور عبد الرحيم على. وكان للأستاذ مقولات مأثورة قمنا نحن تلاميذه بتداولها فيما بيننا، ومنها “الحشود الجماهيرية” لتفسير الفعل الثورى بعد 25 يناير، و”أن هناك قضايا حلها الوحيد هو أنه لا حل لها”، وكان يطلقها عندما يحتدم النقاش والخلافات الفكرية حول القضية الفلسطينية.
إن الحديث عن المشروع العلمى للمفكر الكبير بحاجة إلى جهدا كبير، ولا يتسع المقام هنا للحديث عنه، خاصة وأن عطاءه لم يتوقف يومًا من الأيام حتى رحيله. وفى هذا الإطار أتقدم بمقترح للأستاذ الدكتور إسماعيل سراج الدين وكل القائمين على مكتبة الإسكندرية بإطلاق اسم الراحل السيد يسين على أحد مراكزها، فهو ابن الإسكندرية، وخريج جامعتها العريقة، كما أننى على يقين تام بأن القائمين على مؤسسة الأهرام، خاصة الأستاذ أحمد النجار رئيس مجلس الإدارة، والأستاذين محمد عبد الهادى رئيس تحرير الأهرام والأستاذ ضياء رشوان، قد يفعلون نفس الشئ، حيث يمكن تخليد اسم الراحل على مكتبة الدور الخامس، أو على قاعة اجتماعات مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، الذى اشرف بالانتماء إليه. فنحن بحاجة إلى تقدير العلم والعلماء، وهو ما تعلمنه من أساتذتنا الكبار فى الأهرام.
فى جنة الخلد يا أستاذ السيد... ونحن إليك مشتاقون وقادمون.
لم يسع أستاذنا أو الكاهن الأكبر الذى علمنا البحث، كما يطلق عليه المثقف المبدع النبيل نبيل عبد الفتاح، أو سلطان الباحثين، كما كتب الخلوق الدكتور عبد العليم محمد، إلى السلطة أو النفوذ فى يومً من الأيام. فما لا يعرفه أحد أنه عُرض عليه أحد المناصب فى المجال الثقافى عليه وكانت إجابته قاطعة وافية: «أنا باحث ولا أنفع أن أكون غير باحث وقارئ فقط.. أنا مش بتاع مناصب.. أشكرك». وكنت واقفًا أمامه أتعجب، وأنا أعلم، وشاهد، على كم المعاناة التى كان فيها يوميًا للحصول على ما هو جديد من أفكار ومعلومات ليقدمها على طبق من فضة لتلاميذه وقرائه. كان يكتب فى بعض الأوقات 9 مقالات أسبوعية فى جرائد مصرية وعربية، فضلا عن مساهماته فى الشأن العام من مؤتمرات وندوات علمية.
وما لا يعرفه البعض أيضًا، أن أستاذنا كان قارئًا نهمًا باحثًا صلدًا، مطلعًا يقظًا لكل ما يُكتب أو يُنشر فى الصحف والدوريات المصرية والعربية والدولية. ليس هذا فقط، لكنه كان حينما يقرأ مقالاً أو دراسة أو كتابًا جديداً يحتوى على أفكار ورؤى ذات قيمة، كان يبادر على الفور بالاتصال بأصحابها ويشد من أزرهم ويهنئهم، فهو كان دائم الاتصال بالكثير من الصحفيين والكتاب والباحثين، المغمورين من أمثالي، بل ويقوم بالإشادة بهم فى مقاله الأسبوعى بجريدة الأهرام الغراء.
لن أنسى ذك اليوم، الذى هاتفنى فيه وقال أين أنت؟ كانت الإجابة فى الحال: فى الأهرام ياريس... قال انتظرنى فلدى أخبار سعيدة، وكان صوته فرحًا كفرحة الأطفال فى لهوهم وبرائتهم، مفعما. وحينما وصل مكتبه فاجأنى بالقول: «بارك لى فقد اشتريت مقبرة.. وأوصيك أنت وعمرو ياسين، الابن الحنون، بعد مماتى بعمل مكتبة أنيقة تضعوا فيها أحدث الكتب مع إدخال wi fi لكى أقوم من سباتى أقراء الكتب الحديثة.. وأتطلع على الأفكار الجديدة.. وأتصفح الإنترنت ثم أعود مكاني.. ولن اتركه لا تخافوا أبدا.. ولن أتسبب فى إزعاج للجيران فى المقابر الأخرى.
موقف أخر، يدلل على حماسة الشباب الثورى ، كان فى ضيافة مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، مستشار الرئيس الاندونيسي، وتبادل أطراف الحديث عن ثورة 30 يونيو مع الضيف الكريم الذى لم يكن مقتنعًا بأن ما جرى هو ثورة حقيقية انتفض فيها الشعب لإرادة التغيير، فسأل الضيف ما هو مصدر معلوماتك وما هى القنوات التى تشاهدها، فحينما بادر الضيف بالقول أن أحد مصادره هو قناة الجزيرة، إذ به ينتفض بطريقة لم أعهدها عنه، وكأنه ابن العشرين عامًا، ويبادره بالقول: “هى ثورة.. وعجبانا”..
إن المشروع العملى والثقافى للعالم الجديد ممتد عبر سنوات، فهو مؤسس التقرير الاستراتيجى العربي، وهو أول من كتب بعمق عن العولمة والمواطنة، وأستطاع أن يقدم له عددا من النظريات المناهج العلمية فى التحليل الثقافى والاجتماعي، بل وأسس، وترأس عددا من المراكز العملية المرموقة، كان أخرها المركز العربى للبحوث والدراسات مع الدكتور عبد الرحيم على. وكان للأستاذ مقولات مأثورة قمنا نحن تلاميذه بتداولها فيما بيننا، ومنها “الحشود الجماهيرية” لتفسير الفعل الثورى بعد 25 يناير، و”أن هناك قضايا حلها الوحيد هو أنه لا حل لها”، وكان يطلقها عندما يحتدم النقاش والخلافات الفكرية حول القضية الفلسطينية.
إن الحديث عن المشروع العلمى للمفكر الكبير بحاجة إلى جهدا كبير، ولا يتسع المقام هنا للحديث عنه، خاصة وأن عطاءه لم يتوقف يومًا من الأيام حتى رحيله. وفى هذا الإطار أتقدم بمقترح للأستاذ الدكتور إسماعيل سراج الدين وكل القائمين على مكتبة الإسكندرية بإطلاق اسم الراحل السيد يسين على أحد مراكزها، فهو ابن الإسكندرية، وخريج جامعتها العريقة، كما أننى على يقين تام بأن القائمين على مؤسسة الأهرام، خاصة الأستاذ أحمد النجار رئيس مجلس الإدارة، والأستاذين محمد عبد الهادى رئيس تحرير الأهرام والأستاذ ضياء رشوان، قد يفعلون نفس الشئ، حيث يمكن تخليد اسم الراحل على مكتبة الدور الخامس، أو على قاعة اجتماعات مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، الذى اشرف بالانتماء إليه. فنحن بحاجة إلى تقدير العلم والعلماء، وهو ما تعلمنه من أساتذتنا الكبار فى الأهرام.
فى جنة الخلد يا أستاذ السيد... ونحن إليك مشتاقون وقادمون.