الإخفاق المتوقع: لماذا لم تستمر الهدنة بين الدولة الأفغانية وطالبان؟
أعلن
الرئيس الأفغاني أشرف غني عن هدنة مؤقتة من جانب واحد مع حركة طالبان، بمناسبة عيد
الفطر في الفترة من 11 إلى 19 يونيو 2018، تبعها إعلان للحركة بوقف مفاجئ لإطلاق
النار على مدار أيام العيد الثلاثة، واستثنت من ذلك القوات الأجنبية الموجودة
بالبلاد.
ثم قامت الحكومة الأفغانية من جانبها بمد الهدنة، وناشدت
التنظيم أن يقوم بمثل هذا الإجراء، ولكنه رفض فكرة التمديد، وعاد إلى عملياته ضد
القوات الأفغانية مرة أخرى، وشن هجمات في إقليمي هلمند وقندهار في 17 يونيو 2018، ويأتي
هذا التقرير ليوضح طبيعة الأوضاع القائمة بين الدولة الأفغانية والحركة، وكيف آلت
بهم إلى اتفاق الهدنة، وردود الأفعال الدولية تجاه الموقف القائم، وما هو مستقبل
العلاقة بينهما في إطار ما وصلت إليه الظروف.
من
هي طالبان أفغانستان؟
صعدت حركة طالبان إلى السطح مع بدايات التسعينيات من
القرن العشرين في شمال باكستان، في أعقاب الانسحاب السوفيتي من أفغانستان، ولاقت
شهرة واسعة في أفغانستان عام 1994، وأعلنت أنها تسعى من خلال العمل في باكستان
وافغانستان إلى تطبيق الشريعة ونشر الأمن والاستقرار، واستطاع التنظيم الوصول
للسلطة في كابل بين عامي 1996 إلى 2001.
برز دور الحركة في أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر 2001
على مركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك الأمريكية؛ حيث تم اتهام الحركة بتوفير
ملاذاً أمناً لزعيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وعلى إثر ذلك أطاح التحالف
الدولي - الذي تزعمته الولايات المتحدة في أفغانستان – بطالبان من السلطة، ولاذ
العديد من قيادتها بالفرار إلي باكستان، ومنذ ذلك الحين بدأت الحركة في توسيع نطاق
نفوذها بالبلاد مستخدمة العنف والقتال ضد القوات الحكومية الأفغانية والقوات
الأجنبية المتواجدة في أراضيها.(1)
الوضع
الراهن
قامت الحركة مؤخراً بعدة جولات من المفاوضات مع الحكومة
الأفغانية والباكستانية، بهدف التوصل لحلول من أجل استقرار الأوضاع في أفغانستان،
التي تُعاني من العنف والنزاع منذ 17 عاماً، وتوقع البعض في البداية أن مثل هذه المحادثات
لن تأتي بأي نتائج تُذكر خاصة بعد وفاة الملا عمر، باعتبار أن ذلك سيزيد من
الانقسامات داخلها، والتي سيستغلها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على صعيد أخر، بالنظر
إلى انشقاق عدد من مقاتلي طالبان للانضمام لداعش.
ومن الجدير بالذكر، أن حركة طالبان لم تعرف الانشقاقات
الداخلية على مدار تاريخها، ربما يرجع ذلك إلى قوة خلفيتها الفكرية، والتي تنطلق
من الإيمان بوجوب الخضوع لأمير التنظيم وعدم مخالفة أوامره، وتُعد أول أشكال
الخلافات التي ظهرت، هي تلك المتعلقة بانقسام أعضائها إلى فريقين حول التعامل مع
المجاهدين العرب الذين يعادون الغرب، ففريق يرى ضرورة احتضانهم وهو الفريق الذي
تزعمه الملا عمر، وفريق أخر رفض ذلك ونادى بإبعادهم عن الساحة الأفغانية.(2)
بعد الإعلان عن وفاة الملا عمر في يوليو 2015 برز
الانقسام بشكل أوضح داخل الحركة، ولم يقتصر ذلك على حركة طالبان فقط وإنما امتد
الأمر إلى مختلف الحركات الجهادية الأخرى، وصاحب ذلك تزايد نشاط تنظيم داعش في
أفغانستان، رغم العداء الشديد بين التنظيمين، وكانت هناك محادثات بين الحركة
والحكومة الأفغانية تهدف للتوصل إلى تسوية قبل وفاة الملا عمر، ولكن سرعان ما
توقفت عقب الإعلان عن موته وعادت العمليات الانتحارية والتفجيرات من قبل التنظيم
مرة أخرى.(3)
اتفاق
الهدنة
في
أواخر فبراير 2018، أبدى الرئيس الأفغاني أشرف غني رغبته في بدء محادثات سلام مع
حركة طالبان، وعرض عليهم الاعتراف بالتنظيم كحزب سياسي شرعي، فضلاً عن وقف إطلاق
النار وإطلاق سراح السجناء كجزء من مجموعة الخيارات المطروحة، والتي منها أيضاً عقد
انتخابات جديدة ومراجعة الدستور، وقال "إننا نقدم هذا العرض بدون شروط مسبقة
من أجل التوصل إلى اتفاق سلام"، ويعتبر الكثيرون أن مثل تلك التصريحات تُعد تحولاً
في رؤيته للحركة وأعضائها الذين وصفهم بالإرهابيين والمتمردين. وعلى صعيد التنظيم،
فقد عرض الموافقة على بدء المفاوضات مع واشنطن، ولكنها رفضت التفاوض المباشر مع
الحكومة الأفغانية.(4)
وأكد
القائد العام للقوات الأمريكية والأطلسية في أفغانستان "جون نيكولسون"
في 30 مايو 2018 أن قيادات من طالبان تجري محاورات بشكل سري مع مسئولين أفغان بهدف
الوصول لاتفاق حول وقف إطلاق النار، وأشار إلى وجود العديد من الجهود الدبلوماسية
التي تتم في الكواليس بهدف دعم ذلك الأمر.(5)
وفي
السياق ذاته، أعلن الرئيس الأفغاني الخميس 7 يونيو 2018 وقف مؤقت لإطلاق النار
أحادي الجانب مع الحركة بمناسبة عيد الفطر، واستثنى من ذلك الإجراء تنظيم داعش،
وكان قرار الرئيس الأفغاني بناء على فتوى من مجلس العلماء الأفغان الذين أوصوا
بوقف إطلاق النار مع طالبان، وأصدروا فتوى تُحرم التفجيرات الإرهابية، وبناء على
ذلك أعلن الناطق باسم طالبان ذبيح الله مجاهد أنه سيتحقق من هذا الإعلان مع قيادات
التنظيم.(6)
ثم أعلنت الحركة لاحقاً وقف إطلاق النار مع القوات
الأفغانية لمدة ثلاثة أيام خلال عيد الفطر، واستثنت من ذلك القوات الأجنبية
الموجودة على الأراضي الأفغانية، وكان هذا الإعلان بعد يومين من إعلان الرئيس أشرف
غني الهدنة الأحادية الجانب، وعلى إثر ذلك الحدث رحب محمد هارون شاخانصوري المتحدث
باسم الرئيس غني بتلك الخطوة، أملاً بأن تلتزم بتطبيق الأمر، وأعلن "أن
الحكومة الأفغانية ستتخذ كل الخطوات اللازمة للامتناع عن سفك الدماء، وتأمل بأن
تصبح هذه العملية طويلة الأمد وتؤدي إلى سلام دائم".(7)
تطورات
داخلية
عم البلاد خلال عيد الفطر أجواء احتفالية واسعة، بسبب
تلك الخطوة التي هي الأولى من نوعها منذ الاجتياح الأمريكي لأفغانستان عام 2001، وسرعان
ما تبدلت الأحوال عندما أعلن التنظيم إنهاء مصالحة العيد، وأنه لا توجد أي نوايا
لدى الحركة لاستمرار الهدنة، برغم إعلان الحكومة الأفغانية على الجانب الأخر تمديد
وقف إطلاق النار من جانبها، وقيامها بدعوة الحركة لاتخاذ إجراء مُماثل.
على صعيد أخر، تم استهداف تلك الهدنة من قبل تنظيم داعش،
الذي قام بتفجيرين انتحاريين خلف عشرات القتلى والجرحى؛ فتم استهداف احتفالية
بالهدنة والعيد بين الطرفين في مدينة جلال آباد الأفغانية، وبرغم من ذلك اعتبرت
الأطراف الدولية كالاتحاد الأوروبي والخارجية الأمريكية الهدنة بأنها إنجاز تاريخي.(8)
الدور
الأمريكي
الحديث عن الصراع بين الدولة الأفغانية وحركة طالبان لا
ينفصل عن توازنات القوة الدولية والإقليمية
ودورها في النزاع، وتأتي الولايات المتحدة باعتباره الطرف الأقوى والمؤثر
في المعادلة بين الجانبين، فتاريخياً، تراوحت الآراء حول السياسة الخارجية
الأمريكية تجاه أفغانستان فيما بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، ما بين من يؤيد النهج
العسكري الذي اتبعه الجمهوريين، وبين من يرفضه انطلاقاً من عدم قوة حجة القيام
بحرب على بلد لكون بعض أطرافه قاموا بهجمات على الولايات المتحدة.
ومع التطورات اللاحقة، انبثق في الداخل الأمريكي تياران
حول طريقة التعامل الواجبة مع الحرب في أفغانستان، أولها يُنادي بسحب القوات
الأمريكية منها، وثانيها طالب ببقاء القوات الأمريكية فيها، لارتباطها بقضايا
الأمن القومي الأمريكي كالملف النووي الإيراني والكوري ومواجهة الإرهاب والصراع
على الطاقة في آسيا الوسطى.(9)
ومع مجيء الرئيس ترامب طرح استراتيجية جديدة في
أفغانستان، عمادها فكرة البقاء وعدم الانسحاب، وإرسال تعزيزات عسكرية إليها، وحملت
تلك الاستراتيجية انقلاباً على مضمون رؤيته منذ أن كان مرشحاً، والتي دعا فيها إلى
الانسحاب من أجل منع إراقة المزيد من الدماء الأمريكية. وانتقد ترامب على صعيد أخر
باكستان، واتهم اياها بأنها تؤوي مسلحي طالبان.
وترك الرئيس الأمريكي الباب مفتوحاً حول إمكانية بدء
حوار مع أعضاء التنظيم، فذهب إلى أنه ربما يأتي وقتاً ويكون الحل السياسي الذي يضم
طالبان هو المسار، وهو ما تم تأكيده على لسان وزير الخارجية الأمريكي الأسبق "ريكس
تيلرسون"، والذي أشار إلى استعداد واشنطن لدعم محادثات السلام بين الحكومة
الأفغانية وطالبان.(10)
وفور إعلان الهدنة رحبت بها الولايات المتحدة، وقال وزير
الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" أن بلاده مُستعدة للعمل مع الحكومة
الأفغانية وطالبان من أجل التوصل لاتفاق سلمي وتسوية تُنهي حالة الحرب المستمرة في
البلد(11)، من جانبها أشارت نائبة مساعد وزير الخارجية الأمريكي "أليس
ويلز" إن روسيا وإيران يلعبان دوراً هاماً في عملية التسوية، وذكرت أن هناك
تقارير تُفيد بأن بعض الدول تدعم طالبان تحت مسمى محاربة الإرهاب، ولم توضح
أسمائها.(12)
ردود
الفعل الدولية والإقليمية
تعددت ردود أفعال مختلف الأطراف إزاء التوصل لاتفاق
الهدنة ثم تجاه قرار طالبان بعدم التمديد، وكان من أبرزها ما قام به الاتحاد
الأوروبي وحلف الناتو من الترحيب بوقف إطلاق النار، الذي وصفوه بالتاريخي، كما
أشادا بقرار المد وحثا طالبان على اتخاذ نفس الخطوة.
وذكرت
وزارة الخارجية في أوزبكستان استعداد بلادها لتوفير ساحة لعقد محادثات مباشرة بين
الطرفين، وأعربت عن تمنياتها أن تكون تلك الخطوة حافزاً على إنهاء الحرب والوصول
لتسوية.(13) وقامت السعودية على جانب أخر عبر بيان ملكي بالتعبير عن أملها في مد
فترة الهدنة بين الجانبين، وعبر بعض المحللين بأن مثل تلك الخطوة من جانب المملكة
تهدف لمواجهة سعي الأطراف الإقليمية وبالتحديد إيران وقطر لإنهاء الهدنة.(14)
كما أدانت منظمة التعاون الإسلامي من جانبها انتهاكات
وقف إطلاق النار، والهجوم الذي وقع في ولاية نينغارها وأسفر عن سقوط أكثر من 50
قتيلاً، ونادت جميع الأطراف الفعالة في الأزمة الأفغانية بمواصلة الجهود للسير قدماً
في مسار عملية السلام.(15)
وختاماً، يمكن القول أن أي تسوية للصراع الأفغاني الممتد منذ 2001 إنما يعتمد بشكل أساسي على رغبة الأطراف الدولية الفاعلة في إنهاء الموضوع من عدمه، ولاسيما الولايات المتحدة، ويتضح دور الفواعل الأجنبية بشكل أكبر بالنظر إلى المعلومات الواردة حول الاتهامات المتبادلة بين واشنطن وموسكو فيما يتعلق بتمويل الجماعات الإرهابية، فتري الإدارة الأمريكية أن روسيا تُمول طالبان، وتُشير موسكو بأن واشنطن تدعم داعش في آسيا الوسطى والجمهوريات السوفيتية السابق، وهو ما نستطيع أن نفهم في إطاره تصريحات مسئولي طالبان، الذين يُبدون رغبتهم للجلوس على طاولة المفاوضات مع واشنطن، وليس مع الحكومة الأفغانية.
المراجع
1 – نبذة عن حركة طالبان،
موقع بي بي سي عربي، 16 ديسمبر 2014، على الرابط:
http://www.bbc.com/arabic/worldnews/2014/12/141216_taliban_profile
2 – ميرفت عوض، حركة
طالبان من التأسيس إلى الحرب والمفاوضات، ساسة بوست، 4 أغسطس 2015.
3 – بختيار أحمد صالح، حركة
طالبان بعد ملا عمر تواجه الانقسامات، موقع المركز الأوروبي لدراسة مكافحة الارهاب
والاستخبارات، 27 سبتمبر 2015، على الرابط: europarabct.com/حركة-طالبان-بعد-ملا-عمر-تواجه-الانقسامeuroparabct.com/حركة-طالبان-بعد-ملا-عمر-تواجه-الانقسام
4- الرئيس الأفغاني يعرض عقد
محادثات مع طالبان "بدون شروط مسبقة"، موقع البي بي سي عربي، 28 فبراير
2018، على الرابط: http://www.bbc.com/arabic/world-43226657
5 - قائد القوات الأمريكية
بأفغانستان: طالبان تجرى مفاوضات سرية لوقف إطلاق النار، اليوم السابع، 30 مايو 2018،
على الرابط: youm7.com/story/2018/5/30/قائد-القوات-الأمريكية-بأفغانستان-طالبان-تجرى-مفاوضات-سرية-لوقف-إطلاق/3814919
6 – الرئيس الأفغاني يعلن
هدنة مع طالبان، موقع صحيفة الجزيرة السعودية، 8 يونيو 2018، على الرابط: http://www.al-jazirah.com/2018/20180608/du8.htm
7 – إعلان طالبان هدنة
العيد يثير آمالاً بالسلام، موقع جريدة الحياة اللندنية، 10 يونيو 2018، على
الرابط: alhayat.com/article/4585868/سياسة/العالم/علان-طالبان-هدنة-العيد-يثير-آمالا-بالسلام
8 – محمد عبد الله، هدنة
أفغانستان: إنجاز تاريخي رغم دماء جلال أباد، موقع شبكة رؤية الإخبارية، 18 يونيو
2018، على الرابط: http://www.roayahnews.com/articles/2018/6/18/5440/index.html
9 – نادية فاضل عباس فضلي،
السياسة الخارجية الأمريكية تجاه افغانستان، مركز الدراسات الدولية، جامعة بغداد، pdf، على الرابط: https://www.iasj.net/iasj?func=fulltext&aId=60664
10 - ياسين بوتيتي،
استراتيجية ترامب في أفغانستان: زيادة عدد الجنود ومحاورة طالبان، روسيا اليوم، 22
أغسطس 2017، على الرابط: arabic.rt.com/world/895019-ترامب-يكشف-عن-إستراتيجية-الجديدة-في-أفغانسان/
11 - واشنطن وبروكسل ترحبان
بمبادرة كابل بشأن تمديد الهدنة مع "طالبان"، روسيا اليوم، 16 يونيو
2018، على الرابط: arabic.rt.com/world/950896-واشنطن-وبروكسل-ترحبان-بمبادرة-كابل-تمديد-الهدنة-طالبان
12 - واشنطن: لروسيا وإيران
دور هام في إعادة الاستقرار إلى أفغانستان، روسيا اليوم، 20 يونيو 2018، على
الرابط: arabic.rt.com/world/951776-واشنطن-لروسيا-وإيران-دور-هام-إعادة-الاستقرار-أفغانستان/
13 - أوزبكستان توفر ساحة لمفاوضات مباشرة بين كابل و«طالبان»،
بوابة فيتو، 18 يونيو 2018، على الرابط: http://www.vetogate.com/3215874
14 – نوف العنزي، تفاصيل المبادرة
السعودية لوقف نزيف الدماء وتفكيك خريطة التآمر في أفغانستان، صحيفة عاجل
الإلكترونية، 21 يونيو 2018، على الرابط: https://ajel.sa/local/2158646
15 - «التعاون الإسلامي» تندد بانتهاكات وقف إطلاق النار في أفغانستان، جريدة الحياة اللندنية، 21 يونيو 2018، على الرابط: alhayat.com/article/4587897/سياسة/الخليج/التعاون-السلامي-تندد-بانتهاكات-وقف-طلاق-النار-في-أفغانستان